جويدة: تنبأ لي الناظر في المرحلة الإعدادية أنني سأصبح شاعراً فخور بأني وصلت للناس بالكلمة وليس على جناح أغنية الشباب نجحوا فيما فشل فيه جيلنا والمستقبل لهم السياسة مستنقع اربأ على الدين أن يخوض به أكد الشاعر الكبير فاروق جويدة أن الشعر سيظل هو ديوان العرب، رافضاً ما يتردد بأن الرواية أحلت محله، قائلاً في تصريحات خاصة ل"محيط" أن الشعر هو الفن الأقدم، والرواية وليدة العصر الحديث، فالشعر فن عربي أصيل، بينما الرواية وافدة، مشيراً إلى أن "الرواية أصبح ديوان العرب" هي أحكام نقدية يطلقها بعض النقاد لكنه أمر غير حقيقي، فالشعر يؤثر إلى الآن في الإنسان العربي، مؤكداً أن مملكة الشعر ستبقى ولا تزال هي الأصل، ومن حق الرواية أن تكون موجودة وتأخذ دورها، مشيراً إلى أنه بعد فوز نجيب محفوظ يجائزة نوبل للرواية، تصور البعض أن هذا تكريماًً للرواية وإقصاء للشعر، وهذا غير صحيح فهناك شعراء يستحقونها، كما أن الشاعر طاغور حصل على الجائزة أيضاً. وعن رأيه في قصيدة النثر قال ل"محيط"، أنها محطة لم يتم تقييمها بعد، ولم تصل لعلاقة متأصلة مع الجمهور، ولم تحظى بقبول من الشعب العربي. مضيفاً: هي محاولة لم أكتبها، لأنني أنتمي للشعر العربي بثوابته، وقصيدة النثر لم تغرني على أي مستوى. جاء هذا خلال أمسية غلب عليها المحبة والصفاء، حيث استضافت قاعة مؤتمرات جامعة القاهرة مساء أمس الأربعاء، الكاتب والشاعر فاروق جويدة، في حضور الدكتور جابر نصار، رئيس الجامعة. وبكلمته أمام القاعة التي امتلأت بالحضور، قال الشاعر الكبير ضعفي شديد أمام جامعة القاهرة، أشعر أنني عدت طالبا من جديد في نفس العمر، تجاوزت الشعر الأبيض وسنوات العمر، ووجدت نفسي أجلس بين صفوفكم استعيد أحلاما عشتها في هذه الجامعة، استعيد جزءا عزيزا من عمري، قائلاً للشباب الحاضرين: من حاول وصل ومن أراد استطاع، وكل إنسان قادر على أن يصنع مستقبله كما يحب وكما يريد. وأضاف مخاطباً الشباب: لا تجعلوا الواقع يحول بينكم وبين أحلامكم، افرضوا الأحلام على الواقع، في هذه القاعة جلسنا ثلاثة أيام محاصرين من الأمن المركزي بعد نكسة 1967، لذلك لا تتخلوا عن حلمكم أمام أي قوة، لأن الحق قادر على أن يفرض نفسه في كل زمان ومكان. وواصل في كلمته للشباب: عليكم التأكد أن مصر حق كامل لكم، فهذا المجتمع من حق شبابه، لا أحد يقف ضد حركة الزمن والتاريخ، عشنا أيضا ظروفا صعبة بعد نكسة 67، لكنني ظللت على موقفي لا أنتمي لشئ إلا لهذا الوطن، كن نفسك ولا تجعل نفسك تحت وصاية فكرية من أي أحد، قد يواجهكم ظروف صعبة، لكن مصر تضع الآن قدميها على بداية الطريق للحاق بركب التقدم. وأضاف جويدة: ثورة 25 يناير ثورة شباب، لا يمكن أن اشكك في دماء شباب برئ طاهر خرج رافضا