السفير ماجد عبدالفتاح يكشف تفاصيل موافقة 143 دولة على منح فلسطين عضوية الأمم المتحدة    اتهام جديد ل عصام صاصا بعد ثبوت تعاطيه مواد مُخدرة    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    تراجع عيار 21 الآن.. سعر الذهب في مصر اليوم السبت 11 مايو 2024 (تحديث)    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن قمح    وزير الرى: الانتهاء من مشروع قناطر ديروط 2026    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    بلينكن يقدم تقريرا مثيرا للجدل.. هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة؟    يحيى السنوار حاضرا في جلسة تصويت الأمم المتحدة على عضوية فلسطين    الإمارات تستنكر تصريحات نتنياهو بالدعوة لإنشاء إدارة مدنية لقطاع غزة    مجلس الأمن يطالب بتحقيق فوري ومستقل في اكتشاف مقابر جماعية بمستشفيات غزة    نائب بالشيوخ: موقف مصر ثابت تجاه القضية الفلسطينية    سيف الجزيري: لاعبو الزمالك في كامل تركيزهم قبل مواجهة نهضة بركان    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    الاتحاد يواصل السقوط بهزيمة مذلة أمام الاتفاق في الدوري السعودي    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن حالة الطقس اليوم: «أجلوا مشاويركم الغير ضرورية»    أسماء ضحايا حادث تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    إصابة 6 أشخاص إثر تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    عمرو أديب: النور هيفضل يتقطع الفترة الجاية    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج العذراء السبت 11-5-2024: «لا تهمل شريك حياتك»    بتوقيع عزيز الشافعي.. الجمهور يشيد بأغنية هوب هوب ل ساندي    النجم شاروخان يجهز لتصوير فيلمه الجديد في مصر    رد فعل غريب من ياسمين عبدالعزيز بعد نفي العوضي حقيقة عودتهما (فيديو)    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    الطيران المروحي الإسرائيلي يطلق النار بكثافة على المناطق الجنوبية الشرقية لغزة    الخارجية الأمريكية: إسرائيل لم تتعاون بشكل كامل مع جهود واشنطن لزيادة المساعدات في غزة    تفاصيل جلسة كولر والشناوي الساخنة ورفض حارس الأهلي طلب السويسري    مران الزمالك - تقسيمة بمشاركة جوميز ومساعده استعدادا لنهضة بركان    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    «آية» تتلقى 3 طعنات من طليقها في الشارع ب العمرانية (تفاصيل)    نيس يفوز على لوهافر في الدوري الفرنسي    انخفاض أسعار الدواجن لأقل من 75 جنيها في هذا الموعد.. الشعبة تكشف التفاصيل (فيديو)    تراجع أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 11 مايو 2024    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    طولان: محمد عبدالمنعم أفضل من وائل جمعة (فيديو)    حلمي طولان: «حسام حسن لا يصلح لقيادة منتخب مصر.. في مدربين معندهمش مؤهلات» (فيديو)    وظائف جامعة أسوان 2024.. تعرف على آخر موعد للتقديم    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    إدراج 4 مستشفيات بالقليوبية ضمن القائمة النموذجية على مستوى الجمهورية    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    لماذا سمي التنمر بهذا الاسم؟.. داعية اسلامي يجيب «فيديو»    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    محافظة الأقصر يناقش مع وفد من الرعاية الصحية سير أعمال منظومة التأمين الصحي الشامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد سقوط بن علي ومبارك وصالح .. تساؤلات في الشارع العربي .. من التالي؟
