مستشفى الشهداء، ليسوا شهداء حرب أو عنف، أنهم شهداء الإهمال الصحي والعلاجي، الذين ارتدوا كفن الموت منذ أن دخلوا المستشفي الإيطالي بالعباسية بهدف العلاج، ورغم الوعود الوردية والآمال المعلقة، وجدوا أنفسهم ضحايا البحث عن الربح حتى ولو على حساب صحة الإنسان أو وفاته. حالها كحال العديد من المستشفيات الحكومية أو الخاصة في مصر التي يعهد عليها المرضى، فيشرعون للجوء إلى مستشفي غربي ظنا منهم انه أفضل حالا من غيره، ولا يدعون موطأً لدفع المال من أجل الصحة إلا وسلكوه آملين وواثقين في كفاءة الاسم الغربي، ويفاجئوا بتدني الحالة الصحة عما قبل، وسوء الخدمة وتغطرس الدكاترة. وفي ظل غياب الرقابة من جانب وزارة الصحة على المستشفيات، توفيت "ملكية" نتيجة الإهمال داخل المستشفي الإيطالي، وتعللت الصحة بعدم اتخاذ أهليتها الإجراءات القانونية تجاه المستشفي بحجة أنها غير تابعة لها إداريا. تجربة ملكية بعيون مليئة بدموع الحزن ونبرة استسلام قال رياض غبريال خليل الرجل السبعيني من حي الشرابية وزوج الضحية "أعطونا أمل وحياة وابتزونا في أموال طائلة واخذوا منا كل شيء في الوجود حتى زوجتي التي بحياتها نحيا". أكد غبريال أن زوجته كانت تعانى من انسداد في المريء وذهب بها إلى طبيب بمنطقة روكسي رفض إجراء أية عمليات لها، وأرشده إلى الأستاذ الدكتور سامي رمزي بمطرانية الجيزة، الذي ووافق على إجراء العملية. عندما أخبر الزوج، الطبيب أن الأطباء من قبله أكدوا صعوبة إجراء عملية للمريضة، رد عليه بغرور قائلا " أنا الأستاذ وهم عبارة عن تلاميذ لي"، ورغم ان الحالة لا تستدعي تأخير إلا أن الطبيب أخذ إجازة "شم النسيم" متناسيا آلام المريضة وحاجتها السريعة إلى العملية. ويستكمل رياض: لم يكن أمامنا إلا أن ننتظر عودته، وقبل إجراء العملية سأله ابني الكبير رءوف هل ستعود أمه تتحدث وتأكل وتشرب وتتحرك كالعادة؟!، فكانت إجابته عليه بسخرية شديدة " يا..لا تسألني فانا أستاذ وعملي كله متخصص في الأورام ونسبة النجاح دائما تصل إلى 90 % وأقل نسبة 85 % وأنا من أوائل الجراحين في مصر". ويستطرد: رغم غروره إلا أن كلماته أعطتنا أملا في الشفاء، ودخلت زوجتي حجرة العناية المركزة لمدة يومين لإعطائها محلول جلوكوز ثم حان موعد إجراء العملية وبعد ساعتين خرج اثنين من التمريض يحملون إناء به الطحال، وإناء آخر به ما لا يقل عن كيلو ونصف من المعدة، طالبين منا ان نجري تحليلا على تلك العينات لدى أحد الأطباء التي نتعامل معه، مباركين لنا نجاح العملية وبدأت في توزيع أموال من الفرحة على هيئة التمريض. تابع غبريال: بعد انتهاء العملية بنصف ساعة دخلت زوجتي العناية المركزة وبعد أربعة أيام صرحوا لها بالخروج من المستشفي، وقال لي الطبيب أنها بعد أسبوع ستطلب "خروف" لتأكله وأنها أصبحت بصحة جيدة لنجاح العملية. تعجبت عائلة ملكية كيف تصبح بصحة جيدة وقد تم استئصال جزء كبير من الطحال مع المعدة؟، وكيف ستشفي في تسعة أيام فقط؟، إلا أن الطبيب أكد أن كل شيء على ما يرام. خروجها من المستشفي خرجت ملكية من المستشفي يوم 28 إبريل 2012، على كرسي متحرك تعيش على المحاليل الطبية ولا يدخل معدتها أي نوع من أنواع الطعام أو الشراب، فازدادت حالتها سوءا عما قبل العملية وهي لا تستطيع الكلام. أكد غبريال انه بمجرد وصولها للمنزل "اكتشفنا أثناء تغيير ملابسها أن الطبيب وضع بجسمها أسلاك لاصقة يصعب خروجها منها، كأنها مشوهة بمكواة لان ظهرها "مسلوخ" لدرجة أن ملابسها لصقت بجسمها، وحينما وضعناها على السرير جسدها لصق بالمرتبة وحاولنا أن نحضر قطن مبلل لنستطيع خلع جلبابها ولكن الحال كان