التعليم العالي تعلن مواعيد وأماكن اختبارات القدرات لطلاب الشهادات المعادلة    تراجع شبه جماعي للبورصات الخليجية بعد نتائج أرباح أضعف من التوقعات    مسئولون أمريكيون: ترامب متحمس للقاء بوتين وجهًا لوجه    بعد تغريدة محمد صلاح عن وفاة سليمان العبيد، تحرك جديد من "يويفا" تجاه أطفال غزة    صافرة مصرية تدير مباراة أنجولا والكونغو في أمم إفريقيا للمحليين    أفقدها عذريتها، إحالة ميكانيكي للمحاكمة بتهمة الاعتداء جنسيا على ابنة خاله بالحوامدية    ضبط المتهم بحرق محل زوجة والده فى الطالبية    وفاء عامر: أشجع على الطلاق وإنهاء الحياة الزوجية في هذه الحالة    مساعد وزير الصحة ومحافظ الأقصر يتابعان معدلات الإنجاز وتطوير المشروعات الصحية بالمحافظة    «يصلهم الفُتات».. إسرائيل تبني مجاعة غزة على أوجاع البطون الخاوية    انتشار حرائق الغابات بجنوب أوروبا.. وفاة رجل إطفاء وتضرر منازل ومصانع    الصحة تستكمل المرحلة الرابعة من تدريب العاملين بمطار القاهرة على أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    باستثمارات 100 مليون.. محافظ المنوفية يفتتح مدرسة الروضة الخاصة بكفر الخضرة    رئيس الوزراء يؤدي صلاة الجنازة على الدكتور علي المصيلحي بمسجد الشرطة    روبيو: لا أفق للسلام في غزة مع بقاء حماس في السلطة    بريطانيا وفرنسا وألمانيا يهددون بإعادة فرض عقوبات على إيران    إلغاء جلسة لجنة الخارجية والأمن بالكنيست لعدم توفر أغلبية للمصادقة على تمديد أوامر استدعاء الاحتياط    التنمية المحلية: مسار العائلة المقدسة من أهم المشروعات التراثية والدينية    الداخلية الكويتية: جميع جنسيات العالم مرحب بها في البلاد باستثناء «جنسية الاحتلال»    أتالانتا يقدم عرضًا ب40 مليون يورو لضم رودريجو مونيز من فولهام    موراتا: متحمس لبدء مشواري مع كومو    مصر تحرز ذهبية تتابع السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    بالمواعيد.. تعرف على مباريات ربع نهائي بطولة العالم لليد تحت 19 عامًا    وزير الرياضة يهنئ منتخب السلة بالفوز على مالي في افتتاحية بطولة الأفروباسكت    تفاصيل توقيع بنك القاهرة وجهاز تنمية المشروعات عقدين ب 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر.. صور    الغرف التجارية: تخفيضات الأوكازيون الصيفي تصل إلى 50%    حبس البلوجر «البرنسيسة نوجا» بعد قرار الإفراج عنها لعدم قدرتها على دفع الكفالة (تفاصيل)    محافظ الفيوم يبحث تطوير منظومة المتابعة والتقييم للمشروعات بالتعاون مع التنمية المحلية    «شرم الشيخ للمسرح» يعلن تفاصيل مسابقة عصام السيد في دورته العاشرة    ثنائي العود يحيي أمسية في حب فيروز وزياد الرحباني بقصر الأمير طاز    عمرو يوسف يوضح حقيقة تشابه فيلم «درويش» مع مسلسل «جراند أوتيل» |فيديو    تفاصيل أول مشروع ل راغب علامة بعد حل أزمته مع نقابة الموسيقيين    هذه الأبراج دائما مشغولة ولا تنجز شيئا ..هل أنت واحد منهم؟    المخططات الإسرائيلية للهجوم على غزة بين الموافقة والتمدد    محافظ شمال سيناء يبحث استدامة خدمات مياه الشرب بالمدن والقرى    رئيس الوزراء: "مصر لن تغفل حقها في مياه نهر النيل فهي مسألة حياة للمصريين"    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور للتأكد من انتظام سير العمل    افتتاح وحدة العلاج الإشعاعي بمستشفى الأورام الجامعي في المنيا    "تراجع المستعمل لا يتوقف".. بيجو 301 موديل 2020 ب570 ألف جنيه    مفتي القدس: مصر تسعى جاهدة لتوحيد الصفوف وخدمة القضية الفلسطينية والوصول بها إلى برِّ الأمان    3 أيام من البحث.. انتشال جثة مندوب أدوية غرق بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    في أقل من 24 ساعة.. الأمن يضبط 3 متهمين بسرقة هاتف طالب بالإكراه في الجيزة    مجلس الوزراء يوافق على إعفاء سيارات ذوى الإعاقة من الضريبة الجمركية    "خايف عليك من جهنم".. مسن يوجه رسالة مؤثرة لشقيقه من أمام الكعبة (فيديو)    كيف نخرج الدنيا من قلوبنا؟.. علي جمعة يضع روشتة ربانية للنجاة والثبات على الحق    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    أوقاف سوهاج تختتم فعاليات الأسبوع الثقافى بمسجد الحق    «أتعرض لحملة تشويه».. الشناوي يوجه رسالة حادة ل مسؤول الأهلي (إعلامي يكشف)    رئيس الوزراء يوجه الوزراء المعنيين بتكثيف الجهود لتنفيذ الوثائق التي تم توقيعها بين مصر والأردن وترجمتها إلى خطط وبرامج على الأرض سعياً لتوطيد أطر التعاون بين البلدين    رغم انخفاض الأمطار وسد النهضة.. خبير يزف بشرى بأن مياه السد العالي    شروط تقليل الاغتراب لأبناء مطروح الناجحين فى الثانوية العامة    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    غدًا آخر فرصة لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 ضمن الطرح الثاني ل«سكن لكل المصريين 7» (تفاصيل)    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاد لاعب الكرة أن يكون رسولاً / عبدالعزيز خليل المطوع
نشر في محيط يوم 10 - 08 - 2008


