الناخبون الذين ذهبوا إلى صناديق الانتخابات البرلمانية والذين انتخبوا القائمة العراقية، وهم بالملايين، على أمل ان يحصل التغيير أصيبوا بالإحباط وخيبة الأمل لأن التغيير الذي تشبثوا به سواء كان نوعياً أو جزئيا لم ولن يتحقق.
التغيير الذي وعد قادة العراقية به الناخبين كان يعني ان لا يعود المالكي لرئاسة الوزراء ولا تتكرر تجربته القاسية والدموية في الحكم بعد أن نعتوه بالسلطوي والطائفي والمتورط بالفساد الإداري والمالي واختراق القانون والدستور وحقوق الإنسان والتغاضي عن النفوذ الإيراني في العراق وما ترتب عليه.
والتغيير كان يعني التخلص من المحاصصة الطائفية والإتيان بحكومة كفاءات نزيهة وأمينة ومتخصصة، والتغيير كان يعني انتهاج سياسة الوحدة الوطنية وإزالة شبح التقسيم .
والأهم من كل ذلك هو إخراج المحتل وإشاعة الأمن والأمان وعودة المهجرين وبناء العراق المنكوب.
الذي حدث انه على الرغم من فوز القائمة العراقية بأعلى المقاعد فإن قادتها من خلال سلوكهم وتصريحاتهم وإفرازات ما يضمروه في بواطنهم، كان اختراقهم سهلا والصلابة التي تحدثوا عنها تبين انها هشة .
فكان لهم ناطقون وكانت لهم كيانات وكان لهم مفاوضون ولقاءات وكانت لهم دوافع شخصية ومنافع ذاتية أظهرت حقيقتهم وكشفت إطماعهم.
كان تعبيرهم عن القوة والوحدة ادعاء حاولوا به تغطية تشتت أهدافهم، وكان تهديدهم بالانسحاب بلا انعكاسات على الممارسات اليومية ولغاية ثمانية أشهر من المناورات دليلا على ضعف المواجهة والتضحية.
فكان آخر ما كان من سيناريوهات الإخراج ومشاهد الصراع على المناصب والعناوين وامتيازاتها هو الهم الأكبر، واضحي نداء التغيير الستارة التي من خلالها حصل التجذير.
تنازل العراقية عن استحقاقها مرات عديدة شكل دليلا على هشاشة ثوابتها فتنازلت مرة عن زعيمها أياد علاوي وعدم ضرورة أن يكون مرشحها لرئاسة الحكومة.
ومرة تنازلت عن هذا الاستحقاق لصالح عادل عبد المهدي من داخل التحالف الوطني، ومن ثم بلا خجل للمالكي زعيم دولة القانون الذي جابه الصراع باستقتال، بعد ان وطد موقعه داخل قائمة دولة القانون. ومن ثم نفذ منها الى قائمة الإئتلاف وعرف مع من يكون كريما وضعيفا ومع من يكون متماسكا وصلبا.
وحين ادرك قادة العراقية ضعف موقفهم وتنازلوا عن منصب رئيس الحكومة صرحوا بأن أقل ما يرضيهم هو منصب رئاسة الدولة مما أثار غضب الكرد الذين انحازوا لصالح المالكي للاحتفاظ بمنصب الطالباني، فلم يحظوا بهذا المنصب ووجدوا انفسهم امام التنازل الرابع عن هذا المنصب.
وفي كل المراحل الاخرى بات واضحا ان الثقة بين قادة القائمة فقدت، وبالتالي لم يعد غير المقعد وما يترتب على اشغاله من امتيازات يشكل الهم الأكبر لهم.
وبعد أن فقدت العراقية استحقاقاتها اعلن المالكي بما لا يقبل الشك جهارا وفي جلسة التكليف للبرلمان تملصه عن التعهدات التي سبق وان قطعها على نفسه بوثيقة موقعة واعترض على اعلانها .
والمتمثلة برفع قرار الاجتثاث عن اربعة قياديين في القائمة العراقية، وتشكيل المجلس الوطني للدراسات الاستراتيجية، الذي يفترض ان تكون قراراته تنفيذية وملزمة اذا تم عليها توافق باكثرية الاصوات، في حين يصر المالكي ان يكون الاتفاق إجماعيا مما يقلص صلاحياته.
