في العالمي للتمريض، الصحة: زيادة بدل مخاطر المهن الطبية    قبول دفعة جديدة في معاهد معاوني الأمن 2024، تعرف على شروط التقديم    أسعار الدواجن اليوم الأحد، سعر كيلو الفراخ البيضاء يواصل الارتفاع في الأسواق    الرعاية الصحية: 3 سنوات مدة تنفيذ مشروع الرعاية المتمركزة حول المريض مع جايكا    البيئة: تخصيص 7 مليارات جنيه لحماية المناطق الساحلية من آثار تغير المناخ    مطلب ملح من الاتحاد الأوروبي لإسرائيل بشأن رفح الفلسطينية    محاضرة فنية أخيرة من جوميز للاعبي الزمالك    تعليم الغربية: انتظام امتحانات النقل للفصل الدراسي الثاني    الآثار تنظم سلاسل فعاليات ومعارض مؤقتة بالمتاحف احتفالا بهذه المناسبة    إيرادات السبت.. "شقو" الثاني و"فاصل من اللحظات اللذيذة" في المركز الثالث    الدفاع المدني الفلسطيني: معظم المستشفيات في غزة والشمال خرجت عن الخدمة    مصدر رفيع المستوى: لا صحة لما تداولته وسائل إعلام إسرائيلية بشأن التنسيق مع مصر في معبر رفح    الجزائر: الشعب الفلسطيني يواجه أشرس عدوان عرفته الإنسانية    رئيس تحرير الجمهورية: بناء الأئمة والواعظات علميًا وخلقيًا ومظهرًا وأداءً من بناء الدول    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    أرسنال يسعى لتأمين حظوظه للتتويج بالبريميرليج.. ومانشستر يونايتد يبحث عن المشاركات الأوروبية    قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة.. تفاصيل    قبل انطلاق الامتحانات.. رابط الحصول علي أرقام جلوس الدبلومات الفنية 2024    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في أبشواي    السيطرة على حريق سيارة ملاكي أمام محطة وقود بأسوان    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    نائب يطالب وزارة الشباب بالتوسع في إنشاء مراكز التنمية الشبابية    وزارة الدفاع الروسية: القوات الأوكرانية قصفت منطقة "بيلغورود" الروسية بصواريخ متعددة الأنواع    مبعوثة أمريكية تأسف لسقوط عدد كبير من الضحايا جراء الفيضانات في أفغانستان    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان تسلم دليل تنفيذ الهوية البصرية    لاتفاقهم على تحديد الأسعار.. «حماية المنافسة» يحرك دعوى جنائية ضد 7 سماسرة في سوق الدواجن    مجلس الشيوخ ينعى النائب عبدالخالق عياد.. ويعلن خلو مقعده    شمال سيناء: لا شكاوى في امتحانات صفوف النقل اليوم    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    المشدد 5 سنوات لعاملين بتهمة إصابة شخص بطلق ناري بشبرا الخيمة    ضبط 53 مخالفة تموينية متنوعة في 4 مراكز بالمنيا    بني سويف: إزالة 575 حالة تعد على أملاك الدولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة 22 لإزالة التعديات    مجلس الشيوخ يبدأ مناقشة خطط الحكومة للتوسع في مراكز الشباب    «ضد المشروع».. ليفاندوفسكي يثير أزمة داخل برشلونة    إيرادات مفاجئة لأحدث أفلام هنا الزاهد وهشام ماجد في السينما (بالتفاصيل والأرقام)    بالمجان.. متاحف مصر تحتفل باليوم العالمي وتفتح أبوابها للزائرين    مصلحة الضرائب: نستهدف 16 مليار جنيه من المهن غير التجارية في العام المالي الجديد    «الصحة»: ملف التمريض يشهد تطورًا كبيرًا في تحسين الجوانب المادية