في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 بعد سبعة أيام علي صدمة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، جلس الرئيس الباكستاني برويز مشرف في إسلام آباد وسط جمع من أهم الساسة ورؤساء الأحزاب والزعماء الدينيين ورؤساء تحرير صحف مقربة من الدولة. كان هدف مشرف الذي حصل علي السلطة بعد عملية انقلابية وكان حتي غزو أفغانستان بعد هجمات 11/9 علي قائمة المقاطعة الغربية، إقناع الحاضرين بصحة قراره الوقوف إلي جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية في الحرب المناهضة للإرهاب التي وصف الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش مشرف بأنه اللاعب الرئيسي فيها، في محاربة أسامة بن لادن وتنظيمه (القاعدة) والطالبان الذين منحوه المأوي. وحاول مشرف في ذلك اليوم أن يقنع النخبة في بلده بأنه لم يجد خيارا غير مساندة الولاياتالمتحدة في الحرب التي أعلنها بوش ضد من وصفهم بالإرهابيين وذلك في أنحاء العالم. لكن في هذا الوقت في المدينة المتاخمة روالبندي كانت جماعات دينية تشرف علي مظاهرات صاخبة احتجاجا علي حرب بوش ضد بن لادن الذي يحظي بشعبية واسعة في باكستان، والطالبان، وحمل المتظاهرون يافطات كتب عليها: الله هو القوة العظمي الوحيدة.. الله يقف إلي جانب بن لادن والطالبان.. بن لادن.. نحن معك.. ونفدي أرواحنا من أجل الطالبان. منذ ذلك الوقت يمارس مشرف لعبة توازن خطرة تجمع بين مهادنة الخصوم داخل بلده والحليف الكبير في الغرب الذي قام بتأهيل مشرف واستقبله في البيت الأبيض مرارا وقدم له كافة أشكال الدعم بعد أن تحولت باكستان إلي أهم جبهة لمحاربة (القاعدة) والطالبان. وعندما ألقت الشرطة الباكستانية القبض علي قياديين هامين من (القاعدة) هما بن الشيب ومحمد شيخ خالد حيث لعبا دورا هاما في تخطيط هجمات 11/9 وسلمتهما إلي الأمريكيين، ظن العالم أن المسألة تتعلق بالوقت فقط حتي يجري القبض علي بن لادن ونائبه أيمن الظواهري لمجرد الاعتقاد أنهما في باكستان أو في المناطق الحدودية بين أفغانستانوباكستان. ويوجه الغرب منذ وقت اللوم لمشرف لأنه لم يحقق نجاحات مرضية في الحرب ضد الإرهاب إذ أعلن الباكستانيون أكثر من مرة أنهم طوقوا قائدا كبيرا في (القاعدة) ثم ما لبث أن تم تفنيد الخبر. ويعتقد الغرب أن المخابرات الباكستانيةISI التي دربت وسلحت الطالبان و(القاعدة) ما زال في أجهزتها من يتعاطف مع بن لادن والطالبان. وأصبح مشرف بين سندان الولاياتالمتحدة ومطرقة المعارضة الدينية داخل بلده في حين نجا أكثر من عشر محاولات للاغتيال علي الأقل منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2001 كان أخرها قبل أيام حين أطلقت عيارات نارية علي طائرته في روالبندي. الرأي السائد في الغرب أن تأهيل مشرف وجعله حليفا وثيقا للغرب في آسيا يعود لدوره في حرب أفغانستان. لكن التقارير والصور التي تشير إلي النفوذ المتزايد للجماعات الدينية مثل الاحتجاج علي حرب بوش، وقرار منح رتبة فارس للكاتب البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي تثير قلق الغرب الذي يخشي أن يحصل الأصوليون في وقت ما علي السلطة ويتحكمون بأهم سلاح تملكه الدولة: الصواريخ النووية. وتشير أحداث حصار المسجد الأحمر في روالبندي إلي أن نظام مشرف محاصر من قبل المعارضة الدينية التي يتحمل مسئولية انتشارها مع واشنطن. ففي الثمانينات قدمت الحكومة العسكرية الباكستانية بالتعاون مع واشنطن الدعم المادي والعسكري لجماعات دينية باكستانية كانت تحارب مع المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال السوفييتي. كثير من المتطوعين كانوا يدرسون في مدارس دينية وجدوا هذه الحرب جهادية. وحتي اليوم تعتقد استخبارات غربية أنه يجري ضم الكثير من طلبة المدارس الدينية البالغ عددها حوالي تسعة آلاف مدرسة إلي الطالبان والجماعة التي تحارب القوات الهندية في الشطر الهندي من كشمير. ونتيجة لضغط كبير مارسته واشنطن قام مشرف في الفترة الماضية بعمليات عسكرية واسعة ضد بنية (القاعدة) لكن لوحظ أنه تجاهل الطالبان وثوار كشمير بل يقول الغرب إنهم حصلوا علي دعم من أصدقائهم في الجيش والاستخبارات الأفغانية. ويشير روبرت تيمبلر مدير برنامج آسيا في مؤسسة النزاعات الدولية بواشنطن إلي عدد من الحالات التي