لا شك فى أن الوثيقة التى سمح بنشرها أمس أول مرة، والتى تتعلق بالمداولات التى شهدتها اجتماعات «المجلس الوزارى الحربى الإسرائيلى» التى عقدت فى 7 أكتوبر، أى فى ثانى أيام «حرب يوم الغفران» حرب أكتوبر فى ديوان رئيسة الحكومة فى حينه جولدا مائير، لا تعتبر مفاجئة للمقاتلين والمدنيين الذين عايشوا وقائع تلك الحرب قبل 37 عاما. وعلى الرغم من أن هذه الوثيقة لا تنطوى، بالنسبة إلى شخص مثلى، على أى كشف جوهرى جديد، إلا أنها تعتبر أكثر وثيقة مثيرة للحنق يكشف عنها حتى الآن بشأن تلك الحرب، ذلك بأنها تدل أولا وقبل أى شىء على الأجواء اليائسة والكئيبة التى كانت سائدة فى اجتماعات «المجلس الوزارى الحربى» الذى كان يضم جميع من يمكن تسميتهم قباطنة الدولة «وهم رئيسة الحكومة جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان ونائب رئيسة الحكومة يغئال ألون وكبار مساعدى رئيسة الحكومة بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان العامة دافيد إلعازار وكبار ضباط هيئة الأركان العامة وعدد من الوزراء» وقبل 24 ساعة من هذه الاجتماعات كان هؤلاء القباطنة كلهم فى نظر الجمهور الإسرائيلى العريض فى مصاف الآلهة، ولاسيما موشيه ديان، الذى اعتبر حتى ذلك الوقت بمثابة اسطورة على المستوى العالمى. ولابد من القول إن هذه الوثيقة تشكل لائحة اتهام قاسية ضد ديان «الذى كشفت الوثيقة أنه اقترح عدم إخلاء المصابين من صفوف الجيش الإسرائيلى فى مناطق القتال التى لا يمكن الوصول إليها، كما أنه اعترف بأنه «لم يقدر قوة العدو وقدراته القتالية على نحو صحيح، وبالغ فى تقدير قوة الجيش الإسرائيلى وقدرته على الصمود»، وبأن «العرب يحاربون أفضل كثيرا مما حاربوا فى السابق»، وهى تؤكد ما كان نشر فى هذا الشأن مباشرة بعد أن وضعت تلك الحرب أوزارها، وفحواه أن ديان كان غارقا فى موجة من اليأس والإحباط الشديدين. إن ما يجب قوله إزاء ذلك هو أنه كان من حسن حظنا فى ذلك الوقت أن القوات الإسرائيلية المقاتلة لم تعرف شيئا عن الحالة النفسية لقادتها، ولذا فإنها ظلت تقاتل فى جبهة الحرب حتى آخر لحظة. ووفقا للوثيقة فإن ديان ارتكب أخطاء كثيرة فى تقديراته، وكان كل منها حرجا للغاية، بناء على ذلك فإن الدرس الأهم الذى يمكن استخلاصه من هذه الوثيقة هو أن الذين كانوا جالسين على مقاعد الحكومة فى إبان حرب يوم الغفران، شأنهم شأن الجالسين على مقاعد الحكومة فى الوقت الحالى، ليسوا آلهة بل بشر من لحم ودم، ويمكن أن يرتكبوا أخطاء فادحة، لكن تبقى المشكلة كامنة فى أن أخطاءهم هذه تترتب عليها حياتنا «وموتنا».