الفيدرالية والوحدة الوطنية

تعودتم مني دائمًا الحديث بوضوح وصراحة ومصداقية؛ لأني مؤمن إيمانًا كاملاً بأن وحدة التراب الليبى لا يمكن حتى التفكير بالمساس بها من ناحية، ومن ناحية أخرى بأن اللحمة الاجتماعية الليبية متماسكة إلى أبعد حد، شرق مع غرب، شمالا مع جنوب، وهذا شيء واقعي تؤكده الجغرافيا ويسطره التاريخ الليبي القديم والحديث.
ومن هذا المنطلق قررت تناول هذا الموضوع بكل الرغبة في إجلاء الأمور وكشف الحقائق وأبدأ مقالب هنا بسؤال مهم لم يطرح فى أى مقال أو حديث إعلامى رغم أنه قد يدور فى خلدان الكثير من الليبيين والليبيات ألا وهو: لماذا عندما انطلقت الثورة الشعبية العارمة من بنغازي والمدن الشرقية بأكملها، ومن أول يوم في 17 فبراير كان الشعب ينادي تلقائيًّا بوحدة التراب الوطني، بل يؤكون فى مظاهراتهم أن طرابلس عاصمة ليبيا الأبدية؟! وقد يتساءل البعض: لماذا الآن المنادة بالفيدرالية من الشرق مهد الثورة؟!
والإجابة على هذا السؤال تتطلب منى إلى أظهار مجموعة من الحقائق المهمة:
الحقيقة الأولى: بعد التحرير مباشرة، وبدون ترتيب منظم انتقلت الإدارة الانتقالية مجلسًا ومكتبًا فى ذلك الوقت من بنغازي إلى طرابلس، وتركت المنطقة الشرقية فى فوضى عارمة استمرت تبعياتها حتى الآن.
الحقيقة الثانية: أن الحكومة الانتقالية منذ تكوينها كان يفترض أن يكون أول أولوياتها تحديد مكونات الحكم المحلي وتعيين مسئولين عن كل منطقة من المناطق الليبية، وبسرعة مع منحهم الصلاحيات والأموال اللازمة لتسيير الشئون المحلية، حتى وإن حدثت أخطاء فى الهيكل أو الأسماء المختارة فإنها تعالج تدريجيًّا؛ وهذا القرار فى ذلك الوقت كان مهمًّا ومطلبًا ملحًا.
الحقيقة الثالثة: لم تهتم الحكومة بتشكيل لجنة فاعلة سريعة تبحث كل القطاعات والأمور التى يرجع فيها المواطن للإدارات المركزية بطرابلس وإعادة النظر فيها وإعطاء صلاحياتها للمحليات.
الحقيقة الرابعة: زيادة مركزية القرار، حتى حوافظ المرتبات فإنها تعدّ من طرابلس لفروع الهيئات والمؤسسات الموجودة في المناطق الأخرى، والشىء المهم الذي رآه المواطن من خلال الإعلام الذي أصبح ينقل كل شيء هو أنه عندما تعلن إدارة من وزارات الحكومة عن شيء فإنه يُطلب من المواطنين تقديم ملفات شخصية أو تعبئة استمارات مثل موضوع المقاتلين من الثوار أو حصر الجرحى والمفقودين وأسر الشهداء، فتبدأ الإجراءات في طرابلس ويشاهدها الناس من كل المناطق، وكان يفترض أن يتم إنهاء الإجراءات في كل منطقة، وتبدأ بداية واحدة.
كل هذه الحقائق الموجزة، وغيرها كثير، جعلت المواطن في الشرق والجنوب وحتى في بعض مناطق الغرب يشعر بأن المركزية عادت وبشكل مقيت، وأن ثورته لم تحقق له هدفًا مهمًّا وهو إلغاء بيروقراطية المركزية، ومن هنا بدأ كل فرد وكل تجمُّع يفكر حسب قدرته واجتهاده، وظهرت بل برزت فكرة الفيدرالية التي نقف عندها ونوضح وجهة نظرنا فيها:
واسمحوا لي أن أطلق على ما سأتطرق إليه "الفيدرالية الليبية" التى آراها غير الفيدراليات الأخرى التي تصل في أنحاء العالم إلى 11 شكلاً ونوعًا، كلاًّ منها يختلف عن الآخر سببًا وشكلاً ومضمونًا، فهناك فيدراليات تكونت نتيجة اختلافات عرقية أو دينية، وهناك فيدراليات تبلورت من خلال التاريخ الجغرافي للمناطق، وهناك فيدرليات أخرى فرضتها قوة السلاح والحروب بين الأطراف المتقاتلة في تلك الدول، أو المصالح الاقتصادية بين المناطق، وتمثلها إلى حد كبير الفيدرالية الأمريكية والسويسرية والإماراتية.. وغيرها.
