قضايانا العربية في ضوء الانتخابات الأميركية محمد بن سعيد الفطيسي ملفات وقضايا كثيرة ومعقدة سيخلفها الرئيس الأميركي جورج بوش بعد رحيله عن البيت الأبيض , لخليفته القادم على مقعد الرئاسة , أبرزها على الإطلاق الملفان العربيان العراقي والفلسطيني والملف النووي الإيراني , هذا بخلاف قضايا أخرى عديدة لم تستطع الكوادر السياسية والعسكرية والدبلوماسية في حكومة الرئيس جورج بوش الابن , من حلحلتها بطريقة تمهد لاحتوائها ولو بشكل مبدئي على اقل تقدير خلال السنوات القادمة , كقضية علاقاتها الخارجية السيئة مع الإمبراطورية الروسية العائدة بقوة الى رقعة الشطرنج الدولية , او مع التنين الصيني المنافس الجيواستراتيجي الآخر عليها , وغيرها الكثير من القضايا الدولية الحساسة العالقة , والتي ستشكل ابرز التوجهات السياسة الخارجية الأميركية خلال السنوات الأربع القادمة 0 وبالطبع فإننا حين نبدأ بتحليل مستقبل جل تلك القضايا على ضوء المتغيرات الدولية الراهنة , وتجزئتها بطريقة تساعدنا على فهم أبعادها الاستثنائية الظاهرة والخفية , حينها سيكون أمامنا ملفات خارجية ستواجهها الولاياتالمتحدة الأميركية , نستطيع أن نقول عنها بكل ثقة , بأنها ملفات ذات أبعاد تاريخية ثابتة في العقيدة السياسية الأميركية , تمحورت دائما وستظل تدور حول فلك الهيمنة الجيواستراتيجية الأميركية من جهة , وهيمنة القوى الصهيواميركية من جهة أخرى , فإذا ما كان يحرك الأولى ويسيرها بشكل مستمر . المصالح الأميركية الجيواستراتيجية والجيوبوليتيكية , فان امن المستعمرة الإسرائيلية الكبرى وضمان هيمنتها في الشرق الأوسط , هو محرك المحور الثاني في ثوابت السياسة الخارجية الأميركية , وبالتالي فإننا ومن خلال فهم هاذين البعدين الرئيسيين الثابتين للسياسة الخارجية الأميركية , نستطيع فهم وتحليل اغلب سياسات الولاياتالمتحدة الأميركية القادمة تجاه تلك القضايا , وعلى وجه التحديد ما يمس الشرق الأوسط منها , وخصوصا مستقبل القضية العربية الفلسطينية. وكما هو معروف من خلال استقراء صفحات تاريخ الولاياتالمتحدة الأميركية القديم والحديث , يلاحظ استعدادها الدائم والمستمر للتضحية والتفريط بكل شيء , بداية من أمنها القومي الى مصالحها الإستراتيجية , ولكنها أظهرت في الجهة المقابلة تمسكها المستمر والدائم بضمان امن المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , وبمعنى آخر , فقد كانت هذه المستعمرة السرطانية المزروعة بالقوة والدم والإرهاب في الشرق الأوسط , فوق كل المصالح الأميركية الدولية والقومية . لدرجة أننا نستطيع أن نقول مؤكدين , بأن الثابت التاريخي الوحيد في السياسة الخارجية الأميركية هو ضمان امن ومستقبل إسرائيل وشعبها , وهي حقيقة تؤكدها الأفعال والتوجهات الأميركية المستمرة والدائمة على مدى سنوات , لدرجة أن نجد ذلك في كل مسامات الحياة الأميركية الاقتصادية والسياسية والدينية والاجتماعية , وفي هذا السياق يقول قسيس كلينتون , موجه خطابه الى الرئيس الاميريكي السابق بيل كلينتون " انك إذا أهملت إسرائيل , فلن يغفر لك الله ذلك أبدا ... فان الله يشاء أن تبقى إسرائيل لشعب الله , الى ابد الأبد". بل أكثر من ذلك بكثير , فقد أثبتت الأحداث والوقائع التاريخية , بأن الولاياتالمتحدة الأميركية , قد تمسكت بهذا الابن الضال - أي- إسرائيل , بالرغم من أن هذه الأخيرة قد تسببت لها بكثير من المشاكل الداخلية والخارجية , ففي واقع الأمر كانت إسرائيل سبباً " لإثارة عدة حروب ضد الولاياتالمتحدة الأميركية , فتاريخ الإرهاب الإسرائيلي ضد أميركا يعود الى عام 1954، ففي ذلك العام قررت إسرائيل تفجير منشآت أميركية في القاهرة والإسكندرية وتحميل القوميين المصريين مسؤولية ذلك ، إلا أن الصدفة لعبت دوراً في كشف هذه المؤامرة و إحباطها، هذه الحادثة عرفت باسم قضية لافان- الشخص الذي خطط لهذه المؤامرة ". هذا بخلاف الزج بالولاياتالمتحدة نفسها في جرائم الإرهاب الإسرائيلي في العالم ككل , ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص , وفي هذا السياق يقول ديفيد ديوك وهو عضو سابق في الكونغرس الأميركي بان " العرب يدركون جيداً بان كل قنبلة تسقط عليهم إنما هي مصدرة من أميركا، وكل رصاصة وكل دبابة وكل طائرة حربية , إنما صنعت بدولارات أميركية ، او دفعت أميركا نفقاتها، فمليارات الدولارات الأميركية هي التي مكنت الحكومة الاسرئيلية من إرعاب واغتيال العرب على مدى نصف قرن من الزمن ". وهكذا نفهم بأن محركات السياسة الخارجية