أستاذ اقتصاد يُوضح أسباب انخفاض الدولار وارتفاع الذهب (فيديو)    توريد 85 ألف طن من محصول القمح إلى شون وصوامع سوهاج    ميدو بعد التتويج بالكونفدرالية: جمهور الزمالك بنزين النادي    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم بأسوان    ويزو: فيلم «اللعب مع العيال» حقق حلمي بالتعاون مع شريف عرفة    خبير تكنولوجى عن نسخة GPT4o: برامج الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى إغلاق هوليود    الديوان الملكى السعودى: الفريق الطبى قرر خضوع الملك سلمان لبرنامج علاجى    «الفن المصري الحديث».. «درة» متاحف الشرق الأوسط ويضم قطعا نادرة    بينها «الجوزاء» و«الميزان».. 5 أبراج محظوظة يوم الإثنين 19 مايو 2024    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    طقس سيئ وارتفاع في درجات الحرارة.. بماذا دعا الرسول في الجو الحار؟    مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح للنوم في الطقس الحار بدون استعمال التكييف    الصحة: طبيب الأسرة هو الركيزة الأساسية في نظام الرعاية الأولية    الكشف على 1528 حالة في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    قصواء الخلالي: نفي إسرائيل علاقتها بحادث الرئيس الإيراني يثير علامات استفهام    الاتحاد الفلسطيني للكرة: إسرائيل تمارس رياضة بأراضينا ونطالب بمعاقبة أنديتها    وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    جدل واسع حول التقارير الإعلامية لتقييم اللياقة العقلية ل«بايدن وترامب»    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    محافظ الوادي الجديد يبحث إنشاء أكاديميات رياضية للموهوبين بحضور لاعبي المنتخب السابقين    الجمعة القادم.. انطلاق الحدث الرياضي Fly over Madinaty للقفز بالمظلات    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    دعوة خبراء أجانب للمشاركة في أعمال المؤتمر العام السادس ل«الصحفيين»    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس الإسماعيلي ل في الجول: أنهينا أزمة النبريص.. ومشاركته أمام بيراميدز بيد إيهاب جلال    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التيار الإسلامي يفشل في تحويل موجة الغضب الشعبي الجزائري لصالحه
نشر في القاهرة يوم 11 - 01 - 2011

كان ملفتا إلي حد كبير اندلاع موجات الغضب الشعبي في الجزائر مؤخرا، احتجاجا علي ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وامتداد التظاهرات إلي عدة مدن، في الجزائر العاصمة، ووهران، والجلفة، وعنابة، وتيبازة، وبومرداس، وبجاية، والبرج، والشلف، وانفجار مواجهات بين شباب غاضبين والأمن الجزائري، وسقوط الضحايا في هذه المواجهات، في مشهد وصف بالعفوية أكثر منه نتيجة ترتيبات وراءها أية تيارات سياسية، وبلغ عدد المعتقلين الذين احتجوا علي غلاء المعيشة ( 1347 معتقلا ) بينهم ( 350 قاصرا ) .
وبينما غلب أن تكون نسبة البطالة المرتفعة (10 % 25 % ) هي سبب غضب الشباب، فقد ألمحت مصادر عديدة إلي أسباب أخري منها اجراءات الحكومة الجزائرية اتخذتها مؤخرا منها حملة التخلص من " السوق الموازية " وهي الأسواق العشوائية التي يستفيد منها عدد كبير من العاطلين عن العمل، بالإضافة إلي أسباب أخري تتمثل في تدني مستوي خدمات الإسكان، والكهرباء، ومياه الشرب،والخدمات الصحية، ووصول معدل الأمية إلي 1 . 31 %، مما وصفه البعض بانخفاض مستوي الأداء الحكومي، فضلا عن انتشار الفساد، وتعثر أية خطوة في طريق الإصلاح السياسي، وحماية الحقوق والحريات .
ولم تجد الحكومة الجزائرية بدا من اتخاذ اجراءات سريعة لإعفاء مستوردي ومصنعي وموزعي المواد الغذائية من 41 % من الرسوم الجمركية والقيمة المضافة والضريبة علي فوائد الشركات، حتي يمكن أن يؤدي ذلك إلي خفض الأسعار واحتواء الاحتجاجات الشعبية الغاضبة، كما قررت الحكومة منحة شهرية للشباب بقيمة ( 2500 دينار ) أي (32 دولارا ) للمتخرجين من الجامعات، ومراكز التأهيل العليا .
