أبرزها جودة التعليم والتصنيع الزراعى.. ملفات على طاولة مجلس الشيوخ    مستشفيات جامعة الأزهر تستقبل مصابي غزة ومرافقيهم وتقدم لهم الرعاية الطبية الكاملة    السيسي للمصريين: «علموا أبناءكم البرمجة وعلوم البيانات»    الدولار اليوم.. أسعار العملات في البنك الأهلي وموقف السوق السوداء الأحد 28-4-2024    معيط: آخر فرصة للاستفادة من مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج "غدا"    نيابة عن رئيس الجمهورية.. «مدبولي» يُشارك في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    وزير خارجية فرنسا يعلن تقديم مقترحات لمسؤولين لبنانيين لمنع التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل    مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى في سادس أيام عيد الفصح اليهودي    موعد مباراة آرسنال وتوتنهام اليوم في الدوري الإنجليزي    بوكايو ساكا يطارد رقمًا قياسيًا في الدوري الإنجليزي.. شباك توتنهام الطريق    «هيوافق».. شوبير يكشف كواليس صادمة بشأن انتقال محمد صلاح للدوري السعودي    التفاصيل الكاملة ل جريمة طفل شبرا.. كيف راح ضحية «الدارك ويب»؟    «الداخلية»: شرطة المرور تضبط 21866 مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط 2.25 طن دقيق مدعم قبل تهريبه وبيعه في السوق السوداء بالشرقية    الرئيس السيسي للشباب: حاجة تشتغلها وأنت في بيتك ممكن تدخلك 100 ألف دولار في الشهر    «الوثائقية» تُعلن عرض ندوة نادرة ل نور الشريف في ذكرى ميلاده    الرئيس السيسى: إنشاء رقمنة فى مصر تحقق التقدم المطلوب    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    بدء التشغيل التجريبي لوحدة كلى الأطفال الجديدة بمستشفى أبوكبير المركزي    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    أقباط الأقصر يحتفلون بأحد الشعانين في كاتدرائية الأنبا متاؤس الفاخوري.. صور    محافظة القاهرة تستمر في أعمال إزالة الإشغالات والتعديات عن الأرصفة    نقيب الأطباء: مصر الدولة الوحيدة في المنطقة لا تتعامل بقانون المسؤولية الطبية    مصرع شخص وإصابة 23 آخرين في حادث تصادم بصحراوي أسوان    مطروح تستعد لامتحانات الترم الثاني.. غرف عمليات ومراعاة مواصفات الأسئلة    إدخال 183 شاحنة مساعدات إلى غزة عبر معبر كرم أبوسالم    إصابة جندي إسرائيلي في هجوم صاروخي على منطقة ميرون    محافظة القليوبية: توريد 25565 طن قمح للشون والصوامع بالمحافظة    خالد محمود يكتب: مهرجان مالمو للسينما العربية.. حضرت المدارس وتميزت الأفلام الوثائقية    اليوم.. «المركزي للتنظيم والإدارة» يعلن تفاصيل مسابقة المعلمين الأحد 28 أبريل 2024 (تفاصيل)    جولة تفقدية لمسؤولي المدن الجديدة لمتابعة مشروعات رفع الكفاءة والتطوير    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من مليون مواطن فوق سن 65 عاما ضمن برنامج رعاية كبار السن    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    غدا.. «بلينكن» يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى على الدعوة00!؟    أنا وقلمى .. القادم أسوأ    42 عاما على تحريرها تنمية سيناء رد الجميل لشهداء الوطن    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    مصرع 5 أشخاص وإصابة 33 آخرين في إعصار بالصين    آمال ماهر ل فيتو: مدرسة السهل الممتنع موهبة ربانية ومتمرسة عليها منذ الطفولة    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    أمير هشام يفجر مفاجأة بشأن احتفال محمد عبدالمنعم المثير للجدل    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر أحمد البوق: أكتب حينما ينفجر السد!
نشر في محيط يوم 05 - 08 - 2007


الشعر كالسيل .. أكتب حينما ينفجر السد!

ماذا سيًمْنَحُكَ الهَوَي ..بحراً من الفيرزِ
أم ورداً معتقَ ..أم جَويَ ..
يا أيها الماضي إلي الكلمات تبذُرَها
وتحرثُ ما استجدّ من النَويَ
بستانُ شعرِكَ قاحلٌ من دونهَا
وعيونُ قولِك يستبدُّ بها العمي ..