والمعنوية والعلمية    وزيرة التخطيط: 10.6 مليار دولار استثماراتنا مع صندوق مصر السيادي خلال السنوات الماضية    مواعيد القطارات من القاهرة إلى الإسكندرية واسعار التذاكر اليوم الأحد 12/5/2024    حكم أخذ قرض لشراء سيارة؟.. أمين الفتوى يوضح    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    انتحار ربة منزل في غرفة نومها بسوهاج.. وأسرتها تكشف السبب    الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن التربية على حب الغير أول مبادئ إعداد الأسرة اجتماعيا "2"    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بقرية زاوية العوامة بالضبعة.. غدًا    السيسي: أهل البيت عندما بحثوا عن أمان ومكان للاستقرار كانت وجهتهم مصر (فيديو)    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    «القاهرة الإخبارية»: القيادة المركزية الأمريكية تسقط 3 مسيرات جنوب البحر الأحمر    أخبار مصر: رد إسلام بحيري على محمد حسان وعلاء مبارك، نجاة فتاة بأعجوبة من حريق بالأميرية، قصة موقع يطارد مصرية بسبب غزة    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتفاضة التونسية أثبتت الصلة الوثيقة
نشر في القاهرة يوم 08 - 02 - 2011

بين التطور الديموقراطي وتكنولوجيا المعلومات أعلنت تونس مؤخرا تشكيل الحكومة الجديدة التي ترأسها رئيس الحكومة محمد الغنوشي ، فيما خرج جميع وزراء الرئيس السابق بن علي ، حيث تم تعيين 12 وزيرا جديدا ، وبقي 9 وزراء من الحكومة التي كانت قائمة . وكان الاتحاد التونسي للشغل قد حشد آلاف المتظاهرين للمطالبة برحيل رموز حكومة زين العابدين بن علي لمنع ما أطلق عليه " السطو علي انجازات الانتفاضة الشعبية " . كانت تونس قد طوت رسميا حقبة الرئيس زين العابدين بن علي ، وبدأت الاستعداد لانتخاب ثالث رئيس للبلاد منذ استقلالها في عام 1956، وكان المجلس الدستوري قد أعلن رسميا شغور منصب الرئيس، وكلف رئيس البرلمان فؤاد المبزع لتولي رئاسة البلاد بالإنابة، ريثما يجري تنظيم انتخابات الرئاسة في غضون 45- 60 يوما، بعد الاحتكام إلي المادة 57 من الدستور وكانت تونس قد شهدت ،بعد رحيل بن علي تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة ضمت ستة وزراء من رموز النظام السابق ، غير أن الشعب التونسي أرغم الحكومة علي إجراء تعديلات حكومية في وزارات الداخلية والخارجية والدفاع بهدف التخلص من رموز الحكم السابق . وتحاول الحكومة التونسية الانتقالية استعادة السيطرة علي الوضع الأمني الذي كان قد شهد فلتانا في الأيام الأخيرة، غداة التعديلات في مناصب قطاع الأمن ، الذي كان يشكل عماد نظام بن علي. وفيما يتصل بمسيرة الثورة والمطالب الشعبية ، ففي 23 / 1 أعلن عدد من التنظيمات السياسية التونسية تشكيل " جبهة 14 يناير "بهدف تحقيق أهداف " الثورة " والتصدي للقوي المضادة لها ، والعمل علي صياغة دستور ديمقراطي جديد ، كما أعلنت الجبهة أن مهمتها الأولي هي إسقاط حكومة رئيس الوزراء محمد الغنوشي بسبب من تضمهم من رموز النظام السابق . في الوقت نفسه ، أعلن عياض بن عاشور رئيس لجنة " الإصلاح السياسي " أن فريقه سيراجع جميع القوانين ، بما في ذلك قوانين الانتخابات للمساعدة في تحقيق التغييرات الديمقراطية المنشودة . وأكد أنه سيتم تعديل