من المؤكد أن العالم يشعر بقدر كبير من خيبة الأمل من الرئيس الأمريكي باراك اوباما, لأن ماحققه من انجازات علي المستويين المحلي والدولي لايرقي إلي الطموحات التي بناها الجميع عندما رأوا الرجل ذا البشرة السمراء. وهو يخطو بثبات إلي داخل البيت الأبيض حاملا معه شعار التغيير ذلك الشعار الذي أثار خيالات الناس علي كوكب الأرض, إلا أن ذلك لايعني ان الأمل قد أنقطع في الرئيس الديمقراطي الأمريكي وبات تغييره مطلوبا وأن الخطوة الأولي يجب أن تتمثل في الأطاحة بالحزب الديمقراطي الذي يتزعمه من الكونجرس بمجلسيه في انتخابات التجديد النصفي التي ستجري الأسبوع القادم. والواقع أن اوباما ورغم انه لم يحقق ماينتظره الجميع منه, الا أنه جعل كوكب الأرض أكثر هدوءا, فقد أوقف الحرب غير المعلنة بين الاسلام والمسيحية والتي قادها سلفه جورج بوش الابن تحت شعار الحرب ضد الارهاب وعلي العكس من ذلك فقد أبدي احتراما للاسلام والمسلمين لدرجة جعلت البعض يشكك في انه مسلم ويحاول احياء عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين وأن كان ذلك بوتيرة ضعيفة ربما بسبب انشغاله بقضايا الأقتصاد والحرب في افغانستان أما بالنسبة للعراق فأنه يتحرك للخروج أو قل للهروب من هذا المستنقع الذي اغرق بوش العالم فيه ثم غرق هو شخصيا فيه وفيما يتعلق بالمواجهة مع الصين فقد هدأت كثيرا منذ دخل اوباما البيت الأبيض كما أنه تخلي بصورة عملية عن مشروع الدرع الصاروخية والذي كان من شأنه اشعال سباق تسلح عالمي جديد سواء مع روسيا أو الصين. ولو حدث وخسر الديمقراطيون السيطرة علي الكونجرس, فمن المؤكد أن الجمهوريين سيحاولون تعطيل مسيرة أوباما حول تهدئة سطح الكرة الأرضية, لأن المحافظين الجدد سيعودون للهيمنة علي صنع القرار وبالتالي سنسمع مرة اخري عبارات مثل الحرب ضد الأرهاب ونري تسخينا للساحة العالمية من أجل التحرك عسكريا ضد ايران وتراجعا عن محاولات الحوار مع حركة طالبان بافغانستان واخيرا اعترافا صريحا وواضحا بيهودية اسرائيل وليذهب مشروع اقامة دولة فلسطينية للجحيم. ورغم أن رموز المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة مثل نائب الرئيس السابق ديك تشيني ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد ورئيس الأركان السابق المعروف بأسم أمير الظلام ريتشارد بيرل و الرئيس السابق جورج بوش قد اختفوا جميعا من المسرح السياسي, إلا أن هذا لايعني نهاية هذا التيار بل أن نتائج استطلاعات الرأي العام الأمريكي تؤكد أنه عائد تحت مسمي جديد وهو تيار حفلة الشاي حيث أن هذا التيار شديد المحافظة ينتظر أي اخفاق للديمقراطيين لخنق اوباما والاطاحة بسياساته قبل أن يتمكن من تنفيذها خاصة فيما يتعلق باسرائيل والاسلام وايران والصين. والمستهدف من هذا التيار ليس أوباما وإدارته فحسب بل كل المؤسسات التي لا تدعم إسرائيل بشكل قوي, إضافة إلي توجيه السياسة الأمريكية لمواجهة المخاطر التي تهدد إسرائيل مثل إيران وحزب الله وحماس وسوريا ودعم المرشحين الذين يسعون للحفاظ علي العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية قوية وذلك في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. ولكن أخطر مافي الأمر هو أن هزيمة الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس قد تدفع بهم إلي تبني الأفكار اليمينية المتشددة لضمان البقاء خاصة مع وجود قناعة لدي الكثيرين منهم بأن الناخب الأمريكي ميال بطبعه إلي الأقوياء ومؤيدي الهيمنة علي العالم في هذا الأطار فأن الكاتب الأمريكي رون جاكوبس, مؤلف كتاب الطريقة التي تهب بها الرياح قال عقب فوز اوباما بالرئاسة في نهاية عام2008 أن المحافظين الجدد لن يتوقفوا عن التأثير في توجهات السياسة الأمريكية مشيرا إلي: إن النخبة السياسية الأمريكية داخل الحزب الديمقراطي, وإن كانت تعارض أساليب وطرق المحافظين الجدد, فإنها تشاركهم أهداف الهيمنة التي وضعوها في مشروع القرن الأمريكي الجديد. و يري جاكوبس أن جيلا جديدا من الديمقراطيين من المحللين السياسيين وخبراء الأمن القومي الأمريكي, يشكل المحافظين الجدد, القادمين من اليسار أو الليبراليين الجدد, يحاولون من خلال معهد السياسة التقدمية إحياء أفكار الرئيس الأمريكي الراحل هاري ترومان, فيما يتعلق بسياسة أمريكا إزاء الحرب الباردة من أجل تطبيقها علي الحرب الأمريكية علي الإرهاب, ويقود هذا الاتجاه السناتور جوزيف ليبرمان, وحاكم ولاية أيووا توم فيلساك, الذي يرأس حاليا المجلس القيادي للحزب الديمقراطي, وسيتم الترويج لأفكارهم في وسائل الإعلام الأمريكية, التي سرعان ما ستصور آراءهم, علي أنها حقائق. ومعني ماسبق هو ان هزيمة الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس قد تعني ببساطة عودة المحافظين الجدد حتي ولو كانوا من بين أعضاء الحزب الديمقراطي حيث سيعملون علي الأقل علي تعطيل سياسات الرئيس باراك اوباما فيما يتعلق بضرورة البحث عن حل سلمي للصراع في الشرق الأوسط وتحسين العلاقة مع الاسلام وتفادي الصدام المسلح سواء مع ايران او كوريا الشمالية وعدم الانجرار لحرب تجارية مميتة مع الصين, فالمحافظون الجدد أيا كان موقعهم يرون ان سياسات أوباما من شأنها اضعاف اسرائيل وتعزيز مكانة الصين وتشجيعها علي محاولة القفز علي موقع الولاياتالمتحدة كأكبر قوة أقتصادية في العالم, كما أنهم يعارضون الانسحاب الكامل من العراق بما يمتلكه من ثروة بترولية هائلية خاصة وأنهم يعتبرون ان الامريكيين دفعوا بالفعل ثمن وجودهم بالعراق. والمحصلة هي أن هزيمة الديمقراطيين ستعد هزيمة لشعار التغيير الذي رفعه اوباما في حملته لانتزاع المحافظين من البيت الأبيض وبالتالي ستمهد لعودة هؤلاء المحافظين لنشر الخوف في العالم ورفع درجة حرارة الكرة الأرضية مرة اخري.