هل السلطة الفلسطينية ( بنك وسيط ) للصرف على الاحتلال؟ د.أسعد عبد الرحمن
كثيرون يقولون: لقد مللنا مقولة "أن السلطة الفلسطينية لاتملك خيارا آخر غير المفاوضات حتى ولو بدت الآن عبثية وفيها إهدار للوقت والجهد"!! فالكل يدرك، كما السلطة على ألسنة عديد من مسؤوليها، بأن إسرائيل تماطل حتى تغير الحقائق على الأرض عبر تهويد القدس وأجزاء واسعة من الضفة الفلسطينية، واستكمال بناء جدار الفصل العنصري، وابتلاع الأرض الفلسطينية لنشر سرطان الاستعمار/"الاستيطان"، وغير ذلك من أعمال مثل القرصنة على المياه ومصادر طبيعية أخرى. وما يزيد استغراب المستغربين خروج أكثر من مسؤول، سواء في السلطة أو منظمة التحرير، على الناس ليؤكدوا أنهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار في المفاوضات فيما إسرائيل مستمرة في سياساتها ومقارفاتها ضد البشر والحجر والشجر! بالأمس، استبعد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت (المستقيل لاحقا) امكانية التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين يشمل القدس بحلول نهاية العام. ومن جهته، أعلن البيت الابيض انه يواصل السعي في اتجاه دفع الطرفين نحو بلوغ اتفاق قبل نهاية ولاية الرئيس بوش، فيما أكد مسؤول فلسطيني أن "اللقاءات الثلاثية التي ستعقد في واشنطن لمناقشة مفاوضات السلام ستكون الفرصة الأخيرة قبل ان تتخذ القيادة الفلسطينية قرارها"، موضحا أن السلطة الفلسطينية تدرس خيارات عدة. وبالأمس أيضا اتحفتنا الصحف العالمية حين تلاعبت بمصطلحات اللغة العربية، مستخدمة أفعال مثل "يشحد" و "يستجدي" و"يتوسل"، في تعليقها على كون السلطة تواجه أزمة مالية حادة، بسبب عدم وفاء الدول المانحة بتعهداتها، وانها تقف على حافة الإفلاس، ولجوء رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض للبنك الدولي طالبا مساعدة عاجلة بقيمة 120 مليون دولار لدفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية. واقع الحال يقول أن كثيرين باتوا ياخذون على القيادة الفلسطينية ظهورها بمظهر من وضع بيضه كله في سلة أمريكية إسرائيلية فاسدة، عل وعسى. من هنا، مثلا، جاءت دعوة مثقف فلسطيني مثل الدكتور سري نسيبة (لطالما اختلف الفلسطينيون حول تصريحاته المعتدلة المثيرة للجدل والتي اعتبرها البعض مفرطة بالاعتدال) الاوروبيين والامريكيين إلى التوقف عن دفع مساعداتهم للسلطة الفلسطينية، معتبرا أن هذه المساعدات ضارة لانها تدعم الاحتلال الاسرائيلي وتحافظ على تبعية الفلسطينيين وتشجع الفساد في السلطة، واصفا دفع هذه المساعدات بأنه آلية خطرة من شأنها دفع الاسرائيليين والفلسطينيين الى الجمود. وقال نسيبة ان اسرائيل لا يمكنها مواصلة احتلالها بدعم مالي من الامريكيين والاوروبيين، مطالبا أن يواكب هذه المساعدات مفاوضات جدية ونهاية للاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية بما في ذلك القدسالشرقية. عندما يطالب مثقف فلسطيني (معتدل ومعروف بليبراليته وصداقته للغرب) الاوروبيين والامريكيين بوقف الدعم المالي للسلطة، فإن على الغرب ان إدراك الخلل الرئيسي في سياساته الحالية، وان عملية السلام التي يتبناها لا وجود لها، باعتبار أن المستفيد الأكبر من هذه المساعدات هو الاقتصاد الاسرائيلي وليس الفلسطيني، وكأني بالدول المانحة تمول الاحتلال وتعفيه بالمقابل من مسؤولياته القانونية والمالية تجاه المحتل. وفي هذاالسياق، يمكن الاستنتاج أن إسرائيل أرادت من السلطة القيام بدورين بالنيابة عنها: دور وكيل أمني لإسرائيل، وهذا يأتي ضمن تفسيرهم لاتفاق أوسلو، إضافة إلى دور المتحمل للأعباء المدنية والانسانية