"حقوق أسيوط" تحتفي بمتفوقيها وتستعد لدعمهم ببرنامج تدريبي بمجلس الدولة    خسائر أسبوعية عالميًا.. سعر الذهب اليوم السبت 16 أغسطس 2025 وعيار 21 الآن بالصاغة    بعد حريق محطة الحصايا.. إعادة تشغيل الكهرباء بكامل طاقتها بمركز إدفو    محافظ بورسعيد يناقش آليات الارتقاء بمنظومة الصرف الصحي ومياه الشرب    وزيرة البيئة: اتخاذ إجراءات تطويرية خاصة بمحمية وادي دجلة تعزيزًا لحمايتها    منذ بداية الحصاد.. 520 ألف طن قمح تدخل شون وصوامع المنيا    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره الجزائري    «حادث وادي الحراش».. إعلان الحداد الوطني وتنكيس الأعلام بعد مصرع 18 شخصًا في الجزائر (فيديو وصور)    نجم باريس سان جيرمان بين قطبي مانشستر    «شعرت بنفس الشعور».. سلوت يعلق على بكاء صلاح بسبب تأبين جوتا    «شرف ما بعده شرف».. مصطفى شوبير يحتفل بارتداء شارة قيادة الأهلي    نجم بيراميدز يتحدى الجميع: سننافس على كل بطولات الموسم.. ويورتشيتش «كلمة السر»    تفاصيل إصابة 6 أشخاص في تصادم دراجات نارية علي طريق في الدقهلية    إصابة 9 أشخاص باشتباه في تسمم غذائي إثر تناولهم وجبات بمكان ترفيهي بالشرقية    ضبط 6003 قضايا بمجال الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    ضبط 35 شيكارة دقيق مدعم و150 قالب حلاوة طحينية مجهولة المصدر في كفر الشيخ    رابع سهرات مهرجان القلعة.. يحييها هشام عباس وكايرو كافيه الاثنين    والدة الفنان صبحي خليل أوصت بدفنها بجوار والدها في الغربية    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    وزير التعليم العالي يبحث مع نائب حاكم الشارقة سبل زيادة التبادل العلمي    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يوسّع دائرة اعتداءاته جنوب لبنان    انطلاق البطولة العربية الأولى للخماسي الحديث للمنتخبات والأندية تحت 15 عامًا    بدء اجتماع مجلس المحافظين.. وقانون الإيجار القديم الأبرز    انطلاقة قوية لفيلم "درويش".. 8 ملايين جنيه في أول 72 ساعة عرض    جريئة أمام البحر.. أحدث ظهور ل ياسمين صبري والجمهور يعلق (صور)    وكيل الصحة بسوهاج يحيل المتغيبين بوحدة جزيرة شندويل للتحقيق    تنفيذ 47 ألف زيارة منزلية لعلاج لكبار السن بالشرقية    حازم الجندى: بيان ال31 دولة عربية وإسلامية يمثل تحولا نوعيا في آليات المواجهة السياسية والدبلوماسية مع إسرائيل    السيسي يوافق على ربط موازنة الجهاز المصرى للملكية الفكرية لعام 2025-2026    بالتعاون بين الشركة المتحدة والأوقاف.. انطلاق أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية    تقليل الاغتراب 2025.. أماكن الحصول على الخدمة للمرحلتين الأولى والثانية    ماذا حدث في أوكرانيا خلال قمة ألاسكا بين بوتين وترامب؟    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    تشييع جثمان شاب لقي مصرعه غرقا داخل حمام سباحة ببني سويف    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    علماء يلتقطون أول صور ثلاثية الأبعاد لزرع جنين داخل الرحم    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    في صورة انتقال حر.. بيرسي تاو ينتقل إلى نام دينه الفيتنامي    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    إنقاذ سائق وتباع بعد انقلاب سيارتهما أسفل كوبري أكتوبر| صور    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتفقد 5 مستشفيات بالمحافظة لمتابعة الخدمات    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    عملة ترامب الرقمية ترتفع بنحو 2.3% على إثر قمة بوتين- ترامب    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    وزير الدفاع الروسي: المزاج ممتاز عقب المفاوضات في ألاسكا    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر أحمد البوق: أكتب حينما ينفجر السد!
نشر في محيط يوم 05 - 08 - 2007


الشعر كالسيل .. أكتب حينما ينفجر السد!

ماذا سيًمْنَحُكَ الهَوَي ..بحراً من الفيرزِ
أم ورداً معتقَ ..أم جَويَ ..
