هل نجحت مجالس الصحوة فى انقاذ العراق من موجات العنف المتلاحقة أم أنها كانت مجرد فخ لانهاك قوى المقاومة العراقية التى نشطت منذ غزو قوات التحالف للعراق فى مارس 2003؟ .. هذا التساؤل يفرض نفسه فى ظل تصاعد أعمال العنف بالعراق ،ومخاوف الحكومة المركزية وبعض القوى السياسية الفاعلة من احتمال انقلاب قوات مجالس الصحوة على النظام الحالي بمجرد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد وانتهاء معركتها مع تنظيم القاعدة ، والمفارقة المثيرة للدهشة أنه رغم تدعيم هذه المجالس للقوات الأمريكية فى حربها ضد الأرهاب ،قام أكثر من مائة عضو في مجالس الصحوة ببلدة جرف الصخر بالعراق بتقديم استقالاتهم إلى المسئولين العسكريين الأمريكيين الأحد 17 فبراير احتجاجا على ما وصف بالاغتيالات المنظمة التي ترتكبها قوات التحالف ، حيث اتهموا قوات الاحتلال الأمريكي بقتل نحو تسعة عشر من رفاقهم خلال شهر واحد ،خلال عدة هجمات كان آخرها قتل ثلاثة منهم بنيران مروحية عسكرية أمريكية في منطقة جرف الصخر . إلا أن مجلس الصحوة عدل عن التخلى عن مسئولياته لاحلال الأمن بعد الاتفاق مع الجيش الأمريكى الذى اعترف بأنه قتلهم بالخطأ أثناء الرد على "تصرف عدائي من عناصر المجموعة" مؤكدا أن مجموعات متطرفة اخترقت عناصر الصحوة. وتعقيباً على ذلك ،ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الهجمات التي وصفتها ب" الخطيرة" على أعضاء مجالس الصحوة المتحالفين مع الولاياتالمتحدة في العراق تهدد استراتيجية الجيش الأمريكي واستتباب الأمن بالعراق..مشيرة الى أن حوالي 100 عنصر من مجالس الصحوة في العراق، معظمهم من السنة ،لقوا مصرعهم في ديسمبر الماضي بالمناطق المحيطة ببغداد ومدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى. فى غضون ذلك ،أعربت قوات الأمن العراقية عن القلق من انسحاب رجال الصحوة من المنطقة لأن ذلك قد يؤدي الى فراغ امني مما يتطلب توفير قوات عسكرية بديلة بالمنطقة لاستمرار استتباب الامن هناك باعتبار رجال الصحوة يمثلون صمام الامان فيها، وانسحابهم سيفتح الطريق امام الفوضى و الارهاب بمنطقة تمتاز بكونها وعرة وزراعية مما يصعب السيطرة عليها. وتوقع المراقبون أن الجيش الامريكي سيتحمل عبئا كبيرا اذا جمدت مجالس الصحوة التعامل معه نهائيا ،الأمر الذى يهدد الاستراتيجية الاميركية المطبقة منذ نهاية الحرب في ابريل 2003 للتصدى لتنظيم القاعدة. ما هو مجلس الصحوة؟ هو تنظيم من العشائر السنية ،تموله وتدعمه القوات الامريكية لمحاربة تنظيم القاعدة،.وقد التحق به حوالى ثمانين ألف من المتمردين السابقين الذين كانوا يقاتلون القوات الاميريكية بمجالس الصحوة.