فجر 6 أكتوبر .. وزراء إسرائيل يقضون العيد مع عائلاتهم اسرائيل أرادت الاستعانة بأمريكا لإثناء السادات عن قرار الحرب ديان يعترف بأنه لم يقدر قوة مصر و سوريا جيدا و أن العرب قاتلوا بشكل جيد مائير وديان خشوا من وصول الحرب إلى داخل إسرائيل مائير تهدد بتلقين ملك الأردن درسا .. و تستهزى قائلة أنه يسقط طائراتنا بالكلام ! أمريكا رفضت طلب إسرائيل بإنهاء الحرب سريعا قائلة : عليكم أن تنتصروا ! مائير : إن تكررت الحرب لن نكترث للعالم فنحن فى نظرهم مجرمون على أى حال ! ديان : ميزتنا الأخلاقية وحدها غير قادرة على إيقاف جحافل مصر و سوريا ! من داخل الجلسات السرية لكبار قادة إسرائيل ، ننقل لكم أسرار و خفايا غرفة العمليات أثناء حرب أكتوبر 1973 ، لقد حجب الإسرائيليون تلك الوثائق لأربعين عاما ، و برغم أنه تم نشر 118 مستند ، و لكن مازالت هناك العديد من الوثائق المحجوبة ، حيث استغلت إسرائيل القانون لتمد فترة الحظر إلى خمسين عاما . عمل على هذا المشروع الضخم د. إبراهيم البحراوى مع فريق من المترجمين لترجمة الوثائق الإسرائيلية ،فى ستة مجلدات ، صدر أولها عن المركز القومى للترجمة فى الذكرى 41 لنصر أكتوبر . و طالب البحراوى الشئون العسكرية و المخابرات المصرية بدراسة تلك الوثائق للتوصل إلى العبارات المحذوفة فيها و التى وصلت إلى صفحات بأكملها ، و كشف الإضافات التى ألحقت بالوثائق قبيل نشرها بهدف التضليل ، و تناقض شهادات القادة الإسرائيليون . إنذار خاطئ دق ناقوس الخطر فى تل أبيب ،و تم إعلان التعبئة العامة ، عندما وصل لإسرائيل من أحد مصادرها المصرية - أشرف مروان بحسب الصحف الإسرائيلية – أن الحرب ستقع فى مايو ،و فى شهادة رئيس المخابرات إيلى زعيرا أكد أن مروان قام بتضليل إسرائيل ببراعة ، فى حين شكرته جولدا مائير و اعتذرت على الشكوك التى راودتها بشأنه ، و يرجع البحراوى هذا التناقض لرغبة إسرائيل فى تشويه صورة مروان بعد اغتيالهم له فى لندن . وحدها الاستخبارات الإسرائيلية كانت متأكدة أن الحرب لن تقع ، لذا وثق الجميع في تقاريرها منذ ذلك الوقت،حتى عندما بدء الحشد للحرب على الجبهتين المصرية و السورية ، ظنتها الاستخبارات مجرد مناورة فقط ، و مساء 5 أكتوبر رحلت عائلات الخبراء الروس بشكل عاجل واستهانت المخابرات الإسرائيلية بدلالة ذلك . و هذا يؤكد نجاح خطة الخداع الإستراتيجية التى قامت بها مصر و سوريا ، فعندما استيقظت مائير فجر 6أكتوبر ليخبروها أن مصر و سوريا سيعلنا الحرب اليوم ، لم يكن فى تل أبيب سوى 3 وزراء من 18 وزير ، كان أغلبهم يقضون إجازة عيد الغفران مع عائلاتهم . بعد وقوع الهزيمة ، أنشئت إسرائيل أكثر من مركز لإعداد تقارير حول احتمالات وقوع الحرب ، منها مركز " هفخا مستبرا " و هو مركز يعتمد على التقديرات العكسية " أى العكس هو الصحيح " ، حتى لا تتجرع الهزيمة مرة أخرى . تل أبيب 6 / 10 / 1973 الساعة 8:05 فى داخل مكتب جولدا مائير اجتمعت مع وزير الدفاع موشيه ديان ، و رئيس الأركان دافيد إليعاذر ، و رئيس المخابرات العسكرية إلياهو زعيرا ، و غيرهم