قدَرُ الهَوَى أن لا يكونَ كما نري
قدَرُ الهَوَى في أن يظلَّ على الَهوى

الزميل-هاني-ضوَّه-مع-الشاعر أحمد البوق
حاوره: هاني ضوَّه
ما أجمل أن يجتمع الشعر والموسيقي في مكان واحد .. فعلى أنغام تخت شرقي التقيته .. نتكلم حيناً ونستمع لأنغام الموسيقي حيناً آخر .. عمله في مجال البيئة وسط مناظر الطبيعة أتاح له فرصة أرحب للإبداع، واستلهم من الجبال اسم مولوده الأول في عالم الشعر "أحاميم"، إنه الشاعر السعودي "أحمد البوق" والذي كان لشبكة الأخبار العربية (محيط) معه هذا اللقاء.
• محيط: ولدت في المدينة وبدأت أسفارك مع جدتك وخالك إلي الرياض ثم الجامعة في جدة؛ ثم عدت إلى المدينة، لنتحدث عن الشاعر البوق وبداياته ؟.
البوق: بالفعل ولدت في إحدى حارات المدينة المنورة عام 1965م، وعندما بلغت الثالثة من العمر انتقلت إلى الرياض مع جدتي حيث تقيم ، وبعد عامين عدت مرة أخرى للمدينة ، ودخلت الجامعة في جدة ، وبعد التخرج وإلي الآن أعمل باحثاً بيئياً في الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها ، وأنا متزوج ولدي ثلاثة أبناء إبراهيم 10 سنوات، حسين 7 سنوات، ورنا 14 سنة.
• محيط : في أي حالة تكتب الشعر وفي أي وقت، وهل لك طقوسا خاصة وقت الكتابة ؟
البوق: من منطلق أن القصيدة تكتبك ولا تكتبها فهي تفرض نفسها عليك وليس العكس فليس هناك طقس محدد ولكن في اغلب الأحيان أفضل الوحدة عند الكتابة سواءا في البيت أو السيارة أو على جبل، وغالباً لحظة الكتابة نفسها أكون واعيا لغيابي لأن القصيدة تفرض وجودها عليك فبالتالي إذا تلبستني الحالة أبدأ في الشعور كأني أنا لست أنا لذلك لابد أن أكون وحدي ، ولو كنت بين مجموعة بشر وتلبستك الحالة الشعرية يجب أن تنأى بعيداً حتي تتلقى الإلهام فلحظة الكتابة الشعرية ثقيلة جداً، وقد تكون لديك الإحساس الشعري ولم تصل للذروة المطلوبة .
الوحدة عندي ليست في الكتابة فحسب ولكن أيضا في القراءة والحياة والتأمل ، فالوحدة تعطي عمقا للرؤية وتجعلك ترى ما بداخلك أكثر مما يبدو عليك من الخارج.
عندما كنت في المرحلة الإبتدائية كنت أقرأ وأحفظ كثيرا من أبيات من الشعر الجاهلي وغيره ، وجئت لمصر عام 1982 أي قبل 18 عام وذهبت للصعيد وأقمت بالبياضية قرب الأقصر وتعرفت على صديق في الباخرة من أهل الصعيد أصَرَّ أن يستضيفني، واحتفوا بي بشكل لا يوصف وكنا نجلس تحت شجرة الجميز، وفي يوم ذهبت مع صديقي هذا إلي صديق له مدرس وعرف أني أقول الشعر، فعملوا لي أمسية صغيرة بين الطلاب في مكتب المدرسين، وعندما أعجبهم الشعر صرف المدير الطلاب وجلسنا سوياً وكانت هذه أولى الأمسيات التي احضرها.

• محيط: ديوانك أحاميم .. استخدمت فيه الرمز للتعبير عن فكرة الديوان .. فماذا اردت برمز "الأحاميم" ؟!!!
البوق: العناوين موضوع خلافي بين الشعراء والمبدعين لكن وجهة نظري أن العنوان يجب أن يعبر عن الديوان كاملاً، وليس عن جزء من الديوان، لذلك ليس بالضرورة أن يكون عنوان الديوان هو عنوان قصيدة، وليس بالضرورة أن تكون العناوين جزء من قصيدة، وقد اعترض بعض أصحابي على اسم "أحاميم" واعتبروا أنها قريبة الشبه من بداية سورة قرآنية ب "حم" !!
