محافظ الأقصر: الانتهاء من تطوير 9 قرى بإسنا ضمن حياة كريمة وافتتاحها قريبا    الكهرباء: لن نضطر لخطة تخفيف الأحمال أو قطع التيار على المواطنين خلال هذا الصيف    صفارات الإنذار تدوي في مناطق واسعة جنوب إسرائيل بعد بدء إيران عاشر موجة من ردها    مبابي مهدد بالغياب عن مباراة ريال مدريد ضد الهلال.. تقرير يكشف السبب    أعمال الموسيقار بليغ حمدي بأوبرا الإسكندرية غدا    «بيحبني دايمًا»    5 مصادر مقربة للمرشد: ضربات إسرائيل تقلص دائرة خامنئي ونجله مرشح لخلافته    محافظ الأقصر يوجه بصيانة صالة الألعاب المغطاة بإسنا (صور)    ترامب: لدينا الآن سيطرة كاملة وشاملة على الأجواء فوق إيران    النيابة تعاين منازل المتضررين بسبب تسريب الصرف الصحى بسوهاج    معلمو الحصة فوق 45 عامًا يُطالبون بتقنين أوضاعهم وتقدير جهودهم    بعد المطالبة بترحيلها.. طارق الشناوي يدعم هند صبري: محاولة ساذجة لاغتيالها معنويًا    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    من سرقة بنك إلى المونديال.. الحكاية الكاملة لصن داونز وملهمه يوهان كرويف    التعليم العالى تعلن فتح باب التقدم للمنح المصرية الفرنسية لطلاب الدكتوراه للعام الجامعى 2026    "فوربس" تختار مجموعة طلعت مصطفى كأقوى مطور عقاري في مصر    خاص ل "الفجر الرياضي" | ريال مدريد سيوقع مع هذا اللاعب عقب المونديال (مفاجأة)    الجيش الإسرائيلي: إيران أطلقت 400 صاروخ حتى الآن    نائب محافظ الدقهلية يتفقد الخدمات الصحية وأعمال التطوير والنظافة بمدينة جمصة    مصرع شاب في حادث دراجة بخارية بالمنيا    "أكبر من حجمها".. محمد شريف يعلق على أزمة عدم مشاركة بنشرقي أمام إنتر ميامي    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    رئيسة «القومي للبحوث»: التصدي لظاهرة العنف الأسري ضرورة وطنية | فيديو    رصاصة غدر بسبب الزيت المستعمل.. حبس المتهم بقتل شريكه في الفيوم    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    معهد ستوكهولم: سباق تسليح مخيف بين الدول التسع النووية    محافظ أسيوط يستقبل السفير الهندي لبحث سبل التعاون - صور    في ذكرى وفاة الشعراوي.. 7 معلومات مهمة عن إمام الدعاة يكشف عنها الأزهر للفتوى    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    "المدرسة البرتغالية".. نجم الزمالك السابق يطلق تصريحات قوية بشأن الصفقات الجديدة    محافظ المنيا يُكرم مديرة مستشفى الرمد ويُوجه بصرف حافز إثابة للعاملين    نجاح طبي جديد: استئصال ورم ضخم أنقذ حياة فتاة بمستشفى الفيوم العام    عرض غنوة الليل والسكين والمدسوس في ختام الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    مهرجان الإسكندرية الدولي للفيلم القصير يواصل تألقه بعرض خاص في القاهرة    التعليم العالي: جهود مستمرة لمواجهة التصحر والجفاف بمناسبة اليوم العالمي    تأجيل محاكمة متهمين بإجبار مواطن على توقيع إيصالات أمانة بعابدين    محافظ القاهرة يتفقد أعمال تطوير بحى السلام ويفتتح بعض المشروعات    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    "ليست حربنا".. تحركات بالكونجرس لمنع تدخل أمريكا فى حرب إسرائيل وإيران    هشام ماجد يسترجع ذكريات المقالب.. وعلاقته ب أحمد فهمي ومعتز التوني    التعليم الفلسطينية: استشهاد أكثر من 16 ألف طالب وتدمير 111 مدرسة منذ بداية العدوان    إيران ترحب ببيان الاجتماع الاستثنائى لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    محافظ المنيا: استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 509آلاف طن منذ بدء موسم 2025    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    «الرعاية الصحية» تُعلن توحيد 491 بروتوكولًا علاجيًا وتنفيذ 2200 زيارة ميدانية و70 برنامج تدريب    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    ضبط 18 متهمًا بحوزتهم أسلحة و22 كيلو مواد مخدرة في حملة أمنية بالقاهرة    بدء التشغيل التجريبي لمستشفى طب الأسنان بجامعة قناة السويس    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    بعد تلقيه عرضًا من الدوري الأمريكي.. وسام أبوعلى يتخذ قرارًا مفاجئًا بشأن رحيله عن الأهلي    التصعيد مستمر.. إيران تضرب «حيفا» بموجة صواريخ جديدة    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتخابات الهروب من نزيف الدم

عندما زرت العراق لأول مرة فى الثمانينيات أصابنى الحزن.. وعندما تكررت زياراتى زاد حزنى.. فلم تعد العراق تذكر شيئا من قصص شهرزاد أو حكايات زمن الخلافة الإسلامية والحضارة.. وبحثت فى مدنها من البصرة إلى الداهوك.. ومن نينوى إلى ديالى عن دولة هارون الرشيد.. فلم أجد إلا دولة يحكمها الدم والخوف.
وبعد سبع سنوات من الغزو الأمريكى تحولت العراق من دولة فاشلة إلى دولة ضعيفة لا تتوقف التفجيرات فى شوارعها ولا يتوقف نزيف الدم من قلوب أبنائها.. وخسر الأمريكيون 4500 قتيل من جنودهم وألف مليار دولار من أموالهم وبقى 100 ألف جندى أمريكى على أرضها.. دمروا العراق.. وفشلوا فى بناء دولة ديمقراطية على أنقاضها حتى تكون نموذجا يغرى دول المنطقة بتكراره.. وخسر العراقيون أمنهم وأحلامهم.. لكل هذا كانت أهمية الانتخابات العراقية التى جرت منذ أيام وتظهر نتائجها المهمة.. فالبعض رأى أنها بداية الطريق لاستعادة حلم العراق القوى وأيامه الجميلة.. والبعض رأى أنها أحلام صعبة، بل مستحيلة.
رغم اختلاف الآراء تحمس العراقيون للتجربة وذهب 62% من إجمالى 12 مليونا لهم حق التصويت إلى صناديق الاقتراع ليختاروا من بين 300 حزب وتكتل سياسى، ومن بين ستة آلاف مرشح من يفوز ب 325 مقعدا برلمانيا ليمثلوا العراق بكل طوائفه ومذاهبه وأعراقه ومحافظاته وأطيافه السياسية.. وكان من أهم التكتلات السياسية التى خاضت الانتخابات الصعبة ائتلاف دولة القانون بزعامة نور المالكى رئيس الوزراء الحالى ويضم 35 حزبا وكيانا سياسيا.. رغم نتائجه الأولية غير المطمئنة.
المتابعة المتأنية للأحداث التى شهدتها الانتخابات العراقية تشير إلى ميل أغلب العراقيين إلى تأكيد وطنيتهم وحرصهم على نجاح العملية السياسية فذهبوا إلى مراكز الاقتراع ولم يمنعهم تهديد بعض التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة» والجماعات المهدوية الشيعية التى حاولت إفشال العملية الانتخابية.. والجديد فى هذه الانتخابات هو وقوف أغلب المرجعيات الشيعية على الحياد، مما أتاح الفرصة للناخبين الشيعة التصويت بحرية لصالح المرشح الأفضل فى النجف وكربلاء حتى لو كان علمانيا.. وسجل أغلب زعماء السنة مشاركتهم فى الانتخابات هذه المرة بعد أن رفضوا المشاركة فى انتخابات ديسمبر 2005 وخسروا الكثير.. وكشفت أحداث هذه الانتخابات عن أغرب أشكال الصراع السياسى الذى يدور على أرض العراق بين واشنطن وطهران، حيث تبادلا الاتهامات بمحاولة التأثير على مجرى العملية الانتخابية العراقية..