جميع قوانين النظام الذي لم يكن يحكم من خلال الأفراد ، ولكن من خلال القوانين ، التي استخدمت في اغتيال الحقوق، وخدمة الطغيان. " انتفاضة تونس " .. مؤشرات فارقة (1) نجحت الغضبة الشعبية ، والانتفاضة الشاملة التي قام بها الشعب التونسي اعتبارا من 19 ديسمبر وصولا إلي قمتها في 14 يناير في إرغام الرئيس زين العابدين بن علي علي مغادرة البلاد ، غير أن حركة الشارع التونسي لم تهدأ ، واستمرت التظاهرات الشعبية ،والاعتصامات ، واختلطت المطالب الاجتماعية ، مع الدعوة للتخلص من كل بقايا النظام السابق، ما دفع الحكومة للتأكيد علي القطيعة التامة مع الماضي، وتأكيد الغنوشي علي تشكيل لجنة عليا للإصلاح السياسي ، ولجنة وطنية لاستقصاء الحقائق حول قضايا الفساد والرشوة ، ولجنة ثالثة لاستقصاء الحقائق حول الأحداث الأخيرة ، كما أعلن الاعتراف عاجلا بالأحزاب والمنظمات التي تقدمت بمطالب لمزاولة النشاط السياسي علنا ، في كنف القانون . ونتيجة لاستمرار الضغط الشعبي، قرر حزب التجمع الدستوري طرد الرئيس المخلوع من صفوفه مع ستة من أقرب معاونيه. وقد واصل التونسيون مظاهرات الشوارع بهدف التوصل إلي حكومة ترضي الطموحات الشعبية وتعبر عن مطالبه في ضمان الحريات العامة . وبالفعل ، لم تجد الحكومة بدا من بحث تشكيل حكومة جديدة ، وذلك عبر مشاورات مكثفة مع جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية . في الوقت نفسه، شكل مشروع قانون العفو العام الذي صادقت عليه الحكومة أحد علامات المشهد السياسي حيث تقرر إحالته إلي البرلمان، ويطال قانون العفو العام قرابة 30 ألف تونسي، بما يشمل مساجين الرأي دون استثناء، وبما يضم عناصر حركة النهضة والشيخ راشد الغنوشي، كما يصل عدد الأحزاب السياسية المرخص لها إلي 12 حزبا علي الأقل. (2) تطورت حركة الشارع التونسي من مرحلة التلقائية وعفوية الغضب الشعبي في الأيام الأولي للثورة ، إلي درجة من التبلور التنظيمي ، والتحرك صوب أهداف محددة ، حينما انطلق مئات التونسيين اعتبارا من 23 يناير من سكان الوسط الغربي باتجاه العاصمة في مسيرة أطلق عليها اسم " قافلة التحرير " بمطالب محددة هي التخلص من رموز الحكم السابق ، وتخلل المسيرة تنظيم استخدام (الإنترنت ) لتنظيم دخول مشاركين جدد للقافلة في العاصمة، وانضم إليها نقابيون وناشطون في حقوق الإنسان، ومرت القافلة بولايات صفاقس وباجة والقصرين وقفصة. (3) واصل الجيش التونسي دوره الحيوي في تأمين البلاد والإطار الشعبي للثورة ، وقد استلم الجيش (غير المسيس) زمام الأمور في البلاد ، خاصة وأنه منذ البدايات الأولي للثورة لم يلطخ الجيش يده بدماء التونسيين (علي عكس الشرطة والأمن الرئاسي) وقام الجيش بكبح عمليات السلب التي قامت بها عناصر دخيلة انتهزت فرصة الفوضي لمصلحتها ، كما تعقب الجيش شخصيات ورموز الحكم السابق التي حاولت الهروب، وعموما هناك اجماع علي أن الجيش التونسي وجه ضربة قاصمة لحكم زين العابدين بن علي، وكان له دوره الحاسم في إزاحة الرجل القوي والقبضة الحديدية عن تونس. ( 4) تنوعت التكوينات الشعبية التي قامت بالثورة التونسية ، ذلك أن شرارتها الأولي انطلقت من مناطق نائية ، سيدي بوزيد ، بروح الغضب الشعبي من قطاعات المهمشين ، وتوسعت الثورة تدريجيا لتضم طيفا واسعا من الطبقة المتوسطة