بنظير بوتو والصعود إلي فوهة البركان عبد الرءوف الريدي أبعاد ثلاثة تتشابك لتجعل من التفجيرات المدمرة التي استقبلت بنظير بوتو في يوم عودتها إلي باكستان تبدو وكأنها الحدث الذي ينبيء بأن أحداثا أخطر وأكبر تنتظر باكستان والمنطقة الممتدة من نهر الأندلس في السند شرقا( علي حدود الهند) حتي حدود العراق الغربية والشمالية والجنوبية مع دول عربية ثلاث هي الأردن وسوريا والسعودية غربا, وتشمل بالتالي أكثر من منتصف العالم الإسلامي.. أي باكستانوأفغانستانوإيران ثم العراق, وللمفارقة فإن الدولة الوحيدة ضمن هذه الدول الأربع التي تتمتع نسبيا بالاستقرار هي إيران التي تعتبر العدو الأول للولايات المتحدة الآن.. أما الأبعاد الثلاثة فهي: مخاطر الانتشار النووي والحرب ضد الإرهاب والصراع داخل العالم الإسلامي. كان ذو الفقار علي بوتو مؤسس حزب الشعب الباكستاني وأبو بنظير والذي أعدم في عام1979 علي نظام الرئيس ضياء الحق هو الذي بدأ برنامج إنتاج السلاح النووي في باكستان وأطلق عبارته المشهورة بأن شعب باكستان سيمضي في طريق إنتاج السلاح النووي, وسيضحي من أجل ذلك بكل شيء حتي ولو أضطر إلي أن يقتات من حشائش الأرض, ولقد حاول الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة تعطيل هذا البرنامج وكان من ذلك الانقلاب العسكري الذي قاده رئيس الأركان آنذاك الجنرال ضياء الحق ذو الاتجاهات الإسلامية ضد بوتو, إلا أن ضياء الحق لم يوقف البرنامج النووي بل سار فيه بعيدا عن الأضواء, ثم جاء الغزو السوفيتي لأفغانستان في نفس العام(1979) ليجعل باكستان هي البلد المحوري الذي من خلاله يمكن تنظيم المقاومة الأفغانية للسوفيت. عندما انطلقت صيحات الجهاد في مساجد العالم الإسلامي من أقصاه إلي أقصاه, ولبي الشباب المسلم نداء الجهاد وأصبحت مدينة بيشاور الباكستانية في مقاطعة الحدود الشماليةالغربية علي حدود أفغانستان هي التي يتم فيها التدريب والتنظيم لهؤلاء الشباب وكان جهاز المخابرات الأمريكية بالتعاون مع باكستان وأجهزة دول عربية أخري تقوم بكل مايلزم لحفز وتجهيز المجاهدين لمقاومة السوفيت. بعد عشرة أعوام كان حصاد هذا الجهاد ليس فقط خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان.. بل وتفكك الاتحاد السوفيتي نفسه وتبعثر شعوبه إلي دول مستقلة عبر الفضاء الأوروبي وفي وسط آسيا, وما كان ذلك كله ليتم لولا التعاون الكامل الذي أبداه نظام ضياء الحق في باكستان مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. كانت أعوام الثمانينات التي شهدت المقاومة الأفغانية ونجاحها في هزيمة السوفيت هي أيضا الأعوام التي أغمضت فيها الولاياتالمتحدة الطرف عن النشاط الباكستاني النووي علي يد العالم الباكستاني النووي عبد القدير والذي يعتبر أبا القنبلة النووية الباكستانية ولم تبدأ الولاياتالمتحدة في الالتفات إلي النشاط النووي الباكستاني بجدية بعد ذلك إلا في التسعينات والتي في أواخرها جرت التجربة النووية الباكستانية الأولي فور قيام الهند بتجربتها النووية الأولي. لم تفلح الجزاءات الأمريكية في إثناء أي من البلدين اللذين لم ينضم أي منهما إلي معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية, عن الاستمرار في برنامجه النووي.. ثم لم يمر أكثر من عامين حيث جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأعلنت الولاياتالمتحدة الحرب علي الإرهاب وأعدت العدة لغزو أفغانستان لمحاربة طالبان والقاعدة وزعيمها بن لادن وحليفه الملا عمر أمير طالبان, ومرة أخري تصبح باكستان ذات موقع محوري في الاستراتيجية الأمريكية واتجهت الأبصار مرة أخري إلي منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية.بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مباشرة ذهب ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية الأمريكية مبعوثا من الرئيس بوش لمقابلة الرئيس برويز مشرف رئيس باكستان في إسلام آباد لإبلاغه رسالة واضحة وبسيطة وبالغة الخطر في الوقت ذاته بأنه إن لم يتعاون مع الولاياتالمتحدة ويجعل من بلاده الجبهة الأولي في الحرب علي طالبان والقاعدة في أفغانستان فإن الولاياتالمتحدة ستعتبر بلاده عدوا في هذه الحرب.. وستكون مستعدة لقصف باكستان ذاتها بالقنابل حتي تعيدها إلي ماكانت عليه في العصر الحجري في سابق الزمان.. أما لو تعاونت مع أمريكا فستنهال علي باكستان المنح والمساعدات.. والواقع أنه لم يكن أمام مشرف أو علي الأقل هكذا اعتقد مجال للخيار فاختار التعاون الكامل.. ونسيت الولاياتالمتحدة أو بالأحري تناست موضوع القنبلة النووية والجزاءات التي كانت قد بدأت توقيعها علي باكستان.. إلا أن تعاون الرئيس مشرف مع الولاياتالمتحدة لم يكن أمرا ليجلب له الشعبية بل لقد بدأت شعبيته في التآكل لصالح القوي الإسلامية المتطرفة والمتعاطفة مع طالبان ومع بن لادن وتنظيم القاعدة, ثم أدت هذه الحرب أيضا إلي دخول مشرف في صراع مع رؤساء القبائل في منطقة وزير ستان علي الحدود الشماليةالغربية وهي المنطقة التي من المفترض أنه يختبيء فيها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والملا عمر وقيادات طالبان التي أخذت تشن حربا ضد نظام حامد كرزاي الرئيس الأفغاني المدعوم بأمريكا وحلف الناتو. لم تفلح المساعدات التي تلقاها مشرف في علاج شعبيته المنهارة.. ولم تكن هناك في الواقع أية قوة خارج القوات المسلحة تسانده, بل أنه حتي في داخل القوات المسلحة الباكستانية كان هناك من يتعاطف مع بن لادن وطالبان ويمقت مشرف وجاءت أحداث المسجد الأحمر في أواخر الصيف الماضي لتوض ح مدي ما أصبحت عليه القوي الأصولية في باكستان من قوة واستعداد للدخول في مواجهة مع نظام مشرف الذي أخذ بدوره يتصرف تصرفات تصادمية مع المؤسسة القضائية وخاصة عندما عزل رئيس المحكمة العليا. عندما رأت الولاياتالمتحدة أن نظام مشرف بل مشرف نفسه.. يوشك علي الانهيار أمام تصاعد التيار الأصولي.. جاء تفكيرها في أن يكون العلاج عن طريق دعمه بقوة لها مصداقية وشعبية وهي قوة حزب الشعب بزعامة قائدته ذات الكاريزما العالية والشخصية القوية بنظير بوتو ابنة ذو الفقار علي بوتو الذي أطلق مشروع القنبلة النووية الباكستانية. كان من بين مادفع الولاياتالمتحدة في هذا الاتجاه هو تنبهها إلي ماكان سيكون عليه الوضع إذا وصل ضابط ذو اتجاهات أصولية متعاطفة مع القاعدة وطالبان إلي الحكم في باكستان فيصبح تحت يده الترسانة النووية الباكستانية وما طورته من صواريخ بالستية بعيدة المدي علي هذه الخلفية جاءت زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكية جون نجروبونتي لباكستان منذ عدة أسابيع ولقاؤه مع مشرف واتفاقه معه علي عودة بنظير بوتو وفتح الطريق أمامها من خلال الانتخابات لتصبح رئيسة الوزراء.. وتقتسم بذلك السلطة مع الرئيس مشرف رئيسا للجمهورية بعد تخليه عن منصب رئيس الأركان, وبرغم ماتلقته بنظير من تهديدات بأنها ستتعرض للاغتيال إذا