وبدأت العملية كحركة محدودة في محافظة الأنبار، معقل التمرد سابقا من قبل زعماء العشائر هناك في سبتمبر 2006 لكنها سرعان ما تحولت الى ظاهرة شملت عدة مناطق تغطى جميع مناطق العرب السنة. وقام الجيش الأمريكي باستقطاب المسلحين المناوئين الذين يطلق عليهم "المواطنين المحليين المعنيين" بهدف تجنيدهم بمبلغ يصل 300 دولار شهريا لمحاربة رجال تنظيم القاعدة. ويشكل العرب السنة نحو ثمانين بالمائة منهم نظير 20 بالمائة للشيعة في حين توجد بعض مجالس الصحوة المختلطة من السنة والشيعة. ونجحت "قوات الصحوة" في إعادة الأمن إلى عدد من المدن في المناطق الساخنة، وأبرزها الأنبار وصلاح الدين، بعد أن طردت منها عناصر التنظيمات المسلحة واستطاعت ان تؤدي دورا حاسما في تحقيق الامن بالعديد من المحافظات العراقية ومنها محافظة ديالى. نشأة حركة الصحوة: نشأت قبل مايقرب من عامين في صحارى العراق الغربية، الا انها سرعان ما شكلت قوة يبلغ حجمها 80.000 فرد في مستوى البلد، أربعة اخماس اعضائها من السنة ،وكانت البداية الأولى في محافظة الأنبارغرب العراق التي تعد أكبر محافظة سنية، ومنها انطلقت فكرة مجالس الصحوة. وانتشرت عناصرها فى عدة محافظات منها الأنبار وديالى وصلاح الدين والموصل،و ضمت إلى صفوفها الآلاف من أبناء العشائر والقبائل العربية. وفي بغداد تركزت مجالس للصحوة في عدة مناطق مثل الدورة والعامرية والسيدية والخضراء واليرموك والمنصور والجامعة والغزالية والأعظمية والفضل ومناطق حزام بغداد الشمالي والجنوبي والغربي..، وهي مناطق يغلب عليها الطابع السني. ويشيرالمسئولون العراقيون الى أن عدد افراد هذه الميليشيات في ازدياد حيث من المتوقع ان يصل عددهم في بغداد وحدها العام المقبل الى 45 ألف فرد، وقد قررت الحكومة العراقية ، بضغوط من الولاياتالمتحدة دمج غالبية أفراد دوريات مجالس الصحوة في قوات الأمن، على أن تدفع لها الحكومة رواتب بحلول منتصف عام 2008، وسيتم اعتماد خطة محددة لاستيعاب هؤلاء وفقا لصلاحيتهم بحيث يخضع ضمهم إلى القوات الامنية لمجموعة اعتبارات منها الحاجة اليهم ومعرفة بيانات وافية عن الذين سوف ينتمون إلى القوات الامنية، خاصة تاريخهم الجنائي ومؤهلاتهم للانخراط في صفوف الجيش والشرطة. وقد تعهدت الحكومة العراقية بضم 20 فى المائة من عناصر "الصحوة" الى قوات الجيش والشرطة فى حين يعكف مسئولون امريكيون وعراقيون على وضع خطة لاستيعاب نسبة آخرى فى مؤسسات الدولة. وفى ظل الحاجة الملحة الى فرص العمل لمواجهة ظاهرة البطالة ، بدأ الشباب يتوجهون الى مراكز التطوع والتجنيد. ومع تزايد اعداد المتطوعين واعلان انتمائهم الى القوات المسلحة في الشرطة والجيش والمتطوعين المحليين، اختل ميزان قوة القاعدة لصالح كفة الصحوة. وكانت الحكومة العراقية أعلنت تخصيص مبلغ 150 مليار دينار عراقي لدفع رواتب متطوعي مجالس الصحوة المشكلة في بغداد ومحافظات أخرى خلال عام 2008. مخاوف حكومية: رغم ترحيب بعض الأصوات الحكومية بمجالس الصحوة وبما حققته من إنجازات في مقاومة عناصر تنظيم القاعدة ، إلا أنها بدأت فى التراجع عن احتضان هذه المجموعات، خشية تحولها إلى ميليشيات جديدة قد تهدد مستقبل العملية السياسية حيث أعلن وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي وهو سنى مستقل في مؤتمر صحفي أن الحكومة العراقية لن تتسامح إزاء تحول قوات