التي توفرت علي تعليم ومستوي اقتصادي وطموحات سياسية تعلو نظيراتها في دول عربية أخري، (يبلغ الحد الأدني للأجور في تونس 270 دينارا أي 193 دولارا في الشهر) ما ساعد علي تطور المطالب الشعبية من إدانة أسباب الفقر والبطالة إلي مستوي المطالب السياسية، ودعم الحريات، ولقد كان اختلاف وتعدد الفئات المشاركة في الثورة ، والانتماءات الطبقية والفكرية والمهنية أحد عناصر قوتها ، ولتتحقق مقولة مكسيم جوركي "الثورة تكون ثورة فقط عندما تقوم كتعبير حقيقي عن قوي الشعب الخلاقة " ويؤكد محللون أن درجة الوعي لدي التونسيين عالية جدا، فالثورة لا تحدث إلا في شعب واع. ( 5) ظهر جليا الدور الذي قام به الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة العمالية الوحيدة في تونس)، كلاعب رئيسي في الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بنظام بن علي ، وفي المرحلة الحالية ، يطالب الاتحاد بضرورة تشكيل حكومة ائتلاف وطني تضم كل الاتجاهات السياسية والفكرية والاجتماعية، وتشكيل لجان مستقلة تتولي تقصي الحقائق حول كل من ثبت تورطه في استهداف المواطنين بالرصاص الحي المباشر ، ومتابعة المرتشين والمتسببين في الفساد بكل أشكاله ، كما يطالب الاتحاد بمراجعة الدستور ، وكل القوانين ذات الصلة بالإصلاح السياسي، ورفع الرقابة عن الإعلام ، وإصدار عفو تشريعي عام، وحل كل الهياكل المهنية التابعة للحزب الحاكم المخلوع ، وفصل الأحزاب عن هياكل الدولة، وإقرار حق التنظيم والتظاهر السلمي وتأسيس نظام برلماني، يقطع تماما مع النظام الرئاسي (البغيض في ذاكرة التونسيين) . ومعروف أن الاتحاد العام للشغل تأسس في يناير 1946 ، وهو بذلك أقدم مؤسسة سياسية واجتماعية في البلاد بعد الحزب الاشتراكي الدستوري الذي أسسه الرئيس الأسبق بورقيبة في مارس 1934. وقد شارك الاتحاد في التحركات الشعبية الاحتجاجية في 1978، وانتفاضة الخبز في 1984، وهو الأقرب لنبض الشارع . وفي المرحلة التالية لسقوط نظام زين العابدين بن علي، يقود الاتحاد العام للشغل حركة الإضرابات الشعبية وصولا إلي تحقيق المطالب التي تحقق طموحات التونسيين في حياة ديمقراطية سليمة، ويوصف الاتحاد بأنه القوة السياسية الأولي حاليا وأحد أهم أطراف العملية السياسية في مواجهة الحكومة. " الثورة التونسية ".. مبادرات تأطير الثورة 1- أعلن عدد من التنظيمات السياسية في تونس مبادرات وصفت بأنها تهدف إلي " تأطير الثورة " وتنظيم حركتها ، ومن ذلك " جبهة 14 يناير " التي تشكلت من مجموعات يسارية وقومية وعربية واشتراكية وهي : رابطة اليسار العمالي ، وحركة الوحدويين الناصريين ، وحركة الوطنيين الديمقراطيين ، والوطنيون الديمقراطيون ، والتيار البعثي ، واليساريون المستقلون ، وحزب العمال الشيوعي التونسي ، وحزب العمل الوطني الديمقراطي . وأعلنت الجبهة أنها ستعمل علي حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي ، ومصادرة مقراته وأملاكه وأرصدته المالية باعتبارها أموال الشعب ، والعمل علي تشكيل حكومة تحظي بثقة الشعب ، ودعت الجبهة إلي مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني ، ودعم حركات التحرر في الوطن العربي والعالم . وأكدت الجبهة أن من مهماتها الأساسية العمل علي حل مجلسي النواب والمستشارين ، وتفكيك