منذ أيام قليلة رفض ممثل الحكومة والنظام دعوة المجلس الدولي لحقوق الإنسان أن توقع مصر علي البند الخاص بمنع التعذيب - وبما يعني إقرار هذا النظام وموافقته علي كل ما يحدث من جرائم تعذيب - ووقائع قتل خالد سعيد بكل بشاعتها كما جاءت في شهادة الشهود، ورغم محاولات الترويع لمنع الإدلاء بها نموذج متواضع مما اكتشف، وما اكتشف من هذه الجرائم داخل أقسام الشرطة وفي المعتقلات.. أدعو مئات الآلاف من شباب الفيس بوك وأثق أنهم سيتجاوزون المليون عند نشر هذه السطور.. وأدعو ملايين المصريين المهددين بمصير خالد سعيد في أبنائهم.. وأدعو جماعات العمل الوطني والأحزاب الجادة والمحترمة ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية أن تجعل انضمام النظام لاتفاقيات منع التعذيب مطلباً وطنياً ينضم إلي المطالب السبعة الأساسية لنداءات التغيير بكل ما يستتبع إيقاف هذه الجريمة من حفظ لكرامة وآدمية المواطن ولننهي عار إعادة المصريين إلي أزمنة العبودية عندما كان ممن يعتقدون أنهم السادة بكل تشوهاتهم الإنسانية ونزعاتهم الربوية وانحطاطهم الأخلاقي يستمتعون برمي عبيدهم للوحوش. لماذا تدخل الرئيس مبارك لإيقاف مشروع بيع جزيرة توت آمون وطالب بإعادة طرحها في مزاد علني وبحق الانتفاع فقط؟.. ولماذا لم يتدخل الرئيس لإيقاف مئات من صفقات البيع والتبديد والنهب المنظم للقطاع العام والمصانع والمؤسسات الاقتصادية وبينها ما يمثل أعمدة للاقتصاد وللأمن القومي ومنها الأكثر خطورة مثل مشروع المراجل البخارية الذي تحول إلي مشروع سياحي؟! ومازالت ماثلة في الأذهان من مدهشات جلسة عاصفة من جلسات مجلس الشعب التي لا تذهب- أبعد من الصخب الذي تحدثه - في تلك الجلسة التي تكشف فيها وقائع سرقات وتبديد مليارات من أموال الشعب في عمليات بيع القطاع العام- والتي طالب فيها قطب الحزب الحاكم د. زكريا عزمي بتحويل الملف كاملا إلي النائب العام فيما أطلق عليه خصخصة حرامية!! وأحدث توصيف لمأساة تبديد الأراضي ومنظومة حزب خصخص وخلص كتبته «الأهرام الغراء» 18/6 «أراضي الدولة في مغارة علي بابا - قرية توت آمون والسليمانية وميدان التحرير وغيرها جددوا القضية!!». هل يعرف الرئيس أن التعديات وصلت خلال السنوات القليلة الماضية فقط إلي 5،2 مليون فدان؟! لم يصل الرئيس أن أخصب أراضينا الزراعية في الوادي القديم أوشكت علي التآكل والاختفاء تحت المنتجعات الفاخرة والعشوائيات البائسة؟!، هل لم يسمع الرئيس أن مصانع المحلة الكبري التي كانت من أسس ومكونات مشروع النهضة المصرية والاستقلال ووطنية الاقتصاد وتوطين الصناعات الوطنية وتعظيمها حتي لا تعتمد مصر علي الزراعة وحدها؟ هل يعلم الرئيس أنه لم يعد هناك لا زراعة ولا صناعة إلا فيما يطلقون عليه برنامجه الانتخابي بينما تحولت هذه الثروة والقلاع من المصانع والماكينات بل والعمال إلي ذكريات وخردة وبقايا ومخازن!! هل لم يسمع سيادته بصفقات البيع الفاسدة التي ضيعت حقوق العمل واستكملت القضاء علي ثروات الخبرات الذهبية للعامل والصانع المصري وبما جعلهم يتحولون إلي لاجئين علي رصيف مجلس الشعب يخرجون من ملابسهم ويستجدون دفع رواتبهم المهينة التي قطعت عنهم منذ سنوات بينما بسلامة الله تم فتح بوابات مصر السحرية ليهرب الملاك الجدد خارج البلاد!!! قائمة التخريب والخراب طويلة لا تحتمل مساحة المقال تناولها تفصيليا - وكلها يثير السؤال المنطقي - هل لم يعرف الرئيس بهم؟ - ولماذا لم يتدخل للإنقاذ كما تدخل في صفقة توت آمون مادام لا يستطيع أن يصنع الإنقاذ أو يقدم أو يؤخر أو يحل أو يربط في هذا البلد التعس إلا تدخل سيادته - ثم هل عرف الرئيس بالتفاصيل التي وردت في تقريري الجهاز المركزي للمحاسبات حول حجم الفساد فيما أدير من صفقات حول هذه الجزيرة؟