«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة تولستوي .. زهد الثراء وتفرغ لما رآه أهم
نشر في محيط يوم 11 - 12 - 2007


زهد الثراء وتفرغ لما رآه أهم
محيط - شيرين صبحي
يقترب من غرفة ابنته التي أعدت كل شىء فتبادره بقولها: - أبتي.. ألا زلت مصراً على ضرورة ما أنت مقدمٌ عليه؟!.
- ساشا، لن نناقش هذا من جديد، يجب أن نسرع قبل أن تشعر أمك بما يحدث، تعالي ساعديني في حزم الأمتعة.
هذا الموقف ليس مشهدا من مسرحية عبثية ولا دراما روائية.. ولكنها اللحظات الأخيرة للكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي في بيته حيث قرر الرحيل بلا عودة هائما علي وجهه لا يعرف إلي أين سيذهب ولا كيف سينتهي به المقام.
وكتب تولستوي لزوجته صوفيا رسالة يخبرها فيها عن قراره بالرحيل قال فيها: "حبيبتي صوفيا. أعلم أنك ستتألمين كثيراً لرحيلي، وأنه ليحزنني ذلك أشد الحزن، ولكنني آمل من كل قلبي أن تدركي الأسباب التي تدفعني إلى ذلك الرحيل، ولم تكن أمامي وسيلة سواه لتلافي مأساةٍ قد تكون مفجعة! لقد غدا وضعي في هذا البيت غير محتمل يا صوفي! لم أعد قادراً على ممارسة الحياة اليومية في هذه الرفاهية التي تحيط بي، وبات الثراء يخنقني! وقد طال صبري على هذا! حتى انقطع رجائي في مزيد من الصبر. يقيني شر اليأس من عالمٍ تشهيّته كثيراً، كما يتشهاه كل عجوزٍ بلغ السن التي بلغت! وما أنشده هو عالمٌ من السكون والوحدة، لا يفسده ضجيج المال، وأنانية الثراء، ووحشية الرغبة في التملّك! أريد أن أقضي الأيام المتبقية لي من العمر في سلام".
"أرجوك يا صوفيا، لا تحاولي البحث عن مكاني الذي سأذهب إليه، من أجل إعادتي إلى إيزيانا/ بوليانا، فإن هذا لن يفيد
يكتب رسالة
أحداً شيئاً، بل سيزيد تعاستنا جميعاً، كما أنه لن يغيّر من عزمي على الرحيل، وإني لأشكرك كل الشكر على الثمانية والأربعين عاماً من الحياة الأمينة الكريمة التي أسعدِتني بها! وأتوسل إليك أن تغفري لي كل ما ارتكبت من أخطاء في حقك! مثلما أغفر لك عن طيب خاطر غضبك ومعارضاتك الشديدة المتعلّقة بقراري في التنازل عن أملاكي الشخصية للفلاحين! وأنصحك يا حبيبتي بإخلاص بأن تحاولي التعايش في سماحة مع الموقف الجديد الذي سينشأ برحيلي! وألا تحملي لي بسببه في قلبك أية ضغينة، أو كراهية، وإذا أردت أن تعرفي شيئاً عن أنبائي بعد أن أستقرّ في المكان الذي سأرحل إليه، والذي لا أعرفه إلا بعد أن أصل إليه، فستجدين بغيتك عند ابنتنا العزيزة ساشا، فهي وحدها التي سأخصها بذكر مكان حياتي الجديدة، وقد وعدتني بألا تذكر لك أو لسواك مكاني".
في عام 1862، تزوج تولستوى من صوفيا أندريفينا وعاشا حياة سعيدة حيث تزوجا بعد قصة حب وكانت سونيا في السابعة عشرة من عمرها، وتولستوي في الرابعة والثلاثين، وقد انجبا ثلاثة عشر طفلاً، مات منهم ثلاثة.
كانت صوفيا متعلمة ومثقفة، إذ تخرجت في جامعة مرموقة، إضافة إلى إجادتها عدة لغات غير الروسية، شأنها في ذلك شأن بنات الطبقات الأرستقراطية، فقد كانت تجيد الفرنسية والألمانية والإيطالية والإنجليزية، وكان يقول عنها تولستوي أنها "زوجة مثالية".