الحقيقة أنني قصدت بالعنوان ثلاثة جبال صغيرة في ظهر جبال "السروات" كنت أعيش بجانبها ما يقرب من ثمان سنوات، وقد ارتبطت بها كثيرا على الرغم من أن من يعيش بجوار سلسلة الجبال الضخمة لن يتمكن من ملاحظة تلك الجيال الصغيرة والتي تكون هامشية ، وهذه بالضبط فكرة الديوان ، حيث يتناول الفتاتات الصغيرة التي لا ينتبه لها الناس رغم أهميتها ، وللعلم فإن كثيرا من النصوص المحببة إلى قلبي استبعدتها من هذا الديوان الأول لي ووضعتها في ديواني الثاني "منكسر باعتداد".
• محيط: الإنكسار كلمة محبطة تقود لدهاليز تشي بأن شيئاً مراً يعبر الوقت ويحيله لحطام .. اخترته عنواناً لديوانك الثاني .. فما الذي أدى لإنكسارك .. ولما سميته بهذا الإسم على الرغم من عدم وجود قصيدة تحت هذا المسمي؟!!!
البوق: كل شئ كسرني .. دعني اخبرك أن "منكسر باعتداد" هو جزء من قصيدة بل جملة من قصيدة، أما عن سبب اختياري لهذا الاسم فأنا حريص جداً عندما أنجز عملاً شعرياً أن أتركه بعد كتابته فترة من الزمن قد تصل لشهور، وأحياناً سنة حتي أنفصل عنه، ولا أكون منحازا له ثم أعاود قراءته من جديد كقارئ له لا كشاعر .
احترت كثيرا في اختيار اسم الديوان الثاني ، واستشرت أصدقائي ولم أفلح في الحصول على عنوان مناسب للعمل ، وجلست أقرأ الديوان في ليلة تجلي وبإحساس جد مختلف حتى وقعت عيناي على هذه الجملة "منكسر باعتداد" .
في قصيدة "العقد الثالث" والتي تقول:
وكنُتُ وحيداً
لم أحتمِ بشراع السرير
لم أحَتمِ بالجدار
ولا بدفء العبارات حيت تمر على خاطري
كنتُ كمثل القمر
حين تفاجئُهُ بالنهار
حزين على الرغم مني
و"مُنكَسرٌ باعِتِدَادْ"
وفي خلسة من زوايا المكان
يلمُّ شتاتي مقعد من خشب
ليس عندي كتب
ليس عندي ورق
ولم أستطع أن أحيل الدماءَ
التي تسيل بطيئاً بكل مسارب قلبي لحبر
كنت ذاك الذي
- كلما اهتز ضوء الشموع -
مرتعشاً في الجدار
كنتُ ذاك الغبار
وكان المطر داكناً
والورد في غرفتي يحتضر
وعلى كتفي ..
ثلاثون علامة من الانتظار
تستطيع أن تقول أن كل ما في الديوان انكسار ولكن انكسار معتد ؛ بمعني أنني أنظر للإنكسار بشكلين، إنكسار مذل وإنكسار باعتزاز، فالإنكسار المذل هو ما يجعلك تشعر أنك كسرت لأنك عجزت عن شئ، لكن الإنكسار باعتداد هو انكسار خارج عن إرادتك ولا ينبع من تقصير منك ، ومنه التعرض لمصائب قدرية مثل فقدان من نحب وقد تنكسر بعد موته .
أما عن نفسي فقد كسرتني كثير من القضايا العامة ، وستجد أن الديوان عبارة عن جزأين الأول يتناول قضايا عربية ، والثاني يتناول الإنسان ذاته والمهمش أو المطحون في وطنه .
• محيط: الإبل .. قصيدة ألقيتها في أمسية الفيوم خلال فعاليات أيام الثقافة السعودية التي أقيمت في مصر نهاية العام الماضي وقلت أن لها حكاية .. فما هي حكايتك مع الإبل .. وماذا حركت فيك لتحكي عن جمل ؟!!!
البوق: كل قصيدة كتبتها وراءها قصة ، وبالنسبة للقصيدة التي تتحدث عنها فأذكر أن صديقا لي بريطانيا يعمل مصور وهو جذور استرالية يدعى "مايكل ماكينر" وقد صور ثلاثة أفلام شديدة الأهمية حول الجزيرة العربية ، يملك شركة خاصة للإنتاج السينمائي ، وقد جاء صديقي للمملكة العربية السعودية أثناء تحضيره لفيلم ، وطلب مني أن أرافقه للترجمة .