مجالس الصحوة إلى قوة ثالثة مع الجيش والشرطة، محذراً من تسييس عملية ضمها إلى قوات الأمن العراقية. وسبقت تصريحات العبيدي دعوة عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاسلامي الاعلى (الشيعي) وزعيم أكبر كتلة برلمانية أمام اتباعه إلى تقييد دوريات مجالس الصحوة، قائلا إن الأسلحة لأبد أن تكون في يد الحكومة لكن من الواجب أن تكون مجالس الصحوة ذراعاً للحكومة في ملاحقة المجرمين والإرهابيين، وألا تكون بديلا عن الحكومة. صدى تنظيم الصحوة : يرى المحللون أن التحالفات الجديدة بين المسلحين الذي كانوا يقاتلون القوات الامريكية ساهمت في تراجع ملحوظ لاعمال العنف بالعراق خلال الاشهر الماضية حتى ان تنظيم القاعدة صار يركز هجماته على عناصر الصحوة.وقد دعا اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة نهاية السنة الماضية الى رفض مجالس الصحوة ، قائلا:" إن الولاياتالمتحدة تعمل لتثبيت قواتها في العراق ولما اقتنعت بعجزها العسكري زادت من نشاطها السياسي والاعلامي لشراء ذمم العشائر تحت مسمى الصحوة ". ويدعم ذلك تأكيد رئيس الوزراء العراقى نورى المالكي بمناسبة الذكرى الأولى لانطلاق خطة "فرض القانون" في بغداد تحطيم خلايا القاعدة وتفكيكها وملاحقتها ،وأيضا اعلان الجيش العراقي السبت 16 فبرايرانخفاض الهجمات التي يشنها مسلحون وميليشيات طائفية متنافسة إلى 80% في بغداد منذ بدء تنفيذ عملية "فرض القانون" المستمرة منذ عام. لقد اثبت الواقع ان دور قوات الصحوة والأهالي أدى لعودة الحياة بشكل تدريجي الى وضعها الطبيعي في عدد من المناطق التي كانت تعد معاقل لتنظيم القاعدة مثل الضلوعية والإسحاقي ويثرب وشمال تكريت مركز محافظة صلاح الدين شمال بغداد بعد تراجع دور مسلحي القاعدة الى مستويات متدنية فى ظل فاعلية في دور القوات الأمنية والتشكيلات العشائرية. وأشار بعض الخبراء إلى أن النتائج التي حققتها قوات الصحوة في المناطق الغربية والشمالية من العراق أهم بكثير من تلك التي حققتها القوات الحكومية والامريكية، مرجحين ان يكون موقف الحكومة باحتوائهم نابع من حسابات سياسية مرتبطة بمستقبل الحكومة، خصوصا وان دخول قوات الصحوة الى العملية السياسية سيحقق نوعا من التوازن الطائفي بين السنة والشيعة. تمويل مجالس الصحوة في العراق نشر مجلس العلاقات الخارجية فى يناير الماضى تقريرا جاء فيه أنه رغم عدم وجود تصريحات علنية وأدلة دامغة علي الدعم السعودي لمجالس الصحوة في العراق، إلا أن هناك مؤشرات لدعم الرياض لها.. مشيراً الى أن ظاهرة مجالس الصحوة تحظى باهتمام واسع من الجانب السعودي الذى دعم مجالس الصحوة بكل قواه السياسية والمالية، كونها تعد جزءاً من نفوذه الطبيعي داخل العراق، ذلك وفق ما ذكرته صحيفة القدس العربي التي تصدر من لندن. وفيما يتعلق بحجم التمويل الأمريكى ،سلطت صحف أمريكية الضوء على حجم المبالغ المالية التى يتقاضاها زعماء مجالس الصحوة من القوات الأمريكية فى مقابل السيطرة على مناطقهم وقتال عناصر تنظيم القاعدة حيث نقلت