كاد لاعب الكرة أن يكون رسولاً
عبدالعزيز خليل المطوع
لو أن أمير الشعراء أحمد شوقي طال به الأجل إلى يومنا هذا، فإني أكاد أجزم بأن هذا الشاعر العملاق كان سيتردد ألف مرة قبل أن ينزلق إلى تشويه مكانته الأدبية، بإنشاء قصيدة في مديح شخصية لا يكاد المجتمع العربي يلقي لها بالاً، ناهيك عن أن يصل به الأمر إلى اختلاط الأمور عليه برفع مقام هذا الشخص إلى درجة «أن يكون رسولاً»؛ لما كان سيرى من الحال الذي آل إليه صاحب أسمى رسالة في الحياة بعد النبوة.

فإذا بصروف الزمان العربي تصل به لأن يكون شخصية هامشية ونسخة مختزلة ومحزنة من حال أمته التي تعاني من كل الأسقام المزمنة، بدءا بمستوى المعيشة الذي يعتمد على أجر شهري لا يوازي عشر معشار ما تتقاضاه سكرتيرة تنفيذية أو مذيعة في محطة للتلفزة، وانتهاء بالمكانة الاجتماعية التي يفضله فيها لاعب كرة قدم بأحد فرق الدرجة الثانية.

بلغ الحال بمهنة المعلم ان يهجرها أهلها وخاصّتها، إما هجرة بلا عودة إلى أي حرفة تحفظ ماء الوجه، وإما موتا بطيئا على طريقة الأفيال في مقبرة المعاش التقاعدي؛ ثم لا يبقى من يمتهن التعليم من بعدهم إلا من لا مهنة له، ومن يرتزق من أجرها ومن مكانتها الاجتماعية المزهود فيهما كليهما، وهؤلاء هم من يقودون اليوم قاطرة المعرفة والتربية والأخلاق بنجاح منقطع النظير.

ومعهم كل الأجيال القادمة لهذه الأمة إلى هاوية لا قاع لها؛ ومن ورائهم يأتي من يحتكرون الاستثمار التربوي في منافسة شرسة مع الأجهزة الحكومية المترنحة، ليحيلوا التعليم من رسالة نبيلة إلى مزاد للجشع والمكاسب السريعة، لا همّ لهم إلا زيادة الإيرادات والأرباح إلى أعلى المستويات الممكنة، على حساب تقليص جودة الخدمة ويقظة الضمير ومصالح المجتمع ومصير الأمة.

إنه في الوقت الذي تعيش فيه قطاعات عصرها الذهبي، كالعقارات والسياحة والرياضة والفن «الهابط»، فإن التعليم العربي يعيش عصره الفحمي، ويأتي على رأس أسوأ ما في منظومة التعليم بكاملها، ذلك «الرسول» الذي نصحنا أحمد شوقي بالوقوف له تبجيلا، والذي ما كان ليفعل لو أنه رأى كيف أن طلبة هذا المعلم وأولياء أمورهم هم آخر من يبجله ويوفيه قدره، ولما كان سيلمس من التعشيش العنكبوتي الذي تلقاه قضية هذا الإنسان وهو يصطلي بنارين، الأولى: إهمال المجتمع وأجهزته لدرجة الانتقاص؛ والثانية

: الاضطرار للعمل في بيئة يشاركه فيها أدعياء ومنتحلون لمهنته الشريفة، وينافسونه فيها منافسة غير شريفة لجني الأموال بالممارسات اللا أخلاقية واللا مهنية، كتقديم الدروس الخصوصية وتحويل المعرفة إلى مختصرات وملخصات، وتسريب أسئلة الامتحانات ثم تغشيش الطلبة الإجابة في قاعة الامتحان والتلاعب مع ذلك بالدرجات.

