ما تشهده باكستان من تطورات، في ضوء اغتيال بناظير بوتو، ليس قضية عابرة. ستكون باكستان، علي الأرجح، عنوان احداث السنة 2008. تندرج باكستان في جوهر ما يمكن وصفه بالفشل الأميركي عندما يتعلق الأمر بالتعاطي مع الآخر ومع قضايا تهم الشعوب الأخري وتعنيها. لعل أكثر ما يخيف في السياسة الأميركية، ما قد يكون في أساس هذه السياسة أي قدرتها علي ألا تأخذ في الاعتبار هموم الآخر وهواجسه. إذ تري السياسة الأميركية أن في استطاعتها استخدام الآخر لا أكثر ولا أقل. تكتشف الإدارة الأميركية الآن أنه لا يتوجب عليها دفع ثمن سياسات معينة تتسم بقصر النظر. سياسات، تمثل تاريخا في قصر النظر. لكن أين المشكلة عند رجل مثل جورج بوش الابن؟ سيرحل عن البيت الأبيض في غضون سنة. سيخلف تركة ثقيلة لخلفه. مشكلة باكستان، مثل مشكلة العراق، صارتا علي عاتق خلفه. علي العراقيين والباكستانيين وآخرين كثر تحمل أخطاء السياسة الأميركية وخطاياها. ليست الأوضاع التي آلت اليها باكستان سوي تعبير عن السياسة الأميركية الخاطئة تجاه البلد خصوصا في مرحلة الحرب الباردة. استُخدِمت باكستان أميركيا في المواجهة مع الاتحاد السوفيتي، وفي لعبة التوازنات الاقليمية والدولية من دون تفكير جدي في النتائج التي يمكن أن تترتب علي مثل هذا الاستخدام. استخدمت في مرحلة ما، في اللعبة الأميركية القائمة علي ايجاد تباعد بين الصين والاتحاد السوفيتي. عندما حصل تقارب سوفيتي- هندي، جاء التوازن عبر تقارب صيني- باكستاني. وكان هذا التقارب من العوامل الأساسية التي ساهمت في حصول باكستان علي التكنولوجيا النووية. ومهّد لها ذلك في التسعينيات من القرن الماضي لامتلاك السلاح النووي بغية ايجاد توازن مع الهند. كانت باكستان في البداية دولة ليبرالية بزعامة محمد علي جناح، الذي كان يتصرف كأي أرستقراطي بريطاني مثقف. مع الوقت، صار مطلوبا أن تكون باكستان، التي اغتيل أول رئيس للوزراء فيها في العام 1951، أحد مخالب السياسة الأميركية في العالم، بل أحد الحصون المتقدمة للغرب في مواجهة كل ما له علاقة بالمنظومة السوفياتية. وضع ذو الفقار علي بوتو كتابا كان عنوانه :"في حال اغتيالي". ورد في الكتاب أن وزير الخارجية الأميركي هنري كيسينجر هدده في العام 1976 بقوله: "سنجعل منك أمثولة". كان ذنب ذو الفقار علي بوتو أنه تمرد حينذاك علي السياسة الأميركية وفكر باكرا في الحصول علي السلاح النووي كما أمم صناعات عدة في باكستان... وذلك في اطار سعيه الي تطبيق ما أسماه "الاشتراكية الاسلامية". كان ذو الفقار ثائرا علي طريقته. لم يدرك أهمية باكستان للولايات المتحدة. من أدرك ذلك كان الجنرال ضياء الحق، الرجل الذي انقلب عليه، وما لبث أن أعدمه بعدما ركّب له تهما معينة، بما فيها تهمة القتل. كانت فترة حكم ضياء الحق نقطة التحول في باكستان. كان مطلوبا أن تكون باكستان وقتذاك القاعدة الخلفية للحرب الأميركية علي السوفيت في أفغانستان. ولذلك، لم يأبه الأميركيون بالتحول الخطير الذي طرأ علي المجتمع الباكستاني الذي صار عليه التكيف مع طريقة تسهل انتاج مقاتلين علي استعداد ل"الجهاد" ضد الروس في أفغانستان. في هذا السياق، تساهلت السلطات في باكستان مع كل أنواع التطرف الديني من أجل مقاتلة الروس في باكستان. زادت "المدارس" الدينية التي تخرجت منها عناصر "طالبان" لاحقا. والأهم من ذلك، أن باكستان اتجهت إلي أن تكون مصنعا للارهاب والارهابيين ليس بفضل "المدارس" فحسب، بل بفضل النمو السكاني أيضا. هناك نحو مائة وستين مليون نسمة في باكستان حاليا. يدفع الأميركيون حاليا ثمن تجاهلهم المطلق للأبعاد المرتبطة بالمجتمع الباكستاني. أرادوا، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول- سبتمبر 2001 معالجة الوضع في أفغانستان متجاهلين أن باكستان في أساس المشكلة وأنه لولا "طالبان"، التي هي في الأساس بضاعة باكستانية، ما كان هناك ملجأ آمن لأسامة بن لادن في أفغانستان. يحصد الأميركيون حاليا ما زرعوه في باكستان. فهم لم يستوعبوا منذ اللحظة الأولي أن لا علاج لأفغانستان دون الذهاب إلي الجذور، أي إلي باكستان بدل العراق. ارتكب بوش الابن الخطأ. بعد سنة يغادر البيت الأبيض. سيترتب علي الأفغان والباكستانيين والعراقيين... والعرب عموما دفع ثمن توجهه إلي العراق، مباشرة بعد أفغانستان لمعالجة مشكلة ناجمة عن الوضع في باكستان.