ونحن فى ليبيا ببساطة الليبيين ثرنا؛ لكي ننهي إلى الأبد نقطتين هامتين من ضمن أهداف الثورة الكثيرة:
الأولى: أنه لا تميييز بعد اليوم بين سكان ليبيا ومناطقهم، ولا تهميش، ولا عقاب جماعي لمنطقة لعدم ولائها لحاكم، بل الولاء لله أولاً والوطن ثانيًا.
النقطة الثانية: لا يمكن لأي مواطن بعد الثورة الشعبية العظيمة أن يقبل أن يفرض عليه السفر لطرابلس أو سرت في فترة من الفترات لإنهاء حاجياته بشكل يسخر منه كل من يعرف ألف باء إدارة محلية.
وليعلم أصحاب الفكر المركزي، مهما كانت حججهم سواء بالحرص أو أن المنطقة الشرقية غير قادرة على إدارة نفسها، كما قالها أحد مسئولينا، أو العيب أو التشكيك فى قدرات الناس بتلك المناطق- أنه مهما بلغت هذه الحجج، فالرد هنا صارم: "لا.. وألفُ لا"، لن يقبل المواطن بعد 17 فبراير بالعودة للمركزية، وإذا كنتم تريدون المحافظة على الوحدة الوطنية فلتطعم الإدارات المهمة من قبل الإدارة المركزية الحالية، وينقل الخبراء إلى المناطق للعمل في الإدارات المحلية، ونعمل على تكوين الجيل القادم ليكون قادرًا على إدارة منطقته بجدارة واقتدار.
إن الفيدرالية الليبية، "الحكم المحلي اللامركزي"، التي أراها، هي أن يكون في كل إقليم بليبيا إدارة محلية منتخبة من مجلس له صلاحيات جزئية تشريعية داخل منطقته، ورئيس مجلس أو محافظ منتخب، وداخل كل إقليم عمداء بلديات ومجالس بلدية منتخبين، تنظم صلتهم الإدارية بالإقليم، أما تقسيم الأقاليم فلا يخضع للأهواء الجهوية، كتشكيل حكومتنا الانتقالية، لأن هناك معايير علمية وعوامل أساسية مثل السكان والمقومات الاقتصادية والاجتماعية والتاريخ الجغرافي- يمكن أن يتم الاستعانة فيها بخبراء أعلم قدراتهم بالأمم المتحدة مع مجموعة من خبرائنا المحليين، وما يصلون إليه من تحديد لهذه الأقاليم يتم تنفيذه بقرار يصدر بشكل قانون من البرلمان المنتخب، وعلينا هنا أن نؤكد ذلك في الدستور ونعمل في الفترة الانتقالية على البدء فيه بقرار حسب المحافظات العشرة السابقة، ويتم النظر فيها فيما بعد حسب نتائج دراسات الأقاليم.
أما الحكومة السيادية، فستكون فيها وزارت سيادية ووزرات أخرى يكون دورها فنيًّا تنسيقيًّا، فحكومتنا التي ننشدها حكومة تخطط للمخططات الإستيراتيجية لليبيا كلها، بتنسيق كامل، وتنفيذ كامل في كافة الأقاليم.
هذا هو الأمر، وأتمنى ممن له رأي أو استفسار أو حوار أن يضيف لمقالي هذا ويثريه؛ لأنى على يقين بأن قرّاءنا الأفاضل لهم آراء وطنية تفوق ما أشعر به تجاه وطني الجبيب ليبيا الحرة.
وما حدث من تجاوزات فى بيانات البعض ممن يدعون الى الفدراليه وكثير منهم لا يفهمها ولا يدرك أن اسسها وقواعدها لاتنطبق علينا ورغم أن الناس معظم الناس رفضت الفكرة لانها أرتبطت بالانفصال والتقسيم من ناحية ومن ناحية أخرى أن البعض ممن تبنوها بقوة يتخوف الليبيون من ماضيهم مع النظام القذافى ...لذلك الامر يحتاج منا الى أتخاذ الخطوات التى تؤدى الى تحقيق رغبات الناس دون المساس بوحدتنا الوطنيه والاداريه.
I_guider@yahoo.com