الظلم، هذا الشباب هو من صنع الثورة، ثم جاءت ثورة 30 يونيو لتصحيح ما حدث من تجاوزات في ثورة يناير، كل هذا يلقي على الشباب عبئا، أنتم من تصنعون المسقبل، من تصنعون شارع أكثر إيمانا بهذا البلد، وقضاء حقيقي، واعلام ليس مهترئا مثل الان، المناخ مهيئ لكم ووسائل الظهور أكثر، وألوم على الشباب حالة السلبية التي يعيشونها، فقد قاموا بثورة عظيمة، ونجحتم فيما فشلنا به، فقد خرجنا بعد النسكة بعام في مظاهرات ولم نفعل شيئا وفشلت تجربتنا، لكنكم استطعتم إسقاط نظام سياسي راسخ، وجماعة دينية افسدت الدين والسياسة معاً، فحافظوا على استقلاليتكم في الفكر ، لأنكم صناع المستقبل، كل الوجوه ستغرب إلا الشباب. وعن بدايته الشعرية يقول جويدة: بدأت في الصف الإعدادي، حين أقامت مدرستي حفل وداع لأحد مدرسي التاريخ المنقول حديثاً إلى الصعيد، واختارتني المدرسة لألقي كلمة في حفل الوداع، حكيت لوالدي الازهري المثقف واختار لي قصيدة لأحفظها وهي "نونية" ابن زيدون، التي يقول مطلعها: أضْحَى التّنائي بَديلاً عنْ تَدانِينَا، وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا ثم غلبتني الدموع وأنا ألقي القصيدة وبكى الناظر والجميع، وتحول حفل الوداع إلى "مناحة"، وحينها تنبأ لي الناظر أنني سأصبح شاعرا، وأطلق عليَ أصدقائي منذ ذلك الحين "فاروق الشاعر"، وكانت تلك هي نقطة البداية، ولفت إلى أن كتاب "المنتخب من الأدب العربي" الذي وضعه طه حسين وأحمد أمين، ساعده كثيراً، واقترح جويدة أن يصبح هذا الكتاب معاوناً للطلبة في المرحلة الثانوية، قائلاً: مكثت سنوات في صحبة هذا الكتاب، ومن يرد حب اللغة العربية والتفوق بها يقتني هذا الكتاب، مطالباً وزارة التربية والتعليم بطبعه من جديد، وعلى إثره أعلن رئيس الجامعة د.جابر نصار توزيع الكتاب على طلبة كلية الآداب قسم اللغة العربية، وطلبة كلية دار العلوم مجانا، كما أعلن رئيس الجامعة عن قرب الانتهاء من دار نشر خاصة بالجامعة، تستطيع حينها الجامعة أن تنشر لشعرائها ومواهبها الفنية. وحول قدرته على التوفيق بين الشعر والصحافة، قال جويدة أن الشعر فن يحتاج إلى خطاب دائم مع الذات، أما الصحافة فمن طبيعتها الاصطدام مع السلطة، فالصحافة يمكن أن تحاسب بشدة اكثر من الشعر. بدأت شاعرا بالطبع، لكن الشعر والصحافة خدموني، فعملي كصحفي مكني أن أجد المكان الذي يحتضن شعري، والصحافة هي "الفاترينة" التي نعرض فيها أشعارنا وارائنا، كنت اتمنى أن أعطي للشعر وقت أطول، لكن في كل الحالات حاولت أن أوازن بين حرفتي وهي الشعر، ووظيفتي الصحافة التي أعيش منها. كشف جويدة عن مسرحية شعرية جديدة له بعنوان "هولاكو" تتحدث عن دخول التتار بغداد، وما أشبه الليلة بالبارحة، وعن الدين أكد جويدة أنه علاقة بين