رأى متابعون للشأن الجزائري أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الفائز بعهدة رئاسية رابعة في الانتخابات التي جرت، الخميس الماضي، توفّر له ما لم يتوفّر لسابقيه من الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم البلاد منذ العام 1962. وساعده على ذلك، بحسب هؤلاء، الطفرة المالية التي توفّرت بفعل ارتفاع أسعار المحروقات منذ عام 2002 وصولا إلى نجاحه في تحييد سطوة قيادات العسكر الذين كان لهم نفوذ كبير وسيطرة كاملة على كل مؤسسات الدولة منذ وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين في ديسمبر 1978. تقليم الأظافر تقليم أظافر العسكر رغم الصراع المعلن تارة والسري أحيانًا أخرى منذ وصوله إلى الحكم في العام 1999، سمح لبوتفليقة بتعديل الدستور في العام 2008، والمضي نحو ولاية ثالثة في عام 2009 اعتبرت من قبل العارفين بنفسية الرجل أنه يطمح لأن يلقى ربه وهو رئيسًا للجمهورية. ومع اندلاع ثورات الربيع العربي التي أطاحت برؤساء تونس وليبيا ومصر واليمن، حاول بوتفليقة إدخال إصلاحات دستورية بعد الأحداث التي عرفتها البلاد في يناير 2011، ووعد بوتفليقة الجزائريين بدستور جديد وإصلاحات سياسية تضمن المزيد من الحريات وتحرير قطاع الإعلام وفتح المجال أمام إنشاء قنوات تلفزيونية خاصة. وبفضل الموارد المالية القياسية التي توفّرت للبلاد من النفط والغاز، تمكّن بوتفليقة من زيادة مخصصات الدعم للسلع الواسعة الاستهلاك والطاقة والنقل، حتى بلغت مخصصات الدعم 21 مليار دولار العام الماضي، وهو ما لم يتوفّر لنظرائه في تونس وحتى مصر المنهكتين ماديًا واجتماعيًا. وكان متوقعًا على نطاق واسع أن يفوز بوتفليقة بعهدة رابعة، بمجرد أن أعلن ترشّحه في فبراير ل5 أسباب هي: السبب الأول.. توسع فكرة الخوف من المجهول التي تراود قطاعات واسعة من الشعب الجزائري الذي خرج من حرب أهلية في التسعينيات أتت على الأخضر واليابس وخلّفت 250 ألف قتيل، وهجّرت مليون جزائري داخليًا و400 ألف آخر نحو الخارج ودمّرت الاقتصاد. أنصار بوتفليقة نفسه عزفوا على هذا الوتر كثيرًا قبل وخلال الحملة الدعائية، حيث كان هناك تركيز يبدو متعمدا على تذكير الشعب الجزائري بالجراح التي عاشها طيلة تسعينات القرن الماضي، وفي نفس الوقت تذكير الشعب بحصيلة الرجل خلال 15 عامًا من الحكم وخاصة في مجال السلام والمصالحة الوطنية وعودة الأمن ونزول آلاف الإرهابيين من الجبال وعودتهم إلى الحياة الطبيعية بين أفراد الشعب. كما تم التركيز على الجوانب الاجتماعية والنقلة التي تحققت لملايين من العوائل والأسر الجزائرية في مجال السكن والشغل والصحة والتعليم وما شهدته البلاد من أعمال في البنية التحتية. وتشير الأرقام الصادرة عن مؤسسات دولية ذات ثقة، أن معدل البطالة في الجزائر كان في العام 2000 عند 29% ونزل إلى 9.8% في العام 2013. فيما تمكن بوتفليقة من إطلاق ثلاث برامج خماسية للإنفاق العام في قطاعات البناء والأشغال العامة والسكن والنقل والقطاع الزراعي والتربية والتعليم العالي والتكوين والصحة والري وتأهيل القطاع الاقتصادي والمقاولات الصغيرة والمتوسطة. وبلغت قيمة البرامج الثلاثة 480 مليار يورو، ما سمح باستلام مليون وحدة سكنية لأصحاب الدخول المتوسطة، وتم الشروع خلال الولاية الثالثة في انجاز 2.54 مليون وحدة سكنية جديدة بغلاف مالي يناهز 63 مليار دولار ويتوقع استلامها كليا قبل العام 2019. ونجح بوتفليقة في العام 2007 في دفع كلي للمديونية الخارجية قبل حلول موعد