رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفال مرور 20 عامًا على تأسيس مركز الإبراهيمية للإعلام    ترامب يلغي أوامر التوقيع الآلي لسلفه بايدن    وزير الري يعلق على ضربة جزاء الجيش الملكي أمام الأهلي    أخبار الحوادث اليوم: القبض على عاطل تحرش بفتاة داخل عقار في بورسعيد.. الحماية المدنية تخمد حريق ستوديو مصر.. إحباط محاولة تهريب معدات وأجهزة محظورة بقيمة 100 مليون جنيه    صوت ملائكي، أداء رائع من المتسابق محمود كمال الدين ببرنامج دولة التلاوة (فيديو)    تحكيم دولة التلاوة للمتسابق خالد عطية: صوتك قوى وثابت وراسى    شرم الشيخ.. عقد من الإبداع    محمد إمام يطمئن الجمهور بعد حريق لوكيشن الكينج: جميع فريق العمل بخير والإصابات خفيفة    وزير قطاع الأعمال يلتقي وزيري الصناعة الصيدلانية والصحة الجزائريين لبحث توسيع آفاق التعاون الدوائي    10 آلاف كاش باك.. الأوراق المطلوبة وإجراءات استبدال التوك توك بالسيارة كيوت    مصر تفوز بمقعد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية IMO    أكرم القصاص: دعم مصر لفلسطين لا يقبل التشكيك ومؤتمر عالمي لإعادة إعمار غزة    رفعت فياض يكشف حقيقة عودة التعليم المفتوح    لجنة تابعة للأمم المتحدة تحث إسرائيل على التحقيق في اتهامات تعذيب الفلسطينيين    صور | مصرع وإصابة 3 في حادث مروري بقنا    3 مدن أقل من 10 درجات.. انخفاض كبير في درجات الحرارة غدا السبت    علي ناصر محمد: مصر كانت الدولة الوحيدة الداعمة لجمهورية اليمن الديمقراطية    وزير الخارجية لنظيرته الفلسطينية: مصر ستظل داعما أساسيا للشعب الفلسطيني    الولايات المتحدة تطالب لبنان بإعادة صاروخ لم ينفجر في اغتيال الطبطبائي    محمود بسيونى يكتب: جيل الجمهورية الجديدة    مدرب نيوكاسل يكشف موقف المصابين قبل المباراة أمام إيفرتون    علي ناصر محمد يكشف تفاصيل أزمة الجيش اليمنى الجنوبى وعفو قحطان الشعبى فى 1968    مايان السيد تكشف عن موقف مؤثر لن تنساه في «ولنا في الخيال حب»    المصري يوجه الشكر لبعثة بيراميدز لمساندتها النسور خلال مباراة زيسكو    غدا، الحكم علي التيك توكر محمد عبد العاطي في قضية الفيديوهات الخادشة    النحاس يسجل مستوى قياسيا مدفوعا باضطرابات التداول وشح المعروض    المفتى السابق: الشرع أحاط الطلاق بضوابط دقيقة لحماية الأسرة    يسري جبر يروي القصة الكاملة لبراءة السيدة عائشة من حادثة الإفك    يسري جبر: لو بسط الله الرزق لعباده دون ضوابط لطغوا فى الأرض    جاهزية ثلاثي حراسة الزمالك لمواجهة كايزر تشيفز    محافظ الجيزة: السيطرة الكاملة على حريق استوديو مصر دون خسائر في الأرواح    جامعة حلوان تطلق المرحلة الثانية من الجلسات التعريفية بالمنح التدريبية المجانية لطلابها    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    تلبية لدعوة الشرع.. مئات آلاف السوريين في الساحات لرفض التقسيم ودعم الوحدة    راموس يستعد للرحيل عن الدوري المكسيكي    فحص 20 مليون و168 ألف شخص ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    زيارة مفاجئة لوكيل صحة أسيوط لمستشفى منفلوط المركزي اليوم    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    عمر جابر: مواجهة كايزرتشيفز تختلف عن ستيلينبوش    إحباط محاولة جلب كميات كبيرة من الألعاب النارية وأجهزة اتصال لاسلكية ومنشطات داخل حاويتين    ضبط 3618 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    