يثير الجدل بآرائه أينما ذهب.. يجتذب المعجبين بمواقفه الساخنة، تماما كما يشعل الغضب تجاه المواقف ذاتها من جانب الرافضين له ولها، هو الدكتور "علاء الأسوانى" الذى استطاع فرض نفسه على الساحتين الأدبية والسياسية مؤخرا، حيث تمكن بمبضع جراح شديد الحرفية من اقتحام مناطق توصف دوما بأنها شائكة، خاصة عندما أعلن ثورته على تابو العلاقة التقليدية بين المثقف والسلطة، محطما فى طريقه الكثير من القيود، ومحافظا فى ذات الوقت على كثير من الثوابت مستندا إلى خلفيته ذات الطابع الوطنى بالمقام الأول، والسطور التالية تكشف لنا المزيد من التفاصيل المثيرة، من خلال الحوار التالى،،، - فى البداية باغتْنَاه بالتساؤل، هل يمكن أن يكون للأدب مكان وسط مجتمعات تعانى جُلُّ طبقاتها من أوضاعٍ معيشية سيئة؟! = بالفعل هذا ممكن جدا، وأنا أختلف فى ذلك مع الكثيرين ممن يرون أن الأدب لابد وأن يتوارى تحت ضغط الظروف السياسية أو الاقتصادية السيئة، لأننى أرى أن الناس فى ظل تلك الظروف يكونون بحاجة أشد لمن يعبر عن أزماتهم، ويقودهم نحو الضوء القابع فى نهاية النفق المظلم، وهذا فى حد ذاته ليس بالقليل، بمعلومية أن الأدب مهما كان صارخا وهادرا فلن يكون قادرا على تغيير مفردات الواقع الصعب، فقط بإمكانه أن يكون بمثابة المسبار الذى تتعرى أمامه حقيقة السلطة الفاسدة، بالتالى يكون بمثابة الموجه والمفجر للطاقات الإيجابية لكثير من الناس . - فى كتاباتك هناك خطا بأكمله يبدو وكأنه موجه ضد كل ما له علاقة بالدين، على الرغم من أنك تعيش وسط مجتمع يوصف بأنه الأكثر تدينا – ولو شكلا – بين مجتمعات المنطقة .. فما السر فى ذلك؟ = دعنى آخذ الكلمة من على لسانك وأرد بها على سؤالك، فبالفعل نحن كمجتمع سواء فى مصر أو فى الكثير من مجتمعات منطقتنا العربية، نعيش تدينا شكليا إلى أقصى حد، فما أبعدنا عن جوهر الدين عندما يتعلق الأمر بالسلوكيات والمعاملات، وبالمقابل فما أشد تمسكنا بالدين عندما يتعلق الأمر بالمظهر الخارجى – فى كثير من الأحيان وليس فى كلها بالطبع - وأحسب أن هذا يعد نوعا من النفاق الواضح، سواء من الناحية الأخلاقية أو حتى من الناحية الدينية، ومن هذا المنطلق اقترنت كثير من كتاباتى الروائية بشخصية "المتدين المنافق"، وهذا لا يعنى على الإطلاق أن لدىََّ موقفا مناهضا للدين أو التدين، ولكننى ضد كل ما يكبل حركة المجتمع باتجاه التطور للأفضل. - بعض النقاد يرى أنك متخصص فى كتابة ما يسمى بالرواية الحية، بمعنى تلك التى يكون لها ارتباط أصيل بالحياة الشخصية لكاتبها، كما تمثل ذلك – برأيهم – فى روايتك الشهيرة "شيكاجو" التى قالوا أن إحدى شخصياتها كانت فى جانب منها تجسيدا لك أنت شخصيا، فإلى أى مدى كانت رؤية هؤلاء صحيحة؟ = دعنى أجيب بالإيجاب والنفى معا، فأنا كأديب لا يمكنى أن أنعزل عن تجربتى الخاصة كإنسان وذلك فى أثناء انهماكى بفعل الكتابة، وبالتالى فبالفعل هناك جانب كبير يعبر عن بعض من تجاربى الخاصة بى على المستوى الشخصى، فى هذه الرواية وفى غيرها مما سبق لى إنتاجه، وأنا أعتبر أن شخوص الرواية لابد أن يأتى عليها لحظة تتحول فيها إلى كائنات حية لها أبعادها المكانية والزمانية بل وملامحها الإنسانية، وشيئا فشيئا تمتلك قرارها كشخصيات مستقلة، لدرجة (تبدو) معها وكأنها تتصرف من تلقاء ذاتها، بعد أن اكتسبت قوة دفع من شخصية الكاتب وروحه وتجاربه.. نعم أنا أكتب نفسى فى رواياتى...أحيانا.