كانت الرحلة هذه المرة في منطقة "الربع الخالي " ، أذكر أننا أثناء جولتنا وجدنا قطيع من الجمال ، ورأينا ناقة أنجبت منذ فترة قريبة حوارة وكانت ترضع منها بشكل جذاب ، وهذا المشهد حرك صديقي البريطاني للتصوير ، وحاول أن يقترب من الناقة وصغيرها ليصورها فسمعنا صوت من بعيد يقول لنا لا تقترب منها ، لا تلمسها، وكان هذا هو صاحبها البدوي، فقلت له إننا سنصورها فقط، فقال لا ، وذكر ذلك الرجل البدوي أنه تربى مع تلك الناقة التي بينه وبينها مودة وعشرة .
بعد حوالي خمسة أيام ذهبنا لسوق الإبل في حائل لتصويره ، وعندما ذهبنا للسوق فوجئنا بوجود تلك الناقة والفصيل معها في السوق والبدوي صاحبها يبيعها، وكان الموقف صادم بالنسبة لنا، وذهبت لأتابع عملية بيعها، وكيف أن هناك الكثير يتحسسوها لمعاينتها والناقة لا تري الناس لأنها أعلى منهم، ولكن عيونها كانت تطارد البدوي والبدوي يهرب بعيونه منها، واستلم نقود بيعها وغادر بسرعة، بعدها غادرنا الفندق وجائتني الحالة الشعرية فلم استطع النوم وبدأت في كتابة قصيدة "الإبل" الساعة الرابعة فجرأ، ونمت بعدها مباشرة، وعندما استيقظت وقرأتها لم أكن أصدق أنني من كتبت هذه القصيدة، تقول بعض أبياتها في حوار بين الجمل وصاحبة البدوي:
كم مرة يا ابن أمي
سيخبرك الزبد المرُ
أن سكينك أهون من صرختي في المزاد
وأن تترك الدون
حالك دوني
خلق مجمعةٌ كالجرادْ
وأنت على مقتلي شاهدٌ
• محيط: لكل مرحلة عمرية ما يميزها ، فهل يتغير الشعر بتغير عمر شاعره ؟
البوق: الإحساس يختلف من مرحلة ومن تجربة لأخرى، لكن لا أتصور أن المرحلة العمرية تفرض كتابة الشعر بطريقة معينة، أعتقد أن الشعر يملي عليك ماذا تكتب، فليس هناك شاعر حقيقي يجلس ليكتب قصيدة، فالقصيدة يمكن أن تنتزعك من الفراش وأنت في غاية التعب، وممكن أن تشفيك من المرض وتهديء من القلق ، وفي العصر الجاهلي كانت القصيدة تدير حرب وتنهي حرب، القصيدة أشبه بسيل في صحراء تتجمع مياهه في جداول صغيرة تصب على وادي فيه سد، وهذا السد له قدرة احتمالية معينة حتي يغلبه الماء فينفجر، هذه هي القصيدة الحقيقية.
• محيط: المرأة وأحمد البوق .. علاقة كيف تصفها، ولماذا تحتل هذا الحجم بقصيدتك؟
البوق: لأنها عظيمة وعميقة ولأنها جميلة جداً، فعلاقة الرجل بالمرأة علاقة أزلية منذ أن كان في بطنها حتي يصير في حضنها، بمعنى أنها أبعد من علاقة بين اثنين، أراه أمرا ينطلق من بعد حسي ومن الممكن أن تصل بالعلاقة لبعد صوفي ، فالمرأة كائن غريب ساحر وقد يكون قاتل وقد تكون ملهمة ، هي الشئ وضده.
في ديواني الجديد "جنة" تكاد كل الأبيات تكون عن المرأة ، و"جنة" اسم رمزي أو حقيقي فالجنة هي المرأة بالنسبة لي، وأجد أن الشاعر إذا كان في حالة حب ستختلف القصيدة وتخرج مفعمة بالوله والعشق ويشبه هذا مع الفارق الحالة الصوفية عند العابد ، والتشابه في أن كل منهمها يكون في حالة توغل لتفاصيل دقيقة لا يلحظها الكثيرين .
