ماذا بعد الخمس الأمريكية العجاف د. سامي سعيد حبيب لا يعدو التدني في العمليات العسكرية ضد الأمريكيين في العراق أن يكون فرصة ضائعة للانسحاب، وستستعر الحرب بالعراق من جديد لكن هذه المرة قد تشتمل قوى المقاومة العراقية على أطياف أوسع من الشعب الأمريكي. يفرض الواقع العراقي الكارثي البئيس والنفق المظلم الذي أدخل فيه العراق منذ خمس سنوات ونيف على قيام الإدارة الأمريكية الأشرة بجريمة غزو العراق نيابة عن إسرائيل والصهيونية والتسبب في قتل قرابة المليون ونصف مليون مدني عراقي بشكل مباشر وغير مباشر وتهجير ملايين العراقيين في الخارج وتدمير البيئة العراقية بالمواد المسرطنة كاليورانيوم المنضب وغيره من السموم البيئية التي ستبقى في بيئة العراق على مدى أجيال متطاولة . وتدمير العراق كدولة متماسكة بين القوى والمليشيات المتنازعة ومساندة التطلعات الانفصالية لعدد من مناطق العراق لا سيما الشمال الكردستاني ، وتدمير العراق ككيان موحد وتمزيق نسيجه الاجتماعي من خلال التلاعب على وتغذية الخلافات الطائفية والعرقية وجر العراق لحروب طائفية غير معلنة وعمليات «التطهير الطائفي» تلتها مؤخراً حروب بين أبناء الطائفة الواحدة فيما عرف بالصحوة في أهل السنة والقتال الشيعي -الشيعي في البصرة وانحياز القوات الغازية لطرف من أبناء الطائفة الواحدة ضد الأطراف الأخرى ، يفرض هذا المشهد السياسي والعسكري والاجتماعي سؤالاً جوهرياً مصيرياً وماذا بعد هذه الخمس العجاف ؟ لا سيما في ظل خطاب الرئيس الأمريكي يوم الخميس الماضي للشعب الأمريكي بمناسبة مرور خمس سنوات على حربه ضد الشعب العراقي وحاول رسم صورة ظاهرها «النصر» بينما تحمل عناصرها تواصل الهزائم العسكرية الأمريكية بالعراق . لا بد بداية من الإشارة إلى أن الإجابة على التساؤل المطروح وبعد إرادة من إليه سبحانه عاقبة الأمور يعتمد بشكل أساسي على الرشد السياسي للعراقيين على الأقل بعد انجلاء الزيف الأمريكي الذي قد يكون انطلى على البعض منهم لفترة من الزمن وظهور الصورة الأمريكية الشوهاء كدولة استعمارية بجدارة . وهل استبصرت جميع القوى المتصارعة على أرض العراق بعد كل ما مرت به العراق من ويلات على أيدي الأمريكيين والإيرانيين بأن المعركة الحقيقية وإدارة الصراع يجب أن تكون معركة وطنية وضد المستعمر الأجنبي وحده وليس بين أبناء العراق أنفسهم ، وأن التعاون مع المستعمر تحت أي ذريعة كانت في إطار ما يسمى بالعملية السياسية «السلمية» أو القتال لجانب الأمريكيين سيظل وصمة عار في جبهة كل من يفعله لن تنساها الأمة أبداً وسيسطرها التاريخ في أسود صفحاته ولن تغسلها كل مياه دجلة والفرات ولا حتى كل البحار والمحيطات. قد لا يصف حال الجانب الأمريكي خيرٌ من خطاب الرئيس الأمريكي المشار إليه أعلاه ، فالإدارة الأمريكية تعيش في عالم آخر لا يمت للواقعية على كوكب الأرض بصلة فهي في سكرة نصرها المزعوم عامهة ، فالاندفاعة كما أسموها والتي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش في يناير من العام الماضي 2007 م واقتضت زيادة تعداد الجيش الأمريكي بالعراق بقرابة 25.000 جندي لإحداث تغيير ملموس على أرض الواقع ضمن استراتيجية مضادة للمقاومة للتقليص من الخسائر والهزائم الأمريكية بالعراق لم تحقق كبير نصر وإن خفت الخسائر البشرية الأمريكية نسبياً لأسباب سنأتي عليها لاحقاً. وصف الرئيس الأمريكي الحالة الأمنية بالعراق في خطابه يوم الخميس الماضي بأنها قد تحسنت لكنها كما وصف تظل هشة . ثم أليس من المضحك المبكي أن يطلب بل لنقل يستجدي رئيس دولة معتدية وغازية ومحتلة ومستعمرة لبلاد لم تعتد عليها قط وتبعد عنها عشرات الآلاف من الكيلومترات من الشعب الذي وقع عليه الاحتلال بأن يمول جيشه الغازي لتتفادى إمبراطوريته الهزيمة ؟ لست أدري إن كان لهذا المطلب العجيب من سابقة تاريخية لكنه الأول في علمي ! وصدق الشاعر حيث قال : لقد هزلت وبان هزلها حتى بدت كلاها وسامها كل مفلس ، وهو مؤشر حقيقي في تقديري على الهزيمة الاستراتيجية الأمريكية بالعراق فالإدارة الأمريكية لا تمتلك التكاليف الباهظة للحرب التي تشنها على كل من العراق وأفغانسان وتكلفها زهاء المليار دولار في اليوم الواحد . وعلى الرغم من التعثر العسكري الأمريكي بالعراق فإن الرئيس الأمريكي قد أعلن في خطابه بأن القوات الأمريكية – على الرغم من البهلوانية الكلامية - باقية في العراق إلى أجل غير مسمى ( لحين تحقيق النجاح ؟!!! ) ، وتظل الإدارة الأمريكية رغم هزائمها السياسية والعسكرية بالعراق وفية للأهداف غير المعلنة للحرب على العراق وهي : من أجل تمزيق العراق إلى دويلات متناحرة تنفيذاً للمطلب الصهيوني الإسرائيلي ضمن خطط إسرائيل للمنطقة عموماً من جهة وهو في تقديري الهدف الأعلى للحرب الأمريكية على العراق ، ومن أجل بصيص الأمل المتبقي في امتصاص إسرائيل وأمريكا لنفط العراق وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي في خطابه ووصفه بالاتفاقية النفطية مع حكومة المالكي من جهة أخرى. أقدم بين يدي الأسباب الحقيقية للانخفاض النسبي في الخسائر البشرية الأمريكية خلال السنة الماضية بحقيقة لا تخفى على كل من له أدنى دراية بالحروب ألا وهي أن الحروب أو معظمها لا تمضي على وتيرة واحدة بل بمراحل تصعيد وهبوط متعاقبة ، وبالتالي فإن الاستنتاج بإن الصراع الأمريكي مع المقاومة العراقية في طريقه للانتهاء استنتاج غير واقعي بل إن المؤشرات لا سيما القتال في جنوب العراق تقول بغير ذلك. وثمة عدد من الأسباب التي أدت في المرحلة السابقة إلى انخفاض حدة المقاومة من أهمها التالي :?1. ارتكاب القاعدة لأخطاء فادحة ومحاولة فرض رؤيتها وبرنامجها على الآخرين مما أثار ضدها المواطنين السنة التي كانت تزعم الدفاع عنهم لدرجة أدت ببعض مكونات المقاومة العراقية «الصحوة» للقتال ضد القاعدة بدلاً من القوات الأمريكية. لكن الأمريكيين فاتهم أنهم يقتلون حتى المتعاونين معهم في الغارات الجوية العشوائية التي يشنونها على كل أحد بزعم أنهم من القاعدة مما يستثير حفيظة رجال «الصحوة» ضد الأمريكيين من جديد ، كما أن الحكومة الشيعية ببغداد رغم أنها صنيعة الأمريكيين إلا أنها تخشى سطوة رجال «الصحوة» المسلحين حتى وإن كانوا مثلهم صنيعة الأمريكيين ، أخيراً وليس بآخر فإن ولاء الصحوة للقوات الأمريكية سينقطع بانقطاع تدفق الأموال الأمريكية. 2. الهدنة التي أعلنها مقتدى الصدر ضمن مناورة استراتيجية لتحقيق أكبر المكاسب وتوجيه لمليشيا ما يسمى بجيش المهدي باحترام الهدنة مع القوات الأمريكية ، والتي انتهت بالأحداث الدامية الأخيرة بالبصرة وقاتلت فيها القوات الأمريكية إلى جانب القوات الحكومية ضد قواته ، ولك أن تتخيل ضغط الصدريين على قائدهم لقتال الأمريكيين بعد كل غارة أمريكية على التجمعات السكانية الشيعية كما حصل الخميس الماضي وقيام الأمريكيين بإلاغارة على حي الصدر ببغداد حتى يصبح أمام خيارين أحلاهما مر إما التجاوب مع طلبات أتباعه أو التفرج على جيش المهدي ينقسم على ذاته. لا يعدو التدني في العمليات العسكرية ضد الأمريكيين في العراق أن يكون فرصة ضائعة للانسحاب وستستعر الحرب بالعراق من جديد إن عاجلاً أم آجلاً لكن هذه المرة قد تشتمل قوى المقاومة العراقية على أطياف أوسع من الشعب العراقي ، وكما أن الإدارة الأمريكية قد قادها عماها السياسي لخوض هذه الحرب نيابة عن إسرائيل ، سيقودها صلفها للمكابرة وحتى حين الخروج طريدة شريدة من العراق الشقيق في مشهد قد لا يقل دراماتيكية عن مشهد فرارها من فيتنام ، فالظلم مرتعه وخيم. عن صحيفة المدينة السعودية 12/4/2008