وقبل زواجها نشرت بعض الكتب الأدبية من تأليفها، وبعد زواجها استخدمت إمكاناتها الثقافية في مساعدة زوجها، الذي قال عنها إنها "الزوجة المناسبة تماماً للكاتب". فقد كان يملي عليها مؤلفاته، وكانت تبذل الكثير من الجهد لنسخ مسوداته وإعدادها للنشر، وكان تولستوي يستشيرها في تصويره لبعض شخصياته النسائية، فكانت تقدم له ملاحظاتها الدقيقة التي استفاد منها في رواياته المختلفة.
وعندما بلغ تولستوي السبعين من عمره بدأ يسئم من حياته، فتنازل عن ضيعته لأقاربه، وعن أرباح كتبه لزوجته، وارتدى ثياب الفقراء وعاش في الحقول المحيطة ببلدته يكسب مما تعمل يداه.
وذاع صيت تولستوى باعتباره فيلسوفاً ذا مبادئ جديدة، وبدأ الناس يبحثون عنه لمعرفة مزيد عن رؤيته في الحياة
مع الفلاحين
والأحياء. ولم تقبل الكنيسة آراءه، فكفرته وأبعدته عنها.
وبدأت صوفيا تكتب مذكراتها الخاصة، تشكو فيها من هذا الزوج المجنون، وأخذت الزوجة تقاتل بكل قوتها لحماية ممتلكات الأسرة، وانتزاع زوجها مما أصبح عليه ومن إصراره على العمل بيديه ولبس الملابس الخشنة، والنوم في أكواخ الفلاحين، ومحاولاته لإعطاء كل ما يملكه للآخرين.
واشتدت الخلافات بين تولستوي وزوجته فكتب لها ذات يوم: "اني لأصارحك هنا بأن حبك العاصف الغيور المخبول أرهقني وأضجرني ولفني في شبكة مروعة من البلادة والكسل والخمول والظلام .. والحق أني بت أبحث عن نفسي فلا أجدها, وأفتقد عقلي فيفر مني, وأهيب بإرادتي فلا أقع إلا على أعصابي الخائرة, وقواي المحطمة, وعزمي المسلوب!.‏
نعم.. إن عدواك سرت إلي.. فأنا اليوم خائف منك وخائف من نفسي.. خائف منك على شخصيتي وعبقريتي وعملي, وخائف من نفسي أن أطاوعك فأجهز بيدي على أحلامي ومستقبلي!.. وهذا الخوف المزدوج هو الذي دفعني إلى الرحيل.. إذ كيف يمكن أن أعيش مع زوجة تأبى إلا أن تمثل طوال حياتها دور العاشقة المفتونة الغيور?..‏ إن الحب يا عزيزتي جميل, ولكنه ليس كل شيء في الحياة.. وأروع ما في الحب هو التضحية!.. فإذا لم تضحي ببعض حبك من أجل أسرتك وأولادك وزوجك, فأية قيمة لهذا الحب وأي نفع منه?.. إنه ليتحول إذن إلى أنانية جنائية لابد أن تقتل الأسرة, وتقضي على الحب نفسه شر قضاء!‏
وأنا أحس أن حبي لك سيموت من فرط عنف حبك وغيرته وجبروته المتسلط الأعمى..‏ فثوبي إلى رشدك وفكري..‏ إنك إن أطلقت الرجل كسبته, وإن حررته أنقذته, وإن تعففت عنه ولو فترات, سموت به وقويته وشجعته وأغريته بعظائم الأعمال!.‏
وخلال المعركة الطاحنة التي دارت بين صوفيا وتلاميذه قرر تولستوي الرحيل وقد تجاوز الثمانين من عمره فأستقل
مع عائلته وتمسك بالزهور زوجته
قطارا يركب في عربة الدرجة الثالثة المزدحمة.
ولكن سرعان ما عرفت صوفيا مكانه وأرسلت له تقول: " عد إليّ إذا لم يكن ذلك إلا لتسمعني كلمة وداع قبل افتراقنا الذي لا محيص عنه".
ورد عليها " لا تظني أني فررت لأني لا أحبك .. إني أحبك وأرثي لك من أعماق قلبي ، ولكني لا أملك غير ما فعلت ، و لقد كتبت ِ كتابك مخلصة كما أحس ولكنك غير خليقة بأن تفعلي ما تقولين .. وداعا يا صوفيا ، يا عزيزتي كان الله لك ... ليست الحياة مزحة ، وليس لنا من حق أن نلقي بها حسب أهوائنا ... ومن الخطأ أن نقيسها بعدد الأيام ، وربما كان ما بقي لنا من أشهر أعظم أهمية من جميع ما عشنا من سنين ، ويجب أن نحيا كما ينبغي".
