قالت مجلة "فورين بوليسي"، إن مصر تقترب من ميعاد التصويت على الانتخابات الرئاسية التي ستحدد النظام المقبل في مصر بعد ثلاث سنوات من عدم الاستقرار السياسي. وأضافت المجلة الأمريكية، في تقرير لها، البعض يرى أن هناك عناصر من المنافسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، معتبرين أن هناك اثنين من المرشحين الذين يتنافسون بحرية في حين يرى آخرون أن الانتخابات المقبلة "لعبة فوازير" لأن الناس يصوتون لصالح مرشح معين واحد، وهو الزعيم العسكري السابق عبد الفتاح السيسي، حسب قولها. وترى المجلة أن الرأي الأخير لديه بعض المصداقية لهذه الأسباب: أولا: المؤسسة الأمنية المصرية التي تضم القوات المسلحة، وجهاز الشرطة، ووكالات المخابرات يضعون ثقلهم وراء ترشح السيسي حيث تستمر هذه المؤسسات للترويج لفكرة أنه يتم استدعاؤهم من قبل الشعب لإنقاذ البلاد من عواقب الفوضى الناتجة من التحول الديمقراطي الذي كان جاريا، واستنتجوا أن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هو وضع واحد منهم في المرتبة الأولى في البلاد. ثانيا: للدولة العميقة أو فئة من كبار المديرين التنفيذيين والبيروقراطيين في مؤسسات الدولة الحرجة التي تعتبر نفسها وصية على كامل النظام، لا تخفي انحيازها نحو السيسي، الذي من المرجح أن تضمن رئاسته استمرار سيطرتها على شؤون الدولة وهذه الطائفة الحصرية توصلت لرؤية مكتب الدولة باعتباره حقا مكتسبا، والذي كان قد تعرض للتهديد من قبل الدخلاء القادمين تحت إشراف انتخابات ديمقراطية لذلك فإن هدف الدولة العميقة من تأييد السيسي هو التحايل على أي محاولة للتقليل من شعبيته. ثالثا: طبقة رجال الأعمال، مع ثروتها الهائلة والسيطرة على وسائل الإعلام، تستخدم مواردها الوافرة في دعم مرشح الدولة السيسي ويهدف هذا لضمان العودة إلى الوضع الذي كانت تتشابك فيه السلطة والثروة في شراكة غير مقدسة وهذا التضافر، من المصالح المالية والمؤسسات الأكثر تأثيرا في الدولة، يضيف إلى حظ ترشيح السيسي. رابعا: يبدو أن القضاء المصري يلعب دورا مهما في الانتقام السياسي من المعارضين للتدخل العسكري في الشؤون السياسية، بعقوبات الإعدام والحبس السريع والكاسح وتظهر المحاكمات السريعة والأحكام القاسية للتأكيد على دعم القضاء الحيوي لحملة النظام الحالي على المعارضين له وهذا يمهد الطريق للسيسي للوصول إلى القصر الرئاسي دون عقبات. خامسا: تواصل استخدام وسائل الإعلام مع غياب كامل للمهنية والحياد، لإقناع الرأي العام بمفهوم "ضرورة المرشح" وكان الهدف من هذه الحملة تعزيز صورة السيسي باعتباره الشخص القوي الذي يمكنه حماية مؤسسات الدولة من الانهيار التام، والأمل الوحيد القادر على إخراج البلاد من مأزقها الحالي، والملاذ الأخير حيث تواجه البلاد تهديدات تلوح في الأفق ضد تماسك الدولة، وبطل من شأنه وقف في وجه أعداء الدولة، والوحيد القادر على الحفاظ على الاستقرار ومن الواضح أن هذه الأفكار تخنق قدرة الناس على الإدلاء بأصواتهم بحرية بين المرشحين الذين يمكن لا يمكن التمييز بينهما إلا من خلال برامجهما الانتخابية. سادسا: المقصود من موجة "الشوفينية" التي تجتاح أنحاء مصر هو التأكيد على فكرة الصوت الواحد الذي يتحدث باسم الشعب من أجل مستقبلهم معتبرا أي أصوات منشقة، غير وطنية وهذا يمهد الطريق ليس فقط لقمع وجهات النظر المعارضة ولكن القضاء عليها تماما باعتبارها عمل من أعمال الخيانة ويتم الترويج للسيسي في هذا المناخ "الشوفيني" كخيار من الوطنيين الحقيقيين. سابعا: عدم التسامح مع الاحتجاجات، والاعتقالات التعسفية للعشرات من المعارضين، والقيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع تأتي كجزء من حملة أوسع لتشويه صورة الموجة الثورية والنشطاء السياسيين الذين حملوا شعلة التغيير حيث إنه بعد الاشادة بهم كطليعة للثورة، ويجري في الوقت الحاضر اتهمامهم باعتبارهم فوضويين يهددون ركائز الدولة وباتي السيسي باعتباره الرجل الذي يمكنه استخدام القبضة الحديدية ضد أولئك الذين يهددون استقرار البلاد. ثامنا: تستمر الدولة في تقديم الشعب المصري بمفاضلة بين الأمن والحرية، من خلال توقع مشئوم بانهيار القانون والنظام بالتأكيد على أن الحكم المدني سيقود البلاد إلى الأنقاض ويهدف هذا النهج إلى تحويل الرأي العام ضد المهاترات الحتمية التي هي جزء من حياة سياسية حرة، حتى أن الناس الذين كانوا يركبون موجة الانتقال الفوضى سيدعمون الاستقرار الذي يمكن ان يفرضه السيسي. تاسعا: تواصل الدولة خلق فزاعة وهمية حيث يتم تصوير المعارضين ل"الانقلاب العسكري" باعتبارهم قوة "إرهابية" عازمة للسيطرة على الدولة ضمن مخطط لمؤامرة عالمية وتهدف هذه الاتهامات إلى التأثير في الناس ليتدفقون إلى عربة السيسي، كما يتم تصوير المرشح باعتباره الرجل الوحيد القادر على التحقق من جماعات العنف في حربه المعلنة ضد "الإرهاب". عاشرا: تواصل الدولة إثارة المشاعر الوطنية من خلال دعايتها أن السيسي هو الوطني الذي يقف ضد التدخل الأجنبي الذي لا يستسلم للضغوط الخارجية وعلى الرغم من افتقارها للدقة، إلا أن المقصود من هذه الحملة تعزيز خلاف السيسي مع أولئك الذين يشعرون بالحنين لفترة كانت مصر لديها بعض الاستقلالية في صنع القرار. الحادي عشر: وسائل الإعلام، في حملة منسقة، بلا هوادة، تلجأ إلى اعتماد تكتيكات الخوف والفبركة والتشهير، والافتراء الخادع لتأديب أي شخص قد يفكر في الترشح ضد السيسي في هذه الانتخابات ويهدف هذا إلى القضاء على المنافسة ليكون ذلك في صالحه. الثاني عشر: في أعقاب "الانقلاب العسكري" تفوح رائحة عودة الموظفين والسياسات والممارسات التي ميزت عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان أكثر عرضة لاعتماد شكل العملية الديمقراطية دون مضمونها الحقيقي ولذلك فإن الانتخابات المقبلة تبدو أكثر مثل التي سادت في عهد مبارك وأقل في كونها فرصة حقيقية للمصريين لإعلان رغبتهم في صناديق الاقتراع.