عن قادة عسكريين امريكيين ان قادة وشيوخ مجالس الصحوة يتسلمون أموال أمريكية تصل الى 60 الف دولار شهريا لشيخ العشيرة و نحو200 من المقاتلين فى مجموعته. وتشير الصحف فى هذا الصدد الى ان الولاياتالمتحدة صرفت نحو 70 مليون دولار فى اطار برنامج تمويل مجالس الصحوة مؤكدة ان ما يقرب من 80 ألف مقاتل يعملون حاليا فى 300 مجلس "للصحوة" فى أنحاء العراق وابرزت مخاوف مسؤولين امريكيين وعراقيين من عودة أعمال العنف فى حال قطع التمويل عن تلك المجالس أو بعد انسحاب القوات الأمريكية وتسليم برنامج تمويل مجالس "الصحوة" الى الحكومة العراقية. كما أشارت تصريحات السفير الأميركي في بغداد ريان كروكر الى أن المبالغ التى منحها الأمريكيون إلى مجالس الصحوة ،تبلغ قيمتها الاجمالية 150 مليون دولار، لكن بعض زعماء الصحوة في بغداد أكدوا أن هذا المبلغ مبالغ فيه ،ومنهم زعيم صحوة السيدية غرب بغداد العقيد كريم ناجي الذى أكد أن الرقم الذي أشار اليه السفير الأميركي في تمويل مجالس الصحوة غير صحيح،موضحا أن الاتفاقات الأمنية مع الأمريكيين لم تشمل كل مكاتب الصحوة التى تزيد عن 125 مكتبا في بغداد والمناطق المجاورة لها.وفي هذا الاطار، أعلن مسؤول في «مجلس الصحوة» التابع لاحدى البلدات شمال بغداد انسحاب أكثر من 230 من عناصره احتجاجاً على تأخر رواتبهم لفترة شهرين. معارضة الصحوة للعلم الجديد: والمعروف أن مجالس الصحوة في المناطق الغربية اعلنت رفضها انزال العلم القديم والاصرار على ابقائه فوق الادارات والمراكز العامة والمؤسسات في تلك المناطق في تحد واضح لقرار الحكومة بتغيير العلم استجابة لضغوط كردية حيث رفض اقليم كردستان رفع العلم القديم مالم يتم تغييره . وشهدت احياء السيدية والاعظمية والغزالية والعدل والدورة ، ممارسات فجة من عناصر الصحوة ضد اصحاب المركبات التي حملت العلم العراقي الجديد وامرت عناصر الصحوة السائق بعدم رفع العلم الجديد .يشار الى أن العلم الجديد الذي اقره مؤخراً مجلس النواب العراقى ، الغى النجوم وابقى كلمة الله اكبر بعد تبديل خطها بالخط الكوفي بدل الخط السابق الذي يمثل نسخة من خط الرئيس العراقى الراحل صدام حسين. بداية النهاية: وفى الأونة الأخيرة ، بدأت مجالس الصحوة تشهد نوعا من التراجع خاصة بعد اتهامها "بتدنيس" يدها بالمال والسلاح الأمريكي، وبعد عمليات التصفية الجسدية التي طالت بعض قادتها مثل زعيم مجلس صحوة الأنبار الشيخ عبد الستار أبو ريشه ، والشيخ حسين جبارة في صلاح الدين، وكذلك بعد تفجير منزل رئيس صحوة عشائر الموصل الشيخ فواز الجربة خلال العام الماضى ، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك حول نجاح هذه التجربة ومدى إمكانية استمرارها . خلافات بين عناصر الصحوة: أكد أحد رجال الصف الثاني في مجلس الصحوة لمنطقة الاعظمية في بغداد أن خلافات بسيطة نشبت بين قادة وأفراد الصحوة أدت الى مواجهات مسلحة فيما بينهم، ترتب عليها انقسام عناصر الصحوة في المنطقة الى فريقين.. فكل فريق يريد أن يسيطر على أكبر