فيما اقترح آخرون نسب توافق بين 60 بالمئة و80 بالمئة للقرار المتخذ (مزاد) مما ادى الى انسحاب نواب العراقية من الجلسة واطلاق تصريحات نارية بالمقاطعة للعملية السياسية.
لكنهم بعد اقل من 12 ساعة عادوا الى اجتماع الجلسة الثانية للبرلمان وقرروا التنازل عن المقاطعة والبدء بالتفاوض على تشكيل الحكومة، وبهذا الخذلان والهوان السياسي المتكرر تكون العراقية قد فقدت المبدئية ومركزية القرار ودور الزعامة فيها المتمثلة بشخص علاوي.
الذي أظهر بوضوح من تصريحاته حالة اليأس من تحقيق أي أمل بالتغيير وفشل العملية السياسية برمتها وفقدان ثقته بقيادات داخل قائمته، مما انهى دور القائمة ككتلة.
وانتقلت الى دور صراع قيادات مكوناتها في ما بينهم في مرحلة توزيع المقاعد الوزارية وبقية المناصب. ومن المؤكد ان العراقية ستواجه تشظيا وانقساما وستكون اضعف من ان تحقق شيئا مما وعدت به ناخبيها.
السلطة القادمة التي أفرزتها الانتخابات هي ذاتها السلطة التي حكمته ودمرته للسنوات الثماني المنصرمة، وستجذر لركائز الطائفية والعرقية التي لا يمكن ان تبني دولة للأسباب التالية:
1. انها سلطة طائفية وعرقية ودولة محاصصة (شيعة وسنة وكردا) تؤسس بامتياز لمشروع التقسيم.
2. لم تتغير شخوص اطراف العملية السياسية الا لصالح الأكثر تشبثا بها وبامتيازاتها ومن غاب عنها يمثل من هو أقل دراية وخبرة لشراء الذمم والأصوات بالمال العام واستخدام القوة العسكرية والأمنية، ولهذا فانها سلطة ليست نزيهة بامتياز.
3. الأحزاب المتنفذة ستبقى الأحزاب الدينية التي تؤمن بتسييس الدين وتبيح النفوذ الايراني وتشرع له وإن تقاطع مع المصلحة الوطنية طالما ان مثل هذا النفوذ ينصر الطائفة ويحظى بتبني الولي الفقيه ويعجل في ظهور المهدي المنتظر، ولهذا فان السلطة تتلبس في قراراتها وتشريعاتها المشروع الإثني الطائفي بكل مآسيه وسلوكياته.
4. الحكومة التي ستتشكل ستكون بمثابة شركة مساهمة وفق استحقاق مكونات القوائم فمن غير الممكن ان تكون كفوءة او قوية حتى بشخصية المالكي نفسه الذي حصل على المنصب لقاء تنازلات لإطراف ضمن تحالفه.
وبالتالي فانها حكومة لا تؤسس لأمن واستقرار، بل ستثيرالعنف والصراع والتنافس من داخلها بمجرد تشكيلها، وبالتالي فانها لا تبني ولا تعمر بل تقتل وتهجر لأنها حكومة عنف وإرهاب بامتياز.
5. إيران هي الرابح والفائز الأكبر من خلال فرض إرادتها وخيارها في مشروع تشكيل السلطة القادمة، والعراق هو الخاسر الأكبر من حيث رصانة الكيان واستقلالية قرار الدولة.
والإدارة الأمريكية لا زالت متمسكة بسياسة الفوضى الخلاقة في العراق، على أمل تحقيق حالة احباط وقنوط شعبي تكون بعدها مهيأة لتنفيذ مشروعها التشظوي التقسيمي.
6. فشل النظام العربي الحاكم ذو العلاقة المصيرية المباشرة بمستقبل العراق في ان تكون له أي مبادرة فاعلة لتلافي المخاطر والتهديدات التي ستنعكس على أمن الشعوب واستقرار الأنظمة بالسلب والمخاطر، رغم مرور ما يقارب الثماني سنوات على محنة العراق وأزمته.
التي من المؤكد ان تكون سلطته القادمة مصدر خصومة وعداء لجيرانه وهكذا جاءت المبادرة السعودية متأخرة، إضافة الى حالة الرفض التي جابهتها من قبل الأطراف العراقية المتشبثة بالسلطة.
