يستمر الاستعمار الأمريكي باصرار محموم في تنفيذ مخططه الاستعماري لاحكام السيطرة علي العالم العربي عن طريق تفتيت دوله الي دويلات علي أساس عرقي او ديني تسهل السيطرة عليها بمساعدة كلاب حراسة في قاعدته العسكرية الكبري في المنطقة: اسرائيل.
ونتناول هنا ما فعله ويفعله الاستعمار الأمريكي بدولتين في المنطقة تسيطران علي المدخل الحيوي للبحر الأحمر، وهو مضيق باب المندب الذي يتحكم في طريق الملاحة لميناء إيلات الاسرائيلي والذي يمر منه جزء كبير من بترول الخليج عن طريق قناة السويس في طريقه لأوروبا، ونعني بالدولتين الصومال واليمن.
ونذكر في هذه المناسبة ما قاله الرئيس الراحل السادات خلال حرب أكتوبر من أنه اذا كانت اسرائيل تظن أنها تضمن الملاحة لميناء ايلات باحتلالها شرم الشيخ فعليها أن تذكر ان مدخل البحر الأحمر كله عند باب المندب في أيد عربية علي الجانبين، ولذلك كان تخطيط الاستعمار الامريكي للسيطرة الكاملة علي باب المندب محموما.
وغني عن البيان أن أمريكا ما كان يمكنها فرض هذه السيطرة سوي عن طريق حكومات من العملاء او حروب بالوكالة عن طريق عملاء محليين.
ونبدأ بالصومال فنقول: انه في سنة 1991 انهارت الدولة في الصومال بموت الدكتاتور العسكري الحاكم، وقامت الحرب الأهلية بين مختلف القبائل تغذيها أموال تجار السلاح الغربيين وأصابع الموساد وغيرها من المخابرات الغربية، وبعد دماء هائلة اريقت علي أرض الصومال قامت حكومة دينية محافظة عرفت باسم اتحاد المحاكم الاسلامية سيطرت علي الحكم وتمكنت من فرض النظام وايقاف تجارة السلاح لدرجة أن سعر مدفع الكلاشينكوف الشهير انهار الي 15 دولاراً لعدم وجود مشترين ومجالات لاستعماله.
وطبعاً لم تقبل امريكا هذا الوضع لأن حكومة المحاكم الاسلامية لم تكن خاضعة لها وكانت تتخذ سياسة لا تخدم مصالح الاستعمار الامريكي، فدفعت امريكا عملاءها في اثيوبيا الي غزو الصومال واسقاط حكومة المحاكم الاسلامية واقامة حكومة عميلة لم تستطع الصمود طويلاً في وجه اشتعال المقاومة الوطنية، واضطرت القوات الاثيوبية الغازية في النهاية الي الانسحاب من الصومال بعد ان تكبدت خسائر فادحة.
ولكن بعد أن تمزقت الصومال، واصبحت السلطة موزعة بين حكومة عميلة اقامتها امريكا وبين حركة الشباب الدينية التي حلت محل حكومة المحاكم الاسلامية وازدادت تطرفا في عدائها لأمريكا وارتباطها بكافة التنظيمات التي تسميها امريكا ارهابية، وتسيطر حركة الشباب حالياً علي مساحة ضخمة من الصومال وتدور الحرب الأهلية بينها وبين الحكومة الموالية لأمريكا سجالا.
وفي نفس الوقت ونظرا لغياب الدولة استباح شياطين الغرب سواحل الصومال ومياهها الاقليمية فراحوا ينهبون ثرواتها السمكية ويلقون ببراميل نفاياتهم النووية علي سواحل الصومال وكانت النتيجة ازدياد المجاعة بسبب نهب الثروة السمكية وازدياد الامراض الناجمة عن النفايات النووية.
وكان رد فعل المجموعات الشعبية والمقاومة في الصومال هو الاستيلاء علي ما يستطيعون من السفن الغربية وطلب الفدية عنها، وراح قراصنة الغرب يشنون حملة مسعورة علي الشعب الصومالي المنهوب متهمين اياه بالقرصنة.ولكن الكثير من الاقلام الغربية الشريفة اوضحت حقيقة ما يجري لمواطنيها.