سدادها، وقدرت قيمة الديون التي دفعها 25 مليار دولار، ولا يتجاوز الدين الخارجي للجزائر عام 2013 ما نسبته 0.4 % من الناتج الداخلي الذي بلغ العام الماضي 209 مليارات دولار. السبب الثاني.. ساهم غياب البرامج القوية لدى منافسي بوتفليقة في الانتخابات الأخيرة في إبراز فارق كبير بين رجل يتحدث وفي يده حصيلة مادية، ومن جاء للحديث عن الوعود التي قد تتحقق وقد لا تتحقق إطلاقا في بلد يعتمد على النفط والغاز في تحقيق 99.3% من دخل العملة الصعبة. السبب الثالث.. يعتقد الكثير من المراقبين، أن غياب شخصية من الوزن الثقيل لمنافسة بوتفليقة ساهمت في تكريس فكرة "الذي نعرفه أحسن بكثير من الذي نجهله"، خاصة في ظل الاعتقاد السائد محليًا وعلى نطاق واسع، أن الانتخابات في الجزائر مرتبطة في ذهنية الناخب بالأشخاص ومدى الثقة الذي توضع فيهم وليس البحث عن البرامج. ورأى محمد لعقاب الأستاذ في الجامعة الجزائرية في حديثه ل"لأناضول"، أن منافسه على بن فليس، كانت له فرصة 10 سنوات كاملة لمراقبة طريقة ممارسة الحكم من طرف بوتفليقة، وتحضير بديل أفضل، لكنه لم يفعل منذ خروجه منهزما في انتخابات الرئاسة عام 2004. وأضاف أن بن فليس فوت فرصة لا تقل أهمية خلال العشرية التي فضل فيها الرجل الاعتكاف في بيته، وهي الاستفادة من خزان الكوادر الذي يتوفر عليه حزب جبهة التحرير الحاكم الذي كان أمينا عاما له بين عامي 2001 و2003، فبمجرد فوز الرئيس بوتفليقة بولاية ثانية في العام 2004 تم تسجيل موجة توبة جماعية من طرف إطارات الحزب الذين ساندوا بن فليس في انتخابات 2004 وعادوا للالتحاق بالركب ومنهم من قدم اعتذارا مباشرا لبوتفليقة بأنه غرر به. وقال الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير عبد العزيز بلخادم، إن الالتزام النضالي داخل الحزب الحاكم يمنعه من الترشح ضد الرئيس الشرفي للحزب وهو عبد العزيز بوتفليقة في إشارة قوية منه إلى أن الحزب وحدة واحدة وأن من يخرج عنه لا يمثل إلا نفسه، وهي "الشعرة التي قصمت ظهر بن فليس". السبب الرابع.. الحركة الواسعة التي أجراها بوتفليقة في مؤسسة الجيش سواء على مستوى قيادة الأركان وتعيينه لقائد أركان جديد هو الفريق أحمد قايد صالح والحركة الواسعة التي أجراها على جهاز المخابرات بعد عودته من رحلته العلاجية وتحييده لقائد جهاز المخابرات، الفريق توفيق مدين، وبالتالي بات الجو خاليا لبوتفليقة ليفعل ما يشاء وهو ما مهّد له للحصول على دعم جميع مؤسسات الدولة التي كانت تحسب ألف حساب لموقف العسكر وخاصة جهاز الاستخبارات الذي يدير خيوط اللعبة من وراء الستار. السبب الخامس.. قبول الغرب لبوتفليقة، خاصة وهم يرون أن الجزائر تحت حكمه تبلى بلاءً حسنا في حربها على الإرهاب الدولي، وفي منع آلاف من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين من الوصول إلى سواحل القارة التي أنهكتها الأزمة الاقتصادية العالمية. كما بات ينظر إلى الجزائر، في ظل حكم بوتفليقة، على أنها شريك موثوق الجانب في المجال الاقتصادي والأمني، وحتى من حيث الحدود الدنيا للحريات والديمقراطية والحكامة، وهذا ما يهم الغرب عندما ينظر إلى واجهة الأنظمة السياسية في العالم الثالث، بحسب قوي بوحنية أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الجزائرية. و ينتظر الجزائريون، وعود الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لتحقيق آمالهم وآحلامهم، لكن هل يستطيع أن يوفي بما وعد به الشارع الجزائري أم ستواجه عقبات تمنعه من تحقيق ذلك؟.