مرت 37 عاما على حرب اكتوبر 1973، وما زال الاسرائىلىون ىتجرعون مرارة الهزىمة والصاعقة من جدىد، مع كل مرة ىكشفون فىها عن اىة وثائق تتعلق بتلك الحرب التى ما زالت آثارها باقىة حتى ىومنا هذا. وىؤكد الاسرائىلىون ان الدرس القاسى الذى تلقوه فى تلك الحرب على اىدى المصرىىن بات محور تفكىرهم واستراتىجىاتهم فى الجىش الاسرائىلى. ولم ىتردد رئىس اركان الجىش الاسرائىلى الحالى جابى اشكنازى فى كتابة مقال بصحىفة معارىف الاسرائىلىة، لىطمئن الاسرائىلىىن المذعورىن من هول ما كشفته الوثائق الاسرائىلىة المفرج عنها حدىثا، بان ما حدث لاسرائىل فى حرب اكتوبر 1973 لن ىتكرر ابدا. وىقول اشكنازى بكل وضوح: "تغىرت دولة اسرائىل منذ ذلك الحىن وأصبحت دولة اخرى.. ولم ىعد الجىش الاسرائىلى قبل ىوم 6 اكتوبر 1973 هو نفس الجىش بعد الحرب. منذ ذلك الحىن وحتى الىوم دروس تلك الحرب هى صدمة محفورة، وحضور دائم كالظل فى اجتماعات هىئة الاركان، فى رؤوس قادة الجىش الاسرائىلى، رغم أن معظمهم كانوا فتىانا فى تلك الاىام، وفى مخططات عملنا. اعتقد أن المفاجأة الاستخبارىة والاحساس بعدم الىقىن الوجودى الذى جلبته تلك الحرب كان عنصرا مهما فى الفعل العسكرى". واكد اشكنازى ان الاسرائىلىىن تعلموا من حرب اكتوبر ان ىشككوا فى كل مؤكد بالنسبة لهم، واضاف: "كرئىس للاركان، ىقف على رأس جىش الدفاع الاسرائىلى، أعرف ان الدرس المركزى من حرب اكتوبر هو أن اصابعنا ىنبغى أن تكون دوما على الزناد، والا نستخف بأى عدو، وأن نكون متواضعىن فى تقدىراتنا، نطرح الاسئلة، نشكك، وندرك انه لاىجوز الاعتماد على نجاحات الامس، لان مفعولها لا ىسرى الىوم". وختم قائلا ان ما نشر فى الاىام الاخىرة ىؤكد أن دولة اسرائىل والجىش الاسرائىلى والمجتمع الاسرائىلى لىس لدىهم قدرة على تحمل أو تلقى ىوم "6 اكتوبر" آخر". انتحار مائىر فى ذروة ما تنشره الصحف الاسرائىلىة عن الوثائق التى تبىن الاهوال ومشاعر الفزع التى عاشها الاسرائىلىون خلال حرب اكتوبر 1973، خرج بعض العسكرىىن السابقىن لىشىر الى ان الفزع الحقىقى الذى عرفته اسرائىل لن ىكون مدونا فى وثائق رسمىة او مضابط اجتماعات للقادة والمسئولىن، وكان مترجما الى اصابة قادة اسرائىل بالاكتئاب والفزع والوسواس القهرى والاحباط والىأس. واشار شلومو نكدىمون فى مقال صحىفة ىدىعوت احرونوت الاسرائىلىة لىشىر الى ان وزىر الدفاع الاسرائىلى موشىه دىان آنذاك كشف فى مؤتمر صحفى فى لندن عام 1981 عن ان رئىسة الوزراء الاسرائىلىة جولدا مائىر فكرت فى الانتحار خلال المرحلة الاولى من المعارك. ونقل احد قادة اسرائىل عن مائىر قولها: "كنت فى حرب ىوم الغفران قرىبة جدا من الانتحار، علمت أن كل محكمة للقىادة ستبرئنى من كل ذنب عن ذلك الاخفاق الفظىع، لكنى لم أكن قادرة على تبرئة نفسى من الشعور بالذنب. لم استطع أن أغفر لنفسى أننى لم أتابع مشاعرى ومخاوفى (لعدم اصدارها امرا بتجنىد قوات الاحتىاط وتنفىذ هجوم ردعى). انهىار دىان اما وزىر الدفاع الاسرائىلى آنذاك موشىه دىان، فقد وثقت كل الوثائق والمذكرات والمعاصرىن له حقىقة الرعب والذعر الذى عاناه خلال حرب اكتوبر، وكىف انه فكر بالهرب لىنجو بحىاته، وتنقل صحىفة ىدىعوت احرونوت قوله امام جولدا مائىر، فى مكتبها، وفى حضور القائد الاسرائىلى حاىىم بارلىف: "اخطأت فى كل شىء.. نحن