اما اليمن فلم يحتاج الاستعمار الامريكي لاقامة حكومة عميلة بها لخدمة مصالحه، فالدكتاتورية الحاكمة التي يجلس علي قمتها علي عبدالله صالح والتمزق الداخلي باليمن الذي يسببه حكمه الدكتاتوري كفيلان بتحقيق كل مطالب الاستعمار الأمريكي من تمزيق اليمن والسيطرة عليه وعلي مضيق باب المندب الحيوي.
ولكن لسوء حظ الاستعمار الامريكي فالأوضاع في هذه المنطقة متشابكة جداً والمصالح متعارضة جدا والصراع بين الطغاة المحليين وعجز امريكا عن فتح جبهة جديدة في اليمن بجنودها بعد الخيبة الشديدة التي تواجهها في كل من العراق وأفغانستان وباكستان، كل ذلك يجعل الصورة قاتمة وشديدة التعقيد وتنذر بأن السحر قد ينقلب علي الساحر.
نبدأ بشرح أوضاع اليمن وحكومته الدكتاتورية، قفز علي عبدالله صالح علي السلطة في اليمن الشمالي سنة 1977، وكان اليمن الجنوبي عندئذ دولة مستقلة عاصمتها عدن، ومن عاصمته الشمالية في صنعاء بدأ علي عبدالله صالح توطيد سلطته المطلقة عن طريق تمهيد الطريق لتوريث الحكم من بعده لابنه احمد اسوة بما يفعله زملاؤه من الطغاة في طول العالم العربي وعرضه.
ويشغل ابنه احمد حالياً وظيفة قائد الحرس الجمهوري وقائد القوات الخاصة، اما ابناء اخيه فهم علي التوالي عمار نائب رئيس الامن القومي ويحيي قائد قوات الأمن المركزي ووحدة مقاومة الارهاب، واخيراً طارق قائد الحرس الخاص للرئيس، اما أخو علي عبدالله صالح غير الشقيق فيشغل وظيفة قائد سلاح الطيران، وهكذا يدير النظام الحاكم في اليمن الدولة كشركة عائلية علي غرار ما يفعله باقي الطغاة العرب بدولهم بوسيلة أو بأخري.
وغني عن البيان أن ثروة الدولة كلها خاضعة لسيطرة النخبة العسكرية الحاكمة. ولكن أوضاع اليمن الخاصة تجعل السيطرة عليها أمراً غاية في الصعوبة ومحفوفاً بأشد المخاطر نظراً لقوة القبائل اليمنية المدججة بالسلاح وللتنافر بين الطوائف الدينية من سنة وشيعة زيدية نتيجة غيبة الديمقراطية وبالتالي غيبة المواطنة وانفراد المجموعة الحاكمة بمعظم الاسلاب.
وأخيراً وليس آخراً نظراً للنفور الشديد الذي يشعر به أهل اليمن الجنوبي من حكومة صنعاء فهم يشعرون أنهم مهمشون ليس لهم دور في حكم بلادهم، فقد توحدت اليمن الجنوبية مع اليمن الشمالية سنة 1990 في دولة واحدة، ولكن سرعان ما شعر الجنوبيون أن اليمن الشمالي يسيطر علي كل شيء من ثروة وسلطة ووظائف قيادية.
فبدأ التوتر بين شطري اليمن الذي اخذ يتزايد حتي اندلعت حرب أهلية طاحنة بينهما قتل فيها الآلاف من الجانبين وانتهت الي هزيمة الجنوب سنة 1996 وعادت اليمن دولة واحدة يحكم نصفها الشمالي النصف الجنوبي بالقوة العاتية، وفي نفس الوقت تزايد التوتر في الشمال بين حكومة صنعاء والقبائل الشيعية الزيدية انتهي الي اندلاع حرب أهلية مازالت رحاها دائرة وتدخلت فيها قوي خارجية علي رأسها السعودية.
يحدث ذلك في الوقت الذي بدأ النفط اليمني في النضوب وبدأ الاقتصاد اليمني في الانهيار وزاد الفقر والبطالة الي درجة مخيفة. ونعرض في المقال التالي أحوال اليمن الداخلية والصراعات الدائرة فيها ودور الاستعمار الأمريكي والإطراف الخارجية وعلي رأسها السعودية في كل ما يحدث.
*عضو الهيئة العليا لحزب الوفد جريدة الوفد 26/2/2010