يا أيها الماضي إلي الكلمات تبذُرَها
وتحرثُ ما استجدّ من النَويَ
بستانُ شعرِكَ قاحلٌ من دونهَا
وعيونُ قولِك يستبدُّ بها العمي ..
قدَرُ الهَوَى أن لا يكونَ كما نري
قدَرُ الهَوَى في أن يظلَّ على الَهوى

الزميل-هاني-ضوَّه-مع-الشاعر أحمد البوق
حاوره: هاني ضوَّه
ما أجمل أن يجتمع الشعر والموسيقي في مكان واحد .. فعلى أنغام تخت شرقي التقيته .. نتكلم حيناً ونستمع لأنغام الموسيقي حيناً آخر .. عمله في مجال البيئة وسط مناظر الطبيعة أتاح له فرصة أرحب للإبداع، واستلهم من الجبال اسم مولوده الأول في عالم الشعر "أحاميم"، إنه الشاعر السعودي "أحمد البوق" والذي كان لشبكة الأخبار العربية (محيط) معه هذا اللقاء.
• محيط: ولدت في المدينة وبدأت أسفارك مع جدتك وخالك إلي الرياض ثم الجامعة في جدة؛ ثم عدت إلى المدينة، لنتحدث عن الشاعر البوق وبداياته ؟.
البوق: بالفعل ولدت في إحدى حارات المدينة المنورة عام 1965م، وعندما بلغت الثالثة من العمر انتقلت إلى الرياض مع جدتي حيث تقيم ، وبعد عامين عدت مرة أخرى للمدينة ، ودخلت الجامعة في جدة ، وبعد التخرج وإلي الآن أعمل باحثاً بيئياً في الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها ، وأنا متزوج ولدي ثلاثة أبناء إبراهيم 10 سنوات، حسين 7 سنوات، ورنا 14 سنة.
• محيط : في أي حالة تكتب الشعر وفي أي وقت، وهل لك طقوسا خاصة وقت الكتابة ؟
البوق: من منطلق أن القصيدة تكتبك ولا تكتبها فهي تفرض نفسها عليك وليس العكس فليس هناك طقس محدد ولكن في اغلب الأحيان أفضل الوحدة عند الكتابة سواءا في البيت أو السيارة أو على جبل، وغالباً لحظة الكتابة نفسها أكون واعيا لغيابي لأن القصيدة تفرض وجودها عليك فبالتالي إذا تلبستني الحالة أبدأ في الشعور كأني أنا لست أنا لذلك لابد أن أكون وحدي ، ولو كنت بين مجموعة بشر وتلبستك الحالة الشعرية يجب أن تنأى بعيداً حتي تتلقى الإلهام فلحظة الكتابة الشعرية ثقيلة جداً، وقد تكون لديك الإحساس الشعري ولم تصل للذروة المطلوبة .
الوحدة عندي ليست في الكتابة فحسب ولكن أيضا في القراءة والحياة والتأمل ، فالوحدة تعطي عمقا للرؤية وتجعلك ترى ما بداخلك أكثر مما يبدو عليك من الخارج.
عندما كنت في المرحلة الإبتدائية كنت أقرأ وأحفظ كثيرا من أبيات من الشعر الجاهلي وغيره ، وجئت لمصر عام 1982 أي قبل 18 عام وذهبت للصعيد وأقمت بالبياضية قرب الأقصر وتعرفت على صديق في الباخرة من أهل الصعيد أصَرَّ أن يستضيفني، واحتفوا بي بشكل لا يوصف وكنا نجلس تحت شجرة الجميز، وفي يوم ذهبت مع صديقي هذا إلي صديق له مدرس وعرف أني أقول الشعر، فعملوا لي أمسية صغيرة بين الطلاب في مكتب المدرسين، وعندما أعجبهم الشعر صرف المدير الطلاب وجلسنا سوياً وكانت هذه أولى الأمسيات التي احضرها.

• محيط: ديوانك أحاميم .. استخدمت فيه الرمز للتعبير عن فكرة الديوان .. فماذا اردت برمز "الأحاميم" ؟!!!
البوق: العناوين موضوع خلافي بين الشعراء والمبدعين لكن وجهة نظري أن العنوان يجب أن يعبر عن الديوان كاملاً، وليس عن جزء من الديوان، لذلك ليس بالضرورة أن يكون عنوان الديوان هو عنوان قصيدة، وليس بالضرورة أن تكون العناوين جزء من قصيدة، وقد اعترض بعض أصحابي على اسم "أحاميم" واعتبروا أنها قريبة الشبه من بداية سورة قرآنية ب "حم" !!
