ماذا فعل الإسلاميون عندما تولوا حكم العراق؟ هل أقاموا الحكم الرشيد ، وأسسوا دعائم العدل كما يقول خطابهم الإعلامي عندما يكونون في المعارضة ام سعي كل فريق إلي تحقيق مصالحه الخاصة علي حساب الوطن؟ هل فرضوا الأمن والاستقرار في طول البلاد وعرضها،وتصدوا للنهب العام أم كانوا شركاء في استنزاف ثروات الوطن؟ إلي أي مدي قاوموا الاحتلال الاجنبي أو حتي دعموا المقاومة،هل أدوا واجبهم الوطني أم سهلوا للاحتلال غزو البلاد وقاوموا المقاومة واحتموا بالأجنبي؟ هذه الاسئلة وجدت سبيلا الي العقل العربي بعد سبعة أعوام من الغزو الانجلو أمريكي للعراق،وقبل اسابيع من الانتخابات التشريعية العراقية ،وبدا مهما تقييم دور الحركات الاسلامية في المرحلة الماضية ومن ثم استشراف دورها في رسم صورة العراق في المدي المنظور. الواقع أن أغلبية الحركات الاسلامية" الشيعية والسنية " ارتكبت ثماني جرائم منهجية "وليست اخطاء التجربة" تؤشر لطريقة ومنهجية ادارة الحكم في غير دولة..ونقول جرائم لأنها تتنافي مع مواصفات الحكم الصالح كما وردت في صحيح الاسلام في القرآن والسنة، وسيرة النبي الطاهرة والخلفاء الراشدين،وقد خلفت آلاف الضحايا واستنزفت ثروة البلاد فضلا عن أنها أرخت لسابقة هي قيام حركات اسلامية بالتعاون مع دولة اجنبية لغزو الوطن بدعوي الاطاحة بالحكم المستبد. لقد انقسمت الحركات الاسلامية إلي أحزاب طائفية شهدت صراعا بين الاحزاب الشيعية بعضها البعض واحتكمت الي السلاح في أكثر من 70معركة في البصرة والنجف وكربلاء وبغداد،لاسيما المعارك بين فيلق بدر التابع للمجلس الاعلي للثورة الاسلامية من جهة أخري..والمعارك بين جيش المهدي وحزب الفضيلة في البصرة من جهة اخري ،وصولا الي تشكيل" فرق الاعدام " التي جري استخدامها علي نطاق واسع بين الاحزاب الشيعية وباقي فئات المجتمع. وبمزيد من التفصيل نتوقف عند الجرائم التالية: أولا:شاركت الاحزاب الاسلامية العراقية في غزو بلاد الرافدين، وهو دور غير مشرف بل يتعارض مع صحيح الاسلام،الذي يحث علي الجهاد ضد القوة الغازية وليس تقديم معلومات عن الدفاعات العسكرية للجيش العراقي وتيسير دخولها البلاد، وركوب دبابات الغزاة و تشكيل مؤسسات لمعاونة الاحتلال ومساندته ،بدعوي ان الغزو الانجلو أمريكي هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من حكم الرئيس صدام حسين وحزب البعث،وبالتالي استلام السلطة بدلا منه ، وبررت كل ممارساتها بمنهج براجماتي او نفعي لايضع وزنا للقيم الاسلامية والاخلاقيات العربية. ولم يعرف التاريخ الاسلامي ظاهرة موالاة احزاب او حركات اسلامية للغزو الاجنبي كما جري في العراق ،صحيح انه كانت هناك شخصيات تعاونت مع الاحتلال وجرمها التاريخ مثل أبو رغال وابن العلقمي، وفتوي ابن طاووس في التعامل مع الغزو المغولي لبغداد ،لكنها حوادث فردية وفريدة نعتت بالخيانة والاستسلام في تاريخ الاسلام المدوَّن إلا انه لم يوجد علي ظهر مركب التاريخ العربي والاسلامي حركة اسلامية بل حركات تضامنت مع الغازي مثلما فعلت الاحزاب الاسلامية العراقية وبهذا تكون هذه الاحزاب التي ادعت الاسلام قد ابتدعت ظاهرة وسلوكاً خطيراً بحق الامة فكراً ونهجاً. ومع من تضامنت ؟ لقد تحالفت الاحزاب الاسلامية العراقية جهارا نهارا "وبالجملة" مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تآمرت علي فلسطين وناصبت العرب العداء وناصرت الصهيونية ودمرت افغانستان وعبثت في الصومال والسودان ،وروجت للاحتلال الأمريكي باعتباره يحمل شعارات تحرير العراق رغم ان بريطانيا تحاكم رئيس وزرائها حاليا بتهمة غزو العراق مجاملة لأمريكا بل ان رئيس أمريكا الحالي اوباما انتقد قيام الادارة السابقة بغزو العراق من دون مبررات كافية. حل الجيش والشرطة وانتشار الفوضي ثانيا:شاركت الاحزاب الاسلامية في تفكيك مفاصل الدولة العراقية، وتسريح الجيش والشرطة والاجهزة الامنية،الامر الذي فتح المجال امام جرائم نهب ممتلكات الشعب منذ اللحظة الاولي للغزو،ويشاع ان التيار الصدري كان قد اعد مجموعة من المتطرفين والمجرمين الذين ظهروا في ميدان الفردوس يرحبون بالقوات الغازية،ويثيرون الفوضي وسط بغداد المليئة بالبنوك العامرة بالعملات الاجنبية والذهب،والتي جري سرقتها في عز الظهر تحت سمع وبصر الاحتلال واعوانه من قادة الاحزاب الاسلامية. ثالثا، ساهمت الاحزاب الاسلامية في تأمين الاحتلال وتوفير ادوات الاستقرار له ،من خلال المشاركة في الحكم ، وتكوين مؤسسات لملء الفراغ المترتب علي غياب حزب البعث، وعملت حكومة الائتلاف علي طلب تمديد بقاء قوات الاحتلال لفترات متكررة ،ما اعطي شرعية للاحتلال الاجنبي،يضاف الي ذلك بيع سلاح الجيش العراقي برخص التراب، وتم ارشاد القوات الأمريكية الي مخازن الاسلحة ومن بينها طائرات ميج 29 وسوخوي 7التي دفع الشعب العراقي ثمنها غاليا فبيعت "خردة" في اسواق الهند،ثم التورط في صفقة سلاح بلغارية شملت عمولات وسمسرة نفذتها عناصر قيادية اساءت الي حزب اسلامي في السلطة. رابعا: أدارت ظهرها لفقه وشرعية مقاومة الاحتلال ،وراحت تناصبها العداء وكانت وراء كل محاولات اختراقها والتجسس عليها والإبلاغ عن مقراتها ،وتحجيم دورها سواء بالمجابهة المباشرة او من خلال مشاريع الصحوة ومجالس الاسناد.والتحريض علي دولة عربية هي سوريا بدعوي انها تأوي قيادات حزب البعث المقاومة، وهذا الموقف المخزي للأحزاب الاسلامية العراقية في انكار فقه وشرعية مقاومة الاحتلال والتحريض عليها يشكل ايضاً خرقاً فاضحاً لأحد ثوابت الاسلام بوجوب مقاومة الغزو الاجنبي بما سمي شرعاً "بجهاد الدفع". الطائفية والتكفير خامسا :تكريس الثقافة والسياسة الطائفيتين وشن حملة تكفير علي القيادات البعثية والقومية واليسارية ومطاردة الفلسطينيين في الشوارع،وتقسيم المجتمع العراقي،خاصة في بغداد علي اسس طائفية ،والاكثر من ذلك توزيع الحقائب الوزارية والمناصب العليا وفق محاصصة طائفية هي بلاشك ضد المنهج الاسلامي،وتتقاطع مع المصلحة الوطنية وتؤسس لثقافة الغاء حقوق الآخر لمجرد كونه من طائفة اخري حتي وان لم يكن طائفيا بالنهج والسلوك. وبالتأكيد فان الصراع علي السلطة بين الاحزاب الاسلامية الطائفية يرتكز ويتبني مفهوم القبول بنفوذ وتواجد دول اقليمية بالعراق مهيأة لاستغلال مظلة الطائفية السياسية من اجل تحقيق اطماعها ومشاريعها القومية مع ما يشكله هذا المفهوم من تناقض مع مفهوم الوطنية والسيادة والهوية ولقد ترأس الحكومة العراقية منذ 2005 امين عام حزب الدعوة الطائفي المرجعي الذي يتناقض بالأساس فكرا ونهجا مع ثوابت بناء الدولة العصرية ويراوح بالمرجعية بين الولاء للحوزة او للمرشد وولي الامة. ويري الخبراء ان استمرار بقاء الميلشيات الشيعية هو اكبر خطر يواجه عصرنة العراق وتحديثه. ومعلوم ان الطرفين الشيعيين القويين يملكان