وتثاءب التاريخ يفتح سفره ومضى يسائل حائراً يستنطق لمن الطاغوت وهو ممزق؟ ولمن أكف الثائرين تصفق فأجابه أيار:انظر فتيتي اولست تسمع صوتهم يتدفق نحن اشترينا عيدنا بدمائنا فلواؤنا الخفاق احمر ينطق ليس هناك أفضل من هذه الكلمات من قصيدة " قصة أول أيار" للشاعر الفلسطينى راشد حسين الملقب بيوليسيز الفلسطينى ، لتعبر عن العمال في عيدهم ، هؤلاء الذين انتزعوا حقوقهم و ذرفوا من أجلها الدماء ليحصل كل عامل على أجر عادل و تحديد عدد ساعات العمل و تحسين ظروف العمل . و بالشعر نحتفي بالعمال و الكادحين في عيدهم ، فقد تغنى من أجلهم شعراء العالم كجبران خليل جبران وناظم حكمت، وبيرم التونسى و سميح القاسم ، وأمل دنقل وعبدالوهاب البياتي وبابلو نيرودا ولوركا وغيرهم من شعراء العالم الكبار . بابلو نيرودا صدر أمر باعتقاله بسبب مهاجمته للحكومة دفاعاً عن عمال المناجم، فهرب من البلاد في الرابع والعشرين من فبراير عام 1949 ، وبعد ثلاث سنوات ألغي قرار اعتقاله، ثم عاد إلى وطنه وبدفاعه عن العمال المضطهدين في جميع أنحاء العالم أصبح شاعرا امميا ، فكتب لانتصارات الطبقة العاملة وبشر بحياة هنيئة والخلاص التام من الاستغلال والاحتكارات وعمل لحلها حياته كلها . و نقرأ من شعره : أنا لا أكتب لتحتويني الكتب لكنني أكتب للبسطاء الذين يطلبون ماءً وقمراً أنا أكتب للشعب على الرغم من أنه لايستطيع أن يقرأ شعري بعيونه الهلكى ولكن لابد أن تأتي اللحظة التي فيها أسماعه عندئذ سيرفع الفلاح الساذج عينيه وسيبتسم عامل المنجم وهو يكسر الأحجار وربما قالوا جميعاً ( لقد كان رفيقاً لنا ) هذا يكفيني انه التاج الذي اشتهي . ولشاعر التركى الكبير ناظم حكمت واحدا من أبرز شعراء العالم الذين ناضلوا من أجل حرية الإنسان وكرامته. فقد تنقّل من سجن إلى سجن، ومن منفى إلى منفى، في سبيل ما آمن به . نقرأ من قصيدته "جيش الجائعين يسير": جيش الجائعين يسير يسير من أجل أن يشبع خبزًا من أجل أن يشبع لحمًا من أجل أن يشبع كتبًا من أجل أن يشبع حرية. و الشاعر الفلسطينى سميح القاسم نقرأ من قصيدته "يا عدو الشمس"، يقول: ربما أفقد - ما شئت - معاشي ربما أعرض للبيع ثيابي وفراشي ربما أعمل حجارًا، وعتالًا، وكناس شوارع ربما أبحث، في روث المواشي، عن حبوب ربما أخْمَدُ عريانا، وجائع يا عدو الشمس، لكن لن أساوم وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم و رفع جبران خليل جبران شعار "أحب العاملين " قائلا : أحب الذي يشتغل بفكره فيبتدع من التراب صورا حية جميلة نافعة، و أحب ذلك الذي يجد في حديقة ورثها عن أبيه شجرة تفاح واحدة، فيغرس إلى جانبها شجرة ثانية، و ذلك الذي يشتري كرمة تثمر قنطارا من العنب، فيعطف عليها و يدللها لتعطي قنطارين، و أحب الرجل الذي يتناول الأخشاب المهملة، فيصنع منها مهدا للأطفال، أو قيثارة للأنغام، و الرجل الذي يقيم الصخور التماثيل و المنازل و الهياكل. أحب الذي يحول الطين إلى آنية زيت، أحب الذي يحوك من القطن قميصا و من الصوف جبة و من الحرير رداءا. و أحب الحداد الذي ما أنزل مطرقته على سندانه إلا انزل معها قطرة من عرقه، و أحب الخياط الذي يخيط الأثواب بأسلاك مشتبكة بأسلاك من نور عينيه، و أحب النجار الذي لا يدق المسمار إلا إذا دفن معه شيئا من عزيمته. و في قلبي حب عميق للراعي الذي يقود قطيعه كل صباح إلى المروج الخضراء، و يورده المناهل الصافية، و يناجيه بشبابته النهار بطوله. أحب من الناس العامل لأنه يجدد أيامنا و ليالينا، و أحبه لأنه يطعمنا، أحبه لأنه يغزل و يحوك لنلبس الأثواب الجديدة، أحبه لأنه يبني المنازل العالية، و أحب ابتسامته الحلوة، و أحب نظرة الاستقلال و الحرية في عينيه. و ماذا عساي أن أقول في من يكره العمل لخمول في جسده و روحه، و في من يأبى العمل لأنه يغني عن الربح، و في من يحتقر العمل متوهما انه أشرف من ان يلوث يديه بالتراب؟ ماذا عساي أقول في الذين يجلسون إلى مائدة الطعام، و لا يضعون عليها رغيفا من خبز جهادهم؟ ماذا أقول في الذين يحصدون من حيث لا يزرعون؟ لا أستطيع أن أقول كلمة في هؤلاء أكثر أو أقل مما أقول في النبات و الحشرات الطفيلية التي تستمد حياتها من عصير النبت العامل و دماء الحيوان. و أهدى بيرم التونسى "العامل المصري " هذه القصيدة : ليه أمشي حافي، ونا منبت مراكيبكم ليه فرشي عريان، ونا منجد مراتبكم ليه بيتي، خربان ونا نجار دواليبكم هي كده قسمتي؟ الله يحاسبكم ساكنين علالي العتب، ونا اللي بانيها فارشين مفارش قصب، ناسج حواشيها قانيين سواقي دهب، ونا اللي ادور فيها يا رب ما هوش حسد لكن بعاتبكم من الصباح للمسا، والمطرقة ف إيدي صابر على دى الأسا، حتى نهار عيدي ابن السبيل انكسى، واسحب هرابيدي تتعروا من مشيتي و اخجل أخاطبكم ليه تهدموني ونا اللي عزكم باني أنا اللي فوق جسمكم قطني وكتاني عيلتي في يوم دفنتي ما لقيتش أكفاني حتى الأسيه، ونا راحل وسايبكم و الشاعر الفلسطينى توفيق زيّاد أحب الطبقات المسحوقة وتعاطف معها ودافع عنها، ولذلك فقد غنّى للعمّال والفلاحين ورأى فيهم قامات شامخة تُناضل من أجل حريّتها. قال في إحدى قصائده: يا إخوتي العمال أحبّكم جميعًا أحبُّ كل قبضةٍ مهزوزةٍ في أوجه الأنذال وكل جبهةٍ شامخة في ساحة النضال وكل كلمة جريئة... تُقال و نقرأ من قصيدة "أخى أيار" للشاعر الفلسطينى منيب مخول : يا كف أيار امسح جرح آذار في شرعة الغاب واطفي النار بالنار العامل الحر والفلاح زانهما اكليل شاش ضماداً ليس بالغار في حين يقول الشاعر الفلسطيني خليل توما، في قصيدة "عمال أول أيار" : أيار يهتف من هنا عبروا تعانقهم حبال المشنقة طبعوا على وجه الطغاة نعالهم وخطى الشموس الواثقة وبموتهم شقوا طريق الانتصار ويشب في اعماقنا شوق ويجرفنا فنذكرهم وعلى سواعدنا سيكتمل النهار ونزوح نصعد في دروب الشمس نهتف في المحطات التي حملت نزيف جراحهم ونظل نذكر لحمهم ملء الشوارع تحت أقدام الخيول و نقرأ في قصيدة "تناقضات ما بين الموت والميلاد " للشاعر التركمانى عبد اللطيف بندرأوغلو : سقى الحداد الحديد المتقد بالماء فتحول الحديد فولاذاً سَقى البستانيّ الأرضَ فاخضرّت ِ الأشجار سقت الأم رضيعها حليباً كبرَ الرضيعُ من أجل تحقيق الهدف مرت الأعوام شاخَ الحدادُ يبست الأشجار شبَّ الرضيعُ وتبدّلَ العالم إنتشرَ الظلم وأُغتصبت الأراضي عنوةً مرّت الأيامُ قامت الحروب ظلّت عينا الأم ترتقبان الطريق في إنتظار ‘بنها الدي لم يأت من فولاذ الحداد صُنِعَ القيدُ ومن خشب الشجر اليابس نُصِبَت المشنقة وإمتدَّ حبٌ وعُلّق شاب عبْرَ التاريخ وفي سبيل الحرية عُلِقت جورأً ملايين الشباب فوقَ الأرض – الأمُ سقطت قطرات العرَقْ الندية بالتراب وعليها أيضاً حلّت التناقضات الكائنة ما بينَ الموت والميلاد مرة أخرى بقيت التناقضات الكائنة بينَ الموت والميلاد في فولاذ الحداد وشجرة البستاني وحليب الأم تحكي نضارة العالم وبشاعته للأجيال القادمة