نشر في القاهرة يوم 14 - 06 - 2011

في سياق مشهد غامض، وتحركات مرتبكة، غادر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بلاده إلي السعودية، فيما يعد ختاما مفاجئا لفترة رئاسته لليمن، وبما وصفته عدة دوائر " بالسقوط القسري الثالث " لرئيس عربي، بعد التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك، تحت وطأة الثورات الشعبية العربية، التي اندلعت منذ حوالي ستة أشهر في أنحاء العالم العربي، للمطالبة بالحريات وتأسيس نظم ديمقراطية في الدول العربية . وكانت محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الجمعة 3 يونية، قد مثلت نقطة تحول فارقة في مسار الثورة اليمنية ومراحلها المتتالية منذ فبراير الماضي، وعلامة واضحة علي فقدان صالح قبضته الحديدية علي السلطة . إذ بالرغم من نجاة الرئيس اليمني من الموت ، وموت وإصابة عدد كبير من مساعديه ومسئولين يمنيين آخرين، إلا أن محاولة الاغتيال في ذاتها، واقتراب الخطر المباشر من الرئيس، ثم الإعلان عن مغادرته اليمن إلي الرياض، كل ذلك مثل بداية سقوط وانهيار حكم صالح لليمن الذي استمر 33 سنة، بعد رفضه الرحيل السلمي عن السلطة، استجابة لأكبر انتفاضة شعبية في تاريخ اليمن . كانت المواجهة العسكرية بين القوات الحكومية وأنصارالشيخ صادق بن عبد الله الأحمر زعيم قبيلة " حاشد " قد أسفرت عن مقتل نحو مائتي شخص، وجاء قصف القصر الرئاسي في حي السبعين مقر صالح، ردا علي قصف قوات الحرس الجمهوري منزلي قائد الفرقة الأولي مدرع اللواء علي محسن الأحمر الذي انشق عن النظام في وقت سابق، وحميد الأحمر شقيق زعيم قبيلة " حاشد " صادق الأحمر . وبعد الإعلان عن إصابة الرئيس علي عبد الله صالح، ومقتل سبعة حراس، وإصابة رئيسي مجلس النواب والحكومة، فقد أعلن نبأ سفرالرئيس صالح للسعودية لتلقي العلاج، وبعد ذلك أكدت مصادر يمنية مغادرة صالح لليمن،وتولي نائبه عبد ربه منصور مهام الرئاسة، ومهام القائد الأعلي للقوات المسلحة، فيما جددت مصادر مجلس التعاون الخليجي الدعوة لجميع الأطراف لسرعة وقف إطلاق النار . وفي محافظة تعز، تمكن شباب الثورة من العودة إلي " ساحة الحرية " في منطقة عصيفرة شمال المدينة، لاستئناف الاعتصام من جديد، بعد أيام من قيام الحرس الجمهوري بفض اعتصامهم بالقوة عبر المصفحات، وإحراق الخيام، وهي المواجهات العنيفة التي راح ضحيتها 100 من القتلي والمصابين الذين طالبوا برحيل صالح . ومع استمرار التظاهرات فإن الموقف في اليمن يكتنفه الغموض بسبب استمرار الاشتباكات التي وقعت بين القوات الحكومية وشباب الثورة في تعز . مشهد الخروج في خضم تناقض التصريحات الصادرة عن المسئولين اليمنيين بشأن مدي إصابة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح علي إثر القصف الصاروخي الذي تعرض له مسجد القصر الرئاسي، وسقوط القتلي والمصابين، وما أعقب ذلك من تسجيل صوتي للرئيس يؤكد أنه بخير ويتهم " عصابات خارجة عن القانون " بمحاولة اغتياله، وتناقض التصريحات حول سفر صالح إلي السعودية لتلقي العلاج، واحتمالات عودته أو عدم تمكنه من العودة لبلاده، فإن الموقف العام في اليمن ساده خلط شديد ومخاوف قوية مما يمكن أن تؤول إليه الأمور، خاصة، أنه في البداية، لم يصدر أي بيان رسمي بشأن اجراءات إدارة شئون البلاد في غياب صالح، كما أن جدلا وتشكيكات قوية سادت الشارع اليمني حول ما إذا كان الرئيس صالح قد أصيب فعلا، والتشكيك في أن التسجيل الصوتي الذي أذيع كان لأحد ممن يقلدون صوت الرئيس . وفي هذه الأثناء، فإنه وفقا لمصادر يمنية، تبين أن