و حضرت صوفيا إلي المحطة التي اكتظت بعدد كبير من رجال الصحافة والمصورين ورجال السينما ، وظلت بالقطار تبكي وتحاول أن تقترب من نافذة الحجرة تارة وتدعو المصورين ليصوروها كما لوكانت خارجة من الحجرة تارة أخرى كي لا يعلم الناس أنها لم تدخل على زوجها الذي لم يعلم بمجيئها حيث منعها الجميع بما فيهم ابنتها من رؤيته.
على فراش المرض
وأصيب تولستوي بالتهاب رئوي حاد ونقله تلميذه الذي كان يرافقه، وطبيبه الذي أصر على البقاء معه، إلى مكان متواضع في إحدى محطات السكك الحديدية.
وفي مكان متواضع بمحطة قطار "آستابوفو" رحل تولستوي في العشرين من نوفمبر عام 1910م متأثراً بالالتهاب الرئوي الذي أصابه وهو في طريقه إلي بلغاريا.
وقد عاشت زوجته بعده لسنوات طوال، تدافع عن نفسها ضد اتهامات الناس لها، بأنها كانت مصدراً لعذاب تولستوي الكبير الذي تعرض له في آخر حياته.
وقد رثاه أمير الشعراء أحمد شوقي بقوله:
تولُستويُ تُجري آيَةُ العِلمِ دَمعَها **** عَلَيكَ وَيَبكي بائِسٌ وَفَقيرُ
وَشَعبٌ ضَعيفُ الرُكنِ زالَ نَصيرُهُ **** وَما كُلُّ يَومٍ لِلضَعيفِ نَصيرُ
وَيَندُبُ فَلّاحونَ أَنتَ مَنارُهُم **** وَأَنتَ سِراجٌ غَيَّبوهُ مُنيرُ
يُعانونَ في الأَكواخِ ظُلماً وَظُلمَةً **** وَلا يَملُكونَ البَثَّ وَهوَ يَسيرُ
تَطوفُ كَعيسى بِالحَنانِ وَبِالرِضى **** عَلَيهِم وَتَغشى دورَهُم وَتَزورُ
وَيَأسى عَلَيكَ الدينُ إِذ لَكَ لُبُّهُ **** وَلِلخادِمينَ الناقِمينَ قُشورُ
ولكن كيف كانت بداياته ؟
"على المرء إذا أراد أن يعيش بشرف وكرامة أن يتمزق بقوة، وأن يصارع كل المثبطات، فإذا أخطأ بدأ من جديد، وكلما خسر عاود الكفاح من جديد، موقناً أن الإخلاد إلى الراحة إنما هو دناءة روحية وسقوط!"
في أسرة روسية من كبار النبلاء الإقطاعيين ذات ثراء هائل، ولد أديب روسيا الأول ليو تولستوي عام 1828، رحلت والدته وهو لا يزال في الثانية من عمره ، ثم تبعها والده الذي كان مدمناً للكحول، بعد عدة أعوام فتكفل به أقاربه.
وفي السادسة عشرة من عمره التحق بجامعة "كازان" لكنه ضاق بمناهجها الدراسية فقرر أن يكمل دراسته في بيته، معتمداً على نفسه، وخلال سنوات قليلة أتقن عدة لغات، واستوعب العلوم الطبيعية والاجتماعية والرياضيات والموسيقى والفن التشكيلي والطب والزراعة.
نشأ في بيئة مسيحية متدينة وعندما بلغ سن 18 عاما بدأ يشعر بأن إشارات الصليب والصلوات ال
كره هذا الرغد
تي يؤديها ليس لها أي مدلول عنده وأنه غير قادر على الاستمرار فيما أطلق عليه "الكذب" فتوقف عن أدائها.
وكان يقول "كان داخلي شعور ما بأني أؤمن بشئ ما، أؤمن بإله أو بمعنى آخر لا أنكر وجوده، ولكن أي إله؟ لم أكن أدرك على وجه التحديد. أذكر أيضا أني لم أكن أنكر تعاليم المسيح؟ لكن ماذا كانت تعني لي هذه التعاليم وقتها؟ لا أستطيع أن أعرف تماما‏".‏
تعرف من صغره على الأدب العربي، حيث كان يجلس مع أطفال العائلة على فراش جدتهم يستمعون إلى ما يقصه الفلاح العجوز الأعمي ستيبان من قصص ألف ليلة وليلة. وقد انطبعت هذه الحكايات في ذهنه ولازمه الإعجاب بها.