• محيط : كنت مشرفاً على اللجنة النسائية بنادي الطائف الأدبي، بماذا تقيم الحضور النسائي الأدبي في المملكة ؟
البوق: بالطبع لدينا مبدعات سعوديات ، وموهبة بعضهن سطعت بالخارج ، حتى طبعت اعمال أدبية نسائية سعودية بخارج المملكة ، داخل المملكة نجد الأمر لا يخلو من المشكلات ، وعلى سبيل المثال هناك الكثير من الأندية الأدبية في السعودية ليس بها قاعات للنشاط النسائي، وللحق فإن التوجه الحديث لوزارة الثقافة والإعلام بالبلاد هو إنشاء قاعات نسائية في كل الأندية الأدبية وتكريس مشاركة المرأة في الحوار العام والشأن الثقافي بشكل أساسي عبر الأندية الأدبية، وعلى سبيل المثال نادي الطائف الأدبي تم التعاقد لإنشاء قاعة نساء به .
المشكلة برأيي هي في وهم الخصوصية الذي يعيش فيه كثير من مثقفينا ، والتي لا أرى أنها تساوي سيف مسلط ضد التحديث والحياة ، وإلا فأنا أول المتنازلين عن خصوصيتي .
• محيط : في إحدى الأمسيات التي أقامها نادي مكة الأدبي حضرتها أنت والشاعر "مسفر الغامدي"، وبعد أن استمع الكاتب "عبدالله فراج الشريف" تراجع عن رأيه في شعر الحداثة .. في رأيك ما الذي جعله يتراجع ؟!
البوق: سأقول لك على أمر لم أقله حتي لعبدالله فراج فأنا أقرأ له ولكن لم أكن أعرفه شخصياً ، فقط كنت أعرف أنه مناهض بشدة لشعر الحداثة، بل لا يعتبره شعراً أساسأ، وقد لمحته بالصف الأول خلال الأمسية يكتب ملاحظاته تعقيبا على القصائد الملقاة ، وطلب فراج التعليق، وتوقعت سيلا من الانتقادات والخلافات معنا من جانبه ، وفوجئنا جميعا به يقول "أنا أريد أن أعلن من هذا المنبر أنني أتراجع عما كنت متمسك به لعقدين من الزمان تقريباً بأن الشعر الحديث ليس شعراً، وأقول في هذه اللحظة أن الشعر الحديث شعر وأنا أعترف به وعلاوة على اعترافي به لقد استمتعت به".
سمعته وشعرت بفرحة كبيرة جداً كأن شخصاً أهداني جوهرة ثمينة، ليس لشئ، ولكن لأنني أكبرت بالأستاذ "عبدالله" لجرأته، ما اعجبني فيه أنه جاء ليسمع شعرا بعيدا عن التأهب بالقوالب الجاهزة ، الأسبوع اللاحق للأمسية كتب الأستاذ عبدالله صفحة كاملة في جريدة "المدينة" عنها وعن موقفه الجديد من الشعر الحديث.
• محيط : انصرف الجمهور منذ أكثر من ربع قرن للثقافة الواحدة بدلا من المتعددة الرحبة، وتعاني الأندية الأدبية من غياب الشباب ، ما السبب برأيك؟
البوق: كارثة إن اعتبرنا أن المشكلة من الجمهور ، والمشكلة في طريقة العرض، وكثيرا ما يتفاعل الحضور مع الأمسية الشعرية والشاعر، فطريقة تقديم الشعر هي التي تعيده لذاته، ومن العوامل التي تجذب المتلقين الألفاظ والتعبيرات التي يستخدمها الشعراء، وعلى سبيل المثال الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش يجتمع في أمسيته أكثر من ألف متلقي، لأنهم رأوا مستوى راقي من الشعر وكذلك في التقديم، وأخيراً فلابد للشاعر أن يلمس هموم الناس حتى وإن منطلقا من هموم شخصية .
• محيط : كان لك دور هام في إعداد ملف المملكة السعودية الثقافي لدى معهد جوتة، فما هو هذا الدور، وماذا أضاف لك ؟!!!
البوق: ملف معهد جوتة كان ملف حول القصة وليس الشعر، وهو مشروع بمناسبة معرض الفرانكفورت 2004 وكان ضيف الشرف هو العالم العربي فاتصل بي صديق ألماني من معهد جوتة ، وأخبرني أن لديهم مشروع النشر الإلكتروني "مداد" وبحيث يختار من كل دولة عربية حوالي خمسة أسماء أدبية من الجنسين كنماذج تقدم السرد في العالم العربي للجمهور الغربي .