البنية السياسية للنظام السابق ، والإعداد لانتخاب مجلس تأسيسي في أجل لايتجاوز سنة من أجل صياغة دستور ديمقراطي جديد ، ووضع منظومة قانونية جديدة لتأطير الحياة العامة بما يضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية للشعب التونسي. ودعت الجبهة في بيانها التأسيسي إلي حل جهاز البوليس السياسي، وسن سياسة أمنية جديدة قوامها احترام حقوق الإنسان، وإعلاء القانون، ومحاسبة كل من نهبوا أموال الشعب ، وارتكبوا الجرائم في حقه . وطالب البيان بمصادرة أملاك العائلة الحاكمة السابقة والمقربين منهم ، وتوفير الشغل للعاطلين عن العمل ، واتخاذ اجراءات عاجلة لمنحهم منحة بطالة ، والعمل علي بناء اقتصاد وطني يخدم مصلحة الشعب كله ، وتوضع فيه القطاعات الحيوية والاستراتيجية تحت اشراف الدولة ، وتأميم المؤسسات التي تم تخصيصها، وإطلاق الحريات الفردية والحريات العامة. 2- في الوقت نفسه ، تقدم ثلاثة من أعضاء المجلس التأسيسي لسنة 1955 وهم: أحمد المستيري ، وأحمد بن صالح ، ومصطفي الفيلالي، بإعلان إلي الرئيس المؤقت فؤاد المبزع بأنهم كونوا " المجلس الوطني للثورة " الذي يتألف من الأحزاب والاتجاهات والمنظمات، واحتوت المبادرة علي اقتراح بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، مع أولوية اعداد الدستور الجديد ، والاستفتاء عليه ، ثم تأتي مرحلة اجراء الانتخابات. 3 - في سياق قانون العفو العام ، تنشط العملية الحزبية في تونس ، وقوامها أحزاب: الديمقراطي التقدمي (يساري) ، التكتل من أجل العمل والحريات (اشتراكي)، حركة التجديد (يساري) ، الاتحاد الديمقراطي الوحدوي (قومي عربي )، الوحدة الشعبية (اشتراكي) الخضر للتقدم (بيئي) ، الديمقراطيين الاشتراكيين ، التحرري الاجتماعي (ليبرالي). " الثورة التونسية " .. محاذير ومخاطر 1 - مثلت مشكلة خلاف التونسيين حول الحكومة المؤقتة موضوعا أساسيا أنتج اضطرابات عميقة علي المستويين الرسمي والشعبي، فالبعض رأي أن الحكومة تشكلت من رموز من العهد الاستبدادي موضع الشك لأنها ترتدي ثوب " الثورة " مما يستفز الناس ، ونقل آخرون أن هذه الحكومة هي ذات الحكومة التي كان يتم التحضير لإعلانها بعد خطاب بن علي في 13 يناير ، ناقص شخص بن علي فقط ، وهذا هو سبب الغضب الشعبي عليها . من هنا جاءت الاقتراحات بأن تتواصل الضغوط الشعبية السلمية المنظمة لإعادة تشكيل حكومة مستقلة عن الجميع ، وتعتمد علي الخبرات والكفاءات من كوادر الدولة والمجتمع المدني ، بما يحقق المصلحة الوطنية في الأمن والاستقرار ، وتهيئة البلاد لتغيير سياسي حقيقي في ظرف 6- 8 أشهر . 2- مثلت مبادرات تأطير الثورة ( جبهة 14 يناير ، وقافلة التحرير ) محاولات قوي سياسية متعطشة للعمل السياسي ، وإجراء تحولات سياسية عميقة في تونس ، ومحاولة ترجمة الحراك السياسي الشعبي في صيغة هياكل سياسية جديدة ، غير أن معركة الإرادات لن تكون سهلة ، والتحديات مع بقايا السلطة لا تزال ماثلة وقوية ، فضلا عن أن عددا من هذه القيادات الفاعلة هي قيادات مسنة ومستهلكة ومنهكة ، بالرغم من صدقية مشاعرها الثورية ونياتها الحسنة ، ومحاولة تجديد طاقاتها السياسية. 3 - في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي ، يثور بعض القلق داخل النخب السياسية إزاء مستقبل العلاقة مع الجيش التونسي، خاصة إذا ماتعرضت البلاد إلي حالة فراغ السلطة ، وهو الأمر نفسه الذي حذر منه الجنرال رشيد عمار قائد الجيش بقوله " ثمة قوي تدفع إلي الفراغ ، والفراغ يولد الرعب، والرعب يولد الديكتاتورية " ، وبالرغم من أن التيار الشعبي العام، والقوي السياسية والحزبية تؤكد علي أنه لارجعة عن المسار الديمقراطي بكل السبل ، غير أن ذلك لاينفي استمرار المخاوف من
