تقييم أداء الدبلوماسية الفلسطينية الدكتور سعيد أبو عباه
إذا كانت ممارسة العمل الدبلوماسي من أعمال السيادة تمارسه الدول المستقلة المعترف بها، اي باعتبارها نشاطا مؤسساتياً يمارس بعد قيام الدولة، فإن الدبلوماسية في حالتنا الفلسطينية استثناء للقاعدة. فهي نشأت وتطورت في ظروف مختلفة عن نظيراتها في معظم دول العالم، حيث إنها نشأت في ظل عدم وجود كيان فلسطيني مستقل ذي سيادة. كذلك لم تعمل من داخل الأراضي الفلسطينية وإنما من داخل أراضي الغير.
وقد اخذ العمل الدبلوماسي الفلسطيني بالتوسع والتطور واحتل موقعاً مرموقاً في العملية النضالية والثورة الفلسطينية زاحم خلالها العمل العسكري والتنظيمي. فالبرغم من الظروف الصعبة والمراحل المعقدة التي واجهت العمل السياسي والدبلوماسي الفلسطيني، إلا أن الدبلوماسية الفلسطينية استطاعت عبر مر العقود من الزمن ان تحقق انجازات ونجاحات كبيرة على صعيد العلاقات الدولية، فاستطاعت كسب الاصدقاء والرأي العام الدولي إلى صف القضية الفلسطينية واثبتت عدالتها للجميع بما في ذلك شرائح المجتمع الإسرائيلي وبلغت ذروة انجازات الدبلوماسية الفلسطينية خلال الانتفاضة الاولى (الانتفاضة الشعبية). وكان لخصوصية القضية الفلسطينية دور مهم في تحديد الهدف الدائم والمهمات الرئيسية للدبلوماسية الفلسطينية الامر الذي جعلها متميزة بخصوصياتها عن باقي الدبلوماسيات الثورية التقليدية لمختلف البلاد. وبالرغم من الانجازات والنجاحات التي حققتها الدبلوماسية الفلسطينية إلا أنه كان لا بد من اجراء تقييم شامل ومتكامل لأداء الدبلوماسي الفلسطيني ودراسة اداء المؤسسات الفلسطينية ذات العلاقة ممثلة بوزارة الخارجية الفلسطينية والبعثات الدبلوماسية والقنصلية الفلسطينية ومدى مساهمتها في تنفيذ السياسة الخارجية الفلسطينية وتحقيق أهدافها. فعندما نلقي نظرة عاجلة على وضع الدبلوماسية الفلسطينية نرى أنها تحمل عليها الكثير من الجوانب التي أضعفت من أدائها ومن أهمها:
عنصر الرجال، وفي هذا العنصر فإننا نرى بأنه يجب الاخذ بعين الاعتبار كل مما يلي:
1) ضرورة امداد السلك الدبلوماسي الفلسطيني برجال يتمتعون بالموهبة الدبلوماسية وهذه الموهبة لا تكتسب بل تولد مع الانسان وتصقل بالعلم والاطلاع والممارسة. 2) اعتماد مبدأ الكفاءة والاعداد لإختيار رجال السلك الدبلوماسي .
3) الاهتمام بالمستوى اللغوي والثقافي للدبلوماسيين وكذلك تحسين مستواهم الإجتماعي ليستطيعوا الاندماج في مجتمع الدولة التي سيوفدون اليها.