- وهل يمكن أن تصل درجة استقلالية شخوص رواياتك إلى حد مفاجأة كاتبها – الذى هو أنت – بما لم تكن تتوقعه منها ضمن سير الأحداث؟ = (يضحك قائلا) حدث هذا معى بالفعل أكثر من مرة، فكثيرا ما كنت أجد أن شخصية ما تتمرد على المسار الذى رسمته لها وتفاجئنى أن بإمكانها حتى أن تتحول إلى النقيض وتخرج بالتالى عن سيطرتى، وهو دليل عملى على أن الأدب نوع من الحياه الحقيقية، رغم أن أدواته بلا لحم ودم. - يسود الساحة الأدبية فى مصر الآن ما يسمى بأدب الرواية الجديدة، فكيف تقيم هذا النوع من الأدب المعاصر؟ = ليس كل جديد فى الأدب يصلح أن تسرى عليه شروط المعاصرة، وأنا أرى أن لدينا على الساحة الأدبية فى مصر وفى عدد من دول المنطقة، ما يمكن أن نطبق عليه إرهاصات أدب جديد إلا أنه لا يزال فى مرحلة المخاض، وللأسف هناك من يتسبب فى إعاقة اكتمال نمو هذا الأدب الجديد بسبب الإصرار على استيراد جينات أدبية غربية تعتبر دخيلة على الجسد الثقافى العربى، خاصة من جانب هؤلاء الذين يتبنون نمط الرواية الحديثة الواردة من فرنسا – بحذافيرها – ظنا منهم أنهم بذلك يختصرون الطريق نحو التحديث إلا أنهم فى الواقع يساهمون فى تحويل الرواية العربية إلى مسخ مشوه.
- ألهذه الدرجة لا زلنا - كعرب – متأخرين أدبيا، حتى نستمر فى افتقاد أدواتنا الإبداعية واستقاء مفاهيمنا عن المعاصرة من الغرب، تماما كما فعلنا لعقود مضت من القرنين التاسع عشر والعشرين؟ = صدقنى إن قلت لك أن العيب ليس في المبدعين العرب وهم كُثْر، ولكن العيب فى الدخلاء ممن يرون فى جلباب الأدب سترا لضحالة قيمتهم من الناحية الثقافية، فيرون أنهم وقبل اكتمال حصيلتهم الأدبية والثقافية يتهجمون المجال الأدبى، بأعمال أدبية منقولة روحا – وأحيانا نصَّاً من نظيرات لها غربية المنبع، وللأسف أن هؤلاء يجدون لأعمالهم السوقية سوقا رائجا فيمن يرون فى أعمالهم "المنحوتة" - أى المسروقة بلغة المثقفين – إبداعات غير مسبوقة، متناسين جميعا أن الأدب العربى لم يعد على المسافة البعيدة ذاتها من نظيره الغربى، كما كان قبل عقود من الآن، ليس فقط بدليل "نوبل" محفوظ، ولكن أيضا بدليل العديد من الإبداعات العربية التى باتت تملأ دور النشر الأجنبية فى كل مكان فى العالم. - بعض المثقفين يستكثرون الدور السياسى للأديب فى مجتمعه، وأكثر من ذلك يرفضون انتمائه لأى فصيل سياسى من الأساس, فما رأيك أنت؟ = دعنى أُعَرى لك أولا هوية هؤلاء الرافضين للدور السياسى للمثقف، فهم الأولى بتوجيه النصيحة لهم، لأن معظمهم منتمِ لفصيل سياسى كبير يحكم البلد بمنطق من لم يكن معى فهو ضدى، وبالتالى هم إن لم يكونوا أعضاء غير رسميين، فإنهم مشاركون على الأقل (بالصمت المهين) فى حزب الحكومة، الذى يسبغ عليهم – بالمقابل - أفضاله ومميزاته، بدء بتسليط الضوء على أعمالهم من جانب وسائل الإعلام الحكومية التى تحتل الساحات وتستفرد بعقول جمهور المشاهدين، مرورا بتبنى نشر إبداعاتهم عبر المؤسسات الرسمية، وصولا إلى منحهم الجوائز المادية والمعنوية فى المهرجانات والمسابقات الأدبية، التى يندر أن يُسمح لأديب محسوب على معسكر المعارضة بالاقتراب من دوائر الترشيح لها، فكيف إذن يزعمون أنهم بلا دور سياسى؟ وكيف – من ثمَّ – يستكثرون على المبدع دورا سياسيا فاعلا فى مجتمعه؟؟ من ناحية أخرى فالمبدع والأديب عموما، يصعب أن يظل بعيدا عن الانخراط فى لعبة السياسة، التى تمس كل شيئ فى حياة المواطن العادى بدءا بتفاعله المباشر واليومى بمفردات النظام السياسى الذى يحكمه، وانتهاء بلقمة العيش، هذا عن الإنسان العادى .. فكيف بالمثقف الذى يرى ما لا يراه الآخرون، ويحمل على عاتقه مسئولية قلمه الذى لا يحتمل سوى الكتابة فى اتجاه واحد.. مع أو ضد .. إما لصالح ما يعتبر بصدق أنه لصالح الوطن وإما العكس، ولا شيئ بينهما. - ترى إذن أن بمقدور الأديب أن تكون له يد فى تغيير الواقع السياسى والاجتماعى لشعبه؟ لا أرى ذلك فقط بل أؤمن به، فالأديب والمثقف عموما باستطاعته تبصير شركاء الوطن بالكثير من الأمور التى قد يظنون أنها لصالحهم رغم أنها قد لا تعدُ كونها مجرد شراك خداعية، والمثقف بإمكانه أن يقود حركات التغيير – جنبا إلى جنب – مع السياسيين الإصلاحيين، خاصة هؤلاء الذين يتصدون بصدورهم العارية لسهام النقد الحكومى التى تنصب عليهم من كل حَدَبٍ وصوب إذا ما تجرأوا وجاهروا بآرائهم المعارضة دفاعا عما يرونه صالح الوطن والمواطن.
-- هل لى أن أسألك عن مثلك الأعلى كروائى؟ بالتأكيد، إنه "إرنست هيمنجواى" الذى أرى أنه أحد النادرين من الكتاب الغربيين الذى استطاعوا أن يتواصلوا بأعمالهم الروائية مع شرائح مجتمعية عديدة وليس فقط مع الطبقات العليا من المثقفين، ودعنى أكشف لك أننى لست وحدى الوحيد فى عائلتى كعاشق لإبداعات "هيمنجواى" بل إن ابنتى الصغيرة تشاركنى هذا العشق، خاصة لروايته الشهيرة "العجوز والبحر".
** من هو "علاء الأسوانى"؟ * "علاء الأسواني" هو طبيب أسنان بالأساس، قبل أن يكون أديبا يعد الأشهر على الساحة فى مصر حاليا. * وُلد الدكتور "علاء الأسوانى" فى شهر مايو من عام 1957، وهو ينتمى إلى عائلة ذات ميول أدبية، فكان والده المحامِ ( عباس الأسواني ) أديباً أيضا ولكنه لم يحقق ذات النجاح الذى حققه ابنه بالطبع. * حصل الدكتور "علاء الأسوانى" على درجة ماجستير فى طب الأسنان من الولاياتالمتحدة الأميريكية وبالتحديد من جامعة "إلينوى" بولاية شيكاجو. * كتب "علاء الأسوانى القصة والرواية, وتعتبر رواية "عمارة يعقوبيان" أشهر أعماله الأدبية على الإطلاق، وقد باتت كذلك بعد أن تحولت من نص أدبى إلى فيلم سينمائى حقق نجاحا فنيا وجماهيريا واسع النطاق. * أما أفضل أعماله – بحسب النقاد – فهى رواية "شيكاجو"، التى تكشف مدى العنصرية التى بات المجتمع الأميريكى يتسم بها خاصة بُعَيْد هجمات الحادى عشر من سبتمبر، وتأتى من بعدها من حيث التقييم النقدى رواية "نيران صديقة". * "هل نستحق الديمقراطية" هو أحدث أعماله الأدبية، وينتمى للأدب السياسى. *يعتبر الدكتور علاء الأسوانى عضوا رئيسيا فى حركة "كفاية" المصرية المعارضة. * يعتبر "علاء الأسوانى" أول أديب مصرى يتم منحه جائزة "برونو كرايسكى" التي سبق وأن حصل عليها الزعيم الجنوب أفريقى الكبير "نيلسون مانديلا". *كما منحته جامعة إلينوى بالولاياتالمتحدة الأميريكية جائزة "الإنجاز العلمى" التى تعطيها الجامعة لخريجيها الذين حققوا إنجازات علمية مهمة.