نبيل زكي قبل أن نتطرق إلي بعض التفاصيل التي تدور حول نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي..
فإن علي الحكام العرب ان يصرفوا النظر نهائياً عن ما تبقي من أوهام لديهم حول "الوسيط الأمريكي النزيه" .
في ما يسمي بعملية السلام في الشرق الأوسط أو حول أي دور يمكن أن تلعبه الولاياتالمتحدة لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي أو تنفيذ ما سمي أيضاً كذباً وخداعاً "حل الدولتين".
بل إن بعض المحللين الأمريكيين يعتبرون نتائج هذه الانتخابات بمثابة »كارثة« علي السلام العالمي. والقراءة السريعة لهذه النتائج تؤكد بوضوح أن هؤلاء الذين فازوا بمقاعد سواء في مجلس النواب أو الشيوخ يطالبون برفض اعتماد الميزانية.. إلا فيما يخص المعونة الأمريكية لإسرائيل.
كما يعترض آخرون علي مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة، ويصرون علي وقف أي مفاوضات مع إيران وعلي ضرورة شن الحرب ضدها وهو ما تطالب به إسرائيل واللوبي الصهيوبي هناك بعد فرض عقوبات تعجيزية من طرف واحد " هو الطرف الأمريكي".
ومن الفائزين في الانتخابات.. من يرفضون انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ويطالبون بوجود عسكري دائم في العراق وبشن حرب في اليمن، وتوسيع الحرب في باكستان، وتطوير وتحديث الأسلحة النووية الأمريكية، ويتخذون موقفاً مناهضاً لتوقيع أية اتفاقيات مع روسيا للحد من الأسلحة، ويحثون علي انتهاج سياسة متشددة في مواجهة الصين...
* * * السباق في الانتخابات الأمريكية يدور بين المرشحين المؤيدين للحروب الأمريكية في كل مكان.. وبين المرشحين الأكثر حماساً والأشد تطرفاً في المطالبة بالمزيد من الحروب!!
ومما يلفت النظر ان الصقور من الجمهوريين يحاولون الآن اقتناص أكبر عدد ممكن من المواقع الرئيسية في مجلسي الكونجرس التي تختص بالسياسة الخارجية، مثل لجنة القوات المسلحة.
وجرت العادة في الغالب، ان تكون انتخابات التجديد النصفي " وتسمي النصفي لأنها تقع في منتصف ولاية الرئيس الأمريكي" لمصلحة الحزب الذي لا يشغل البيت الأبيض.
غير أن الأجواء التي أحاطت بهذه الانتخابات في هذه المرة توحي بما هو أبعد من ذلك، فقد اتخذ الجمهوريون وأنصارهم الأكثر تطرفاً في "حزب الشاي" قراراً سياسياً بالاعتراض علي الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونصرة الدعوات المتطرفة في التيار المحافظ.
ومن هنا، كان من الضروري شراء الطريق إلي السلطة عبر طوفان من الإنفاق الانتخابي غير المسبوق في كل تاريخ الولاياتالمتحدة.. حتي قيل انها أكثر الانتخابات تكلفة منذ عرف الأمريكيون الانتخابات، فقد بلغ هذا الانفاق أكثر من 3.5 مليار دولار!!
* * * رغم أن الرئيس أوباما يري أن الحملات التي يتعرض لها ترجع الي رفضه مطالب أصحاب النفوذ الذين سيطروا علي البيت الأبيض لسنوات.. ورغم أن أوباما يعتقد أن هناك "قوي صاحبة مصالح كبري سيطرت علي برامج عمل واشنطن لوقت طويل، وهي لا تشعر بالرضا تجاه سياستي علي الدوام.. ويتحدثون عني مثل... كلب"! ...
إلا أن أوباما ارتكب أخطاء سياسية كلفته الكثير علي صعيد شعبيته.. فهو لم يوضح، بطريقة مباشرة، ما الذي سيفعله الديمقراطيون في العامين القادمين.
وهجره ذلك العدد الهائل من الشبان الذين ساندوه في انتخابات الرئاسة عام 2008 بعد أن أصيبوا بخيبة الأمل من سياساته، بل ان عدداً من أعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي أحبطهم عجز إدارة أوباما عن التجاوب مع تطلعاتهم وأمانيهم الكبيرة التي كانوا يعلقونها علي انتخاب الرجل.. ولم يتحقق التغيير الذي وعد به، بل تفاقمت المشاكل.
وركب الجمهوريون موجة السخط علي الأوضاع الاقتصادية في البلاد. ورغم أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن هو الذي أرهق الميزانية وترك وراءه عجزاً مالياً خرافياً، كما أغرق البلاد في أتون حربين واسعتين دون تقديرات مسبقة للخسائر المالية..