العائدون من جهنم.. 15 أسيرا فلسطينيا يروون ل اليوم السابع تفاصيل حياة الجحيم داخل زنازين الاحتلال.. العيش كفئران تجارب.. الموت بطعام فاسد وأصفاد لنصف عام تخرم العظام.. وغيرها من أساليب التعذيب حتى الموت    رانيا المشاط تبحث مع «أكسيم بنك» تطور تنفيذ المشروعات الجارية في مجالات البنية التحتية المختلفة    سعر اللحوم في مصر منتصف تعاملات اليوم الجمعة    المصري يتحرك نحو ملعب مواجهة زيسكو الزامبي في الكونفدرالية    كامل الوزير يتفق مع شركات بريطانية على إنشاء عدة مصانع جديدة وضخ استثمارات بمصر    تناول الرمان وشرب عصيره.. أيهما أكثر فائدة لصحتك؟    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    مشاركة مصرية بارزة في أعمال مؤتمر جودة الرعاية الصحية بالأردن    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    «الصحة» تعلن تقديم خدمات مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية ل15 مليون مواطن    البترول توقع خطاب نوايا مع ثاني أكبر جامعة تعدين في العالم لإعداد الكوادر    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    رئيس شعبة الدواجن: سعر الكيلو في المزرعة بلغ 57 جنيهاً    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجباية الفلسطينية في إطارها السياسي
نشر في شباب مصر يوم 02 - 10 - 2010

إن الاقتطاع من رواتب موظفي سلطة الحكم الذاتي في رام الله للمساهمة في تسديد فاتورة الكهرباء في قطاع غزة، وتخيير حوالي ستة آلاف من موظفي هذه الحكومة بين العودة إلى القطاع وبين قطع رواتبهم، وتفعيل هذه الحكومة للمادة (20) من قانون ضريبة الأبنية والأراضي داخل مناطق البلديات لإعادة التخمين الشامل كل خمس سنوات، وتنشيط عمل "الضابطة الجمركية" على محاور الحركة التجارية بالضفة الغربية هي أحدث أربعة عناوين لتحسين الجباية التي جعلت رئيس حكومة تسيير الأعمال د. سلام فياض جديرا بإشادة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بغض النظر عن السياق السياسي لهذه السياسات المالية التي تجري في إطار إعفاء دولة الاحتلال الإسرائيلي من التزاماتها بموجب القانون الدولي كقوة قائمة بالاحتلال وعن إرهاق المواطن الفلسطيني تحت الاحتلال بالمزيد من الأعباء الاقتصادية، دون أن يجد هذا المواطن "يسارا" أو "يمينا" وطنيا يعبر في الأقل عن احتجاجه على هذه السياسات التي يوصي بها البنك وصندوق النقد الدوليين والتي جأرت شعوب الأرض بالشكوى المرة من جورها الذي يضاعف الاحتلال من آثاره على الطبقات المستضعفة في الحالة الفلسطينية.
وقد التقط فياض إشادة البنك الدولي بحكومته أواسط الشهر الماضي بسبب "أدائها الحالي" لأنها إذا استمرت فيه "ستكون في موقف يمكنها من إقامة دولة في أي مرحلة في المستقبل القريب" كما جاء في تقرير للبنك، فاعتبرها وحكومته وقيادتهما شهادة تقدير لهم و"شهادة حسن سلوك وطنية" تسوغ لهم مواصلة تحدي الاجماع الوطني على رفض استمرارهم في الإذعان للشروط الإسرائيلية – الأميركية لمواصلة المفاوضات مع دولة الاحتلال، بالرغم من أن تقرير البنك الدولي نفسه المشار إليه قد أكد بأن أدائهم المالي ومعدل النمو الاقتصادي المقدر ب (8%) للسنة المالية الجارية يعود إلى المعونات المالية الخارجية وأموال المانحين المشروطة سياسيا باستمرار المفاوضات واستمرار الاذعان لشروط دولة الاحتلال التي تبناها المانحون باعتبارها شروطا للجنة الرباعية الدولية، الممولة والراعية للمفاوضات بقيادة أميركية.