الحقيقة أنني قصدت بالعنوان ثلاثة جبال صغيرة في ظهر جبال "السروات" كنت أعيش بجانبها ما يقرب من ثمان سنوات، وقد ارتبطت بها كثيرا على الرغم من أن من يعيش بجوار سلسلة الجبال الضخمة لن يتمكن من ملاحظة تلك الجيال الصغيرة والتي تكون هامشية ، وهذه بالضبط فكرة الديوان ، حيث يتناول الفتاتات الصغيرة التي لا ينتبه لها الناس رغم أهميتها ، وللعلم فإن كثيرا من النصوص المحببة إلى قلبي استبعدتها من هذا الديوان الأول لي ووضعتها في ديواني الثاني "منكسر باعتداد".
• محيط: الإنكسار كلمة محبطة تقود لدهاليز تشي بأن شيئاً مراً يعبر الوقت ويحيله لحطام .. اخترته عنواناً لديوانك الثاني .. فما الذي أدى لإنكسارك .. ولما سميته بهذا الإسم على الرغم من عدم وجود قصيدة تحت هذا المسمي؟!!!
البوق: كل شئ كسرني .. دعني اخبرك أن "منكسر باعتداد" هو جزء من قصيدة بل جملة من قصيدة، أما عن سبب اختياري لهذا الاسم فأنا حريص جداً عندما أنجز عملاً شعرياً أن أتركه بعد كتابته فترة من الزمن قد تصل لشهور، وأحياناً سنة حتي أنفصل عنه، ولا أكون منحازا له ثم أعاود قراءته من جديد كقارئ له لا كشاعر .
احترت كثيرا في اختيار اسم الديوان الثاني ، واستشرت أصدقائي ولم أفلح في الحصول على عنوان مناسب للعمل ، وجلست أقرأ الديوان في ليلة تجلي وبإحساس جد مختلف حتى وقعت عيناي على هذه الجملة "منكسر باعتداد" .
في قصيدة "العقد الثالث" والتي تقول:
وكنُتُ وحيداً
لم أحتمِ بشراع السرير
لم أحَتمِ بالجدار
ولا بدفء العبارات حيت تمر على خاطري
كنتُ كمثل القمر
حين تفاجئُهُ بالنهار
حزين على الرغم مني
و"مُنكَسرٌ باعِتِدَادْ"
وفي خلسة من زوايا المكان
يلمُّ شتاتي مقعد من خشب
ليس عندي كتب
ليس عندي ورق
ولم أستطع أن أحيل الدماءَ
التي تسيل بطيئاً بكل مسارب قلبي لحبر
كنت ذاك الذي
- كلما اهتز ضوء الشموع -
مرتعشاً في الجدار
كنتُ ذاك الغبار
وكان المطر داكناً
والورد في غرفتي يحتضر
وعلى كتفي ..
ثلاثون علامة من الانتظار
تستطيع أن تقول أن كل ما في الديوان انكسار ولكن انكسار معتد ؛ بمعني أنني أنظر للإنكسار بشكلين، إنكسار مذل وإنكسار باعتزاز، فالإنكسار المذل هو ما يجعلك تشعر أنك كسرت لأنك عجزت عن شئ، لكن الإنكسار باعتداد هو انكسار خارج عن إرادتك ولا ينبع من تقصير منك ، ومنه التعرض لمصائب قدرية مثل فقدان من نحب وقد تنكسر بعد موته .
أما عن نفسي فقد كسرتني كثير من القضايا العامة ، وستجد أن الديوان عبارة عن جزأين الأول يتناول قضايا عربية ، والثاني يتناول الإنسان ذاته والمهمش أو المطحون في وطنه .
• محيط: الإبل .. قصيدة ألقيتها في أمسية الفيوم خلال فعاليات أيام الثقافة السعودية التي أقيمت في مصر نهاية العام الماضي وقلت أن لها حكاية .. فما هي حكايتك مع الإبل .. وماذا حركت فيك لتحكي عن جمل ؟!!!
البوق: كل قصيدة كتبتها وراءها قصة ، وبالنسبة للقصيدة التي تتحدث عنها فأذكر أن صديقا لي بريطانيا يعمل مصور وهو جذور استرالية يدعى "مايكل ماكينر" وقد صور ثلاثة أفلام شديدة الأهمية حول الجزيرة العربية ، يملك شركة خاصة للإنتاج السينمائي ، وقد جاء صديقي للمملكة العربية السعودية أثناء تحضيره لفيلم ، وطلب مني أن أرافقه للترجمة .