بدأ حياته الأدبية بثلاثة كتب متتابعات: (الطفولة) ثم (الصبا) ثم (الشباب).. واتبع قواعد صارمة لإصلاح عيوبه أولاً، ثم لإصلاح الآخرين .
وكان دائما يفكر عن الهدف من حياة الانسان وفي رسالة لأحد أصدقائه قال "على المرء إذا أراد أن يعيش بشرف وكرامة أن يتمزق بقوة، وأن يصارع كل المثبطات، فإذا أخطأ بدأ من جديد، وكلما خسر عاود الكفاح من جديد، موقناً أن الإخلاد إلى الراحة إنما هو دناءة روحية وسقوط!". وكان يبكت نفسه بشدة إذا أحس منها تهاوناً أو تراجعاً.. فكتب بمذكراته وهو لا يزال في العشرين من عمره: "لم أفعل شيئاً. كم يعذبني ويرعبني إدراكي لكسلي! إن الحياة، مع الندم، محض عذاب! سأقتل نفسي إذا مرت علي ثلاثة أيام أخرى دون أن أقوم بفعل شيء ينفع الناس!".
انتقلت إليه ملكية أراض شاسعة وفيرة الإنتاج، وتزوج من "صوفيا" الفتاة الأرستقراطية المرفهة، وعاشا معا حياة هادئة سعيدة لمدة تقارب أربعين عاماً.
دعوته للمساواة
"كن طيباً، واحرص على أن لا يعرف أحد أنك طيب لئلا يعتريك العجب، وابحث عن الجانب الطيب في كل من تعامل من الناس، وإياك أن تفتش عن الجانب السيىء فيهم، وقل الحق دائماً ولا سيما على نفسك!".
أخذ تولستوي ينشر مقالاته الداعية للمساواة بين الناس وبلغ عدد ما كتب عشرة آلاف رسالة، حتى لقب ب "محامي مائة مليون من الفلاحين الروس" . وخشيت زوجته أن يوزع ممتلكاته على العاملين بها كما يدعو في مقالاته، فقالت له مهددة : "يبدو أن حياتنا تسير إلى قطيعة مؤكدة. ليكن.. فأنا وأنت على تنافر دائم منذ التقينا.. أتريد أن تقتلني وتقتل أولادك بمقالاتك هذه؟ لن أسمح لك بذلك!".
ولكن تولستوي مضي فيما يفعل ووضع أفكاره موضع التطبيق ووزَّع جزءًا كبيرًا من أرضه على المزارعين الذين يعملون لديه، وافتتح لأبنائهم مدارس كان يدرس لهم فيها بنفسه، وأنفق معظم ثروته على الفقراء .
وتعمق تولستوي كثيرا في القراءات الدينية، وقاوم الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، ودعا للسلام وعدم الاستغلال، وعارض القوة والعنف في شتى صورهما. ولم تقبل الكنيسة آراء تولستوي فكفرته وأبعدته عنها.
وفي السنوات الأخيرة عاش في الحقول مرتديا الملابس الخشنة يكسب مما يعمل بيديه.
في يناير 1869 كتب بمذكراته: "شيئان هما إكسير حياتي! حبي التعبير عن أفكاري بالكتابة الروائية، وحبي زوجتي الحبيبة صوفيا أندريفنا! ماذا يريد المرء من حياته أكثر من ذلك؟! لقد سعدت بحبي لصوفيا! وسعدت بأبنائي، وسعدت بهذه المزرعة الكبيرة، والشهرة، والثراء، والصحة، والسلامة البدنية والعقلية، ولكنني أحس بأن حياتي قد توقّفت فجأة!
لم تعد لدي رغبة في شيء. والحقيقة أن الرجل العاقل، يجب ألا يرغب في شيء!
إن الحياة نفسها وهم! وقد بلغت الحافة التي لا أجد بعدها إلا الموت! أجل. هذا صحيح. الحياة وهمٌ كبير! وهأنذا المحسود على الثراء، وعلى السعادة والشهرة. وعلى حبي لزوجتي! بتُّ أشعر بأنه لم يعد من حقي أن أعيش أكثر مما عشت!"