ولعل اقرار قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني واحالة اعداد من الدبلوماسيين للتقاعد ونقل عدد من السفراء الفلسطينيين في العالم وتعيين سفراء جدد وانتهاج التدوير الشامل هي خطوات ايجابية على طريق تطوير اداء السلك الدبلوماسي الفلسطيني، حيث اصبحنا نرى سفراء شباب مؤمنين بوطنهم وعدالة قضيتهم ولا شكم بان التغيرات المستمرة وانتهاج التدوير الشامل يجعل لفلسطين من خلال سفاراتها وممثلياتها في الدول العربية والاسلامية والاجنبية حضور وقيمة اكبر من ذي قبل، وهنا أشير بأنه يجب عدم التخلي عن الرواد الأوائل الذين أدى الكثير منهم دوره في حدود المستطاع ويجب الإستفادة من تجاربهم وخبراتهم نحو تطوير السلك الدبلوماسي الفلسطيني. ومن المعروف أن من اهم المعيقات التي تؤثر على أداء اي سفارة في الخارج عدم خضوع دبلوماسييها للدورات التأهيلية ومحاولة بعض الدبلوماسيين فيها الحصول على جنسية الدولة المضيفة او العمل في التجارة وادارة الشركات لزيادة دخلهم وهنا اود ان اشير الى ان ازدواجية الجنسية للسفراء وموظفي السلك الدبلوماسي تعني التناقض فمثلاً ماذا لو سلك السفير المزدوج الجنسية سلوكاً يتنافى مع العرف الدبلوماسي او مع مصالح الدولة المضيفة فلأي قانون سيخضع؟ هل لقانون العرف الدبلوماسي كأن يطلب من الدولة الموفده تغييره (غير مرغوب فيه) ام يعامل بقانون المواطنة فيستدعى ويحقق معه ويعاقب كمواطن دولة؟. وفي فلسطين الكثير من الكفاءات التي تنتظر فرصتها ولديها الموهبة الدبلوماسية والمعرفة والقادرة على اعادة الصورة الحضارية والمناضلة والحقيقية للإنسان الفلسطيني ، فمعركتنا مع الاحتلال الاسرائيلي نحو الحرية والاستقلال وقيام الدولة احد اهم ادواتها هي الدبلوماسية الفاعلة والنشطة والداعية لراسالتها النضالية والحضارية . العنصر الثاني الذي يحمل على الدبلوماسية الفلسطينية مرتبط بالوزارة حيث اننا نلاحظ نقص في الندوات الفكرية وحلقات التدريب التي تنظمها الوزارة وهي تعتبر ضرورية بهدف تدريب موظفيها وإطلاعهم على كل جديد ومستحدث في عالم الفكر السياسي والعلاقات الدولية وكل المشكلات والقضايا التي تطرأ على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة انشاء المعهد الدبلوماسي الفلسطيني والذي يقع على عاتقه تنفيذ جميع هذه البرامج التدريبية،إلى جانب ضرورة التقييم المستمر لأداء العاملين في السفارات الفلسطينية في الخارج. وضرورة تطوير العمل القنصلي في هذه السفارات خصوصاً في البلدان التي يتواجد بها جاليات فلسطينية كبيرة. العنصر الثالث يرتبط بالإشكالية بين م.ت.ف والسلطة الوطنية الفلسطينية فيما يتعلق بتضارب الصلاحيات حول العمل الدبلوماسي الفلسطيني، ومن المعروف انه بعد توقيع اتفاقية اوسلو انحسر مفهوم الدبلوماسية الفلسطينية بالمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وانحسر دور منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في العملين السياسي والدبلوماسي وبرز دور السلطة الوطنية الفلسطينية وتميزت هذه المرحلة بالانفتاح على دول اوروبا والولايات المتحدة على حساب دول اخرى مثل روسيا وجمهوريات رابطة الدول المستقلة والصين والهند وافريقيا التي دعمت القضية الفلسطينية طيلة مسيرة النضال الفلسطيني. إن الخلافات التي نشأت بين وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية والدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول من يمثل الخارجية الفلسطينية فعلياً ادى الى ضعف اداء الدبلوماسية الفلسطينية في الوقت الذي تقف فيه قضيتنا الوطنية امام مفترق طرق وتحتاج الى تلاحم جميع الصفوف، مثلما هي تحتاج الى دبلوماسية نشطة عربياً ودولياً. ولعل استبدال منصب وزير الشؤون الخارجية في الحكومة الفلسطينية بوزير دولة للشؤون الخارجية قد ينهي هذه الخلافات المتفاقمة بحيث يكون وزير الدولة للشؤون الخارجية بمثابة نائباً لوزير الخارجية الذي يتولى منصبه رئيس الدائره السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبصفته ايضاً وزير خارجية دولة فلسطين. وهذا يؤدي الى ان يقود وزير الدولة للشؤون الخارجية العمل الدبلوماسي الفلسطيني في داخل الوطن ويعمل على بناء وزارة الخارجية الفلسطينية على اساس متطور وعصري خصوصاً بعد اصدار قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني لسنة 2005م . ** كاتب دبلوماسي فلسطيني