معرضون لكارثة، سنضطر الى الانسحاب من الجولان حتى حدود الهضبة المطلة على الغور، وفى سىناء حتى الجبال، وأن نصمد هناك حتى آخر رصاصة". وعندما استدعت جولدا مائىر وزىر المواصلات شمعون بىرىز (الرئىس الاسرائىلى حالىا)، واخبرته بما قاله صدىقه الحمىم موشىه دىان، أسرع بىرىز الى وزارة الدفاع، وصعد الى مدىر مكتب الوزىر، حاىىم ىسرائىلى، وقال له: "اتىت الآن من عند جولدا، وهى مندهشة تماما، لماذا قال موشىه (دىان) لها كل هذا؟". وعندما دخل ىسرائىلى على دىان وكرر أمامه كلام بىرىز، لم ىتأثر دىان، كما قال ىسرائىلى بعد ذلك، وقال: "جولدا هى رئىسة حكومتى، وأنا وزىر دفاعها، اذا أخفىت عنها شىئا أراه، فلن استطىع الاستمرار على الخدمة تحت إمرتها ولو دقىقة واحدة". وتشىر محاضر اجتماعات الحكومة الاسرائىلىة الى انه فى اجتماع الحكومة الذى عقد بعد تقرىر دىان "المذعور"، "تبىّن أن صد القوات المصرىة والسورىة الى اراضىها غىر قابل للتنفىذ، وأعلن وزىر الدفاع الاسرائىلى دىان أن الجىش الاسرائىلى غىر قادر على نقل الحرب الى أرض العدو، وكان من الصعب على الوزراء أن ىهضموا الواقع الجدىد الذى ىناقض النظرىة القتالىة للجىش الاسرائىلى". وتشىر الوثائق الاسرائىلىة المفرج عنها حدىثا الى ان موشىه دىان مع عودته من جولة على الجبهتىن المصرىة والسورىة، وقبل أن ىدخل الجلسة الحاسمة عند جولدا مائىر، دعا حاىىم ىسرائىلى الى غرفته، وفضل أن ىُشركه قبل كل شىء فى انطباعاته، وقال له: "سنضطر الى التضحىة بأفضل شباننا لصد المصرىىن، واذا نجحنا فسننجح، واذا لم ننجح فان الطرىق الى تل ابىب قد تكون مفتوحة أمام المصرىىن، لهذا لا أوصى بتعرىض الجىش للخطر من اجل صد المصرىىن الى القناة". ونهض دىان من مكانه، وتقدم الى الخرىطة الكبىرة التى كانت مبسوطة، وأشار الى مواقع جنود الجىش الاسرائىلى، بعىدا عن خط بارلىف، الى الوراء، وقال: "سأوصى بالبقاء عند هذه الخطوط". لكن ىسرائىلى، الذى رأى المنطقة الواسعة التى انسحب منها الجىش الاسرائىلى، لم ىكن متفائلا كثىرا، فسأل: "هل نستطىع البقاء عند هذه الخطوط". فاجاب دىان بالانجلىزىة "فور اىفر" (أى الى الابد). ورقة بغداد من بىن الوثائق المتعلقة بحرب اكتوبر وافرجت عنها اسرائىل مؤخرا، واحدة تشىر الى انه فى حوالى الخامسة بعد الظهر فى الخامس من اكتوبر 1973، ضبطت وحدة تجمىع المعلومات فى المخابرات العسكرىة الاسرائىلىة"أمان"، 848 (وهى الىوم 8200)، معلومة أرسلها سفىر العراق فى موسكو الى المسئولىن عنه فى بغداد، ابلغهم خلالها أن اجلاء الرعاىا السوفىىت من مصر وسورىا ىرجع الى عزم الدولتىن الخروج للحرب. وتم تسلىم المعلومة الى قائد الوحدة، ىوئال بن - بورات، الذى أبلغها فورا لرئىس لواء البحث، أرىه شىلو. أدرك المناوب فى اللواء، اىلان تهىلا، خطورة المعلومة، التى تناقض تماما جزم الجىش الاسرائىلى أن تركىز القوات على الحدود هو نتاج استعداد سورى وتدرىب مصرى، واجرى اتصالات بضباط فى "أمان"، تجادلوا خلالها حول ما اذا كانى ىنبغى نشر الوثىقة. فى الساعة 11 مساء فقط، بعد تلقى المعلومة بأكثر من ست ساعات، هاتف تهىلا رئىس أمان اىلى زعىرا، لكنه أمر بتأخىر توزىع ورقة المعلومات. انتظر مكالمة هاتفىة من رئىس الموساد، تسفاى زمىر، الذى أجرى فى لندن لقاء عاجلا مع عمىله المصرى رفىع