سلسلة من الحكايات ، التي تندرج تحت أدب الرحلة في التراث العربي، نرويها لكم بمناسبة شهر رمضان الفضيل .. ففيها التنزه عبر الزمان و المكان ، و مشاهدة عجائب الأسفار . و اليوم بداية رحلتنا مع أشهر الرحالة فى العالم " بن بطوطة " الملقب بأمير الرحالة المسلمين ، فى رحلاته " تحفة النظار في غرائب الأمصار و عجائب الأسفار " ليصحبنا معه إلى مكةالمكرمة ، لنتعرف على عاداتهم فى شهر رمضان قديما . هنا فى مكة عام 726هجريا - 1326 ميلاديا ، تدق الطبول استقبالا لهلال رمضان ، و ها هى الاستعدادات بالمسجد الحرام من تجديد الحصر ، و إضاءة الشمع و المشاعل ، حتى يتلألأ الحرم نورا . و ها هم أصحاب المذاهب الشافعية و الحنبلية و الحنفية و الزيدية يتفرقون فى نواحى المسجد ، أما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء ، يتناوبون القراءة و يوقدون الشمع ، فلا يتبقى أى ركن من الجامع خاليا من قارئ يصلى بجماعة ، فيرتج المسجد بأصوات القراء التى تعلو و تتهدج خشوعا . و كان عادة الشافعية أن يصلوا التراويح العشرون ركعة المعتادة ، ركعتين ثم يطوف إمامهم سبعة و هم وراءه ، و عندما يضرب الإمام بين يديه ما يسمى ب " الفرقعة " يعود المصلون لاستكمال الصلاة ، و هكذا حتى تنتهى العشرون ركعة . و عندما يحل وقت " السحور " يتولى المؤذن التسحير فى الصومعة بالركن الشرقى من الحرم ، داعيا الناس للسحور ، ثم ينتقل لباقى الصوامع و يفعل المثل ، و على كل صومعة عمود معلق عليه قنديلان كبيران من الزجاج ،يتم إشعالهم ، و ذلك لمن بعدت بيوتهم عن المسجد ، فإن لم يسمعوا المؤذن ، يروا نور القنديلان فيتسحروا، و عند انطفاء القنديلان يتوقفوا عن الأكل . أما " ختمة رمضان " فتكون فى ليلة وتر من العشر الأواخر لرمضان و يحضرها القاضى و الفقهاء و الكبراء ، و من يختم بالناس يكون أحد أهل كبراء مكة ، و عندما يختم القرآن ، يخطب على منبر مزين بالحرير و موقد بالشمع ، و فى نهاية الخطبة ، يدعوا أبوه الناس إلى منزلهم فى مأدبة كبيرة تحوى الكثير من الأطعمة و الحلويات ، و هذة عادة فى جميع أيام الوتر . و أعظم الاحتفالات تقام فى الليلة 27 من شهر رمضان ، فيُختم بها القرآن ، و تضاء القناديل حتى تكاد الأبصار تغشى من النور المنبعث ، ثم يتقدم الإمام فيصلى بهم قارئا سورة القدر ، و بعد الختمة و الخطبة ، ينفض الجميع ، و فى المقام المالكى تكون الخاتمة بليلة 29 . كانت تلك بعد المشاهد التى خطها ابن بطوطة عن " عادات أهل مكة " فى رمضان " تجمع بين الروحانيات و العادات الاحتفالية و التعبدية فى هذا الشهر الكريم فى بلد هى الأحب لقلب رسولنا الكريم .