رغم ترأسه جلسة مجلس الوزراء الأخيرة عقب عودته من رحلة علاج مطولة في فرنسا، إلا أن الحالة الصحية الراهنة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقه الذي تخطي عمره ال ستة وسبعون عاما جعلت المشهد الجزائري أكثر ضبابية، حيث لم يترك بوتفليقه المجال لظهور قيادات أخري يمكن أن تكون بديلا مناسبا له، وإذا كان هاجس ما سمي بحرب العشرية السوداء في الجزائر والتي راح ضحيتها أكثر من 100000 قتيل. يهيمن علي قطاع واسع من بسطاء الجزائريين و يرون أن بوتفليقه الذي تنتهي ولا يته الثالثة في ابريل 2014 ضمانة للاستقرار والأمن، فإن قطاعا آخر لا سيما النخبة السياسية والمعارضة، يعتبران أن بوتفليقه لم يعد قادرا علي إدارة دفة الحكم في البلاد، وأنه بالفعل لم يعد يحكم، وأن التمسك به هو هروب إلي الأمام حتي يستطيع حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم توفير البديل المناسب، لذا فإنها تعارض بشدة الاتجاه لتولي بوتفليقه ولاية رابعة أو حتي التعديلات الدستورية المزمعة الرامية للتمديد له عامين قادمين حتي ابريل 2016، وتعتبر ذلك تحايلا مكشوفا علي المسار الديمقراطي. إلا أن الانقسام بين أحزاب المعارضة الجزائرية الضعيفة بالأساس وتباين مواقفها حتي الآن بشأن الانتخابات الرئاسية لعدم ثقة البعض منها في نزاهتها، يجعل صوت المعارضة ضعيفا ويزيد من فرص فوز الرئيس بوتفليقه بفترة رئاسة جديدة أو علي الأقل تمديد فترة ولا يته الحالية عامين قادمين. لكن المشهد في الجزائر الآن أعمق من مجرد استمرار الرئيس بوتفليقه في الحكم، حيث بات مستقبل الجزائر كله معلق و مرهون بشخص بوتفليقه فإذا كان السواد الأعظم من الجزائريين يتغاضون عن إصلاحات ملحة في نواحي شتي كالتعليم والصحة والإسكان والعمل طلبا للاستقرار في شخص الرئيس بوتفليقه، فماذا لو غاب بوتفليقه عن المشهد لأي سبب كان؟ إن الوضع الجزائري الآن يتجه نحو المجهول، في ظل تردي صحة الرئيس، وعدم وجود خيارات بديلة مقنعة للشعب الجزائري، وفي ظل الانغلاق السياسي والفساد المستشري والبيروقراطية الحكومية الطاغية وانخفاض العائدات النفطية بنسبة 4.5%، حيث أصبحت 27.5 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، ووصول نسبة البطالة 21.5 في المائة لمن هم دون 35 عاماً مقابل 10 في المائة بين باقي المواطنين بحسب صندوق النقد الدولي، وإن لم يتدارك القائمين علي الأمر خطورة الوضع و يغلبوا المصالح الوطنية علي المصالح الحزبية الضيقة، ويبادروا بإصلاحات حقيقية عاجلة تضمن مشاركة الجميع والتمهيد لانتخابات جديدة بمزيد من الشفافية، فإن الجزائر معرضة للانزلاق إلي طريق مجهول لا يعرف أحد إلي أين يودي بها..