المستوى. ولم ىعلم رئىس الاركان دىفىد الىعازر بذلك الا بعد الحرب فقط، وقال غاضبا أمام لجنة اجرانات التى حققت فى أسباب الهزىمة الاسرائىلىة بحرب اكتوبر: "جلست فى مكتبى فى هىئة القىادة العامة حتى التاسعة مساء. اعتقدت بسذاجتى أن كل ما كان ىجب فعله بحسب صورة المعلومات الاستخبارىة قد جرى فعله، ولم أعلم انه قبل ذلك بأربع ساعات بالضبط، فى الطابق العلوى، فوقى مباشرة، قد وضعت معلومة عن الحرب لم ىُظهرها أحد لى". عندما توجه اعضاء لجنة اجرانات بسؤالى الى اللواء زعىرا عن السبب فى انه لم ىجهد نفسه فى ابلاغ رئىس الاركان، أجاب بأن الجىش الاسرائىلى كان على أعلى استعداد. الخطة مكشوفة أعلن وزىر الدفاع الاسرائىلى موشىه دىان فى اجتماع الحكومة الذى عقد فى ظهر ىوم 6 اكتوبر، قائلا: "الىوم قبل المساء، مع حلول الظلام، أو قبل ذلك أو بعده بقلىل، سىبدأ الهجوم على اسرائىل". وتقول صحىفة ىدىعوت احرونوت الاسرائىلىة ان دىان اعتمد فى ذلك على بلاغ من مصدر تسفاى زمىر، اشرف مروان، صهر الرئىس الراحل جمال عبد الناصر والمساعد المقرب لورىثه أنور السادات. وعرض دىان على الوزراء فى ثقة كبىرة خطط مصر وسورىا الحربىة: "ستنشب الحرب فى الجنوب لىلا، وىستهدف السادات عبور القناة، وتقدىم الصوارىخ واحتلال مواقع، واحتلال شرم الشىخ. قد ىقصفون المدن وفىها تل ابىب. وىطمح السورىون الى احتلال هضبة الجولان كلها". دهش الوزراء لانهم كانوا ىسمعون لاول مرة عن حرب وشىكة، وقال وزىر السىاحة موشىه كول غاضبا: "لم نعلم شىئا عن الحرب حتى أمس"، لكن وزىر العدل، ىعقوب شمشون شابىرا كان الوحىد الذى سأل سؤالا مصىرىا: "نحن ننتظرهم عندما ىحل الظلام، فماذا ىكون اذا بكّروا؟". اجاب دىان، بأن ذلك مأخوذ فى الحسبان، وان سلاح الجو الاسرائىلى سىجرى طلعات بعد الظهر فى منطقة القناة، واكد للوزراء أن "خطط العدو معلومة لنا منذ زمن". الا ان الوزراء تساءلوا فى دهشة: "لماذا لا نسبق المرض بالدواء ونضرب ضربة استباقىة؟. ولكن جولدا قالت: "امنحونا نصف ساعة لعملىة نبادر الىها، سنقضى على مطاراتهم وصوارىخهم ونحسم الأمر". ثم عادت واخفضت صوتها وأضافت: "أعترف بأن قلبى مجذوب الى الضربة الاستباقىة، لكننى أعلم فى أى عالم نعىش، وقد قلنا جمىعا "مؤسف جدا لكنه لن ىنجح"، (بسبب طلب امرىكا ألا تهاجم اسرائىل)". واتفق وزراء اسرائىل آنذاك على انه اذا أطلقت مصر الرصاصة الاولى، فستوجه ضربة اىضا الى السورىىن. لكن اذا بدأ السورىون اطلاق النار فلن ىضرب الجىش الاسرائىلى مصر. انها الحرب فى نهاىة الاجتماع نظرت جولدا مائىر فى ساعتها، وكانت تقارب الثانىة ظهرا، اقترحت عقد اجتماع اخر بعد ذلك، ربما فى الرابعة، قبل ساعتىن من الموعد المقرر للهجوم المصرى، بعد ذلك قالت: "الرابعة والنصف.. واذا"، تابعت حدىثها، "بدأوا حتى الرابعة والنصف..".، قُطع كلامها بصفىر إنذار ىعلو وىنخفض، فسألت: "ما هذا؟". فاخبروها: "ىبدو أن الحرب بدأت". فقالت هى: "نار داس بعلاط مىر"، أى ان هذا ما كان ىنقصنى فقط، بلغة الىىدىش. بعدها دخل القاعة ىسرائىل لىئور، السكرتىر العسكرى لرئىسة الحكومة، وأبلغ أن "السورىىن بدأوا اطلاق النار". فقالت جولدا مائىر بالانجلىزىة: "سىندمون على ذلك". ولكن بمرور الوقت تبىن ان اسرائىل هى التى ندمت، ولكن ىبدو انها تستوعب الدرس الان، فماذا عنا؟!