من القيادات لبحث الحرب التى ستشنها مصر و سوريا . رأى ديان أن من المستحيل القيام بضربة استباقية حتى لو قبل الهجوم بخمس دقائق ، و أن على مصر أن تكون البادئة ، حتى لا يدين العالم إسرائيل ، و قرر المجتمعون ضرب سوريا مع مصر حتى لو لم تشارك فى الحرب ، و ينطبق الحال على مصر إن بدأت سوريا الحرب . و لكن خيار التعبئة العامة المفاجئ كما عبر مساعد وزير الدفاع تسفى تسور سيصيب الاقتصاد الإسرائيلى " بالشلل ". فى حين أن أول ما فكرت فيه مائير عند علمها بالحرب ، هو إبلاغ أمريكا أن " الجيران " سوف يهاجموهم ، أما عن الضربة الاستباقية ، فقالت :برغم أنها فكرة رائعة ، و لكن يبدو أن العالم فى أسوأ صور الخسة فلن يصدقونا " ! ، نحن نحظى بصورة جيدة لدى الأمريكين فقط . و لكنها استدركت قائلة : لو نشبت الحرب فعلا ، يجب أن نكون فى أفضل وضع ، أما بالنسبة للعالم فليغضبوا كما يشاؤون . و زعم رئيس المخابرات العسكرية أن برغم استعداد مصر و سوريا للحرب و لكنهم يعلمون أنهم " سيخسرون " فموازين القوى لم تتغير ، و اقترح زعيرا الاستعانة بأمريكا لإثناء السادات عن إعلان قرار بدء الحرب . فى حين حرص القيادات على أن يعلم العالم أن إسرائيل لم تكن البادئة و قرروا إخبار أمريكا و عدة دول أوربية ، و لكن الملفت أن رئيس المخابرات العسكرية اقترح إخبار " الشاه " أيضا ! حرصا على العلاقات ، و لكن ديان و ميئير حسموا الأمر بإبلاغ أمريكا فقط فى الوقت الحالى . كانت جميع فرضيات الاستعداد للحرب سواء التعبئة الجزئية أو العامة كانت تجرى على أن الحرب فى الساعة السادسة مساءا ، و لكن ساعة الصفر على الجبهتين المصرية و السورية ، كانت فى الثانية ظهرا . 7 أكتوبر الساعة 9:10 الآن و بعد وقوع الحرب كانت القيادات الإسرائيلية على رأسها مائير تدرس اللجوء لوقف إطلاق النار ، باستخدام أمريكا حق الفيتو بمجلس الأمن الدولى . و عبرت مائير عن ندمها على عدم توجيه ضربة وقائية قائلة : " إذا واجهنا وضع كهذا مرة أخرى – لا قدر الله – لن نكترث لموقف العالم ، و سنعطى الجيش زمام المبادرة " . 7 أكتوبر الساعة 2:50 بعد عودة موشى ديان من زيارة الجبهتين قال : " الوضع الآن ليس جيدا ، لكن أملى أن نستطيع الثبات " ، أما عن الفرق الإسرائيلية الواقعة تحت الحصار قال ديان :"إذا قرروا الاستسلام ليستسلموا ! " ، و أعرب عن يقينه بدخول الأردن الحرب و أصدر أوامره بإحباط أى محاولة أردنية ، كما خشى من انضمام العراقيون و الجزائريون أيضا . اعترف ديان أنه لم يقدر قوة " العدو " – مصر و سوريا - حق قدره ، بينما بالغ فى تمجيد قوتهم ، كما اعترف بأن العرب يقاتلون بشكل أفضل بكثير من ذى قبل ، و أعلن أنهم يواجهون اختلال شديد فى موازين القوى ، و شدد ديان على ضرورة احتفاظهم بشرم الشيخ بشكل " دائم " ! .. و أنهم عليهم الآن أن يحافظوا على أرض إسرائيل ذاتها التى كانوا يخشوا أن الحرب ستصل إليها لا محالة ، و يتم القضاء على اليهود . و الأمر المثير للضحك ، قول ديان أن " ميزتهم الأخلاقية " لن تستطيع أن تقف أمام الجحافل المصرية و السورية ! و قالت مائير : فى ضوء قلة الدعم الذى نلقاه سيطلبون منا الاستقرار فى مكان لا يسبب حروبا ، و الأمريكيين و كل العالم بما فيهم العرب يحتاجون ذلك ، و نحن أنفسنا لا نمثل قوة ، و لا يمكننا الصمود " .. " ستقول لنا أمريكا منحناكم الأسلحة و صمدتم ..