تثبت هذا الدعم مثل قيام جنود باكستانيين بمساعدة مقاتلين ينتمون للطالبان علي عبور الحدود هربا من القوات الأمريكية. وفي مدينة كويتا المتاخمة للحدود مع أفغانستان يستطيع قادة الطالبان التنقل بحرية. منذ خمس سنوات ونصف تحتل أفغانستان حيزا مركزيا في سياسة باكستان بعدما كانت تركز قبل ذلك علي خصومتها التقليدية مع الهند، التي بدورها تمتلك أسلحة نووية. وتلقي أحداث المسجد الأحمر الأضواء مجددا علي الوضع الخطير الذي يحيق بمشرف منذ أن تحالف مع الغرب رغم أن الكثير من المراقبين هنا لا يعتبرونه الحل بل مشكلة إذ تحالف مع الجماعات الدينية ليحد من نفوذ الأحزاب العلمانية الكبيرة كما يستخدمها وسيلة للضغط علي حكومتي كابول ونيودلهي. ويوضح تيمبلر أن القيادة الأمريكية تدرك ذلك لكن مستشاري الرئيس بوش يشيرون دائما إلي الرأي بأنه لا بديل للتحالف مع مشرف. ويعرف الرئيس الباكستاني أن مساندة الغرب تمد من عمر نظامه وتحميه رغم تدني شعبيته بشكل كبير. في الخريف القادم بصرف النظر عن احتجاجات بعض السياسيين المعارضين يعتزم كسب تأييد غالبية النواب لانتخابه خمس سنوات أخري لكن الولاياتالمتحدة تدخلت وقالت إنها تؤيد انتخابات الرئاسة بعد انتخاب برلمان جديد مما قد يؤدي إلي تراجع فرصة مشرف بالفوز بولاية جديدة. والسؤال المطروح هل تريد واشنطن بديلا لمشرف والمجازفة بقيادي جديد علما أن الجنرال قام حتي الآن بدور المطيع لها ويجازف بحياته؟. وتجري أحداث المسجد الأحمر في مرحلة يحارب فيها مشرف علي عدة جبهات ومشكلته الأولي: النزاع مع المعارضة الديمقراطية التي صعدت الاحتجاجات في البلاد ضده منذ أن قام في مارس/آذار الماضي بإقالة القاضي الأعلي واكتسبت الاحتجاجات أهمية بعد تظاهرات نظمها قضاة ومحامون مما يجعل المراقبين يتساءلون إذا انتخابات الرئاسة ستجري في موعده المحدد في الخريف. المشكلة الثانية أن الضغط الدولي علي باكستان تزايد بعد تنامي قوة الطالبان وزيادة عدد عملياتهم العسكرية في أفغانستان. رغم شعور واشنطن بسرور بالغ عندما انضم مشرف لحربها ضد الإرهاب في عام 2001 فإن الطالبان يحصلون علي دعم من القبائل الباكستانية والاستخبارات ISI والجيش كما أن الكثير من علماء الدين في المسجد الأحمر ينادون منذ سنوات بدعاية مؤيدة للطالبان وبن لادن ويدعون إلي تأييد أفكارهم ومقاومتهم المسلحة. ليس في العالم دولة يتمتع فيها بن لادن بشعبية مثل باكستان. المشكلة الثالثة التي يشهد العالم بعض تفاصيلها هو أن خطر الأصوليين وصل عتبة مقر الرئيس الباكستاني إذ أنهم لا يحتجون فقط علي تحالف مشرف مع الغرب ضد بن لادن والطالبان فحسب، بل يجد الآلاف منهم أن مشرف، تلبية لمطالب الغرب، يريد تقييد حرية المدارس الدينية ويسعي المشرفون علي هذه المدارس لإبقاء سلطة الدولة بعيدة قدر الإمكان عنها. ولا يبدو أن أحداث المسجد الأحمر تثني مشرف عن عزمه وبذلك يعرض نفسه ونظامه إلي الخطر نظرا لقدرة الجماعات الدينية علي تجنيد أعداد كبيرة من الأصوليين وعلي الأقل يزيد عدد الاعتداءات ضد الجيش. في العام الماضي بلغ عدد ضحايا التفجيرات التي وقعت في البلاد 1471 وذلك ضعف العدد عن عام سبق. يري المراقبون أن الحرب النفسية للسيطرة علي المسجد الأحمر قد لا تقرر المصير السياسي لمشرف لكنها خطوة في هذا الاتجاه. إذ أن نهاية سلمية لهذا النزاع سوف يكسب مشرف بعض النقاط لأنه تم تجنيب سفك دماء نساء وأطفال وربما ضحايا إيديولوجية أصولية، علاوة علي أن غالبية شعوب الدول الناقدة للغرب تتبني منذ وقت وجهة نظر ناقدة لمدارس الأصوليين. لكن إذا انتهي حصار المسجد الأحمر بحمام دم، يهدد البلاد حصول مسيرات احتجاج وأعمال عنف سوف يضعف موقف مشرف وعدم الاستقرار في أفغانستان يعني عدم الاستقرار في أفغانستان أيضا. وسوف يزداد خوف الغرب من أن تتحول باكستان إلي مكان يستخدم لتخطيط عمليات إرهابية في أنحاء العالم. أنه التطور الذي تحسسته ألمانيا التي أرسلت فريقاً من الشرطة الجنائية إلي إسلام آباد للتحقيق مع باكستانيين أحدهما حاصل علي الجنسية الألمانية، اعتقلا في مطار كراتشي قبل أن يستقلا طائرة متجهة إلي فرانكفورت، ووجهت إليهما تهمة التخطيط للقيام بأعمال عنف في ألمانيا، تنفيذا لمخطط الطالبان، بنقل حرب أفغانستان دول حلف شمال الأطلسي التي لها جنود في الهندكوش.