قدر من السلطة وعملية اتخاذ القرار في المسائل التي تعتبر من صلاحية مجلس الصحوة ، و من أسباب هذه الخلافات التي تنشب بين قادة مجلس الصحوة في المنطقة تصارعهم حول مسألة تعيين العناصر التي تريد الالتحاق بهذا التشكيل المسلح. صراع من أجل البقاء: فى ظل استمرار المواجهات بين أعضاء الصحوة وأنصار القاعدة ، شن مسلحون هجوم على منزل جنوب مدينة يعقوبة أسفر عن مقتل امرأتين ورجلين من أسرة واحدة بسبب انضمام أحد الأبناء الى مجالس الصحوة . بينما تعرضت دوريات ونقاط التفتيش التي تشارك فيها قوات الصحوة منذ بداية هذا العام بمدن ديالى وصلاح الدين والانبار في العراق إلى هجمات مختلفة من قبل مسلحي تنظيم القاعدة مما أدى إلى مقتل وجرح العشرات منهم،وهنا يحلل المراقبون الموقف بوجود طرفين متصارعين :الطرف الأول هو تنظيم القاعدة الذي بدأ يفقد توازنه بعد خطة فرض القانون المطبقة منذ فبراير الماضى وزيادة عدد القوات الأمريكية. أما الطرف الآخر، فيتمثل بمجالس الصحوة بمساندة أبناء العشائر التي تنتمي للطائفة السنية. ويمثل النهج الذي تتبعه قوات الصحوة تجسيدا لانقلاب العرب السنة على القاعدة، ويفسر بعض المحللين السياسيين تداعيات الصراع بأن كلا الطرفين ولد نتيجة التطور الفعال في استراتيجية العمل الأمريكيةالجديدة، التي اضطرت الى التعامل مع الجماعات المسلحة وغيرها من تجمعات المتطوعين، بعد أن كان مثل هذا التعامل، حتى مطلع العام الماضي، جزءا من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها. وعلى عكس ما يؤكده قادة مجالس الصحوة العراقية من أنها تحمل السلاح بحجة مقاومة العنف الذى تقف ورائه مجموعات غيرعراقية تنتمي الى تنظيم القاعدة ، الذي تحاول القوات الأمريكية منذ احتلال العراق القضاء عليه دون جدوى ، على العكس من ذلك يرى بعض المراقبين أن قوات الصحوة تقتل كل من يحمل السلاح ضد الجيش الأمريكي بدعوى أنه من تنظيم القاعدة، فالصحوة العراقية تريد انتصارا أمريكيا على كل المقاومة العراقية من أجل تحقيق مصالح مادية رخيصة. كما أن قوات الصحوة تبرر وجود المحتل الأمريكي على أساس انه طوق النجاه من خطر تمزق العراق وعدم دخوله في أتون الحرب الأهلية.ويدلل على ذلك أن قوات الصحوة العراقية ساهمت في تقليل خسائر الجيش الأمريكي ، حيث يقبع الجيش الأمريكي في ثكناته المحصنة بينما تنوب عنه قوى الصحوة في إدارة الهجمات ضد المقاومة، الأمر الذي دفع الكونجرس الأمريكي للموافقة على ميزانية الحرب فوراً بعد ان عرضت عليه النتائج التي تشير الى انخفاض عدد القتلى في صفوف الأمريكان. وكانت الخسائر البشرية للقوات الأميركية في العراق قد ارتفعت منذ بدء الغزو عليه عام 2003 إلى أكثر من ثلاثة الأف قتيلاً. ويوضح المراقبون أن مأزق المقاومة العراقية اليوم أنها وقعت في الفخ الذي نصبته لها قوات الاحتلال الأمريكي لتجد نفسها ملزمة بقتال مجالس الصحوة من اجل الوصول إلى المحتل الأمريكي ، وهذا المشهد متكرر في تاريخ النضال العربي، والخطر في عناصرالصحوة أنها