جاءت إلي باكستان إلا أنها أصرت علي الحضور وأن يكون استقبالها استقبالا شعبيا, وقد استطاع حزب الشعب أن يحشد مليونا من مؤيديها لاستقبالها وسار موكبها من مطار كراتشي لمسافة تسع ساعات وسط بحر من البشر في طريقه إلي ضريح القائد الأعظم مؤسس باكستان محمد علي جناح, وقد اختارت بنظير هذا الموقع الذي تتوجه إليه كأول محطة لها في مسيرتها الجديدة في باكستان لما يرمز إليه كمؤسس لباكستان كدولة مدنية وليس دولة دينية. وسار موكب بنظير يشق طريق ه خطوة خطوة في الطريق إلي الضريح إلي أن دوت التفجيرات وسط الحشود المحتشدة وعلي بعد أمتار من بنظير شخصيا.. وكانت نجاتها الشخصية بمثابة معجزة من السماء.. ولكن هذا الحدث لم يهز بوتو فقط ولكنه كان بمثابة العامل المفجر لما يمكن أن يحدث في باكستان ذاتها بل وفي المنطقة بأسرها. يطرح الحدث أسئلة عديدة حول مستقبل باكستان بل والمنطقة.. ومن بين هذه الأسئلة سؤال رئيسي حول الجيش الباكستاني وأين يقف الجيش في هذا المعترك, وبينه وبين آل بوتو تاريخ قديم من عدم الثقة منذ الانقلاب الذي قام به الجيش للإطاحة بل وإعدام بوتو الأب.. والسؤال الثاني هو أين تقف القوة السياسية الثانية في باكستان, أعني حزب نواز شريف والذي يستمد قوته من أقليم البنجاب الذي تنتمي إليه أغلب قيادات الجيش, هل سيسمح لنواز أن يعود إلي باكستان والمشاركة في العملية السياسية, وهو الذي يتهمه الرئيس مشرف بأنه كان قد حاول إسقاط طائرته في الجو وقتله في حادث غامض آخر, وقد حكمت المحكمة الباكستانية العليا بحقه في العودة من منفاه, ولكنه عندما عاد لم يستطع أن يضع قدمه خارج المطار.. بل أخذه عسكر الرئيس مشرف وأعادوه علي نفس الطائرة إلي السعودية حيث كان يقيم.. والسؤال الثالث يتعلق بموقف المؤسسة القانونية والتي تضم القضاة والمحامين ولقد وقفت هذه المؤسسة ضد مشرف بل وقامت بممارسات أقرب ماتكون إلي التظاهر ضده.. مع ملاحظة أن المحكمة الباكستانية العليا ستفصل قريبا في مدي شرعية قرار الرئيس الباكستاني بالترشيح للانتخاب. والسؤال الرابع يتعلق بمدي ما أدت إليه أحداث باكستان بالنسبة للنسيج الديني في باكستان وهل ماحدث يعزز الانقسام بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعية علما بأن أغلب مؤيدي المذهب الشيعي يتمركزون أساسا في إقليم السند أكبر أقاليم باكستان مشايعة لبنظير بوتو.. حيث يوجد التأييد الأكبر لها بينما السنة أغلبهم في البنجاب حيث التأييد الأكبر لنواز شريف.. أما السؤال الخامس والأخطر.. فيتعلق بالسيطرة علي الترسانة النووية الباكستانية... وإذا كان المفترض أن الرئيس الباكستاني الذي يتعرض لكل ما أشرنا إليه من ضغوط هو نفسه الذي يملك سلطة الضغط علي الزناد في ترسانة الأسلحة النووية الباكستانية, فمن يضمن مستقبل تطور الأحدث وإلي من سيؤول هذا الزناد بينما الأرض تهتز تحت أقدام هذا الرئيس مشرف.. أعتقد أننا أمام مسلسل من الأحداث والتداعيات التي تلف ليس باكستان فقط بل المنطقة بأسرها بما فيها إيران وملفها النووي وأفغانستان وحربها مع الناتو.. والعراق بمأساته المعروفة والتي تزداد تعقيدا بالتطورات الأخيرة علي الساحة الكردية مع تركيا.. كل ذلك مع اشتداد سعير حرب علي الإسلام تتصاعد يوما بعد يوم في الغرب.. لقد أطلقت زيارة بوتو ومحاولات الاعتداء عليها قوي متشابكة ومتداخلة تصبح السيطرة عليها تبدو أمرا يزداد صعوبة وتعقيدا يوما بعد يوم.؟ عن صحيفة الاهرام المصرية 3/11/2007