واتهم الجنرال راى أودييرنو «قائد القوات الأمريكية فى العراق» صراحة طهران بتقديم الأموال ومواد الدعاية الانتخابية والتدريب السياسى للعديد من المرشحين وبعض الأحزاب السياسية تحت إشراف قاسم سليمانى قائد قوات القدس التابعة للحرس الثورى، وهو المسئول عن العمليات الإيرانية فى العراق.. واتهم الجنرال الأمريكى أحمد الجلبى بالعمل على اجتثاث البعث لإزالة العقبات أمام النفوذ الإيرانى وأنه خاض معركته الانتخابية بدعم إيرانى وبالتنسيق مع أبى مهدى المهندس مندوب قيادة الحرس الثورى فى العراق.. ونفى الجلبى تلك الاتهامات قائلا: «هذه الاتهامات تظهر كلما تحركنا فى اتجاه مغاير للأجندة الأمريكية» فى المقابل اتهمت طهران الإدارة الأمريكية باستغلال الانتخابات لتشكيل حكومة عراقية موالية لها.. وحذرت واشنطن من التدخل فى الشأن العراقى!
وخلال المعركة الانتخابية ترددت شائعات قوية بأن سوريا وإيران والأمريكيين وبعض دول الخليج، بل والحكومة العراقية يضخون ملايين الدولارات لتمويل مرشحين موالين لهم.. وقيل إن الإيرانيين دفعوا تسعة ملايين دولار شهريا لدعم المجلس الإسلامى الأعلى و8 ملايين دولار شهريا لدعم الحركة الشيعية المسلحة التى يتزعمها مقتدى الصدر.. وتردد أن نور المالكى رئيس الحكومة مارس نوعا من التوازن مع إيران ووزع مسدسات من نوع «كولت» على زعماء العشائر قيمتها 30 مليون دولار كدعاية انتخابية، ورغم كل هذه الشائعات أبدى أغلب العراقيين وطنية واضحة بعد أن أثبتت تجارب الماضى أن الأطراف الخارجية خاصة طهران وواشنطن ليسوا محل ثقة.. وهو ما أكده لى عدد من ممثلى التيارات السياسية العراقية، مشيرين إلى أن الوطنية العراقية أصبحت تلزم الجميع باستثمار هذه الانتخابات فى بناء سلطة مركزية قوية تعيد النظر فى الدستور العراقى الذى شدد على فيدرالية منفلتة دون رقابة مركزية تفتح أبوابا واسعة أمام محاولة تفكيك العراق إلى دويلات متناحرة تديرها دول الخارج التى لا تخفى أطماعها فى مد نفوذها إليه تحت شعار «المحافظة على مصالحها فى الخليج».
لعل من أغرب الظواهر التى ظهرت فى الانتخابات العراقية تنقل بعض السياسيين بين القوائم المختلفة دون اعتبار لبرامج تلك القوائم التى يتنقلون بينها وكل هدفهم ضمان الفوز بمقعد فى البرلمان، لذلك تجد بعض المرشحين انتقلوا من قوائم الشيعة إلى السنة أو من اليسار إلى اليمين أو العكس.. الأغرب هو تراجع تأثير الطائفة أو المذهب من الدور الرئيسى فى التأثير على نتائج الانتخابات عام 2005 إلى الدور الهامشى فى الانتخابات الأخيرة، لذلك وقف أغلب الزعماء الدينيين على الحياد.
