سكّة المصالحة في العراق! د. محمد ناجي عمايرة عشية الذكرى الخامسة للاحتلال الاميركي البريطاني للعراق، تبدو الصورة أكثر قتامة وسوداوية، من اليوم الأول للاحتلال، إذ يؤكد المحللون والمراقبون فشل قوات الاحتلال في احلال الامن والاستقرار في العراق، مثلما فشلت المساعي المقنعة بالعملية السياسية الديموقراطية في إقناع الناس بان ما تم جاء لمصلحة الشعب العراقي وكرامته وحريته واستقراره وسيادته على أرضه ناهيك عن وحدة العراق التي تشظت الى ما يشبه الكانتونات الطائفية والعرقية. وهذا الانطباع العام لا يقلل من الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية المشكلة في ظل وجود قوات الاحتلال وهيمنتها على المشهد السياسي العراقي، من أجل تحقيق ما يسمى ب (المصالحة الوطنية) بين القوى السياسية كافة. فأسس هذه المصالحة غير واضحة، وإن كانت الحاجة إليها ماثلة للعيان، غير أن الأهم أنها مصالحة غير واقعية في ظل استمرار الاحتلال وممارساته وفي ظل الدعم الذي تحظى به الميليشيات الطائفية المسلحة، وفي إطار التصعيد الأمني الذي تمارسه تنظيمات إرهابية متعددة الاسماء والاشكال ومن بينها تنظيم (القاعدة) وكلها تستند إلى الطائفة او العرق وتستقوي بروابط وتوجيهات أجنبية ظاهرة او خفية. والقوى السياسية التي يفترض ان تجتمع اليوم من اجل الاتفاق على (المصالحة) فيما بينها، لا تملك القدرة على ترسيخ هذه المصالحة او إقامتها على أسس ومبادئ واضحة تضمن ديمومتها واستمرارها. وطرح فكرة المصالحة في حد ذاتها لا يجد من يعارضه، لكن السؤال هو: مصالحة مع من؟! ومن اجل من ؟! وعلى ماذا؟! ولسنا في وارد الاشارة الى معوقات المصالحة الكثيرة، فالأسس وحدها تكفي للتقليل من فرصة الاتفاق عليها، الامر الذي يجعلها مجرد فكرة ملقاة في هواء التجاذبات السياسية المختلفة. كما أن السياسيين انفسهم غير قادرين أبدا على تسويق الفكرة للميليشيات القائمة، مع ان بعضهم ينتمون اليها. فالفوضى غير البناءة التي استطاع الاميركيون نشرها باحتلالهم وممارساتهم التي تلته، وانعدام قدرتهم على فرض الامن والاستقرار، ناهيك عن غياب الحياة الآمنة والطبيعية، وتردّي حالة المؤسسات الوطنية، وتفكك القوى الاجتماعية إثر القوى السياسية .. ذلك كله، ما يؤشر على النتائج التي اسفر عنها الاحتلال ومشروعه الديموقراطي المزعوم، الامر الذي يفضح طبيعة النموذج الذي يريدونه للمنطقة، والذي ارادوا ان يكون العراق بتكوينه الهش الحالي بداية له. نستطيع ان نجزم ان العراقيين يسعون إلى المصالحة الوطنية، ولكنهم لا يمكن ان يجعلوا من ادوات الاحتلال الرافعة التي تتأسس عليها هذه المصالحة المنشودة. فثمة سؤال اساس حول مفهوم (المصالحة) وصفة (الوطنية) التي تتبعه، ليسير قطار العراق على السكة الصحيحة. عن صحيفة الرأي الاردنية 18/3/2008