مشهد خروج صالح من اليمن اقترن بما يمكن اعتباره مجلسا مؤقتا، تشكل من الأقارب، والمعاونين، ومنهم مدير مكتب الرئيس ورئيس جهاز الأمن القومي علي الأنسي، ومدير مكتب القائد الأعلي للقوات المسلحة اللواء علي صالح الأحمر، وقائد قوات الدفاع الجوي اللواء محمد صالح الأحمر . وواكب ذلك، اجتماع عقده نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي تولي مهام الرئاسة، مع عدد من أعضاء اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي التي تعد الهيئة الأعلي للحزب الحاكم، في سياق الإعداد لترتيبات المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد . بينما أعلنت المعارضة اليمنية أنها لن تسمح بعودة الرئيس علي عبد الله صالح إلي اليمن مجددا، واستعدادها للتعاون مع نائب الرئيس القائم بأعماله، فإن أهازيج النصر عمت ساحات الحرية والتغيير في شوارع اليمن، احتفالا بيوم الخلاص من نظام حكم صالح الاستبدادي، بعد أربعة أشهر من الانتفاضات الشعبية والاعتصامات التي صمدت أمام نيران السلطة وبطشها وجبروتها، والتي دفع ثمنها آلاف من " شهداء الثورة " اليمنية وجرحاها . وفي محاولة لاستعادة الحياة الطبيعية والاستقرار، فعندما باشر نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي مهام الرئاسة، أصدر توجيهاته بإنهاء جميع الاستحداثات الأمنية والعسكرية بمنطقتي الحصبة وحدة، وكلف قادة عسكريين بالتواصل مع الشيخ صادق الأحمر وإخوته لطلب وقف إطلاق النار، وإخلاء المنشآت الحكومية التي سيطر عليها خلال الأيام الماضية، وقد وافق الأحمر علي التهدئة، علي أن تلتزم الوحدات العسكرية الحكومية بالانسحاب، غير أن سقوط الضحايا لم يتوقف بسبب الاشتباكات بين الأمن والجيش من ناحية، ومسلحين قبليين في تعز من ناحية أخري، ولم يبد الموقف واضحا حتي بعد تشكيل لجنة أمنية للاشراف علي انسحاب الجيش من منطقة الحصبة في إطار مساعي التهدئة . وزيادة في غموض الموقف، فقد صعدت الولايات المتحدة من غاراتها الجوية علي مناطق في اليمن بواسطة طائرات بدون طيار، خشية أن يؤدي فراغ السلطة إلي استيلاء تنظيم القاعدة علي الحكم . دوائر الاشتباه لم يكن ممكنا، في خضم مشهد الخروج الغامض للرئيس اليمني من بلاده إلي السعودية تجاهل السؤال الحرج حول الجهة أو الطرف المسئول عن القصف الذي استهدف مقر الرئيس ، وأدي إلي إصابتة وتدهور حالته الصحية ، بما وصفتها مصادر سعودية بأنها أسوأ مما كان متوقعا، ومع تعدد التكهنات حول مصدر القذف الصاروخي، فقد أكد أحمد عبدالله الصوفي مستشار الرئيس اليمني أن القذيفة التي استهدفت القصر الرئاسي، زودت بإحداثيات من أطراف محلية، ولكن القدرة علي التنفيذ لا تتأتي إلا لجهة لديها إمكانيات هائلة، للرصد والمتابعة . وأشار الصوفي إلي احتمال تورط الولايات المتحدة في محاولة اغتيال الرئيس اليمني مع عدد من كبار المسئولين، مستندا إلي أن الكفاءة التي تمت بها العملية لا تملكها إلا دولة بحجم الولايات المتحدة . وأيا كان الأمر، فإن للولايات المتحدة قوات وأجهزة ومستشارين في اليمن، وقد أشار مراقبون أمريكيون إلي أن الفرقة النخبوية اليمنية تلقت تدريبات أمريكية، ومعدات أمريكية، وأن أحمد نجل الرئيس زار الولايات المتحدة، عدة مرات، واجتمع مع عسكريين في البنتاجون حول تدريبات " الفرقة الخاصة "، وكانت هناك تكهنات حول دور القوات الأمريكية في اليمن، مع، أو ضد نظام صالح . وبالطبع، فإنه من السابق لأوانه إلي حد كبير معرفة حدود الدور الأمريكي أو التدخل الإقليمي في أحداث اليمن، حتي ولو كان من الأنباء المؤكدة ما تعلق بزيارة جون برينان مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما للسعودية ودولة الإمارات، من أجل بحث تطورات الموقف في اليمن، واتصالات برينان مع نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي،بعد مغادرة صالح إلي السعودية، وما تردد عن ترتيبات (أمريكية سعودية ) لإعداد المسرح لما بعد مرحلة صالح في اليمن . وأيا كان الأمر، فليس ثمة شك، كما أكدت ذلك صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن سقوط صالح في اليمن، يمثل تحديا جديدا للولايات المتحدة، التي فقدت حليفا آخر، في منطقة الشرق الأوسط، كانت تعتمد عليه، وتثق في دعمه لمصالحها . وفي السياق ، فإن كثيرين يعتقدون أن لدي الولايات المتحدة أسبابها القوية لوضع حد لأزمة الحكم في اليمن، وإبعاد صالح، لأن استقرار اليمن له الأولوية لدي الإدارة الأمريكية، تجنبا لتطورات دولة فاشلة في سياق قبلي، يمكن أن يعرض أمن السعودية، ومراكز نفطها للخطر، هذا، فضلا عن أن الرئيس علي عبد الله صالح بالرغم من خدماته المؤكدة لواشنطن في مجال محاربة القاعدة والارهاب، فإنه كان يقوم ببعض العمليات والتحركات التي تخدم فقط ضمان استمرار وجوده في السلطة. وقد نتفهم في ضوء هذه الحقائق تأكيدات كريستوفر بوسيك، الخبير الأمريكي المتخصص في الشئون اليمنية في معهد كارنيجي للسلام بقوله " إن رحيل صالح يفتح الباب لطريقة ممكنة للخروج من الأزمة، .. وهذه هي نهاية صالح فعلا " . غير أن دائرة الاشتباه فيما وقع في اليمن من أحداث أدت إلي خروج الرئيس اليمني إلي السعودية، تشمل أيضا أسرة الأحمر، واللواء علي محسن، كما تشمل تنظيم القاعدة، والحوثيين .. لذلك سوف يظل السؤال عمن حاول قتل الرئيس علي عبد الله صالح مفتوحاً علي مدي زمني غير محدود لكشف الحقائق. وفي محاولة للاستكشاف، ذكر محللون من معهد ستراتفور لدراسات المخابرات أن ما حدث هو دسيسة من أحد المقربين من صالح، وهذا ليس من عمل القبائل، بل تدبير عسكريين ( غالبا من داخل النظام ) ، وتشير ستراتفور إلي اللواء علي محسن الأحمر الذي كان يلتزم الهدوء في الأيام القليلة الماضية، ويحظي باحترام كبير بين رجال الحرس القديم في اليمن . اليمن .. توازنات اللحظة يؤكد الكاتب ريد ستيفنسون أن كل دقيقة يقضيها الرئيس علي عبد الله صالح بعيدا عن بلاده تقربه خطوة من نهاية حكمه الذي استمر زهاء ثلاثة عقود لليمن . وقد أعلن شباب التغيير ما أطلقوا عليه " ولادة اليمن الجديد " والاستعداد لمقاومة أية بوادر لإعادة صالح لليمن أيا كان الأمر. وفيما تؤكد الأنباء أن اليمن يتأهب لمرحلة ما بعد صالح، فإن توازنات اللحظة الراهنة لاتزال وثيقة الصلة بمشهد خروج صالح (المفترض) من السلطة، ومن اليمن . وفي أواخر أيام صالح في الحكم، كانت خريطة التحالفات المناوئة له تتسع يوما بعد يوم، لتضم رجال القبائل والعسكريين وضباط الجيش ووزراء سابقين ومستشارين في المؤسسة العسكرية . وقد دارت مواجهات عسكرية فعلا بين القوات الموالية للرئيس صالح، وأنصار زعيم قبيلة " حاشد " الشيخ صادق الأحمر وأشقائه الذين يتمتعون بنفوذ قوي في اليمن بين القبائل، وقد انضمت للأحمر قبائل أخري لمواجهة صالح، مما شكل دعما إضافيا للثورة الشبابية السلمية . طبعا، كانت ساحات الاعتصام والثورة تضم أيضا الأحزاب السياسية المعارضة، وعلماء الدين، والأطراف البرلمانية والدبلوماسيين المناوئين لصالح، وبالجملة، فإن الرئيس اليمني واجه حالة اصطفاف شعبية واسعة، من الشعب والمعارضين والقبائل والعسكريين، كما وجد الحوثيون في الاحتجاجات الشعبية فرصة للتخلص من علي عبد الله صالح ، بعد 6 جولات عسكرية مع قواته ، هذا أيضا بالإضافة إلي الحراك الجنوبي في اليمن، ومن يؤيدونه شعبيا وعسكريا . والحقيقة، أن خروج صالح من اليمن، وإن حقق المطلب الأول والرئيسي لشباب الثورة، غير أنه فتح الباب لاحتمالات وتساؤلات معقدة تكتنف المشهد اليمني راهنا، فمن ناحية، هل تمتنع العناصر العسكرية والحرس الجمهوري الموالي لنظام صالح عن الاستمرار في الاشتباكات وإثارة غضب شيوخ القبائل وهل توقف نهائيا إطلاق النار امتثالا لتوجيهات نائب الرئيس؟ وهل يستطيع نائب الرئيس جمع الخيوط في يده واستعادة زمام الموقف ؟ وهل هناك أدوار متوقعة لأبناء الرئيس صالح وأقاربه، خاصة ابنه أحمد الذي يتولي منصبا عسكريا رفيعا، وكان يجري إعداده لخلافة والده في منصب الرئيس؟ وما الدور المتوقع للسعودية في ترتيبات الداخل اليمني، حيث تشترك الدولتان في حدود بطول 1500 كيلو متر، وتعتبر السعودية أكبر مانح وراعي لليمن وحكومة صالح، وقد قادت مبادرة التوسط بين الرئيس اليمني والمعارضة ثلاث مرات، ولم تنجح في مساعيها . وأخيرا، ما النتائج المتوقعة للاتصالات الأمريكية اليمنية الجارية حاليا لترتيب المشهد اليمني بعد خروج صالح من الحكم ؟ وأخيرا .. ما احتمالات عودة صالح إلي اليمن كما يشير إلي ذلك مناصروه ؟ وفي محاولة لإحكام وضبط توازنات اللحظة بعد خروج صالح لحساب المعارضة ، فإن مسلحين تابعين للمعارضة قاموا بالسيطرة علي مدينة تعز، ومع ذلك أعلن الشيخ حمود سعيد المخلا شيخ مشايخ تعز أن الثورة لاتزال مستمرة وسلمية، وسوف يتم الالتزام بحماية المتظاهرين الذين تعرضوا لمحاولات الإبادة الجماعية من جانب
الرئيس . وتعد تعز ثانية مدن اليمن، وتبعد مسافة 150 كيلومترا إلي الجنوب من صنعاء . وبوجه عام، فإن ما يؤثر علي توازنات اللحظة الراهنة في اليمن ثلاثة عناصر هي: 1 الموقف الأمني، والاشتباكات المسلحة بين مؤيدي صالح ومعارضيه، في تعز ووادي القاضي ومنطقة جبل حبشي، خاصة وأن أطرافا أخري تستغل الموقف، فقد سبق أن سيطر متشددون وإسلاميون علي مدينة " زنجبار " الساحلية الجنوبية، ويقاتل السكان المحليون والجنود الحكوميون من أجل السيطرة علي المنطقة . 2 الغياب المؤسسي شبه الكامل في اليمن، حيث الحكومة هي حكومة تصريف أعمال، والبرلمان انتهت فترته التشريعية، وبغياب صالح وتعطل الحكومة والبرلمان، باتت جميع مؤسسات الدولة معطلة، وتبدو اليمن في اللحظة الراهنة بدون مؤسسات تشريعية وتنفيذية وأمنية وعسكرية، وهو ما يعد في حد ذاته سقوطا لنظام علي عبد الله صالح . 3 المساعي التي تبذلها دول الخليج، بدعوي أن المبادرة الخليجية لاتزال صالحة لتوفير أنسب الحلول للأزمة اليمنية في ظل الظروف الحالية، وتساعد في ذلك جهود أمريكية . مستقبل اليمن تؤكد المصادر وثيقة الصلة بشباب التغيير في اليمن أنه سيتم بذل كل الجهود من أجل إقناع المجتمع الدولي، ودول الخليج بأن الحالة الوحيدة للسماح لعلي عبد الله صالح بالعودة إلي اليمن ستكون علي أساس أنه مجرد مواطن عادي . وفي السياق الحالي، فإن شباب الثورة اليمنية يطرحون قضايا ما بعد صالح، ومن ذلك، مطالبة نائب الرئيس بتشكيل مجلس انتقالي لإدارة شئون البلاد، وترتيبات نقل السلطة فعلا إلي نائب الرئيس رسميا لتأكيد انتهاء حقبة الرئيس علي عبدالله صالح. وقد تكون من المؤشرات الإيجابية محاولات عبدربه منصور هادي القائم بأعمال الرئيس لتثبيت الوضع الأمني، وتوحيد الجهود لتوفير الخدمات الأساسية لليمنيين مثل الديزل والغاز والكهرباء والأساسيات الحياتية، ومناشدته تعاون الجميع،بما في ذلك المعارضة والقوي الاجتماعية لتحقيق ذلك، وهو ما تمثل في اجتماع المكتب السياسي لحزب المؤتمر