7. ثبت ان برنامح القائمة العراقية وسلوك قادتها لا يمكن أن يؤسس لمشروع وطني يتبنى دولة مدنية عصرية لعراق موحد ومحرر ومستقل.
والعراقية شريكة حكم وسلطة في عملية سياسية تؤسس للتقسيم والطائفية في ظل احتلال امريكي ونفوذ ايراني مهين يشرف ويهمن على مسيرتها، وبدلا من أن تكون كوادرها خارج هذه العملية الخرقاء لتناهضها، فان عملية المشاركة لم ولن تسهم بإحداث تغيير على أدنى تقدير يخفف من وطأة عنفها وشرورها.
بل ان المشاركة فيها شرعنت بقاءها واستمرارها ونتائجها، كما ثبت فشل افتراضية درء المفاسد او جلب المكاسب او فرضية الهدف يبرر الوسيلة في ظل مشروع احتلالي وغزو بربري جاثم.
8. لقد عرف المالكي طبيعة تكوين القائمة العراقية كتجميع من خلفيات متباينة لا يجمعها الا هدف التشبث بالسلطة، وعرف ان قادة مكوناتها يسهل تفتيتهم بإغراءات المقاعد والمناصب.
وقد جس نبضهم واجرى معهم حوارات ولقاءات وتأكد عن قناعة ان منفذ وصوله الى منصب رئاسة الحكومة مضمون من خلال طبيعة ضعف القائمة التي بدأت تتكشف خلال الأشهر الأخيرة حين انطلقت تصريحات متباينة في الموقف لقادة مكونات القائمة وناطقيها تكشف حقيقة نواياهم.
وهم اليوم يتسابقون ويتنافسون على خلفيات الحصول على مقاعد رئاسية ووزارية كل منصب منها بثمن ومواصفات.
وهكذا تمخض المشروع الوطني الذي اجتذب الناخبين على أمل تحقيق التغيير المتمثل بتقليص النفوذ الإيراني وإنهاء الاحتلال وإخراج السجناء وتحقيق الأمن وعودة المهجرين والحفاظ على وحدة العراق من التقسيم وابراز هويته العربية عن مشروع شركة وتقاسم أسهم لها أسعارها في حكومة يرأسها المالكي يكون قادة العراقية فيها أدوات التنفيذ لمخططه وطموحاته.
لقد اصيب ناخبو العراقية بحالة إحباط ويأس مطبق وندم وخيبة أمل كبيرة للسيناريو الواهن الذي انتهجته قياداتها، حيث يدرك الشارع بغض النظر عن طبيعة الشخوص ان حالة من التحجيم والتآمر لزعامة علاوي الذي تمسك بمشروعية الاستحقاق الانتخابي قد دبرت لإقصائه من داخل قائمته.
فيما يغلي غضب الناخبين على قرار قادة مكونات في العراقية يتسابقون وبإصرار على المشاركة بالسلطة القادمة من دون ان يبدو بالأفق اي مؤشر لحصول اي تغيير لصالح تحسن الوضع العراقي وانتشاله من مثالب الطائفية والتقسيم والعنف والدمار.
حالة الإحباط لدى الشارع حالة وقتية ستسهم بانتعاش حالة المناهضة والمقاومة والرفض لسلوكيات ومسيرة عرابي العملية السياسية وصنائع الاحتلال مهما غنموا من مواقع وامتيازات قد تغني وقد تسمن الى حين.
لكنهم بالنهاية سيفقدون القواعد والشارع وسيقذف بهم كما سبق وان قذف بساسة قبلهم كان لهم شأن كبير في السلطة ذهبت تشبثاتهم وامتيازاتهم في مهب الريح، ليصبحوا مضرب الأمثال على مر الدهور والأجيال، حال قادة العراقية ان هم شاركوا بمسيرة المالكي ونهجه وحكومته لن تكون احسن من نهاية سابقيهم في كل الأحوال.
9. سيبقى المشروع الوطني المناهض والمقاوم للاحتلال هو الأمل الوحيد للشعب العراقي للخلاص من ويلات الاحتلال ونتائجه.
ولعل ما وصلت اليه عمليته السياسية الخرقاء من نتائج ستكثف من ضرورة انطلاق هذا المشروع بإطار جبهوي واسع وشامل يوحد المناهضين والمقاومين ويختزل الزمن لتحقيق التحرير الكامل.