.. بالرغم من أن شهر رمضان شهر عبادة، فرض على جميع المسلمين، فإن اختلاف الأمكنة أدى إلى اختلاف العادات والتقاليد، وقد حرص محمد رجب السامرائى، مؤلف الكتاب، على تسجيل عادات وتقاليد البلدان الإسلامية بهذا الشهر الكريم، وتوثيق وتفصيل هذه المعلومات، بعد أن شرح كلمة «رمضان» فى اللغة، موضحا أنها اشتقت من الفعل «رمض»، و«الرَمْضَاء» هى الأرض شديدة الحرارة من وهج الشمس، وسُمّى رمضان لأن العرب كانوا يَرْمِضُوْنَ فيه أسلحتهم استعداداً للقتال فى شهر شوال الذى يسبق الأشهر الحرم، وقد أطلق رَمَضَانُ على شهر الصيام لأنه يَرْمِضُ الذنوب أى يحرقها. رصد الكتاب الاحتفال فى مكة قديماً، وقال إنه يتم فى أول يوم من أيام الشهر الكريم، ويرتدى فيه الأمير ملابس بيضاء معممة ويتقلدُ سيفاً ويصلى عند المقام الكبير ركعتين ثم يُقَبِّل الحجر، ويشرع فى الطواف، حتى إذا أكمل شوطه الأول يقصد الحجر لتقبيله، ويندفع خلفه رئيس المؤذنين بالدعاء له والتهنئة بدخول الشهر رافعاً صوته ثم يتلو شعراً فى مدحه ومدح سلفه الكريم، ويفعل به هكذا فى 7 أشواط، ثم يقوم الأمير بزيادة وسائل الإضاءة من صلاة المغرب وحتى الفجر بالإضافة إلى تجديد فرش الحرم الشريف من الحصير. وكان الأئمة يحرصون على أن تصل ركعات صلاة التراويح إلى 24 ركعة، مع تعدد مرات الطواف حول الكعبة المشرفة، وأوضح ابن جبير أن «الزمزمى» كبير المؤذنين هو الذى كان يقوم بدور «المسحراتى» إذ كان يصعد المئذنة ومعه اثنان يرددان دعاءه وحثه الناس على السحور، غير أن ابتعاد البيوت عن الحرم المكى كان يحول دون وصول صوت المؤذن، الأمر الذى جعل المؤذنين يضعون خشبة طويلة فى رأسها عمود كالذراع وفى طرفيه بَكْرَتان صغيرتان يرفع عليهما قنديلان من الزجاج كبيران يضاءان طوال فترة التسحير، حتى إذا تبين دخول الفجر، رفعت القناديل وصعد المؤذنون من كل ناحية لرفع الأذان. ويصف احتفال ختم القرآن فى مكة عام 548 هجرية قائلا إن الخطيب ذا العمامة السوداء إذا ما اقترب من المنبر عرج على الحجر الأسود فقبله ودعا عنده ثم سعى إلى المنبر ورئيس المؤذنين ساع أمامه، أما عن احتفال الصبيان بختم القرآن، فإنهم كانوا يتنافسون بينهم على من يختمه أولا من خلال إيقاد الشموع وتقديم الطعام، خاصة مع تزايد أعداد موائد الإفطار، التى توجد فى أغلب المساجد وتقدم التمر والقهوة وشراب التوت والشوربة وطبق السمبوسة والكبسة، ومن أهم سمات شهر رمضان بالسعودية تعطل المدارس طوال الشهر. وعن احتفال دولة الإمارات بشهر رمضان، أوضح الكتاب أن الاحتفالات الرمضانية تبدأ من منتصف شعبان، حيث ينزل الأطفال إلى الشوارع ليتغنوا بأناشيد رمضانية، وتزدهر الإمارات بموائد الإفطار الجماعية فى الأحياء، حيث يتفق الأهالى على أنواع الطعام التى يعدونها، لكى تكون المائدة عامرة بكل أصناف الطعام. وبعد الإفطار يجتمع الرجال بعد أدائهم صلاتى العشاء والتراويح فى «الديوانية» أو «الميالس»، وهو مجلس ينتشر فى دول الخليج مفروش بالسجاد أو الحصير، ويحضره الشعراء لإلقاء القصائد ويستمر حتى طلوع الفجر، ويقدم فيه الشاى والقهوة، إلا أنه كان يبدأ بالصلاة والسلام على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ثم يتجاذب الحاضرون الأحاديث وسرد الحكايات والاستماع إلى الأشعار.. وفى البحرين يحتفلون فى منتصف شعبان بيوم «الكرنكعوه»، حيث يستقبلون فيه شهر رمضان ويرتدى الأطفال الملابس التقليدية «الدراعة» ويزورون أقاربهم وهم ينشدون الأغانى ومن المهن التى ترتبط بشهر رمضان «صفار القدور»، ويطلق على المسحراتى بالبحرين «أبوطبلية»، ومن العادات الاجتماعية تناول طبق الشوربة والتمر والقهوة العربية، ومن حلوياتهم الزلابية والرهش والعسلية. وفى الكويت تتزين المآذن والمساجد لاستقبال شهر رمضان وتنتشر