كانت الرحلة هذه المرة في منطقة "الربع الخالي " ، أذكر أننا أثناء جولتنا وجدنا قطيع من الجمال ، ورأينا ناقة أنجبت منذ فترة قريبة حوارة وكانت ترضع منها بشكل جذاب ، وهذا المشهد حرك صديقي البريطاني للتصوير ، وحاول أن يقترب من الناقة وصغيرها ليصورها فسمعنا صوت من بعيد يقول لنا لا تقترب منها ، لا تلمسها، وكان هذا هو صاحبها البدوي، فقلت له إننا سنصورها فقط، فقال لا ، وذكر ذلك الرجل البدوي أنه تربى مع تلك الناقة التي بينه وبينها مودة وعشرة .
بعد حوالي خمسة أيام ذهبنا لسوق الإبل في حائل لتصويره ، وعندما ذهبنا للسوق فوجئنا بوجود تلك الناقة والفصيل معها في السوق والبدوي صاحبها يبيعها، وكان الموقف صادم بالنسبة لنا، وذهبت لأتابع عملية بيعها، وكيف أن هناك الكثير يتحسسوها لمعاينتها والناقة لا تري الناس لأنها أعلى منهم، ولكن عيونها كانت تطارد البدوي والبدوي يهرب بعيونه منها، واستلم نقود بيعها وغادر بسرعة، بعدها غادرنا الفندق وجائتني الحالة الشعرية فلم استطع النوم وبدأت في كتابة قصيدة "الإبل" الساعة الرابعة فجرأ، ونمت بعدها مباشرة، وعندما استيقظت وقرأتها لم أكن أصدق أنني من كتبت هذه القصيدة، تقول بعض أبياتها في حوار بين الجمل وصاحبة البدوي:
كم مرة يا ابن أمي
سيخبرك الزبد المرُ
أن سكينك أهون من صرختي في المزاد
وأن تترك الدون
حالك دوني
خلق مجمعةٌ كالجرادْ
وأنت على مقتلي شاهدٌ
• محيط: لكل مرحلة عمرية ما يميزها ، فهل يتغير الشعر بتغير عمر شاعره ؟
البوق: الإحساس يختلف من مرحلة ومن تجربة لأخرى، لكن لا أتصور أن المرحلة العمرية تفرض كتابة الشعر بطريقة معينة، أعتقد أن الشعر يملي عليك ماذا تكتب، فليس هناك شاعر حقيقي يجلس ليكتب قصيدة، فالقصيدة يمكن أن تنتزعك من الفراش وأنت في غاية التعب، وممكن أن تشفيك من المرض وتهديء من القلق ، وفي العصر الجاهلي كانت القصيدة تدير حرب وتنهي حرب، القصيدة أشبه بسيل في صحراء تتجمع مياهه في جداول صغيرة تصب على وادي فيه سد، وهذا السد له قدرة احتمالية معينة حتي يغلبه الماء فينفجر، هذه هي القصيدة الحقيقية.
• محيط: المرأة وأحمد البوق .. علاقة كيف تصفها، ولماذا تحتل هذا الحجم بقصيدتك؟
البوق: لأنها عظيمة وعميقة ولأنها جميلة جداً، فعلاقة الرجل بالمرأة علاقة أزلية منذ أن كان في بطنها حتي يصير في حضنها، بمعنى أنها أبعد من علاقة بين اثنين، أراه أمرا ينطلق من بعد حسي ومن الممكن أن تصل بالعلاقة لبعد صوفي ، فالمرأة كائن غريب ساحر وقد يكون قاتل وقد تكون ملهمة ، هي الشئ وضده.
في ديواني الجديد "جنة" تكاد كل الأبيات تكون عن المرأة ، و"جنة" اسم رمزي أو حقيقي فالجنة هي المرأة بالنسبة لي، وأجد أن الشاعر إذا كان في حالة حب ستختلف القصيدة وتخرج مفعمة بالوله والعشق ويشبه هذا مع الفارق الحالة الصوفية عند العابد ، والتشابه في أن كل منهمها يكون في حالة توغل لتفاصيل دقيقة لا يلحظها الكثيرين .