ويتابع البوق: الحق أنني سررت بالفكرة جداً واعددت لبرنامج بناء على معايير وضعها معهد جوتة تتضمن عمر الأديب وتجربته والترجمة عنه، ورشحت حوالي عشرة أسماء وأرسلتها ليختاروا منها فاختاروا ستة أسماء سيدتين وهما نورة الغامدي وليلى الجهني، وأربعة رجال هم يوسف المحميد، عبده خال، محمود تراوري، وعبدالله التعزي بعد ذلك بدأنا في اختيار قصة قصيرة ومقطعين أو ثلاث من الروايات، وكان أمر صعب جداً، لأنك تجلس مع الكاتب ويختار هو المقطع الذي يعبر عنه وعن العمل ويعطيك خيارات لتختار منها، وقد أحدثت هذه التجربة الصعبة الجميلة صدى واسعاً داخل المملكة وإن واجهت بعض الاعتراضات ظنا منهم أنه قد تشوب عملية الاختيار اعتبارات المجاملة.
جميع من اختيروا كانت لهم أسماء معروفة ومهمة في المملكة وخارجها في مجال تجربة السرد وقد تُرجِمت بعض أعمالهم للإنجليزية والألمانية، حيث كان امكانية الترجمة لثقافة مختلفة للعمل الأدبي أحد أهم عوامل الاختيار ، وتمنيت لو كانت هناك ببلوجرافيا لكافة المبدعين العرب بضوابط يتم اعتمادها بما يحفز الإبداع .
• محيط : في زمن أصبح فيه السلاح رمزاً .. هل يستطيع الشعر أن يقيم معماراً إنسانياً في زمن تسيدت فيه القوة خريطة العالم ؟!!!
البوق: أعتقد أنه من الصعب على غير الشعر أن يفعل هذا. ويشترط لذلك أن يكون حقيقيا صادقا.
• محيط : موقف.. إذا راودت بيت شعر ولم يكن معك ورقة وقلم ماذا تفعل، تتركة يوأد أم ماذا تفعل ؟!!!
البوق : أذكر نصيحة قالها الشاعر العظيم "عبدالوهاب البياتي" عندما زار النادي الأدبي في جده في أمسية مرتجلة قال فيها: "إذا حضرتك القصيدة لا تكتبها .. بل اتركها حتي تنضج بداخلك، لأنك إذا استعجلت عليها من الممكن أن تفقد دهشتها والشعر دهشة".
جدير بالذكر أن الشاعر "أحمد البوق" صدر له في بداية العام الحالي 2007 عن دار شرقيات بالقاهرة ديوانه الجديد تحت عنوان "جنة" وهو الثالث بعد ديوانه الأول باسم "أحاميم" الذي صدر عام 1994، وديوانه الثاني "منكسر باعتداد" الصادر عام 2003.
ديوان "جنة" في أغلبه الأعم قصائد عشق مطولة شديدة العذوبة تنبع رومانتيكيتها كما تقول الكاتبة والأديبة "فاطمة ناعوت": "من وثبات في حقل الحب رشيقة الخطو، لا تخلو من طرافة ومفارقة وخفة ظل غير موغلة في تأزمات المحبين وتدللهم وعذاباتهم، فالجنه امرأة والتي اخرجتنا منها امرأة، والتي تعيدنا إليها امرأة، والجنة تحت قدمي امرأة".
ومن ديوانه الأخير حيث يعتبر المرأة "جنة" النعيم نقرأ:
"حين شيعني القومُ
كنت رهيفاً
أسمع وقع الدموع على الوجنات
شهقة الحزن في الصدر
وابتلاع الألم
أزعجني صمتهم
وقعُ أقدامهم
والطريق التي قطعوها سريعاً
إلي حفرة في البقيع
قلتً في النفس:
هذا اكتمال الحين إليكِ
وتلك مواجعهم والمسرات
وهل تصرخين إذا ما أهالوا على التراب؟
وهل يهدأ القلب في نبضه والروح في لجها والحسرات؟
فهذا مقام الإيابُ إليكِ
وهذا مقام الغياب
فإن لم تكوني نعيماً
فكيف يكون العذاب؟!!!"
ويقول في قصيدة أخري:
"بوسع العصافير أن تلتقط الرزق
كي يملأ الأفق تغريدها
بوسع القطارات
أن تتمدد فوق رصيف المحطات
كي تلتقط العربات أنفاسها
بوسع البيوت
أن تحي الشوارع والشرفاتِ
أن تلوح للعابرين
بوسع الشجر
أن ينادي المطر
بوسعي البكاء وحيداً
وأشرب صمت الدقائق حتي الثمالة
إلي أن تحضري"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.