كان ملفتا أيضا، امتداد الغضب الشعبي إلي مستوي الاعتداء علي مباني الحكومة، وأفرع البنوك، ومكاتب البريد، وممتلكات محلية وأجنبية في عدة مدن شرقي الجزائر منها قسنطينة وجيجل وسطيف والبويرة .
كانت الجزائر قد شهدت موجات شعبية مماثلة في أكتوبر 1988، ابريل 2008، أكتوبر 2009، واندلعت الموجة الأخيرة اعتبارا من ديسمبر 2010، وتجددت في 5 يناير 2011 .
اقتصاد البعد الواحد
من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية مؤخرا قرارها بإجبار تجار الجملة علي استعمال الشيكات لتسديد المبالغ الكبيرة،كضمان وحيد للشفافية في المبادلات التجارية، الأمر الذي يعني بالنسبة للتجار ارتفاع المبالغ التي سيتعين دفعها للضرائب، باستخدام الشيكات اعتبارا من مارس القادم، ومن ثمة كانت موجة رفع الأسعار بصورة جنونية، أدت إلي اندلاع الاحتجاجات الشعبية، والمواجهات وحالة العنف التي سادت الشارع الجزائري .
كان الإجراء الذي اتخذته الحكومة قد أُثار جدلا، حيث تزدهر التجارة الموازية غير الرسمية لتصل مواردها إلي حوالي 6 مليارات يورو، وتؤدي إلي مضاربات خطيرة، ويعد تنامي الاقتصاد الموازي عبئا علي الدولة، ويمثل منافسة غير عادلة، ويعوق المستثمرين الأجانب، فضلا عن خسائر ضريبية تقدر بنحو مليار يورو . ولكن علي الجانب الآخر يري البعض أن قرار استعمال الشيكات لايتحمله القطاع المالي، كما أن القطاع غير الرسمي يمكن أن يشكل هو نفسه اسهاما تنمويا يؤدي إلي خلق الوظائف، كجزء من الاقتصاد الجزائري، خاصة وأنه في 2007، كانت الوظائف غير الرسمية تمثل 32 % من بين 25.8 مليون عامل جزائري، وهي نسبة ترتفع إلي النصف في قطاع التجارة ( 592 ألف شخص من أصل مليون و 140 ألفا ) . وتبلغ موارد القطاع غير الرسمي 17 من اجمالي صافي موارد العائلات، وتمثل مابين 3 6 مليارات يورو، في مجالات رئيسية هي الصناعات التقليدية، النقل، البناء، التجارة .
علي كل، فإنه بعد هبة الشارع الجزائري غضبا من ارتفاع الأسعار، تراجعت الحكومية عن قرار استعمال الشيكات، واضطرت حكومة الوزير الأول أحمد اويحيي للتقهقر في عز المعركة، وعلق محلل جزائري بقوله : إن الدولة تراجعت أمام ضغط أصحاب التجارة الموازية الذي يشبه (ضغط المافيا) .
وقد جاءت هذه التطورات في ظل تقديرات عامة بالنسبة للاقتصاد الجزائري تشير إلي توقعات مغايرة . فوفقا لصندوق النقد الدولي، تشير التوقعات إلي أن الاقتصاد الجزائري سيحقق خلال العام 2011 معدلا للنمو يصل إلي 4 % في مقابل 3.8 % خلال 2010، 4 . 2 % خلال 2009، غير أن القضية التي ركز عليها صندوق النقد الدولي هي اعتماد الاقتصاد الجزائري، حتي اليوم، علي موارد المحروقات بالدرجة الأولي ( كمصدر رئيسي لموارد الدولة ) . وإذا كان الاقتصاد العالمي بأزماته ينعكس مباشرة علي الاقتصاد الجزائري سلبا وإيجابا، إلا أنه لايمكن إغفال الضرورات التي تواجه اقتصاد الجزائر وفي مقدمتها : أهمية انشاء قطاعات انتاجية أخري قوية، وانعاش قطاع خاص يوفر فرص العمل، خاصة وأن نسبة البطالة آخذة في الارتفاع . علي كل، فحسب بيانات رسمية، تبلغ احتياطيات الجزائر من النقد الأجنبي 155 مليار دولار في نهاية 2010 لارتفاع أسعار النفط والغاز، وتؤكد وزارة المالية أن مستوي الاحتياطيات سيمكن الجزائر من مواصلة البرنامج الاقتصادي مع توفر هامش أمان للأعوام المقبلة، وتقدر تكلفة برنامج الإصلاح الاقتصادي الجزائري بنحو 286 مليار دولار علي مدي خمس سنوات . وقد خفضت الجزائر، عضو منظمة الدول المصدرة للنفط " أوبك " بدرجة كبيرة الدين القومي، وتعتمد بشكل متزايد علي مواردها الذاتية لتمويل برنامج التنمية، علما بأن مبيعات الجزائر من النفط والغاز إلي الخارج تشكل 97 % من صادرات البلاد .