• محيط : كنت مشرفاً على اللجنة النسائية بنادي الطائف الأدبي، بماذا تقيم الحضور النسائي الأدبي في المملكة ؟
البوق: بالطبع لدينا مبدعات سعوديات ، وموهبة بعضهن سطعت بالخارج ، حتى طبعت اعمال أدبية نسائية سعودية بخارج المملكة ، داخل المملكة نجد الأمر لا يخلو من المشكلات ، وعلى سبيل المثال هناك الكثير من الأندية الأدبية في السعودية ليس بها قاعات للنشاط النسائي، وللحق فإن التوجه الحديث لوزارة الثقافة والإعلام بالبلاد هو إنشاء قاعات نسائية في كل الأندية الأدبية وتكريس مشاركة المرأة في الحوار العام والشأن الثقافي بشكل أساسي عبر الأندية الأدبية، وعلى سبيل المثال نادي الطائف الأدبي تم التعاقد لإنشاء قاعة نساء به .
المشكلة برأيي هي في وهم الخصوصية الذي يعيش فيه كثير من مثقفينا ، والتي لا أرى أنها تساوي سيف مسلط ضد التحديث والحياة ، وإلا فأنا أول المتنازلين عن خصوصيتي .
• محيط : في إحدى الأمسيات التي أقامها نادي مكة الأدبي حضرتها أنت والشاعر "مسفر الغامدي"، وبعد أن استمع الكاتب "عبدالله فراج الشريف" تراجع عن رأيه في شعر الحداثة .. في رأيك ما الذي جعله يتراجع ؟!
البوق: سأقول لك على أمر لم أقله حتي لعبدالله فراج فأنا أقرأ له ولكن لم أكن أعرفه شخصياً ، فقط كنت أعرف أنه مناهض بشدة لشعر الحداثة، بل لا يعتبره شعراً أساسأ، وقد لمحته بالصف الأول خلال الأمسية يكتب ملاحظاته تعقيبا على القصائد الملقاة ، وطلب فراج التعليق، وتوقعت سيلا من الانتقادات والخلافات معنا من جانبه ، وفوجئنا جميعا به يقول "أنا أريد أن أعلن من هذا المنبر أنني أتراجع عما كنت متمسك به لعقدين من الزمان تقريباً بأن الشعر الحديث ليس شعراً، وأقول في هذه اللحظة أن الشعر الحديث شعر وأنا أعترف به وعلاوة على اعترافي به لقد استمتعت به".
سمعته وشعرت بفرحة كبيرة جداً كأن شخصاً أهداني جوهرة ثمينة، ليس لشئ، ولكن لأنني أكبرت بالأستاذ "عبدالله" لجرأته، ما اعجبني فيه أنه جاء ليسمع شعرا بعيدا عن التأهب بالقوالب الجاهزة ، الأسبوع اللاحق للأمسية كتب الأستاذ عبدالله صفحة كاملة في جريدة "المدينة" عنها وعن موقفه الجديد من الشعر الحديث.
• محيط : انصرف الجمهور منذ أكثر من ربع قرن للثقافة الواحدة بدلا من المتعددة الرحبة، وتعاني الأندية الأدبية من غياب الشباب ، ما السبب برأيك؟
البوق: كارثة إن اعتبرنا أن المشكلة من الجمهور ، والمشكلة في طريقة العرض، وكثيرا ما يتفاعل الحضور مع الأمسية الشعرية والشاعر، فطريقة تقديم الشعر هي التي تعيده لذاته، ومن العوامل التي تجذب المتلقين الألفاظ والتعبيرات التي يستخدمها الشعراء، وعلى سبيل المثال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش يجتمع في أمسيته أكثر من ألف متلقي، لأنهم رأوا مستوى راقي من الشعر وكذلك في التقديم، وأخيراً فلابد للشاعر أن يلمس هموم الناس حتى وإن منطلقا من هموم شخصية .
• محيط : كان لك دور هام في إعداد ملف المملكة السعودية الثقافي لدى معهد جوتة، فما هو هذا الدور، وماذا أضاف لك ؟!!!
البوق: ملف معهد جوتة كان ملف حول القصة وليس الشعر، وهو مشروع بمناسبة معرض الفرانكفورت 2004 وكان ضيف الشرف هو العالم العربي فاتصل بي صديق ألماني من معهد جوتة ، وأخبرني أن لديهم مشروع النشر الإلكتروني "مداد" وبحيث يختار من كل دولة عربية حوالي خمسة أسماء أدبية من الجنسين كنماذج تقدم السرد في العالم العربي للجمهور الغربي .