إن الاهتمام بالمعلم اهتماما فوق المعتاد مسألة لا نقاش فيها، وهو يفوق درجة الاهتمام بالسياسيين أو العسكريين في أي مجتمع، بل يفوق الاهتمام بشبكات الطرق والمياه والطاقة، ليس امتيازا شخصيا للمعلم، بل هو في الحقيقة جزء من حقوق الجيل الناشئ في أي مجتمع ومتطلبات بنائه.

وأيضا هو جزء من حقوق قطاعات المجتمع بعضها على بعض وهي تتلهف لاستقطاب الكفاءات من المخرجات التي تنتجها المنظومة التعليمية. ومن هنا تصبح الاهتمامات بالمعلم متعددة، ولا تقتصر على الجانب المادي أو الاقتصادي للمعلم ممثلا في أجره الشهري، وإن كان هذا الجانب هو أحد أهم تلك الاهتمامات الحيوية، بحيث لا يمكن للتعليم أن يتطور إلا بتوفير الحياة الكريمة واللائقة بالمعلم.

هذا الاهتمام يتلازم معه اهتمام آخر، يتمثل في الاهتمام المهني والفني، فالتعليم مهنة لا يجب أن يتجرأ من الاقتراب من حرمها المقدس إلا المؤهلون تأهيلا أكاديميا ومهنيا وأخلاقيا ونفسيا، وهذا يقتضي تطوير مهنة التعليم باستحداث نظام للترخيص المهني، لا يمنح إلا لمن يجتاز الشروط المطلوبة في أعلى مستوياتها.

ولمن يحسن استخدام الوسائل التعليمية المتطورة، ولمن يطلع على أحدث المستجدات التربوية والمعلوماتية؛ وهذا الترخيص يجب أن يجدد من فترة لأخرى لكي يبقى المعلم مواكبا لعصره، ولكي تكون المخرجات التي يعمل على تطويرها مواكبة لمستجدات عصرها.

إن المجهودات الفردية القائمة على المبادرة الذاتية والوازع الأخلاقي والتطوعي، تبقى دائما ضعيفة وقد تتبخر مع خفوت جذوة الحماس أو الدافع عند صاحبها، وهذا لا يتناسب مع مسؤولية التعليم التي هي بطبيعتها حاجة اجتماعية مستمرة بلا نهاية ومتزايدة مع مرور الزمن، وإذا لم يحتوها إطار مؤسساتي منظم فلن يستفيد المجتمع منها بالقدر اللازم.

كما أن الأجهزة التعليمية داخل المنظومة التعليمية ليس من واجبها رعاية المعلم كمهني، فهذا لا يتأتى إلا من خلال اتحاد أو نقابة للمعلمين ترعى شؤون المعلم وتتابع اهتماماته، وتربطه بأجزاء المجتمع الإعلامية والاجتماعية وتدافع عن مصالحه أمام كل الجهات.

وتساهم في تطوير مهنة التعليم بجميع مستوياتها الأكاديمية لتصل بها إلى أن تصبح محور اهتمام المجتمع ورأس أولوياته؛ وهذه النقابة يجب أن تحظى برعاية جميع قطاعات المجتمع رعاية مالية ومعنوية، لا أن تقتصر على دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع.

ولأن المعلم يحتل مكانة الضمير في المجتمع، فهذا يتطلب أن يحظى بالمكانة التي يجب أن يحاط بها ذلك الضمير لكي يبقى نابضا ومتيقظا ومرآة صادقة، فإنه يجب أن يبقى في بؤرة الاهتمام من خلال تخصيص مساحة مناسبة له في الوسائل والأجهزة الإعلامية (وليس صفحة أسبوعية متواضعة كصنيع بعض الصحف، في الوقت الذي لا تمل فيه كل الوسائل الإعلامية من تلميع صور الفنانين المتسخة ليل نهار).

وأن تفتح أمام المعلم قنوات وبرامج إبداعية أوسع لتواصله مع المجتمع، وإعطائه أفضلية في جوانب حياتية عديدة (كتلك التي يحصل عليها الدبلوماسيون وغيرهم من المميزات المالية والاجتماعية)، باعتبار ذلك اعترافا متواضعا بالجميل يرده المجتمع إلى المعلم، لا باعتباره حوافز لاجتذاب الكفاءات إلى حقل التعليم فقط.

لو استطاع المجتمع العربي أن يكرس جهوده من أجل بث الروح في هذه الاهتمامات، فلربما أمكن لأمير الشعراء، بعد عقد أو عقدين من الزمن إذا ما أتاحت له المشيئة الإلهية، أن يفيق من غفوة الموت لوهلة حتى يكتحل ناظره بما يسره من حال المعلم، وحتى يرسل من عوالم الغيب قصيدة تعيد للمعلم البريق الذي اختطفه منه الفنانون ولاعبو الكرة.
عن صحيفة البيان الاماراتية
10/8/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.