- والمعتاد من طرح أسعار لا علاقة لها بالقيمة الحقيقية للمشروعات، وصفقات التقييم المادي التي مدت في أحيان كثيرة جزءاً من التواطؤ، ما كتبه الجهاز المركزي في تقريرين عن فساد صفقات البيع كان يوجب المساءلة وعقاب كل مسئول عنها وشريك فيها لا مجرد الإيقاف!! تثير هذه الأسئلة أن اللاعب الأول في كشف صفقات جزيرة توت آمون كان أحد أعضاء الحزب الحاكم وكذلك بقية شركاء الصفقة في خلطة نموذجية من الحزب والحكومة في البيع والشراء كترجمة عملية وميدانية لتحالف الثروة والسلطة وبما يوحي إلا إذا كان هناك تفسيرات أخري نتمني أن نعرفها وهي أن المعلومات الخطيرة بوقائع ما يدور في هذا الوطن تصل إلي الرئيس من المحيطين به وفقط وفق مواءمات ومصالح الشركاء والفرقاء وأن المصالح المشتركة والمظلة الحامية في الحزب والحكومة لا تمنع صراع الأجنحة وضرب «الأسافين» وآسفة لاستخدام هذه الكلمة السخيفة الدالة علي «الإسفين» أو«شدة الأذن» من الوطني للوطني ومن الحزب للحكومة حتي لا يتجاوز أحد الخطوط المسموح بها في خرائط تقسيم المصالح وتوزيع الغنائم!! فإذا كان الرئيس يعرف ما حدث ويحدث من تبديد وسرقة لثروات هذا الشعب ولم يتدخل كما تدخل في قرية آمون فتلك كارثة عظمي، وإذا لم يكن يعرف فالكارثة أعظم، أما الطوفان الذي يغرق البلاد بالفعل الآن فهو ما توحي به وقائع ما حدث في إيقاف صفقة جزيرة آمون أن ما يصل الرئاسة من الأقربين والأكثر التصاقا فيتم في حدود مواءمات وتحالفات المصالح، إذن وقائع ما يحدث في مصر الآن من زلازل تعصف بقلبها وأمنها وناسها غائب أو مخفف أو خاضع للتجميل والتزوير، في إطار ونظام ومؤسسة الفرد الواحد أعطاه الله الصحة والعافية ولكن مقتضيات وفروض الصحة والتقدم في العمر والتعامل مع صفقة واحدة تمثل الأبسط من صفقات التبديد والنهب المنظم يقول إننا في مهب صراع أجنحة ومصالح يتم فيها صناعة وتطوير الأحداث ليس وفق مصلحة وطني، لكن وقف مصالح ومواءمات وصراع وقوي حلف الثروة والسلطة.. إلي أين سيأخذنا أكثر مما أخذنا؟! ماذا لو لم يتفضل الوطني بكشف الوطني وقرص أذن الوطني في صفقة يبدو أن المطامع فيها تجاوزت الخطوط المسموح بها.. ماذا تبقي في الصفقة الكبري لبيع وطني؟! الغجرية ست جيرانها- هذه العبارة البليغة قالها أحد شركاء المشروعات التي أوقفت وكاد يبكينا باعتبار أن مصر هي التي أضرت بمصالح شركته وشركائه وأقاربه من المستوزرين - باعتبار أن المشاكل والانتظار كلمتهم حفنه من الملايين - المتحدث الذي كان يشكو مصر ليس ااًبن عشوائيات أو مذبوحاً بالفقر أو البطالة أو ذل المرض أو تحت تهديد وترويع مليشيات أمن النظام، لكن من القوي المالية الكبري التي رأسمالها ثروات هذا الشعب - وعندما قال الغجرية ست جيرانها لم أفهم من هي الغجرية وأطراف كثيرة شاركت في كشف مخالفات وفساد تداخل الثروة والسلطة! أبسط وأصدق تعليق للناس علي الصفقة وإلغائها - اللامبالاة والسؤال عن الجديد الذي تضيعه لمئات الصفقات الأكثر فساداً والأكثر خطورة وتأثيراً قبلها التي ضيعت عليهم وعلي بلدهم ثروات كانت كفيلة بإنقاذهم من الفقر والجوع والمرض واللجوء إلي الديون والاقتراض ورهن أرض مصر بكامل ما تذمها ضمانا لسندات بطرس غالي الدولارية - وبما جعل كبري الصحف الرسمية تصف أوضاع الأراضي بأنها في مغارة علي بابا.. من هو علي بابا الذي يواصل نهب مصر؟ وماذا لم نعرف حتي الآن ما يدور داخل المغارة، وما نهب يتجاوز ما وثقه عديد من خبراء الاقتصاد في مصر.. وتضمه برامج الأحزاب الجادة ومفصلة أرقامها الفلكية فيما نهب وسرق وما تم تهريبه وما أعطي كمنح وعطايا ولا أحد يجد من يحاسبه، بل إن ما يتم الكشف عنه لأسباب ولحسابات المصالح والمواءمات الحزبية وعدالة توزيع المنهوب من الغنائم لا يحال إلي تحقيق وحساب لرد أموال وحقوق الشعب المضيعة - بل تحال إلي التسوية وإغلاق الملفات التي قد تكشف عما يجب ستره وإبقاؤه في الخفاء.. الخصم الذي طبق نظرية «خرب وخصخص وخلص».. الخصم الذي باع المصانع والأراضي والمشروعات السيادية هو الحكم.. والمجالس النيابية مؤيد ومعارض يديره التزوير والحزب الحاكم. فمن يحاسب من؟! يحدث هذا في الوقت الذي يهدد فيه كتيبة من الكتاب المستقلين بالسجن الذين أطلق عليهم الكاتب الكبير عادل حمودة «قائمة مجرمي الرأي»، وبينما لا جرح ولا تهديد لميليشيات خصخصة مصر يتوجه التهديد لميليشيات كشف الخطايا والجرائم!! ناهبو الثروات ومن أفقروا مصر وبددوا عوامل قوتها وأمنها واستقرارها لا جرح ولا ملامة ولا حساب ولا عقاب إلا.. إلا من لم يعرفوا كيف يحفظون الفساد والجرائم في حدود إمكانية السيطرة الوطنية وارتكبوا جرائم وفضائح عابرة للقارات ومع ذلك يتم باستبسال وبمليارات محاولة تبرئتهم مثل ما يتم باستبسال محاولات إدانة كتيبة أو قائمة مجرمي الرأي. عصابة علي بابا وباقي سكان المغارة غير مطلوبين، بينما عصابة مجرمي الرأي تحت التهديد والطلب!! لقد أدانت مؤتمرات علمية وعديد من الخبراء وأصحاب الرأي وأهل القانون أحد أهم ضرائب الجباية التي فرضتها وزارة المالية في السنوات الأخيرة لسد عجز الموازنة والخزانة المسروقة- وفي مقدمة هذه المؤتمرات - مؤتمر الضرائب العقارية بين النظرية والتطبيق الذي عقد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية «11/2009» برعاية مؤسسة «المحاسبون للاستشارات المالية والضريبية» - وبما ضمه المؤتمر من خلاصة الخبراء والأساتذة في أعمال أدينت هذه الضريبة العقارية وأثبتت عدم دستوريتها ومدي الأضرار التي ستلحقها بالمواطن وبالاقتصاد. لماذا ترك وزير المالية آلاف السطور والآراء وواحد منهم هذا القلم في رفض وإدانة أسلوب الجباية لمواجهة عجز الفشل في الإدارة ونهب الثروات وعجز التنمية عن تلبية احتياجات وطن وسد عجز الموازنة.. لماذا لم يختصمهم جميعاً وزير المالية واكتفي ب«صوت الأمة» ورئيس تحريرها الزميل وائل الإبراشي؟ لأن المستهدف الحقيقي الدفاع عما ارتكبته ميليشيات علي بابا وما أحدثته من خلل وتدمير اقتصادي وسياسي وإسكات وترويع كتيبة كاشفي المعلن والخفي مما حدث ويحدث داخل المغارة. كان المصريون يقولون «إللي اختشوا ماتوا» وسكتوا عن استكمالها حتي جاءت هذه الأيام التعسة من تاريخ مصر ولتستكمل المأثور الشعبي بشهادات الواقع المعلن إن «إللي سرقوا ونهبوا وخربوا عاشوا».. وإن الغجرية بالفعل ست جيرانها ولكن الدفاع عن حرمة المال العام ليس شغل غجر ولكن واجب وطني وأخلاقي وآدمي وديمقراطي.. والحكاية كلها تثبت أن التغيير أصبح ضرورة حياة وإنقاذ لكرامة المصريين.. التغيير الذي يستطيع أن يفرض نهاية لتزوير إرادة شعب ولبيعه وثرواته في مزادات علنية وسرية.. التغيير الذي يستطيع أن يفتح الآفاق المسدودة لحرية انتخاب من يمثلونه تمثيلا حقيقيا ويتوبون عنه في الرقابة والحساب والتقويم والمساءلة ويشكلون خريطة نيابية ليست مدانة ومشوهة بانقسام الثروة والسلطة والتداخل والاعتراض فقط عند تهد يد المصالح، التغيير الذي يضع نهاية تخضع لجميع أشكال الرقابة لعار وانحطاط تعذيب وإهانة وترويع المصريين. أضم صوتي وقلمي المتواضع لجميع أشكال التضامن مع قائمة مجرمي الرأي من الزملاء والكتاب والصحفيين الذين يليق بهم أكثر كتيبة مقاتلي حرية الرأي وكاشفي فضائح وجرائم سكان مغارة علي بابا، وأؤكد أن التضامن مهم ليس تضامنا مع مصالح أو مطالب فئوية لا تليق بهذه اللحظات المأزومة التي تعيشها مصر ولكنه تضامن مع وضع نهاية لمعاناة المصريين وفقرهم وإهدار ثرواتهم وإهانتهم واستذلالهم وإخضاعهم لإرهاب الطوارئ وميليشيات الأمن بحماية حريات الرأي من مخططات الصمت والتخويف التي يراد إسكاتهم بها.