الشعبي العام، لإقناع الجميع بتحمل المسئوليات لإخراج اليمن من أزمته الراهنة. بالإضافة إلي حراك سياسي تمثل في اجتماع حكومة تصريف الأعمال، ومباشرتها ترتيب الوضع الأمني، وحراك دبلوماسي تمثل في اجتماعات مسئولين يمنيين مع سفراء وممثليين ( أمريكيين وأوروبيين ) لبحث مساعدة اليمن في المرحلة الراهنة أمنيا واقتصاديا . غير أن المشهد اليمني يطرح عدة احتمالات، لتقرير ملامح المستقبل، فقد يؤدي فراغ السلطة لاندفاع أقارب الرئيس لشغلها، وقد تؤدي الاشتباكات مع خصوم صالح القبليين لحرب أهلية، وقد تتدخل السعودية سواء مع صالح أو للمساعدة علي نقل السلطة، فالسعودية لا تزال تطالب كل الأطراف بالتوقيع علي المبادرة الخليجية، هذا، بالإضافة إلي الدعوة الأمريكية الصريحة للسعوديين باغتنام فرصة وجود صالح في السعودية، وترتيب عملية منظمة لنقل السلطة سلميا إلي نائب الرئيس. ويري مراقبون أمريكيون أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يستشعر داخليا بارتياح كبير، بعد انتقال صالح للسعودية، وتخلصه بذلك من " ورطة " تعثرت الإدارة الأمريكية بشأنها ولم تتمكن من الخروج منها . ولكن حتي الآن، تظل تطورات الموقف الداخلي في اليمن ، والتطورات الجارية علي الأرض، هي أقوي محفزات ترتيب الموقف المستقبلي في اليمن. ونعرف أنه، حتي وقت قريب، كانت المصالح السياسية والاقتصادية لأسرتي صالح والأحمر متداخلة إلي حد كبير، ولكن المظاهرات ضد صالح غيرت من الحسابات واتجاهات المصالح، وفي الأسبوع الأخير من مايو هاجمت قوات صالح رجال القبائل الموالين للأحمر، ومن ثمة تغيرت علاقة التحالف التي ساعدت صالح في انتخابات الرئاسة في السابق، وطلب صادق الأحمر من صالح ترك منصبه، وهنا يذكر كثيرون ما سبق أن أعلنه "حميد الأحمر" من أنه أحق بمنصب الرئاسة، وما أبداه من طموحات سياسية، ولدي أسرة الأحمر مخزونها من الأسلحة، المدفعية الثقيلة ومدافع الهاون وقذائف آربي جي، وكانت هناك مخاوف من مهاجمة العاصمة صنعاء. وزيادة في تعقد الموقف علي الساحة اليمنية، فإن شباب الثورة يتوجسون من هذه التطورات، ويستمرون في تظاهراتهم والتأكيد علي استمرار الثورة وكما يقول كريستوفر بوسيك في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام، فإن من يتحدث عن المحاسبة والمساءلة هم شباب التغيير، فهم في نهاية الأمر لا يريدون استبدال أسرة حاكمة، بأسرة أخري، ويأتي ذلك، حتي مع وقوف أسرة الأحمر مع الثوار، وتحسن صورتهم مؤخرا إلي حد كبير . . من هذا المنطلق، يركز شباب الثورة الشعبية في اليمن علي تشكيل مجلس رئاسي يضم جميع القوي الوطنية لإدارة شئون البلاد وتشكيل حكومة وطنية. وقد دعت اللجنة التنظيمية للشباب جميع القوي الوطنية والأطياف السياسية للبدء بتشكيل المجلس الرئاسي المؤقت، وتكليف حكومة كفاءات لإدارة المرحلة الانتقالية، والعمل علي صياغة دستور جديد يلبي تطلعات الشعب اليمني للحرية والكرامة والعيش الكريم، وتوعد شباب الثورة أنه في حالة عودة صالح، فإنهم سيبدأون مرحلة جديدة من النضال السلمي . ومن المؤشرات اللافته في ضوء المشهد اليمني الحالي، ما أكده كل من بيتر فين وجريج ميلر في واشنطن بوست من أنه في حكم المؤكد أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ستعملان علي عدم عودة صالح إلي اليمن، وأنه سيتعين علي البنتاجون الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية إقامة علاقات جيدة مع القيادة الجديدة في اليمن . ولا شك أن مستقبل اليمن بعد صالح يثير مخاوف المسئولين الأمريكيين، ويقول جريجوري جونسين في جامعة برنستون لقد ارتكبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أخطاء سياسية كبيرة في اليمن، وصارت لها عواقب، ونري الآن أوروبا وأمريكا أقل قوة وأقل تأثيرا لتحقيق ما كانا يريدانه . ويفصل جونسين رأيه بأنه من الأخطاء القاتلة لواشنطن أنها لم تفكر أو تستعد لمن سيأتي بعد صالح، وليس لدي واشنطن خطة جيدة للتعامل مع الموقف، وقد تضطر أمريكا للاندفاع، لتعويض خسارتها للحليف اليمني . ويبدو أن سقوط النظام في اليمن برحيل علي عبد الله صالح، يختلف بالنسبة للأمريكيين عن سقوط بن علي ومبارك في مصر وتونس، ذلك أن اليمن كدولة ينظر لها علي أنها مرتع الفوضي المتوقعة الذي سيعمل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية علي استغلاله والتوسع فيه بامتياز، فهي دولة تعاني الإفلاس والانهيار الاقتصادي والتفتت والانقسامات والقبلية، فضلا عن مشكلات الشمال والجنوب . ويستنتج خوان زاراتي المستشار السابق في الإدارة الأمريكية أن الوضع في اليمن أكثر تمزقا وتعقيدا، ولا يمثل ما يجري هناك نموذجا للربيع العربي . لذلك، يطالب كريستوفر بوسيك الإدارة الأمريكية بأن تبادر بمساعدة اليمن في حقبة الحكم الجديدة لتجعلها أكثر قوة في مواجهة تنظيم القاعدة . وتؤكد الشواهد علي صعوبة الموقف الداخلي في اليمن اقتصاديا واجتماعيا، فهناك 40 % من السكان تحت خط الفقر، وتتفاقم أزمة سوء التغذية في اليمن بصورة خطيرة، وقد أصبح نصف أطفال اليمن يعانون من إعاقات في النمو وهو من أعلي المعدلات في العالم، وهناك أزمة خطيرة في المياه والوقود، ويصف خبير دولي الموقف بقوله " إن المستويات الإنسانية في اليمن مروعة، وأسعار الطعام ترتفع لتزيد مشكلة الغذاء"، وقد أعلنت الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية رفع حجم المساعدات لليمن إلي 225 مليون دولار، وتم فعلا جمع 56% منها. أبعاد استراتيجية أثارت أحداث اليمن قلقا دوليا علي الصعيد الاستراتيجي خشية أن يؤدي الانحدار نحو الفوضي والحرب الأهلية إلي تشجيع المتشددين لتهديد أمن الموانئ اليمنية، وحركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب قبالة الساحل اليمني، والذي يمر عبره أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط يتم شحنها يوميا لأوروبا والولايات المتحدة وآسيا . والمعروف أن اليمن تعتمد اعتمادا كبيرا علي قنواتها البحرية من أجل التجارة، وتعد عدن من أكبر الموانئ البحرية في العالم، بينما المكلا ميناء أصغر ويقع في خليج عدن، وهناك موانئ أخري تخدم اليمن منها الصليف والحديدة والمخا علي البحر الأحمر، ومرفأ تصدير النفط في الشحر، ومرفأ تصدير الغاز الطبيعي المسال في بلحاف . ويعتبر خبراء استراتيجيون أن تنظيم القاعدة، يضع ضمن مخططاته، استهداف الملاحة في الممر البحري الاستراتيجي بالمنطقة، وقد تشجع اضطرابات اليمن حركة الشباب الإسلامية علي شن هجمات، لها صلة بالقاعدة، والصومال القريب. ولكن علي صعيد آخر، يؤكد جون دالبي الذي يعمل لحساب شركة ام. ار. ام. المتخصصة في الأمن البحري أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يحتاج إلي حشد الموارد والمعدات والأفراد في مكان ما علي الخط الساحلي حتي يستطيع شن هجوم بحري . كذلك، يؤكد بيتر هينشكليف من الغرفة العالمية للشحن أنه لا توجد حتي الآن أدلة علي أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وأصدقاءه الصوماليين يمتلكون الأسلحة والزوارق اللازمة لإغلاق باب المندب، ولكن هذا لا يعني أنهم لا يملكون القدرة علي تعطيل الملاحة في هذا الممر البحري.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.