تهدئة تحت الاحتلال عوني صادق في وقت واصلت فيه سلطات الاحتلال “الإسرائيلي" كل ما تعودت عليه من ممارسات احتلالية في الضفة الغربية، تواترت وتضاربت الأنباء حول (تفاهم غير معلن) يقر (تهدئة) بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تقودها (وساطة مصرية)، بينما تنفي مصادر حركة حماس وكذلك المصادر “الإسرائيلية" ذلك. لكن المراقبين لاحظوا، بالتزامن مع تلك الأنباء، تراجع عدد الصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة الفلسطينية من القطاع، مقابل تراجع العمليات العسكرية التي تنفذها قوات الاحتلال ضده. لقد علا الحديث عن (التهدئة) في أعقاب فشل أهداف المحرقة التي مارستها قوات الاحتلال “الإسرائيلي" في غزة والتي راح ضحيتها أكثر من 130 شهيداً و350 جريحاً، وبعد أن اعترفت أجهزة الأمن “الإسرائيلية" أن مسألة وقف صواريخ المقاومة غير ممكنة بالوسائل العسكرية. كذلك تحركت (الوساطة المصرية) بعد واقعتين: الأولى، تمثلت في عملية تحريض واسعة متعددة الأطراف على حركة حماس، وفصائل المقاومة الفلسطينية، استعدت العالم عليها ووصلت إلى حد اتهامها باستقدام وإيواء عناصر من تنظيم “القاعدة" في القطاع، مهدت للحملة العسكرية “الإسرائيلية"، والثانية، تمثلت في زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى فلسطينالمحتلة، حيث وضعت مسؤولية ما جرى على كاهل المقاومة الفلسطينية وصواريخها (العبثية)! إن أقصى ما يمكن أن يحققه “تفاهم" كالذي يجري الحديث عنه هو وقف (أعمال المقاومة) مقابل وقف الاعتداءات “الإسرائيلية" ورفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر. هذا يطرح على فصائل المقاومة الفلسطينية سؤالاً كبيراً حول دور المقاومة الفلسطينية في عملية النضال الوطني الفلسطيني. الموقف الرسمي الفلسطيني الذي عبر عنه الرئيس محمود عباس دائماً، يفيد عدم وجود (ضرورة) أو حاجة للمقاومة المسلحة، فعملياتها “حقيرة" وصواريخها “عبثية"، وهي المسؤولة عن كل ما يتعرض له الفلسطينيون سواء في الضفة أو القطاع. أما حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، والفصائل المسلحة عموماً، فدائما تكرر أن المقاومة ليست إلا “رد فعل" على الاعتداءات “الإسرائيلية" وأنها لا تزيد على كونها “دفاعاً عن النفس ورداً للعدوان عن الشعب". وفصائل المقاومة، على الأقل في السنوات الثلاث الأخيرة، لم ترفض فكرة (التهدئة) بل اشترطت أن تكون “شاملة ومتبادلة ومتزامنة"، وهي بذلك تكرر قولاً، إذا تمعنا فيه، يكاد يعيد إنتاج موقف الرئيس عباس بطرق أخرى! وهنا لا بد من التوقف عند معنى الاعتداءات “الإسرائيلية"، فهل هي تقتصر على التوغلات، والاجتياحات والاغتيالات، مثلاً؟ هل هي فقط ما يتعلق بالعمليات العسكرية؟ وفي هذه الحالة، أين تصنف فصائل المقاومة الفلسطينية أعمالاً مثل مصادرة الأرض وإقامة المستوطنات وتوسيع القائم منها، وأين تصنف الاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومنع تراخيص البناء وهدم البيوت، والاستيلاء على أخرى؟ وماذا عن الأحد عشر ألفاً من المعتقلين في السجون “الإسرائيلية"؟ وماذا عن ال 600 حاجز في الضفة، والإذلال الذي يتعرض له الفلسطيني عليها؟ وأخيراً أين يقع الاحتلال “الإسرائيلي" على خارطة الاعتداءات “الإسرائيلية"؟ للمقاومة الفلسطينية المسلحة مهمة واحدة في كل الظروف والأحوال، مارست قوات الاحتلال الاعتداءات أو لم تمارس، هي مقاومة الاحتلال لإجباره على الرحيل، وليست مهمتها توفير الهدوء للمحتل ولجنوده ومستوطنيه، فالاحتلال ذاته هو أول وأكبر الاعتداءات. ومقاومة المحتل تستتبع كل ما يواجهه الشعب من تكاليف، ولا يصح أن تصبح هذه التكاليف مبرراً للاستسلام، ومن لا يقدر على دفع التكاليف عليه أن يترك سبيل المقاومة وينضم إلى خيار “السلام الاستراتيجي". عن صحيفة الخليج الاماراتية 18/3/2008