ولكن عموما، لايخفي أن الاقتصاد الجزائري يعاني من حصيلة عقود من سيطرة الدولة علي كل قطاعات الانتاج، بالإضافة إلي سنوات الحرب الأهلية، التي كلفت الاقتصاد حوالي 23 مليار دولار . وبالرغم من تحسن الوضع الأمني منذ سنوات، إلا أن ذلك لم ينعكس بصورة إيجابية علي الحالة الاقتصادية. وقد تمكنت الحكومة من استثمار 30 مليار دولار سنويا، أي ما يربو علي 150 مليار دولار اعتبارا من 2005، ولكن بدون انعاش قطاعات الانتاج، وبدون تشجيع للنفقات، خاصة النفقات الاجتماعية، التي تمس مباشرة نوعية الحياة.
ويؤكد مستشار وزير التجارة إن قرار الحكومة الذي اتخذته مؤخرا، بإلغاء كافة الرسوم الضريبية، علي السكر والزيت للشهور الثمانية بسبب الاحتجاجات، سيكلف الدولة 30 مليار دينار ( 300 مليون يورو)، وأن المخزونات التي تتوفر لدي تجار التجزئة وتجار الجملة ستنفذ مع نهاية الشهر الحالي، وأن المخزونات المتوفرة لدي المنتجين، ستنفذ في منتصف فبرايرالقادم!
تدهور مجتمعي
يبلغ عدد سكان الجزائر 7 . 35 مليون نسمة، حسب احصائية ابريل 2009 . ويغلب الشباب علي تركيبة الفئات العمرية، ويشكل من تقل أعمارهم عن 15 سنة 40 % من السكان، فيما يشكل الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة 1 . 4 % فقط .
وتعد الجزائر من الدول النفطية الغنية بثرواتها وامكانياتها، وتتسابق الدول والشركات العالمية للاستثمار في مشروعاتها، ومع ذلك، تصل نسبة البطالة في الجزائر وفقا لبعض التقديرات إلي 30 %، كما أن هناك تسعة ملايين شخص تؤكد البيانات أنهم يعيشون تحت خط الفقر، بالإضافة إلي المشكلات الأخري التي تعانيها الجزائر والدول النامية عموما وهي: الفساد، وهدر المال العام، والبيروقراطية . ويبدو أن النظام الاقتصادي والاجتماعي القائم علي الريع النفطي في الجزائر يقف عاجزا عن الاستجابة لمطالب السكان المتزايدة في ظل زيادة ديمغرافية تصل إلي 300 ألف شخص سنويا .
وتمثل الجزائر حالة دولة نفطية لم تستطع تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الريع النفطي علي فئات الشعب الجزائري، الأمر الذي ساهم في نشوء طبقة صغيرة مستفيدة ( حول السلطة ) ومشّكلة من مجموعات الحزبيين، والبيروقراطيين، والعسكر، وقادة الأجهزة الأمنية، وكبار التجار . وبينما يعيش 6 .5 % من الجزائريين تحت عتبة الفقر، فإن 45% من الثروة مركزة في أيدي 5 % من الطبقة الحاكمة . ويعيش 1 . 15 % علي أقل من دولارين في اليوم.