الفوانيس فى الشوارع، ويعد اجتماع كل أفراد العائلة فى منزل كبير العائلة سواء أكان الجد أو الأب على مائدة الإفطار اليومية، من العادات المحببة لديهم. ومن الأطباق الشعبية لديهم التشريبة والجريش القديم، وكبة الجمبرى والمحلبية والزلابيا واللقيمات والغريبة، وتعد لعبة «الكَركَيعان» أو «المكسرات» من العادات والتقاليد التى يتوارثها الأطفال حيث يقومون بإحصاء المنازل التى سيطرقون أبوابها، ويهيئون أكياساً تخيطها لهم أمهاتهم ويدلونها حول أعناقهم، حيث يتوجهون إلى تلك المنازل فى أيام 14،15، 16 رمضان ليضع بها أصحاب المنازل التى اختاروها المسكرات وهم يغنون، وتتشابه عادات العراق مع الكويت ولكنها تتميز هى الأخرى بحلويات النشا وحلاوة الشعرية المحشوة بالجبنة، ومن الألعاب الشعبية المحيبس والصينية، والماجينة والتى تسمى أيضا بالكريكعان. وفى اليمن يذبح سكان البادية فى أول يوم رمضان الأغنام ويوزعونها على الجيران فى احتفالية تسمى «مدخل»، ويجلس الصائمون عند أذان المغرب على هيئة حلقات حول موائد الفطور ليتناولوا الإفطار الذى يضم التمور، والسمبوسة، والباجية، والحامضة، «وهى خليط مكون من الحلبة والليمون والخل والطماطم»، والشفوت. ومن الحلويات الروانى والكنافة، وبداية من اليوم العاشر تبدأ ليالى الشعر والرقص الشعبى وارتداء الأقنعة على الوجوه، ويعد 20 من رمضان هو يوم الاحتفال بالراغبين فى الزواج، والذين سيحتفلون بزفافهم بعد الشهر الكريم، ويتنافس العرسان فى لعبة «المدارة» وفيها يربط حبلان غليظان بجذع شجرة ضخمة تعرف بالنالوق، ويثبت بها كرسى، والقوى من الشباب من يحقق أعلى ارتفاع فى الهواء أثناء القفز. وفى سوريا تبدأ الاحتفالات منذ إعلان هلال رمضان وتعد العائلات الوجبات السورية مثل الفول المدمس الدمشقى والكوسة المحشوة وكفتة الحمص واللحم والسجق والكلاوى، إضافة إلى المقبلات مثل التبولة والمنقوشة. ويتميز أغلب الحلويات الدمشقية باستعمال القشطة لأنهم يتفاءلون باللون الأبيض، وعقب تناول الإفطار يتجمع أطفال الحىّ، وبيد كلٍّ منهم صحن فارغ، ويدورون على بيوت الأغنياء منهم ليأخذوا السحور. أما لبنان فتعلق الشرائط الخضراء والفوانيس الصغيرة والنجوم الأثرية فى الطرق وشرفات البيوت، فضلا عن إعداد الحلويات الرمضانية مثل «الكلاح والسنيورة والشعيبيات»، ويفطرون على قمرالدين، ومن المظاهر الرمضانية حلقة ذكر النوبة للأطفال، وفيها يطوفون مع المسحراتى على كل بيوت المنطقة فى العشر الأواخر من رمضان للاحتفال بقرب قدوم العيد. وفى فلسطين، يحتفل الأهالى يوميا عقب غروب الشمس، حيث تضاء الطرقات والشوارع والمآذن والمحال التى تقدم أطعمة وحلويات خاصة برمضان، ومن الأكلات الشعبية «المقلوية» ، ومن العادات المتوارثة «الحواية» وهى فرقة جوالة تجوب الأحياء بعد تناول الإفطار وهى تغنى، ومن أهم أحداث ليالى رمضان تقديم «فصول القرقوز» أو «العيون السُود»، وهو عرض مسرحى تسرد من خلاله حكايات ذات نقد لاذع لعدد من الظواهر الاجتماعية المحليّة. وفى السودان تبدأ استعداداتهم لصيام أيامه المباركة قبل حوالى شهرين، من خلال إعداد الأطعمة الرمضانية وتهيئة أماكن الصلاة والإفطار والراحة وإعداد «الرواكيب»، وهى مبانٍ من القش والطين تُنصب أمام الفرن، وتوضع فيها العناقريب، وتُفرش ويقضى الصائمون فيها أغلب وقت النهار وينامون فيها بعد صلاة الظهر. ومن التقاليد الموروثة عند السودانيين أنّ أحدهم لا يستطيع الفطور بمفردهِ، إذ لا بُدَّ من مشاركة أحد الصائمين فى إفطاره، ولهذا فإنهم يهتمون بحفلات الإفطار الجماعى ويطلقون على أكلات رمضان «مؤية رمضان» والتى من أهمها إناء الكورية، ولحم أم دكوكة، والعصيدة. المؤلف: محمّد رجب السامرّائى الناشر: نادى تراث الإمارات- أبوظبى- دولة الإمارات العربية المتحدة