يسوء للغاية بجانب أنها لا تتحدث ولا تأكل أو تشرب وعندما اتصلنا بالدكتور سامي رمزي قال لنا " أنا أستاذ مش دكتور من بتوع الكشف المنزلي" فما كان أمامنا سوى جلب طبيب آخر من منطقتنا. جاء الطبيب وكشف على حالة ملكية فلم يعرف تفسيرا لما هي عليه وكتب لها على كريم للجروح ولكنه لم يعالجها أو يشفي النيران المشتعلة في جلدها. ووسط كل هذه المعاناة لم يفهم الأهل المتجمعون حول الضحية، سوى كلمة أنقذوني، مليئة بنبرات وآهات الألم لمدة 7 أيام ولا يجدون حلا، فاضطروا إلى استدعاء الإسعاف لنقلها إلى المستشفى القبطي لإجراء الفحوصات عليها، والتي أكدت أنها تعاني من وجود مياه على الرئة، إلا أن الطبيب رفض شفطها مؤكدا أن من أجرى لها العملية الأولى هو من يستطيع ذلك. موت تحت جهاز التنفس عادت المعاناة من جديد، حيث توجهت ملكية إلى الدكتور "سامي رمزي" المسئول عن قسم الاستقبال بالمستشفى القبطي، وبعد ساعة من الانتظار فوجئ أهلها بعدم وجود مكان في المستشفي، وتم نقلها إلى العناية المركزة ووضعت تحت التنفس الصناعي. يقول الزوج "كانت زوجتي قد لفظت أنفاسها الأخيرة ولكننا لا نعلم ولم نتوقع أنها توفت والمستشفي لم تدلى لنا بأي شيء سوى أنها تحت جهاز التنفس الصناعي والأطباء اجمعوا أن زوجتي تعاني من وجود مياه على الرئة حتى طبيب الرعاية صرح له بذلك ولكن تعنت الطبيب سامى رمزي وغروره جعله يتشاجر مع الطبيب المعالج وقال له (نفذ ما أقوله إنت هتفهم اكتر مني دا أنا الأستاذ ولا نسيت، خد الحالة وضعها على السرير وركب الأجهزة وإنت ساكت)". دخلت ملكية العناية المركزة دون إجراء فحوصات أو كشف طبي عليها، وعندما دخل أهلها عليها في الزيارة وجدوا عينيها مفتوحتان والجهاز في فمها، فظنوا أنها على قيد الحياة وشكروا الله، وعاودوا الزيارة بعدها بساعات حيث رفض الأطباء الزيارة إلا أنهم وافقوا بعد توسل الزوج لرؤية زوجته. ويقول غبريال "حين لمست قدمها وجدتها عبارة عن ثلج وخلال الساعة الثانية عشر صباحا خرج شخص قال لنا الزيارة ممنوعة حتى الساعة التاسعة مساء لأن مدير المستشفي والأطباء يتفقدون المرضى، وهذه حجة لأنهم يحاولون إخلاء العناية المركزة من المرضى المحجوزين فيها الذي وصل عددهم إلى 25 مريضا". كانت الفاجعة الكبرى، عندما فوجئ الزوج بزوجته بين أيدي المرضى الذين يجهزوها لتنقل إلى الثلاجة تمهيدا لدفنها، في الوقت الذي دعا فيه كاهن بحي الشرابية ليصلى على زوجته ويباركها ويدعى لها بالشفاء. شكاوى وقضايا محفوظة عقب الدفن، تقدم غبريال بشكاوى عديدة لوزارة الصحة يؤكد فيها أخطاء الطبيب المذكور والتي وصلت إلى 33 خطأ مهني تسبب في وفاة زوجته، إلا أن الوزارة أكدت عدم تبعية المستشف الإيطالي لها، وظل يرسل الشكاوى لجميع الجهات الطبية دون جدوى. كانت من بين المؤسسات التي أرسل إليها الشكاوى، هي المؤسسة العلاجية التابعة للدكتور صابر غنيم، المسئولة عن الأطباء، الذي وقف بجانب الزوج وأمهله يومين لدراسة المشكلة لوضع حلول لها. وعقب دراسة المشكلة، تواصل غنيم مع مدير المستشفى الذي رفض تدخله في الأمر، وأكد غنيم للزوج أنه لم يستطع مساعدته بسبب الفوضى والانفلات. حرر الزوج محضرا في قسم الوايلى التابعة له المستشفى الإيطالي، وأحيلت القضية للمحكمة؛ حيث استمع محمد غالي مدير النيابة إليه وأحال القضية للطب الشرعي الذي بدوره حفظ القضية بعد شهر من استلامها لعدم وجود شبهات خاصة بالطبيب. أمام النيابة، ادعى الطبيب سامى رمزي، أنه عالج "ملكية" وأخرجها من المستشفى بعد أن استردت كامل صحتها، فحرر الزوج تظلم للنائب العام وتم حفظه في دار القضاء العالي حتى الآن.