ويتابع البوق: الحق أنني سررت بالفكرة جداً واعددت لبرنامج بناء على معايير وضعها معهد جوتة تتضمن عمر الأديب وتجربته والترجمة عنه، ورشحت حوالي عشرة أسماء وأرسلتها ليختاروا منها فاختاروا ستة أسماء سيدتين وهما نورة الغامدي وليلى الجهني، وأربعة رجال هم يوسف المحميد، عبده خال، محمود تراوري، وعبدالله التعزي بعد ذلك بدأنا في اختيار قصة قصيرة ومقطعين أو ثلاث من الروايات، وكان أمر صعب جداً، لأنك تجلس مع الكاتب ويختار هو المقطع الذي يعبر عنه وعن العمل ويعطيك خيارات لتختار منها، وقد أحدثت هذه التجربة الصعبة الجميلة صدى واسعاً داخل المملكة وإن واجهت بعض الاعتراضات ظنا منهم أنه قد تشوب عملية الاختيار اعتبارات المجاملة.
جميع من اختيروا كانت لهم أسماء معروفة ومهمة في المملكة وخارجها في مجال تجربة السرد وقد تُرجِمت بعض أعمالهم للإنجليزية والألمانية، حيث كان امكانية الترجمة لثقافة مختلفة للعمل الأدبي أحد أهم عوامل الاختيار ، وتمنيت لو كانت هناك ببلوجرافيا لكافة المبدعين العرب بضوابط يتم اعتمادها بما يحفز الإبداع .
• محيط : في زمن أصبح فيه السلاح رمزاً .. هل يستطيع الشعر أن يقيم معماراً إنسانياً في زمن تسيدت فيه القوة خريطة العالم ؟!!!
البوق: أعتقد أنه من الصعب على غير الشعر أن يفعل هذا. ويشترط لذلك أن يكون حقيقيا صادقا.
• محيط : موقف.. إذا راودت بيت شعر ولم يكن معك ورقة وقلم ماذا تفعل، تتركة يوأد أم ماذا تفعل ؟!!!
البوق : أذكر نصيحة قالها الشاعر العظيم "عبدالوهاب البياتي" عندما زار النادي الأدبي في جده في أمسية مرتجلة قال فيها: "إذا حضرتك القصيدة لا تكتبها .. بل اتركها حتي تنضج بداخلك، لأنك إذا استعجلت عليها من الممكن أن تفقد دهشتها والشعر دهشة".
جدير بالذكر أن الشاعر "أحمد البوق" صدر له في بداية العام الحالي 2007 عن دار شرقيات بالقاهرة ديوانه الجديد تحت عنوان "جنة" وهو الثالث بعد ديوانه الأول باسم "أحاميم" الذي صدر عام 1994، وديوانه الثاني "منكسر باعتداد" الصادر عام 2003.
ديوان "جنة" في أغلبه الأعم قصائد عشق مطولة شديدة العذوبة تنبع رومانتيكيتها كما تقول الكاتبة والأديبة "فاطمة ناعوت": "من وثبات في حقل الحب رشيقة الخطو، لا تخلو من طرافة ومفارقة وخفة ظل غير موغلة في تأزمات المحبين وتدللهم وعذاباتهم، فالجنه امرأة والتي اخرجتنا منها امرأة، والتي تعيدنا إليها امرأة، والجنة تحت قدمي امرأة".
ومن ديوانه الأخير حيث يعتبر المرأة "جنة" النعيم نقرأ:
"حين شيعني القومُ
كنت رهيفاً
أسمع وقع الدموع على الوجنات
شهقة الحزن في الصدر
وابتلاع الألم
أزعجني صمتهم
وقعُ أقدامهم
والطريق التي قطعوها سريعاً
إلي حفرة في البقيع
قلتً في النفس:
هذا اكتمال الحين إليكِ
وتلك مواجعهم والمسرات
وهل تصرخين إذا ما أهالوا على التراب؟
وهل يهدأ القلب في نبضه والروح في لجها والحسرات؟
فهذا مقام الإيابُ إليكِ
وهذا مقام الغياب
فإن لم تكوني نعيماً
فكيف يكون العذاب؟!!!"
ويقول في قصيدة أخري:
"بوسع العصافير أن تلتقط الرزق
كي يملأ الأفق تغريدها
بوسع القطارات
أن تتمدد فوق رصيف المحطات
كي تلتقط العربات أنفاسها
بوسع البيوت
أن تحي الشوارع والشرفاتِ
أن تلوح للعابرين
بوسع الشجر
أن ينادي المطر
بوسعي البكاء وحيداً
وأشرب صمت الدقائق حتي الثمالة
إلي أن تحضري"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.