وتؤكد دراسات جزائرية أن نحو 9 ملايين من الشباب لا يجدون سبيلا للاستقرار الاجتماعي، ولايتمكنون من الزواج، وتؤكد تقارير من برنامج التنمية للأمم المتحدة أن صعوبات الزواج تنتشر بين الرجال بنسبة أكبر من 5 %، وبين الإناث بنسبة 27 %، وتبلغ نسبة المطلقات 36 . 9 % . وتحت تأثير الصعوبات الاقتصادية، يتزايد عدد الشباب الهاربين إلي الخارج، وحالات الهجرة غير الشرعية، وخاصة إلي فرنسا، وهناك عشرات القضايا أمام المحاكم الفرنسية في هذا الصدد. هذا، بالإضافة إلي ارتفاع معدلات الجريمة، وخاصة جرائم التزوير، وانتحال الألقاب، والأسماء والوظائف، وانتشار المخدرات بين الفئات من 19 50 سنة بنسبة 81 % مما يمس الفئات الأكثر حيوية في المجتمع .
أزمة نظام
يقول كاتب جزائري إنه منذ الاستقلال، فإن كل زعيم جزائري يتطلع إلي أن يقوم بوضع قواعد اللعبة السياسية بنفسه، واتخاذ القرارات السياسية النهائية، من دون منازع، وكأنه بوسعه البقاء في الحكم علي الدوام.
ولا تخرج صيغة الحكم الحالية في الجزائر عن هذه القاعدة، بالرغم من وجود شواهد تؤكد أن سلطة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تواجه معارضة حادة، من داخل مؤسسة الحكم، حيث اشتبك عدد من شباب حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم مع مسئولين حزبيين في بعض المناطق، وطالبوا بتنحي زعيم الحزب ( الشرفي ) بوتفليقة، ووجهوا انتقادات حادة إلي عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لجبهة التحرير، والذي يشغل منصب وزير الدولة والممثل الشخصي لبوتفليقة، مما وصف بمقدمة للتصدع داخل الحزب، وانقسامات وخلافات علي توزيع المناصب، قد تؤدي إلي إضعاف سلطة الرئيس، وتكهنات بأن شيئا ما يدبر في مواجهة الرئيس .
وتسيطر جبهة التحرير الوطني، التي كانت في مركز السلطة أو قريبة منها منذ الاستقلال عن فرنسا في 1962، علي البرلمان، وينتمي غالبية الوزراء في الحكومة إلي أحزاب التحالف الرئاسي ( حزب جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، حركة مجتمع السلم ).
ومن المعروف أن الجزائر شهدت تطورات فارقة منذ أحداث 1988، ثم دستور 1989 الذي كرس دولة القانون، وأقر التعددية الحزبية، وألغي النهج الاشتراكي، وقلص دور جنرالات الجيش في السياسة وفرض عليه الحياد، وفي سنة 1996 جاءت التعديلات الدستورية بإنشاء مجلس الأمة، وفي 2002 تم الاعتراف بالأمازيجية ( مادة 3 مكرر ) من الدستور، وفي 2008، جاء التعديل الدستوري الذي أقر في المادة ( 4 ) إمكانية انتخاب رئيس الجمهورية لمدد غير محددة، وحاليا يسعي الرئيس ومناصروه لإجراء تعديلات أخري علي الدستور لجعله " أكثر حداثة " .
فشل أحزاب المعارضة
وفي الجزائر 40 حزبا سياسيا، أكبرها حزب جبهة التحرير الوطني المساند للرئيس بوتفليقة، وأكبر أحزاب المعارضة هو حزب جبهة القوي الاشتراكية، بعد حل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1992 .
وخلال أزمة الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، التي اندلعت في20 ولاية من أصل 48 ولاية جزائرية، نادت أحزاب حركة السلم (إسلامي)، وحزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ،باتخاذ اجراءات ملموسة للتخفيف من حدة التوترات الاجتماعية، وفتح باب الحوار المجتمعي، واعتبرت جبهة القوي الاشتراكية التي يتزعمها القيادي التاريخي حسين آيت أحمد أن الارتفاع الأخير للأسعار أجج شعور انعدام الأمن والخوف لدي الجزائريين، ولكن بوجه عام تمثل أحزاب المعارضة الجزائرية نموذجا للفشل في تحريك العملية السياسية، أو استيعاب المطالب الجماهيرية، وهي لاتمثل سوي مرتعا حيا للفساد والبيروقراطية والتهميش، وهي ككل الأحزاب العربية لاتقترب من المواطن إلا في موسم الانتخابات. وتقوم السلطة من ناحيتها بإجهاض أي نشاط حزبي إيجابي، ووفقا للطوارئ، تحظر المظاهرات، او الاجتماعات وتعتبر أحزاب المعارضة (مطالب السلطة) سيفا مسلطا علي رقابها .