فالعراقيون يعرفون جيدا أن دولتهم ضعيفة تعانى من الانقسام بين أكرادها وعربها وبين سنتها وشيعتها، وأن الصراع يتزايد بين الكتل السياسية حول النفوذ والسلطة والثروة.. وأن السنة يشعرون بالظلم لأنهم فقدوا كل شىء بسبب الاحتلال الذى هدم العراق وفشل فى إعادة بنائه.. والشيعة لا يريدون أن يفقدوا ما حصلوا عليه من سلطة وثروة بعد سقوط نظام صدام حسين.. والأكراد فى الشمال يسعون إلى الاستقلال أو على الأقل الحفاظ على فيدرالية تحررهم من القيود التى تفرضها الحكومة المركزية فى بغداد.. والبعثيون يريدون العودة للحياة السياسية ولو بقوة السلاح.. ودول الجوار تتدخل فى أدق تفاصيل المشهد العراقى كما يحلو لها.
ويزيد من أهمية هذه الانتخابات وهذا الأمل اقتراب موعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق.. وعجز القوات الحكومية «850 ألف مقاتل» عن ملء الفراغ الأمنى الذى تتحرك فيه ميليشيات مسلحة متنوعة بحرية كاملة.
وساعد على تزايد حجم العنف المسلح فى العراق ضعف التحالفات السياسية بسبب حداثة تلك التحالفات.. وعدم تمتع أطرافها بخبرات طويلة فى العمل السياسى.. واقتصار الهدف من تشكيلها على مجرد الفوز فى الانتخابات.. وليس كإطار تتم من خلاله تسوية القضايا الخلافية وهى كثيرة مثل خلاف التيارات السياسية العراقية حول الموقف من البعثيين.. ومسألة فيدرالية الدولة.. والمصالحة الوطنية.. إلخ.
وأكد تقرير عن البنتاجون أنه لم تتمكن سوى 17فرقة مقاتلة تابعة للجيش العراقى من أصل 175 فرقة من تنفيذ عمليات ضد الجماعات المسلحة دون دعم من القوات الأمريكية.. وتمكنت فرقتان فقط من أصل 34 فرقة فى الشرطة العراقية من تنفيذ عمليات هجومية حية دون مساندة القوات الأمريكية.. وهو ما أكده أيضا جواد البولانى وزير الداخلية العراقى: إن البنية التحتية لأجهزة المخابرات العراقية مازالت فى طور التكوين والإعداد والحاجة مازالت مستمرة للاستعانة بالجهد الأمريكى.. وأكد ستيفن لى ماير فى تقرير نشرته «النيويورك تايمز» أنه توجد حالات فساد وسرقة أسلحة واختراقات واسعة داخل أجهزة الشرطة العراقية كشفت عنها لجنة «النزاهة الوطنية».
ومن العوامل التى تساعد أيضا على تزايد معدلات العنف سعى بعض التيارات داخل الحكومة العراقية إلى إقصاء قوى سياسية أخرى، مما أدى إلى قيام بعض العناصر البعثية مثلا بتشكيل تنظيمات مسلحة.. كما أدى إقصاء بعض عناصر مجالس الصحوة إلى قيامهم بإرسال تهديدات للحكومة بحمل السلاح فى مواجهتها إذا ما حاولت تصفيتها على الأرض.. صحيح أن الحكومة قامت بإدماج 82 ألفا من عناصر الصحوة فى القوات الحكومية، لكن بقى أكثر من عشرة آلاف متطوع منهم لم يتم ضمهم وتوقفت الرواتب التى كانت تدفعها القوات الأمريكية لهم «300 دولار شهريا للفرد» مقابل محاربة تنظيم «القاعدة» فى بلاد الرافدين.. ومازالت التفاصيل كثيرة وتزداد مرارتها وقسوتها ودمويتها مع الأيام، مما يهدد مستقبل العراق.
ورغم كل شىء مازال الأمل معقودا على وطنية أهل العراق.. ولعل الانتخابات الأخيرة تكون نقطة البداية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.