ورغم أن بوش هو الذي أنقذ بنوك "وول ستريت" حي المال والأعمال في نيويورك بمبلغ 700 مليار دولار من الأموال الفيدرالية.. إلا أن الأوضاع الاقتصادية لم تتحسن في عهد أوباما..
فقد عاد القلق لكي يسيطر علي الأمريكيين بسبب استمرار الركود الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة، التي اقتربت من عشرة في المائة "حوالي 15 مليون أمريكي عاطل عن العمل".
صحيح أن الأوضاع المتردية في الولاياتالمتحدة هي نتاج سياسات الإدارة السابقة وورثتها حكومة أوباما.. وصحيح أيضاً أن إنهاء الإعفاءات الضريبية في "وول ستريت" أثار الضيق لدي رجال المال والأعمال وزاد غضبهم من سياسة أوباما.. ومن قوانين الإصلاح المالي التي توفر أساليب رقابية ومحاسبية فعالة..
ولكن 66? من الأمريكيين يرون أن "خطة الانقاذ التي طرحها أوباما.. لا تؤتي ثمارها، وأن فاتورة "الحوافز الاقتصادية" التي قدمها للشركات والبنوك وحماية صناعة السيارات.. لم تفلح في تجاوز الأزمة.. فالنمو الاقتصادي لايزال بطيئاً.
وكشف استطلاع للرأي أن نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن الأوضاع في البلاد متردية بلغت "75" في المائة، وهي أعلي نسبة عشية أي انتخابات للتجديد النصفي منذ السبعينيات.
* * * وقد نجح اليمين المتطرف والمحافظ في الولاياتالمتحدة في إقناع قطاع كبير من الناخبين بأن سوء إدارة حكومة أوباما لموارد البلاد وتدخلها في شئون الناس وسياستها في الانفاق .
واستمرار الركود في نشاط المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والخوف من احتمال أن تفرض الحكومة ضرائب جديدة لتمويل القوانين العديدة التي تصدرها بشأن الرعاية الصحية وما يسمي الإصلاح المالي.. كل ذلك يستدعي إسقاط أكبر عدد ممكن من مرشحي الحزب الديمقراطي.
هل هناك أسباب أخري؟
نعم. يقول الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إن هناك نزعة متأصلة في نفوس الكثيرين في الولاياتالمتحدة بأن أمريكياً من أصل أفريقي يجب ألا يكون رئيساً!
ويضيف كارتر قائلاً: "إنني أعتقد أن جزءاً كبيراً من الكراهية التي ظهرت بشكل واضح تجاه أباما ترجع الي كونه رجلاً أسود. وهذه النزعة العنصرية مازالت قائمة، واعتقد انها طفت علي السطح مجدداً.. بسبب اعتقاد العديد من البيض وليس في الجنوب فقط بأن أمريكياً من أصل أفريقي ليس مؤهلاً لقيادة دولة عظمي.."!!
ومشكلة أوباما أن سياسته التي اعتبرها الكثيرون امتداداً لسياسة بوش أدت الي خسارته لليسار في أمريكا.. ولكنه لم يكسب اليمين المتشدد.
وإذا كان أوباما نفسه قد أقر بأن جزءاً من المعارضة التي يواجهها ناجمة عن العنصرية لانتمائه العرقي، فإنه لم ينتهج سياسة تعزل دعاة هذه العنصرية بكسب فئات أوسع من الشعب الأمريكي.
فقد استمر الوجود العسكري الأمريكي في العراق واستمرت الحرب في أفغانستان واتسعت لتشمل باكستان، ووقف الي جانب رجال المال والأعمال بوجه عام. وبعد ذلك كله اتهموه بأنه.. رئيس اشتراكي!! والطريف أن أوباما نفسه أصبح متهماً أيضاً بالعنصرية ضد البيض!!
وأصبح في نظر السناتور الجمهوري "ترينت فرانكس" عدواً للبشرية"ورئيساً ضل طريقه بشدة.. وفقد القدرة علي رؤية صورة الله في هذا المخلوق البشري الضئيل. »يقصد موقف أوباما من الإجهاض"!.
وهكذا دعا السناتور فرانكس.. الرئيس أوباما إلي نشر وإعلان شهادة ميلاده لإنهاء التساؤلات الدائرة في هذا الشأن والشكوك المحيطة بمكان ميلاده والدين الذي يعتنقه »!!« وجنسيته »!!.
وبالنسبة للعرب.. فإن عامين من رئاسة أوباما لم يشهدا سوي تراجعه المستمر أمام أعتي حكومة يمينية عنصرية إسرائيلية متطرفة برئاسة نتنياهو وانحيازه الكامل لإسرائيل..
مما أدي الي المزيد من التدهور في المنطقة.. وإلي شعور جماعي بخيبة الأمل من سياسته، ولابد أن يتوقع العرب في العامين القادمين ان الطريق مسدود تماماً أمام أي تسوية لقضايا المنطقة والمزيد من الانحياز الأمريكي لإسرائيل.