كان حدثا خطيرا ذلك الذي شهدته ليبيا يوم الثلاثاء الماضي في مكان ما بالقرب من بنغازي التي تعد عاصمة شرق ليبيا والذي يطلق عليه أحيانا اسم اقليم برقة فقد اجتمع اكثر من ألفين من زعماء القبائل والميليشيات في المنطقة وفي نهاية الاجتماع أصدروا بيانا اعلنوا فيه تحويل الاقليم إلي منطقة فيدرالية أو اتحادية وحاولوا في بيانهم تخفيف وقع الكلمة فاستعملوا عبارة "شبه حكم ذاتي". وحسب مفهوم الفيدرالية في عالمنا العربي - علي نحو ما هي مطبقة في العراق مع اقليم كردستان - فإنها تعني نوعا من الحكم الذاتي الموسع وتعني أيضا أن يكون للمنطقة سيادة شبه كاملة - ان لم تكن كاملة - علي ما بها من موارد وثروات بحيث تؤول إليها ولا تدخل في الميزانية العامة للدولة التي يتبعها الاقليم الفيدرالي. والفيدرالية في حد ذاتها ليست بالمبدأ المكروه فالإمارات عبارة عن دولة فيدرالية مكونة من 7 امارات تتمتع كل منها بحكم ذاتي موسع.. لكن في عالمنا العربي وفي الظروف التي نعيشها تصبح الفيدرالية في حقيقة الأمر مقدمة للتقسيم وهناك من لا يستبعد أن يعلن اقليم كردستان العراق انفصاله والتحول إلي دولة في عيد النوروز "رأس السنة الكردية" في 21 مارس. ونعود إلي ليبيا فنجد ان مثل هذا الاتجاه لم يكن خافيا علي المسئولين في الحكومة والمجلس الانتقالي لكنهم فوجئوا به يتبلور في هذا الاعلان.. وبدورهم نفي المجتمعون ان يكون ذلك محاولة للانفصال عن ليبيا مؤكدين ان الأمر لا يعدو ان يكون محاولة للاستفادة من عوائد الثروة البترولية للبلاد في الوصول إلي تنمية حقيقية للأقليم الذي ظل مهمشا في سنوات حكم الرئيس الراحل معمر القذافي وقالوا ان حكومة الاقليم سوف تتولي ادارة شئون الاسكان والتعليم بينما تتولي الحكومة المركزية الاشراف علي شئون الأمن والدفاع. ويشير هؤلاء إلي أن الفيدرالية ليست جديدة علي ليبيا وان النظام الفيدرالي ساد في ليبيا لمدة عشر سنوات عقب الاستقلال حيث انقسمت البلاد إلي أقاليم ثلاثة هي طرابلس في الغرب وبرقة في الشرق وفزان في الجنوب ثم تحولت ليبيا إلي الحكم المركزي في أواخر عهد الملكية وزادها القذافي رسوخا حين وصل إلي السلطة. وبالطبع رفضت الحكومة الليبية هذا المبرر من جانب قيادات الشرق الليبي والذي يمكن ان يكون مقدمة لاعلان اقاليم أخري وتقسيم ليبيا واكد اكثر من مسئول ان ما حدث هو من تدبير عناصر تفضل مصالحها الشخصية علي مصلحة البلاد ومنهم من اتهم دولا عربية لم يسمها بالسعي إلي تقسيم ليبيا حتي لا تمتد إليها الثورة وحاول بعضهم استخدام لهجة دبلوماسية فقالوا انهم سيعتبرون ذلك مجرد رأي شخصي ممن اعلنوه ويتمنون الا يفسر الأمر علي غير ذلك كما عارضتها بعض القيادات في الشرق نفسه وكان عبدالله ادريس عضو المجلس المحلي في بلدة جالو شرقي ليبيا قد صرح بأنه يعارض الفكرة وهدد بقطع امداد البترول عن بنغازي في حال تنفيذ الفكرة حيث تمر أنابيب نقل النفط الخام من بلدته. وقبل هذا وذاك رفض المواطن الليبي ذلك الاعلان المشبوه وقامت مظاهرات في العاصمة طرابلس وعدد من المدن ترفض هذا الاعلان باعتباره مقدمة لتقسيم ليبيا والطبيعي هنا ان تتجه الانظار في البداية إلي الواجهة التي اختار مديرو المؤامرة الاختفاء وراءها.. في الوقت الحالي علي الأقل. الواجهة هي الشيخ أحمد الزبير الشريف السنوسي الذي تم اختياره رئيسا للمجلس الأعلي لأقليم برقة وقد حرصوا علي ان يسبق اسمه لقب المناضل. وتقول المعلومات المتوافرة عن السنوسي انه ابن عم الملك ادريس السنوسي الذي اطاح به انقلاب الفاتح من سبتمبر لكنه لم يكن علي وفاق معه وهو أصلا ضابط جيش تخرج عام 1957 في الكلية الحربية في العراق ورغم ذلك لم يحصل علي أي رتبة عسكرية حيث رفض الملك ادريس منحه الرتبة بسبب خلافات مع اسرته وعاش لفترة في سوريا والعراق وقضي احمد الزبير 31 عاما في السجون في أواخر العهد الملكي وفي عهد القذافي بين عامي 1968 و2001 وبعد فترة تطول أو تقصر سوف يخرج اللاعبون الحقيقيون من وراء الكواليس.