" لحظة خطرة " يضطر فيها الجيش للاستيلاء علي السلطة ، وحينها، ربما تمر سنوات قبل أن يستعيد المدنيون السلطة من الجيش. 4- إذا كانت " الثورة " بطبيعتها فعلا ينطوي علي التغيير الجذري والهدم وإعادة البناء ، فإن المهمة الأهم والأخطر التي تواجه التونسيين في المرحلة الراهنة هي حدود عملية التغيير، وإلي أي مدي تصل هذه العملية بالنسبة للمؤسسات القائمة ، وترتيبات العلاقة المستقبلية بين الدولة والمجتمع ، والعلاقات بين القوي السياسية الفاعلة علي الساحة السياسية بمختلف تياراتها ، وكيف يمكن تجنب مذمة الإقصاء والاستبعاد التي عاني منها المجتمع في الماضي في ظل حالة استبدادية تجذرت عميقا في بنية الدولة . وفي هذا الصدد أثارت النخبة السياسية والحزبية مسألة " الرغبة الشعبية في تفكيك حزب التجمع الدستوري " والذي نظر إليه علي أنه بمثابة إلغاء لحقبة مهمة من تاريخ تونس ، كون الحزب في تحليله الأساسي مثل كيانا فكريا ، وإطارا سياسيا ، ورؤية للدولة والمجتمع ، حتي وإن كان الرئيس بن علي قد حول الحزب إلي " بوتقة منتفعين " بمزايا الفساد . هذا ، وقد حذرت قيادات سياسية وتنظيمات مدنية من الدخول في عملية تصفية للحسابات تستهلك طاقة التونسيين . غير أن ذلك لم يمنع من قناعة الكثيرين بضرورة إصدار مذكرة توقيف قدمت للإنتربول الدولي لملاحقة الرئيس بن علي وأسرته لمحاسبتهم علي ما اقترفوه في حق الشعب التونسي. 5- تمثل المشكلة الاقتصادية إحدي أهم القضايا التي يمكن أن تحدد مصير الحركة الشعبية في تونس . ومن المعروف أن نموذج التنمية في تونس يعتمد علي السياحة والاستثمارات الخارجية ، ولطالما وصف هذا النموذج بأنه " معجزة " حققت نتائج فائقة للتونسيين ، وقدر صندوق النقد الدولي في 2009 معدل نصيب الفرد التونسي من الناتج المحلي الإجمالي بحسب القوة الشرائية بأكثر من 8 آلاف دولار ، و6 آلاف في مصر، و5 ألاف في سوريا ، و4600 دولار في المغرب . غير أن النموذج التونسي أيضا مثل نموذجا فاضحا للفساد والمحسوبية والإثراء غير المشروع ، والرشوة في مؤسسات الدولة والإدارات العامة ، الأمر الذي جعل نصف الشعب التونسي خارج سياق التمتع بثمار التنمية . وفي ظل فترة عدم الاستقرار التي تمر بها تونس حاليا قدرت خسائر قطاعات السياحة وغيرها بنحو 23 مليار دولار ، غير أن خبيرا للاقتصاد التونسي يؤكد أن تخليص الاقتصاد من القبضة المتشعبة لأسرة الرئيس المخلوع ، بالطرق القانونية ، ستتيح للاقتصاد التونسي مجددا فرصة للازدهار ، وقد شكلت وزارة العدل لجنة للكشف عن الأصول التي تم الاستحواز عليها علي أيدي المافيا التي كانت تستنزف جميع قطاعات الإنتاج في البلاد ، وأشار الخبير إلي أن تونس لن تبدأ من الصفر ، لأن هناك شركات فرنسية وأمريكية وإيطالية لها حضور قوي في تونس ، وسوف تستفيد البلاد أيضا من اتفاقية التجارة الحرة التي وقعتها مع الاتحاد