لكن فياض وحكومته وقيادتهما قد تجاهلوا حقائق هامة أخرى وردت في التقرير نفسه عدا تلك الإشارة العابرة التي التقطوها بصورة انتقائية، مثل قول التقرير إن أي نمو اقتصادي مستديم في الضفة الغربية وقطاع غزة "ما يزال غائبا" وأن استمرار الاحتلال واستمرار اعتماد سلطة الحكم الذاتي على أموال المانحين لن يجعل مؤسساتها ركيزة لأي دولة يأملون في إقامتها. واقتبس التقرير من أرقام الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني برام الله ليقدر معدلا للنمو الاقتصادي في القطاع يفوق مثيله بالضفة مما يثير الدهشة والاستهجان، إذ كيف يمكن أن يكون معدل النمو في القطاع المحاصر أعلى منه في الضفة التي تتدفق عليها أموال المانحين، وإذا صحت هذه التقديرات فهي إما أن تكون شهادة دولية بكفاءة الإدارة الحكومية في غزة التي لا يرأسها خبير في البنك الدولي كفياض في رام الله وهي إذا لم تكن صحيحة فإنها تشكك في صدقية التقرير ومن أصدره وتشكك بالتالي في "شهادة التقدير" التي تحاول حكومة فياض انتزاعها منه بحيث لا تعود قيمتها تساوي قيمة الورق التي كتبت عليه.
غير أن الحقيقة الأهم التي تغيبها أمثال هذه التقارير والحكومة التي تتخذ منها شهادات تقدير ومسوغات لها لمواصلة سياسات مرفوضة وطنيا هي أن دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال ما يزيد على عقدين من الزمن مما يسمى "عملية السلام" قد نجحت في التنصل من التزاماتها كقوة محتلة بموجب القانون الدولي ونجحت في نقل الأعباء الإدارية والمالية المترتبة عليها نتيجة لذلك إلى سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني لتمول هذه السلطة تلك الأعباء إما من جيوب دافع الضرائب في الدول المانحة أو بالجباية المرهقة من جيوب المواطنين الفلسطينين الرازحين تحت الاحتلال.
فبعد أيام من تثبيت وقف إطلاق النار بعد العدوان الإسرائيلي الذي قاد إلى احتلال الضفة والقطاع عام 1967 أصدر مجلس الأمن الدولي في 14 حزيران من تلك السنة قراره رقم (237) داعيا دولة الاحتلال إلى ضمان سلامة ورفاهية وأمن "سكان المنطقة التي جرت فيها عمليات عسكرية" – طبعا على نفقتها، وفي آخر شهر شباط / فبراير من العام التالي أصدر وزير داخلية دولة الاحتلال قرارا أعلن فيه أن المنطقتين لم تعودا "تحت سيطرة العدو" بل أصبحتا "من الناحية العملية مناطق إسرائيلية". وحتى اليوم لم يتغير الوضع جوهريا، إلا في نجاح دولة الاحتلال في نقل التزاماتها بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي إلى سلطة حكم ذاتي فلسطيني أنيطت بها بموجب الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين دولة الاحتلال المهمات التي كانت تقوم بها "الإدارة المدنية" التي انشأها الحاكم العسكري للاحتلال.