وقد رفض تولستوي قبول جائزة نوبل الأدبية مرتين لأنه كان يرى أن النقد الأدبي المجامل، مثله مثل الجوائز والمكافآت الكبيرة، تؤدي إلى فساد الخلق الفني والأدبي للمبدع وابتذاله.
ويقول أحد النقاد عن دور تولستوي في أحداث روسيا ذاك العصر "لو اعتبرنا البلاشفة بداية لانتحار أوروبا، س
يرتدي ثوب الفقراء
يكون تولستوي شروع هذا الانتحار، وسيكون لينين نهاية الانتحار".
روائع الأديب
أنجز تولستوي العديد من الروائع الأدبية التي لا زالت تحتل مكانه مرموقة في المكتبة العالمية وأهمها:
"الحرب والسلام"
يري الروائي أي أم فورستر أن بالرواية "جمالا يشبه جمال الموسيقى"، مثلما يراها دليلا على اكتمال العمل الروائي الخال من العيوب.
تشتمل الرواية علي أكثر من 600 شخصية، كل شخصية قائمة بذاتها، متفردة بمعالمها، بتاريخها.
ويُعد كتاب الحرب والسلام (1869م) من أشهر أعمال الكاتب الكبير، ويتناول فيه مراحل الحياة المختلفة، كما يصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا في الفترة مابين 1805 و1820م، وتناول غزو نابليون لروسيا عام 1812م.
"أنا كارنينا"
"كل الأسر السعيدة متشابهة، أما الأسر التعيسة فلكل منها قصتها المختلفة، وتعاستها الخاصة المميزة"
نشرت "أنا كارنينا" كسلسلة في الفترة من عام 1773إلي 1877 م وقد أثارت جدلا واسعا في الأوساط الثقافية، وعنها يقول دستويفسكي "ليس ثمة عمل أدبي أوروبي يمكن مقارنته بأنا كارنينا". وتدور الرواية حول امرأة أرستقراطية تدعي " آنا" تفشل في حياتها الزوجية وتنشأ علاقة رومانسية بينها وبين الكونت فيرونسكي حيث يبدي كل منهما ازدرائهما التام، لأفكار الطبقة الأرستقراطية الراقية، التي ينتميان إليها، وتنتهي الرواية بانتحار البطلة، نتيجة الصعوبات التي واجهت ارتباطهما.
ويري النقاد أن روعة آنا كارنينا ليست من طبيعة الحكاية ولكنها تنبع من براعة تولوستوي في التداخل مع الحدث في جريانه... فأحداث الرواية ساحة تتحرك في رحابها طبقة من النبلاء الروس الذين ودعوا نظام القنانة وانتقلوا من الإقطاع القديم إلى ارستقراطية جديدة.
وكتب تولستوي العديد من الأعمال الأخري شملت كتاب "ما هو الفن"؟ في عام 1898 وفيه يضع نظرية "الفن
مكتب تولستوي
للحياة"، التي تضفي على الفن بعداً دينياً أو أخلاقياً أو اجتماعياً.
في عام 1886، نشر قصة بعنوان "وفاة إيفان أليش" تحكى قصة فلاح فقير، سقط فريسة لمرض مميت، وبينما هو في سكرات الموت، بدأ يستعرض حياته، وكم كانت فارغة من الأعمال الجيدة.
وتأتي رواية "البعث" عام 1899 كأعظم أعمال الفترة الأخيرة من حياته، وهي قصة امرأة أُخذت بجريمة لم ترتكبها، ورجل نبيل ينشد التكفير عن خطاياه.
وفي عام 1898م نشر رواية رواية "الشيطان" وفيها يركز على الحب والغيرة والجانب المدمر للغريزة الجنسية. ورواية "الحاج مراد" التي نشرت بعد موت تولستوي، وهي تحكي قصة زعيم إحدى القبائل في جبال القوقاز.
"بحثت عن إجابة لأسئلتي في كل فروع المعرفة التي اكتشفها البشر. بحثت لفترة طويلة وبكد عظيم. لم أبحث بقلب فاتر أو لمجرد حب الاستطلاع ولكن كنت أبحث وأنا يشملني العذاب ولايفارقني الإصرار ليل نهار كإنسان يحتضر ويبحث عن أي مخرج للنجاة. لكني لم أجد شيئا"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.