الأوروبي. " الثورة التونسية " .. مؤشرات اللحظة التاريخية 1- غلب علي من تناولوا الأحداث في تونس وصف ماجري هناك باسم ( ثورة الياسمين المباركة ) ، فالثورة التي فاجأت الجميع مثلت لحظة تاريخية فارقة علي أكثر من صعيد ، فعلي الصعيد العربي ، مثلت ثورة الياسمين التونسية تحولا نوعيا في التاريخ العربي يثبت بما لايدع مجالا للشك عمومية ومصداقية المطلب العربي للديمقراطية ، وكما أحرق إيان بالاش نفسه لينطلق ربيع براغ ، فقد أحرق بوعزيزي نفسه لينطلق ، ربيع الغضب الشعبي العربي الباحث عن الحرية والكرامة والديمقراطية ، ولتثبت أن الشعب العربي ليس استثناء علي صعيد الانجاز الثوري الديمقراطي كما روج لذلك كثيرون من العرب والأجانب . وهناك الكثيرون علي النطاق العربي يعتبرون مايجري في تونس بمثابة " النموذج العربي " الذي أثبت أولا أن جيلا جديدا من الشباب العربي يحتاج بقوة لمساحات حرية أكبر مما هو سائد ، وثانيا أن التحدي الذي يواجه الأنظمة العربية كلها هو توفير فرص العمل لملايين الشباب ، وثالثا أسقطت ثورة تونس أوهام الاستقرار الزائف ، و وهم الأمن المرتكز علي ترسانة الشرطة التي تتخصص في ترويع المواطنين ، وهكذا جاءت لحظة الثورة لتجد الأنظمة العربية نفسها، في مواجهة مباشرة ، مع الشارع العربي بغضبه المكتوم. 2- كشفت لحظة الثورة التونسية عن أن المتغير الوحيد الذي تحدد علي أساسه الدول الغربية ( دول الاتحاد الأوروبي ، والولايات المتحدة ) علاقاتها مع الدول العربية هو موقف الأنظمة العربية من التيارات الإسلامية ، فقد نظرت الدول الغربية إلي تونس علي أنها نموذج نجاح ( علماني) للتصدي للتيار الإسلامي وكبح تمدد الأصوليين ، وهذه النظرة تختزل الشعوب العربية بتنوعاتها وتباين تكويناتها الاجتماعية في حدود الجماعات والحركات الإسلامية ، وفي لحظة الثورة أكد التونسيون شعورهم بالمرارة إزاء فرنسا التي كانت في البداية تعرض مساعداتها الأمنية علي الرئيس بن علي لكبح الثورة الشعبية ، وبعد ذلك اتضح أنها لاتقدر غضبة التونسيين من أجل حرياتهم حق قدرها . والشاهد أن الثورة الديمقراطية في تونس فاجأت الولايات المتحدة وأوروبا تماما ، ولم تصدر الدوائر الغربية بيانات توضيح موقفها من الحدث إلا متأخرة، وبخجل شديد لايخفي دهشتها ، وأرسلت الولايات المتحدة مبعوثها فيلتمان للتونسيين لعرض دعمه لإرادة الشعب التونسي ، وحاولت فرنسا (الرسمية) تعديل موقفها ، غير أن الموقف التونسي بوجه عام يبدو حتي الآن حذرا من التدخلات الخارجية التي يمكن ان تزيد من الغضب الشعبي. 3 - مثلت الثورة التونسية أيضا لحظة فارقة لإثبات الصلة الوثيقة بين الثورة الديمقراطية من ناحية ، وثورة المعلومات التكنولوجية من ناحية أخري ، في القرن الحادي والعشرين ، فثورة الياسمين التونسية استعانت بالأداة العصرية التي غيرت مقاييس المكان والزمان ، كصياغة معدلة ومبتكرة للتاريخ ، لإحداث طفرة نوعية انسانية ، فكان الانترنت وسيلة ثورية مبدعة بامتياز أحسن الثوريون التونسيون تفعيلها ، وجعلها بطلا ، ضمن أبطال ومناضلين آخرين ، علي الساحة السياسية ، ومن ثمة سجل التونسيون أنفسهم كأصحاب "نموذج الثورة في زمن العولمة " بأدوات تفتح فضاءات جديدة للفعل الإنساني.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.