للفلسطينيين في الضفة والقطاع عوضا عن الدولة الصهيونية المحتلة. وفي ضوء (أو بالأحرى: ظلام) الممارسات الإسرائيلية بات هذا المخطط معلوما للقاصي والداني. غير أن بعضا محسوبا على السلطة لا يزال يصم الآذان ويغمض العيون رغم مطالبات الكثيرين بضرورة إعلان أن السير في المفاوضات العبثية بهذه الطريقة إلى أبد الآبدين مرفوض، بل أنه بات علينا –فيما يرى عدد متزايد من السياسيين والكتاب- اشتراط مفاوضاتنا مع إسرائيل بآلية معينة وبجدول زمني محدد، والإعلان (بعد انتهائه دون حل) عن الفشل وبالتالي إنهاء المفاوضات ... والسلطة! غير أن من الواضح، في أعين عدد متزايد من الفلسطينيين والعرب، أن قوى في السلطة، وتحديدا حكومة الدكتور فياض بشكلها الراهن، لن تستطيع اتخاذ موقف حازم من مسألة المفاوضات مهما أخل الإسرائيليون بالتزاماتهم أو تعاملوا معها (ومعنا) باستخفاف واستهتار بل وإذلال. فأي موقف جاد سيؤدي لوقف المساعدات والمنح وبالتالي ستعجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها وستنهار وسيذهب معها عبارات المديح الأمريكيةوالغربية التي تشيد بشجاعة هؤلاء المسؤولين وحكمتهم وقيادتهم البارعة. بالمقابل، نعتقد أن بمقدور السلطة وقف الاتصالات مع اسرائيل، بل نعتقد أن فيها من يملك الشجاعة ليعلن على الملأ أنه حان أوان حلها. ومعلوم أن تشكيل حكومة فياض جاء بعيد الانقسام الأخوي بين الضفة والقطاع وتحت ضغوطه وآثاره، وفي ظروف حصار شامل على الاراضي الفلسطينية، وحصار مالي خانق ومشدد على السلطة يتخللها اجتياحات واحتلالات وشل شامل لحركة الناس وتجمعاتهم السكانية، مع غياب/ تغييب المجلس التشريعي وكثير من العقبات الداخلية التي تحد من قدرة أي حكومة على النجاح دون دعم وطني وسياسي شامل، وصولا إلى الموقف الاسرائيلي السافر في التصدي للسلطة وسياساتها. وما حدث في القدس ونابلس وغيرها مؤخرا يحمل أدلة ساطعة على الواقع السياسي والاقتصادي المظلم للسلطة الفلسطينية. إذن، لربما بات مطلوبا البحث عن الخيار الحقيقي والوطني الصائب لتحقيق المنجزات للشعب الفلسطيني. هل يكمن ذلك في حل هذه السلطة التي تكبلت هي والشعب بكثير من الاتفاقيات المهينة والمذلة؟ وفي هذا السياق، لربما من الضروري تذكر حقيقة أن السلطة وجدت لتفاوض على إنجاز إنهاء الاحتلال. ومع فشلها في ذلك واستمرار الاحتلال، هل بقي ثمة حاجة للمفاوضات، أو للسلطة؟ ثم، اما آن الأوان لنقل العبء المالي لإسرائيل (لأن القانون الدولي يلزم الدولة المحتلة بتحمل مصاريف استمرار احتلالها) وذلك ما دامت إسرائيل ترفض الاعتراف بأي حق أساسي من حقوق الشعب الفلسطيني، وتحاول جعلنا بنكا وسيطا –مجرد بنك وسيط- مهمته تلقي أموال الغرب للصرف على الاحتلال الصهيوني المتنامي في أرضنا. وإذا ما اقتضت الظروف كشف الغطاء عن الاحتلال من خلال قرار بحل السلطة، فإنه لا بد من استعادة روح وعقل الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ذلك أنه في سنوات النضال والتحرر، يمكن ترشيد النفقات، بل ويمكن العيش على قدر مواردنا بعد مباشرة التفكير بطريقة نستثمر فيها أنفسنا بأنفسنا، دون الاعتماد بشكل كبير على دعم الدول المانحة وعدم الاهتمام بتفعيل باقي الأنشطة والبرامج الاقتصادية التي تحقق التنمية وتقلل من الاعتماد على الغير وعمل كل ما يلزم لتشجيع حركة النشاط الاقتصادي والوقوف على الصعوبات ومحاولة إزالة العقبات في خطة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، أي أن يبادر الجميع لفتح القلوب ومد الأيادي من أجل التوافق الفلسطيني الذي بدونه لا أمل لأي طرف فلسطيني (وبخاصة حركتي فتح وحماس) بتحقيق أي إنجاز وطني.