ميليشيا كبيرة وهما ميليشيا بدر التابعة للمجلس الاعلي وجيش المهدي التابع للزعيم الشيعي الشاب مقتدي الصدر،وقد رفضا دمجهما في الجيش والشرطة. سادسا: ان الاحزاب الاسلامية شنت حروبا ضد المساجد،وجري تبادل الاتهامات منذ تفجير قبة ضريح الإمام علي الهادي في سامراء، ومن هذه التداعيات احتلال مساجد سنة وطرد مصليها واستهداف مساجد أخري بالصواريخ. سابعا :ان الحكومات التي اسستها قيادات اسلامية منذ ابراهيم الجعفري الي حكومة المالكي والاحزاب الطائفية شريك اساس في كل الجرائم التي ارتكبت ضد المسيحيين في الموصل وكركوك وبغداد بما في ذلك عمليات القتل والاغتصاب وتدمير الكنائس ،وتشريد 55الف اسرة مسيحية ، والاستيلاء علي منازلهم ،ونهب ممتلكاتهم . كما شنت هذه الاحزاب كلها او بعضها حملة تكفير ضد المعارضين وضد النساء منذ احتلال العراق في عام 2003، اصبحت المدن أرضاً مفتوحة لفرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولفرق اسلامية متشددة، وعصابات وافراد محيطة بها. تنامت هذه الفرق في السنين الاخيرة بحيث افرزت مسئولين حكوميين، ومؤسسات امنية، وميليشيات، وافراد متشددين مدّعين بقضيتهم، وكذلك قتلة مأجورين. وتزايدت عمليات القتل والاغتيالات الوحشية في مدينة البصرة وضواحيها علي ايدي الاحزاب الاسلامية وعصاباتها المسلحة وتتخذ اشكالا وحشية ولا انسانية حيث تتم في اوقات مختلفة وترمي الجثث في كثير من الحالات في الطرقات او الاماكن العامة. ان تبرير هذه العمليات كما تشيع بعض الجهات الاسلامية ، هو كون الضحايا بعثيين في سياق الاغتيالات التي تصاعدت كثيرا ضمن مايسمي حملة "اجتثاث البعثيين" التي دعا لها المجلس الاعلي، ووصلت الي حد اقصاء 500مرشحا من الانتخابات التشريعية بدعوي انهم من البعثيين المحرومين من الترشح بموجب الدستور الذي وضعه بريمر. الاحتلال الايراني لمواقع نفطية ثامنا: ان موقف الاحزاب الاسلامية الصامت و"الناعم" بشأن العدوان العسكري الايراني علي حقل الفكه النفطي ،وهي ارض عراقية داخل الحدود المرسمة ورفع العلم الايراني بعد انزال العلم العراقي من المخفر الحدودي وهيمنة القوات الايرانية علي بئر النفط الرابع فيها وهو واحد من 15 حقلا عراقيا تستغلها ايران بدون وجه حق، يعطي انطباعا واضحا عن التعاون مع الاجنبي الذي مارسته الاحزاب الاسلامية التي حصلت قبل الغزو علي دعم عراقي ايراني، علي حساب المصلحة الوطنية، وتورطت الاحزاب الاسلامية في الصمت المريب علي مشروع الغزو الايراني والذي تجسد في احتلال بئر الفكة وام الرصاص وخور العمية وتجاهل الانتشار الثقافي والاقتصادي الايراني في العراق،بما في ذلك من اهانة للعلم العراقي الذي تم انزاله بالقوة واستبداله بالعلم الايراني من دون رد فعل قوي او مماثل من الحكومة العراقية التي هي عنوان للاحزاب الاسلامية. لقد ثبت ان نظاماً وفكراً طائفياً لا يمكن ان يحمي دولة من أي تهديد خارجي لاسيما عندما يكون هذا النظام نفسه وليد احتلال خارجي والأكثر ان تكون إيران وهي الدولة التي احتضنت تشكيل وتبني الاحزاب الطائفية هي الدولة المعتدية. لهذه الأسباب مجتمعة لم تحقق سلطة الطوائف والاحزاب الدينية القائمة في العراق قبولا شعبيا وجماهيريا بسبب استمرار العنف وندرة الوظائف وبالتالي لا يمكنها ان تحقق متطلبات السيادة والدولة المتمثلة بتوفير الامن الخارجي والداخلي وتحقيق التنمية والاعمار.