ويبقي الأمر منوطا ببعض تنظيمات المجتمع المدني، والتي تخنق السلطة تحركاتها أيضا، وكما يعلق رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان علي الأحداث الأخيرة بقوله إن الغضب الشعبي جاء نتيجة مباشرة لنظام سياسي أغلق كل مساحات التعبير، ويستمر في فرض حالة الطوارئ منذ عام 1992، ويمنع التظاهر، ويكمم أفواه أحزاب المعارضة والجمعيات، وكل قنوات الوساطة الاجتماعية .
المستقبل .. ودلالات سياسية
عندما اندلعت موجة الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، وامتدت إلي عدة مناطق في أنحاء الجزائر، فإن السلطات اتهمت التيار الإسلامي بإشعال الفتنة، وقامت بالفعل باعتقال بعض رموز جبهة الإنقاذ، والحقيقة أن التيار الإسلامي، سعي بالفعل إلي ركوب موجة العنف والانتفاضة الشعبية، ووجه الرئيس السابق للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة عباس مدني، من منفاه في قطر نداء لمناضليه بالانضمام إلي الحركة الاحتجاجية، ولكن جاء ذلك بعد وجودها الفعلي في الشارع الجزائري، غير أن الشواهد دلت علي انصراف الشارع عن خطاب الإسلاميين، ذلك أن شباب الجزائر خاصة المولودين بعد 1990 لايهتمون بهذا الخطاب حاليا ، لانشغالهم بالإنترنت، وتقليد أساليب الحياة الغربية، وعموما لم يعد الخطاب الإسلامي ( المسيس ) له نفس الجاذبية التي كانت تستقطب فئات الطبقات الوسطي والفقراء كما كان منذ سنوات .
لذلك، ولأسباب أخري، تبدو مشكلة الجزائر، أكبر وأكثر تعقيدا، فالجزائر دولة، تمتلئ خزائنها بالمليارات، ولكنها تعجز، مثل دول عربية أخري عن بناء نظام سياسي واقتصادي واجتماعي قادر علي تحقيق التنمية والتقدم في مختلف المجالات، وتلبية الاحتياجات المعيشية للمواطن بما يحقق كرامته وانسانيته . وفي المناسبات السابقة التي شهدت هبات شعبية لأسباب معيشية، كان يكفي انفاق عدة ملايين في بعض المناحي لتسكين الشارع، ولكن إلي حين، حتي تتجدد الأحداث من جديد . وفي الأحداث الأخيرة، بدا بوضوح عمق واتساع الفجوة المتزايدة بين السلطة والشارع، في ظل حالة انغلاق سياسي شبه تامة، ويتردد أنه مهما بلغت الإجراءات المؤقتة وإنفاق عدة ملايين أخري، فإن ذلك لن يكون بديلا بحال من الأحوال عن حتمية إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة، تصل ثمارها الحقيقية إلي المواطنين مباشرة.
ومما يضاعف من المخاطر التي تواجه الجزائريين، تردد أنباء حول تجدد( الإرهاب )، وذلك بعد حالة الاستقرار التي تحققت أمنيا منذ اعتماد قانون المصالحة الوطنية الذي أقره الرئيس بوتفليقة في سبتمبر 1999، ومما يتردد أن منطقة القبائل، ووسط البلاد، وبعض المناطق النائية، يعشش فيها الارهاب، أما رد الفعل الرسمي علي ذلك فقد تمثل في تصريحات وزير الداخلية الجزائري " دحو ولد قابلية " باستعداد الحكومة لإعادة تسليح السكان، وتوزيع الأسلحة التي سبق جمعها من المسلحين ليتولي السكان الدفاع عن أنفسهم، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مصير عملية المصالحة الوطنية مجددا، ومدي التزام الدولة بفرض القانون والنظام، كدور أساسي لاغني عنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.