الأميركية تجاه قضايا الشرق الأوسط بشكل عام , والقضايا العربية على وجه الخصوص , توجهها وتدفعها أسس ومفاهيم سياسية وتاريخية ودينية ثابتة ومعقدة , وخصوصا حينما تتقاطع والمصالح الإسرائيلية القومية , وبالتالي فأنها من الصعوبة أن تتغير في مضمونها بتبدل الكراسي الرئاسية , او تتأثر بتوجهات او أفكار السياسيين مع مرور الوقت , فالمصالح الإسرائيلية الأميركية أمر يعد من السهل إدراكه " فإسرائيل لا تتوقف عن لعب الدور الذي حدده لها مؤسسها الروحي ثيودور هرتزل . وهو أن تكون حصنا متقدما للحضارة الغربية في مواجهة بربرية الشرق , وبرنامج إسرائيل هو تفكيك الدول المجاورة من النيل الى الفرات بمقتضى ما جاء في نشرة كيفونيم , الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية , وليس هناك أفضل من ذلك ليلتقي مع أطماع السيطرة العالمية للولايات المتحدة الأميركية , ولا سيما في النقطة الأكثر حساسية لحدود الإمبراطورية الأميركية , وهي منطقة الخليج العربي , حيث توجد أغنى منابع النفط الذي سيظل عصب التنمية الغربية " قبل نفاده خلال السنوات القادمة 0 المهم في الأمر , بأن ما أردنا أن نركز عليه من خلال هذا المقال , هو أن تلك الثوابت التي اشرنا إليها سابقا , ستظل كما كانت على مدى تاريخ الولاياتالمتحدة الأميركية في علاقتها مع إسرائيل , وبالتالي ستبقى المتحكم الرئيسي في مستقبل العلاقة بين العرب من جهة , وإسرائيل وأميركيا من جهة أخرى , وعليه فان نجاح أي من المرشحين للرئاسة الأميركية الراهنة - هيلاري كلينتون , باراك أوباما , جون ماكين - , لن يغير الكثير في مضمون مستقبل تلك القضايا العربية او الشرق أوسطية , وخصوصا تجاه القضايا التي تمس بشكل مباشر امن ومستقبل المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , فكلهم في نهاية المطاف سيسعون لمغازلة إسرائيل والتقرب منها . وهو ما لاحظناه من خلال جولاتهم في الولايات الأميركية , خلال الانتخابات الراهنة , ففي هذا السياق " شدد باراك اوباما الطامح لنيل ترشيح الديمقراطيين في السباق الى البيت الأبيض بتاريخ 27 / فبراير / 2008 م على دعمه الثابت لإسرائيل والعلاقات مع المجموعة اليهودية , وتابع اوباما في مناظرة تليفزيونية مع منافسته هيلاري كلينتون قوله: إنني احظي بتأييد كبير لدى المجموعة اليهودية . والسبب في ذلك إنني كنت صديقا ثابتا لإسرائيل , - لذا فأنني اعتقد بان إسرائيل ستظل - من أهم حلفائنا في المنطقة , واعتقد بان أمنها يحظى بأولوية قصوى , كما وان باراك أوباما في كلمته أمام منظمة ايباك (American Israel Public Affairs Committee ("AIPAC" والتي قال فيها بأنه :- يجب على المجتمع الدولي العمل على وقف امتلاك إيران تكنولوجيا نووية أو تخصيب اليورانيوم ، حيث أنه من الخطر امتلاك نظام ثيوقراطي أسلحة نووية، ووصف الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" في كلمته بأنه "غير مبالي" و"متهور" و"غافل" عن الحاجات اليومية للشعب الإيراني. أما هيلاري كلينتون وهي المرشح الآخر والأقرب لكرسي الرئاسة , وفي مقال نشر مؤخرا بمجلة " نيويورك ريفيو أوف بوكس الأميركية للكاتب مايكل ماسنج فقد أشار هذا الأخير الى أن " الديمقراطيين هم المستلمون الأوائل لتبرعات المؤيدين لإسرائيل , ويواصل قوله إن "اكبر مؤيدي إيباك في إسرائيل هم الليبراليون المعروفون مثل نانسي بيلوسي و هينري واكسمن و جيرولد نادلر وهاورد بيرمان وهيلاري كلنتون , ولا تزال هيلاري كلنتون تحاول التخلص من مشاكلها مع اللوبي الإسرائيلي بعد إعلانها تأييد قيام دولة فلسطينية عام 1998 ، حيث قامت هيلاري كلنتون بعد ذلك بالتصويت لصالح جميع التشريعات التي أيدتها ايباك في مجلس الشيوخ. وهكذا نلاحظ جميعا بان الفرق الوحيد الذي يمكن أن نستشعره ونشهده نحن كعرب ومسلمين , بين نجاح هذا المرشح او ذاك في الانتخابات الرئاسية الأميركية الحالية , وخصوصا تجاه قضايانا العربية المصيرية , كقضية الصراع العربي الإسرائيلي , هو في نوع وكم الدعم المادي والمعنوي الذي ستحظى به إسرائيل في المستقبل , فما " ما وصلت إليه العلاقة الإسرائيلية الأمريكية اليوم , ما هو إلا تتويج لتاريخ طويل ومتجذر يجدر بنا أن نبسطه لكل ذي نظر لعله يبصر ما وراء الستار, وبدون تحفظ - نستطيع القول - بأن رؤساء أمريكا الذين عاصروا الصهيونية من ويلسون إلى بوش الابن , كلهم جزء من منظومة صهيواميركية متشعبة ، فما أشبه الليلة بالبارحة ، ولكن الليلة أشد حلكة وسواداً ". عن صحيفة الوطن العمانية 3/3/2008