الإنسان وخالقه، مشيراً إلى أن له قصائد دينية كثيرة، قائلاً: الدين له قدسيته، واربأ بأي لإنسان أن يقحم الدين بالسياسة التي هي مستنقع، فالتحدث باسم الله من منظور سياسي أمر خاطئ. وعن قصائده المغناة، قال الشاعر الكبير فاروق جويدة أنه كان يحلم أن تغني له أم كلثوم، هذا مجد كما يقول لأنها غنت الشعر كما لم يغنى من قبل، لكن الله عوضني - يواصل - بالمسرح فقد قدم مسرحياتي الشعرية ممثلون عظام، كان لي تجربة غنائية مع كاظم الساهر، وسمية قيصر، لكنني فخور بأنني وصلت للناس بكتابي وعن طريق الكلمة، ولم أصل إليهم على جناح أغنية. قال رئيس الجامعة د.جابر نصار في كلمته المرحبة بالشاعر فاروق جويدة، أنتظر الأمسية بشغف، فجويدة شاعر تتعدد مواهبه حين يكتب وحين ينظم الشعر، وكلماته تسري بين أوصالنا، من منا لم يؤلمه شعر فاروق جويدة حين تحدث عن مواجع الوطن والمواطن، من منا لم يعش نسمات الحب الجميل حين يقرأ ترنيمات شعره في الحب والشعر والهوى. من جانبه دعا الشاعر وأستاذ القانون محمود السقا إلى مبايعة جويدة أميراً لشعراء هذا العصر، قائلاً: في حضرة جويدة تتغير القاعدة القانونية "العقد شريعة المتعاقدين"، إلى "الحب شريعة المحبين"، كما ألقى أحد طلاب الجامعة شعراً في فاروق جويدة، وأهدى له "زهرة" تعبيراً ع حبه وتقديره له. يذكر أن الجامعة ومقدم الندوة لم يسمحوا بمداخلات الحضور، إلا عبر أسئلة مكتوبة واستبعدوا الأسئلة السياسية، ليتحول اللقاء إلى استعراض ما هو معروف عن الشاعر الكبير دون التطرق للوضع السياسي لمصر. ويبقى الشعر.. حفلت الأمسية بأشعار كثيرة ألقاها فاروق جويدة بصوته، لتصبح الأمسية "مهرجاناً للحب" في حضرة الشاعر الكبير، حيث قرأ "في عينيك عنواني"، و"أريدك عمري" و"كلانا في الصمت سجين"، "النجم يبحث عن مدار"، وآخر ما كتب "الحب في زمن الإرهاب" ونقرأ منها: مِنْ أينَ جئتِ وأى أرضٍ أنجبتك ِ وكلُّ ما فى الأفق ِأشلاءٌ ونارْ من قالَ إن شجيرةَ الياسْمينِ تنبتُ فى حقول ِالدَّم ِ تنثرُ عطرَها وسطَ المذابح ِوالدمارْ ومتى ظهرت ِ وقد توارى الصبح ُفى عيْنَىّ من زمن ٍ.. وودعَنَا النهارْ صَغُرتْ عيونُ الكونِ فى أحداقنا حتى تلاشىَ الضوءُ..وافترق المسارْ وأنا وأنت ِ كنجمتين ِوراء هذا الغيمِ رغم البعدِ يجمعنا المدارْ وعلى امتداد ِالأفقِ ظلُ شجيرةٍ وغناءُ عصفورٍ كسير ٍ أطربَ الدنيا وطارْ ******* من أينَ جئت ِ؟! وأنتِ آخر ليلةٍ زارتْ خريفَ العمرِ والشطآنُ خالية ٌ وموجُ البحر ِأتعبه الدوارْ .. أنا لا أصدق ُ ان يكونَ الدمُّ آخرَ ما تبقى من زمانِ الحبِ والأشعارْ أنا لا أصدقُ أن تكون نهايةَ الأوطان باسمِ الدينِ أشلاءٌ وقتلٌ وانتحارْ أنا لا أصدقُ أن يسود الجوعُ والطغيانُ والفوضى فى آخر المشوارْ