تتميز عن المحتل الأمريكي في درايتها بالتقاليد والعادات الخاصة بالمجتمع العراقي، كونها جزءً منه و لذلك فإن وصولها إلى أماكن المسلحين وقتالهم، يسهل من مهمة الجيش الأمريكي في القضاء على المقاومة العراقية. تجربة مجالس الصحوة .. فى دائرة البحث : وفى هذا السياق ،انتقدت دراسة حديثة صادرة عن المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية بعمّان، الخطط الأمريكية في مواجهة الاقتتال العراقي الداخلي، وحملت سلطات الاحتلال مسئولية تصاعد العنف بالعراق، باعتبار أن الاستراتيجيات الأمريكية تركز على صناديق الاقتراع للرئاسة الأمريكية..موضحة أن سياسة مواجهة حركات المقاومة عبر قوة السلاح لا تؤتي بثمارها، مما يستلزم إعادة النظر في الاستراتيجية القتالية الأمريكية..مشيرة إلى أن مؤيدي الحزب الجمهوري الحاكم في الولاياتالمتحدة، حاولوا طوال الفترة الماضية، تقديم استراتيجية بلادهم في العراق للناخب الأمريكي، على أساس أنها تحارب "الإرهاب". وقيمت الدراسة أيضا تجربة مجالس الصحوة السنية، حيث اعتبرتها مرتبطة بصورة كبيرة بالاحتلال، وبأن الشيعة بدأوا ينظروا إليها كميليشيات سنية جاهزة لأي تصعيد في الاقتتال الطائفي، خصوصا أن واشنطن دعمت تلك المجالس التي تصدت للنفوذ الإيراني في العراق. ورصدت الدراسة، ما أحدثه الحِراك المتمثل في مجالس الصحوة من تداعيات لعل من أبرزها الإرتباك الذي امتد للعمل المسلح نتيجة تعدد وجهات النظر مع تعدد الفصائل والمشاريع المطروحة للخروج من حالة الفوضى التي يواجهها البيت السني على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث وصلت إلى حد اقتتال بعض القوى أو الفصائل المسلحة السنية فيما بينها، مما أدى الى تغيرالتكتيكات المتبعة لدى إدارة الاحتلال في مواجهة قوى المقاومة مستغلة هذه الظروف لصالحها. وقللت الدراسة من أهمية زيادة القوات الأمريكية في العراق وانعكاسها على الوضع الأمني، معتبرة أن التحسن النسبي بهذا المجال جاء بفضل النجاح المحدود لمجالس الصحوة السنية. وبينت الدراسة في الصدد أن دعم واشنطن لمجالس الصحوة كفيل بأن يثير حفيظة الأطراف الحكومية ، وخاصة تلك الموالية لإيران، والتي بدأت تخشى من قيام الولاياتالمتحدة بتطوير تجربة المجالس بصورة أكبر، وفي مناطق نفوذ إيران ، خاصة في الوسط والجنوب، لذا كان عليها البدء بإضعاف دور هذه المجالس التي أخذت تنتشر كالنار في الهشيم في المحافظات الأخرى. وتوقعت دراسة المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية أن تشهد الأشهر المقبلة مزيدا من نشأة هذه التنظيمات المسلحة الدفاعية على الساحة العراقية مدعومة من الأمريكيين، في الوقت الذي تثير فيه هذه الأفواج الدفاعية قلق الحكومة العراقية التي بدأت باستباق نشوئها بالإعلان عن تشكيل مجالس إنقاذ في مناطق الجنوب ، والبدء بتسليح العشائر الجنوبية، مما يمهد الطريق إلى مزيد من التفتيت للعراق، ليس على أساس طائفي ، بل عشائري مما قد يجعل العراق والمنطقة على فوهة بركان. 22/2/2008