واليوم، يكرر فياض القول إنه يسعى إلى الاستغناء عن أموال المانحين، بحجة تعزيز الاستقلال الفلسطيني تمهيدا لإقامة دولة، لتمويل "الإدارة المدنية بالوكالة" لأن "نجاح أي حكومة فلسطينية يجب الا يستند الى كمية المساعدات الخارجية التي حصلت عليها، بل وفق كم هذه الحكومة قادرة على التخفيف من الاعتماد على هذه المساعدات"، ويسعى هو وحكومته وقيادته سعيا حثيثا ودؤوبا إلى إعفاء الدول المانحة المسؤولة منذ البداية عن وجود دولة الاحتلال في فلسطين وأمنها ورفاهها من تمويل الإدارة المدنية للشعب الخاضع للاحتلال بعد أن أعفت هذه الدول دولة الاحتلال من هذا الالتزام، ويسعى، كما نقلت رويترز مؤخرا، إلى استغناء ميزانية حكومة سلطة الحكم الذاتي عن المعونات الخارجية بحلول عام 2013، والاكتفاء بتمويل هذه المعونات للتنمية الفلسطينية لتظل هذه التنمية مرتهنة للمانحين وشروطهم، والاستعاضة عنها بتحسين جمع الضرائب والجباية الداخلية وخفض الانفاق، ليدخل فياض التاريخ ربما باعتباره أول من نجح في سابقة تمويل الاحتلال من جيوب الشعب الخاضع للاحتلال.
وهذه سياسة محكوم عليها بالفشل، ومن المؤكد أن الرد الشعبي عليها لن يطول انتظاره لأسباب وطنية واقتصادية على حد سواء، ليس لأن وزير خارجية النرويج يوناس غار شتور، الذي رأست بلاده اجتماع الدول المانحة الأخير في نيويورك، قال إن لحظة استغناء سلطة الحكم الذاتي عن المانحين "لم تحن بعد"، بل لأن مسعى فياض يتناقض مع الاتجاه العام لمساهمة دور المانحين في تعويم سلطة الحكم الذاتي وحكوماتها المتعاقبة، إذ حسب الأرقام المتوفرة، ارتفعت مساهمة هذه المعونات خلال خمسة عشر عاما من (14%) من إجمالي الدخل الوطني عام 1994 إلى (49%) عام 2008، وبخاصة بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات، وعلى الأخص بعد الانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية للحكم الذاتي عام 2006، ومع ذلك فإن حصة الفرد من إجمالي الدخل الوطني قد انخفضت خلال الفترة نفسها من ($ 1590) دولار عام 1994 إلى ($ 1459) دولار عام 2008، بالرغم من معدل النمو الاقتصادي المقدر البالغ (8%) في المائة للعام الجاري، وهو تقدير يضع سلطة الحكم الذاتي في وضع التنافس مع الصين التي تسجل أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم منذ سنوات عديدة، بكل ما تعنيه أي مقارنة كهذه من تضليل إعلامي.
إن استمرار حكومة فياض في إرهاق كاهل المواطن الفلسطيني تحت الاحتلال بالضرائب المباشرة وغير المباشرة على الأملاك المنقولة وغير المنقولة وضرائب المعارف والشقق والتحسين والترميم ورسوم سلطة الأراضي والمعاملات وطوابع الايرادات وزيادة رسوم ترخيص المركبات، إلخ.، التي بلغت حصتها من صافي الإيرادات (الايرادات ناقص تكاليف الجباية) حوالي (50%)، والتي لا تشمل مرافق مثل الكهرباء والماء والاتصالات السلكية واللاسلكية كما هو الحال في بريطانيا وهونغ كونغ وسنغافورة، ناهيك عن استثمارات السلطة الخارجية والداخلية، عدا عن الشكوك المحيطة بالتحصيل من الاحتكارت التي يملكها كثير من أركان السلطة بسبب النفوذ الذي يتمتعون به، وفي إطار الغياب الكامل لرقابة المؤسسات أو أي رقابة أخرى باستثناء رقابة المانحين المشبوهة سياسيا، هي جباية تثير أسئلة جادة حول أهدافها السياسية، غير الأهداف التي تعلنها حكومة فياض لها، وهي جباية ظالمة وطنيا واقتصاديا لا بد أن يكون لها ثمن سياسي، طال الزمن أم قصر.
*كاتب عربي من فلسطين
[email protected]*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.