التهدئة.. قضية قديمة متعددة، تعود لسنوات ماضية، وكان أول من طلبها الرئيس محمود عباس أبو مازن حين شغل منصب رئيس الوزراء بعد استحداثه وذلك من حركة حماس، وكان ردها في ذلك الوقت: هذا احتلال لا تنفع معه التهدئة، فطالما يوجد احتلال لابد من مقاومته.. الآن حماس الحركة والحكومة هي من تطلب التهدئة، وتصر علي أن تكون وتعتبر كل من لا يلتزم بها ضد المصلحة العامة، والذين قالوا في حماس عند التهدئة الأولي تقوله حماس الآن في الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصي.. ولا تعليق. اللافت جدا هو لهجة التهديد المباشرة التي شنتها حماس ضد كل من يطلق صواريخ من قطاع غزة باعتبارها تضر بالمصلحة الوطنية وتهدد اتفاق التهدئة الذي وقعته أخيرا مع اسرائيل، واللافت أكثر هو دعوة وزير الداخلية في الحكومة المقالة سعيد صيام الفصائل الفلسطينية إلي تحمل مسئوليتها فيما يخص التهدئة مع اسرائيل معتبراً أن كل من كان جزءا من التهدئة فعليه أن يحترمها وفي تهديد مبطن أضاف : ومن يشذ عن ذلك عليه أن يتحمل النتائج. في اشارة واضحة لحركة الجهاد الأسلامي وكتائب شهداء الأقصي فيما ينبئ بوقوع أزمة بين حماس والجهاد بسبب التهدئة، ويثير التساؤلات وعلامات التعجب فيما لو عدنا بالذاكرة إلي كل خطوة كانت تخطوها السلطة الفلسطينية في مفاوضتها مع اسرائيل بغية تحقيق مكسب سياسي ما، تقوم حماس بطريقة أو بأخري بافتعال الأزمات هنا أو هناك سواء بعمليات استشارية أو اطلاق صواريخ بهدف شل أي اتفاق واضعف الإيمان تعطيله. لا نحاول هنا إدانة حركة حماس، فالتهدئة مطلب وطني للجميع للتخفيف من المعاناة القاسية التي يعيشها اهالي قطاع غزة، وابعاد شبح المجاعة والموت عنهم، لكن عندما تدخل السياحة حلبة السباق يكون للحديث طعم ومذاق آخر ولغة أخري فحماس من موقع القيادة والعمل السياسي باتت مقتنعة أن طريق الحل لا يحتمل اتجاها واحدا، بل يمكن أن يجمع بين المقاومة والتناقض، ومع ذلك فهي الأخري تقف في نفس الموقف الذي وقفت فيه السلطة حينما طالبت بالتهدئة ورفضتها حماس.. فالأخيرة الآن في حالة مواجهة حذرة مع حركات المقاومة وعلي رأسها الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصي الذين يدخلون في هذه المعركة من منطلق معاندة حماس فحسب، وإذا كان استدراج الجهاد الاسلامي وسرايا القدس لخرق التهدئة قد جاء وفقا لاستهدافات اسرائيلية، فان المفاجأة جاءت فيما بعد من كتائب شهداء الأقصي وهي التي من المفترض انها تتبع القيادة السياسية لحركة فتح، فقد قامت بنفسها بالرد علي الخروقات الإسرائيلية رغم اعلان القيادة السياسية لحركة فتح انها بذلت جهودا حثيثة للتوصل إلي تفاهمات التهدئة أو انها تباركها وتلتزم بها، لكن ما يطرح من تصريحات عن قيادات الكتائب لا تعكس بالضرورة رؤية تقتضي الرد علي خروقات اسرائيل بقدر ما تعكس رؤية معاندة حماس كما أشرنا آنفاً. حكومة حماس المقالة حذرت منتهكي اتفاق التهدئة وعلي هؤلاء تحمل التبعات اضافة إلي أن هذا الخرق يخدم اسرائيل وعملاءها، وهذا صحيح تماما كما كان صحيحا في الماضي عندما كانت حركة حماس تخرق الالتزامات التي تعهدت بها السلطة الفلسطينية مع الإسرائيليين، ولعل رسالة كتائب شهداء الاقصي لا تتجاوز تذكير حركة حماس بذلك، فالصواريخ التي انطلقت باتجاه سديروت كانت موجهة في الاصل إلي الدور البناء الذي قادت به حركة حماس للتوصل إلي التهدئة التي كان يمكن الوصول إليها مبكرا وبشروط التهدئة حاليا نفسها. ربما أرادت حركة الجهاد الاسلامي، وبعدها كتائب الاقصي باطلاقهما الصواريخ القول ما كانت تقوله حماس قبل أن تكون في الحكومة وتدخل الانتخابات التشريعية بعد تحليلها أن أية تهدئة لا تشمل الضفة هي غير وطنية وأن الاحتلال إذا ماواصل جرائمه واغتيالاته فإن من حق الأجنحة المسلحة للمقاومة أن ترد علي الاحتلال، وأنه لا ثقة في الاحتلال، فهو لن يلتزم بالتهدئة. وترد حماس أن من يشذ عن التهدئة يتحمل تبعات ذلك لأن هذا يصب في هذا الاحتلال وليس في مصلحة الشعب الفلسطيني، وأصبح واضحا أن بعض الأطراف الفلسطينية لا تريد لاتفاق التهدئة أن ينجح، وأن من اطلقوا الصواريخ لم يستهدفوا العدو الاسرائيلي حين كان هذا الحديث يصدر في السابق نحو حماس كانت ترد باتهامهم بالخيانة وماشابه، والان ماذا سيقول مطلقو الصواريخ غير اعادة اجترار حديث حماس مع تغيير الاسم فقط؟! بلا شك أن السلطة والمقاومة لا يجتمعان، وفي الحالة الفلسطينية فإما المقاومة، وإما السلطة، وهكذا فإن الفلسطينيين أمام محاولة تهدئة بلا مقاومة وبلا مفاوضة، ولعل تصاعد حدة الأزمة بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفي صميمها جدوي للتهدئة وكيفية الرد علي الخروق الاسرائيلية وتراشق عدد من قادة حركتي حماس والجهاد الاسلامي بالتصريحات والوعود والوعيد التي تعكس مواقف الحركتين من التهدئة الهشة وسبل الرد علي اي استفزاز اسرائيلي يهدف إلي جر الفصائل الفلسطينية إلي ردود أفعال قد تطيح بالتهدئة لتعود دوامة الصراع مجددا إلي قطاع غزة. وأغلب الظن أن تفاهمات التهدئة ستمر في مرحلتها الأولي التي ستشهد وقفا متبادلا للنار مع تخفيف الحصار وبانتظار الوقت والتحكم الاسرائيلي به لن يصل أحد للمرحلة الثانية إلا بعد متغيرات تخضع فيها الحالة الأمنية لحسابات السياسة الإسرائيلية الثابتة في التحكم ليس فقط في اسباب القوة الاسرائيلية ولكن أيضا في عوامل واحتمالات القوة علي الجانب الفلسطيني.