و الآن حتى الأسلحة لا تجدى نفعا " . 7 أكتوبر الساعة 23:50 بعد عودة الوزير يتسحاق رابين من الجبهة ، قال : أنهم يأتون بأناس انتحاريين حقا ، و أفراد سلاح المشاة بالقرب من منطقة رمانة متميزين جدا . 8 أكتوبر الساعة 19:50 بمكتب رئيسة الورزاء مائير ، قال الفريق حاييم بارليف عن الجبهة السورية : " السوريين لا يلوذون بالفرار ، و لا تتملكهم حالة من الانهيار ، هم لا يحاربون جيدا مثلنا ، و لكن الأعداد هائلة و كل شخص يواسى الآخر .. و لو كانوا أكثر جرأة لكانوا حققوا إنجازات كبيرة ". من جانبه قال العميد يسرائيل ليئور ، ان السوريون و المصريون متفوقين على إسرائيل بسبب الدبابات السوفيتية القادرة على الحركة و إطلاق النار ليلا ، بفضل الأشعة تحت الحمراء . و قالت مائير عن ملك الأردن "الحسين بن طلال " لقد أعلن مرتين اليوم عن إسقاط طائرات لنا ، أظن أنه يسقطهم " بالكلام " ، لكنه لن يفعل شيئا ، السادات و الأسد يضغطان عليه ، و يقصان عليه " الأساطير" .. متابعة : "حسين لا يمتلك صواريخ .. سلاح الجو سوف يلقنه درسا ، فليتصرف كما يحلو له ". و عندما أكد تسفى زامير على أن اسرائيل تعرف الخطة المصرية و أنهم لم يصلوا لحالة الخديعة ، ردت عليه مائير قائلة : " ماذا يفرق ذلك ؟ إنهم سيتقدمون " ، مضيفة : " أنا أفهم العقلية المصرية ، لقد شموا رائحة الدماء و سيتمادون ". 9 أكتوبر الساعة 7:30 فى هذا اليوم كان تركيز القادة الإسرائيليون على إخراج سوريا من الحرب ، حتى يقاتلوا على جبهة واحدة فقط ، فكانوا يعتقدوا أن سوريا من الممكن أن تنكسر قبل مصر ، و درس المجتمعون النقاط التى سيتم استهدافها على ان تكون حيوية و إلا تطل الأحياء السكنية قدر الإمكان ! كما ذكر ديان ، و قال رئيس الأركان أن " حسين "– إشارة لملك الأردن- معترض على ضرب أى نقاط ستؤثر عليه ! و قالت ميئير : إن ضربنا وزارة الدفاع ، سنضرب أيضا مقر هيئة الأركان ، فنحن فى نظر العالم " مجرمون " على كل حال .. متابعة : لقد حاربنا جنودا مصريين و سوريين و لكن فى الحقيقة أن الحرب كانت بمشاركة روسية فهم من زودوهم بالسلاح ، فى حين أننا نضطر لمفاوضة أمريكا على كل صاروخ شرايك . و أشار موشيه ديان أن عليهم إبلاغ وزير الخارجية الأمريكى " هنرى كيسنجر بوجوب إنهاء الحرب سريعا " ، فردت عليه ميئير لقد أبلغنا أننا يجب أن ننتصر ! و اعترف موشيه ديان خلال الاجتماع أن سلاح المشاة يؤدى الدور الأهم فى الحرب المصرية . و فى هذا الاجتماع قررت مائير السفر متنكرة إلى أمريكا لإحضار السلاح بشكل سرى حتى بدون علم الحكومة سوى الحاضرين فى الاجتماع ، خشية من أن يعلم الإعلام و الكنيست و الشعب ، و قال إليعاذر : فى الحروب لا يجوز قول الحقيقة كلها . فى الحلقة القادمة شهادة جولدا مائير عن الهزيمة