أحداث سياسية مهمة تشهدها الساحة هذه الأيام، فالأمر لم يقف عند مجرد تفكير الدكتور محمد البرادعى المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية فى ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، بل إن هناك عدة أشياء يجب وضعها فى الاعتبار مع الحديث فى هذه المسألة: فبشكل ما وكأنه القدر اجتمع على دعم البرادعى مجموعة من أصحاب القيم الفكرية والعلمية المرموقة، وهم أشخاص متحققون على المستوى المحلى بشكل كبير، وبعضهم نال وضعا دوليا مهما، وهو ما يجعل التعرض العنيف لهم من قبل النظام الحاكم أمرا عسيرا ومحرجا أمام الرأى العام العالمى، ثانيا تلا فورة قصة البرادعى وأنصاره تأسيس جماعة العمل الوطنى التى اشترك فى تأسيسها أيضا شخصيات بعيدة عن الشبهات، وزاد الأمر أهمية مؤخرا عندما أعلنت الأخيرة انضمامها وتأييدها لجمعية البرادعى، وهو ما يعطى شعورا بالجدية والبعد عن عشوائية التفكير، ثم يأتى الأمر الأهم فى المسألة والذى يعطى انطباعا كبيرا بأن هذه الحركات تختلف عمَّا قبلها، وهو تجاوب الشارع المصرى بشدة مع فكرة التغيير، واحتشاد عدد كبير جدا من المواطنين خاصة الشباب لتأييد البرادعى وجمعيته، لدرجة محاولة جمع ملايين التوقيعات من المواطنين على بيان يطالب بتغيير بند الدستور الذى يمنع ترشيح أى مواطن لرئاسة الجمهورية دون أن يكون تابعا لحزب سياسى رسمى. ولكن أين الكتاب والمبدعون من كل هذا؟. سؤال يطرح نفسه بشدة، فباستثناء الكاتب د.علاء الأسوانى الذى يشارك كعضو فى اللجنة التحضيرية للجمعية الوطنية من أجل التغيير، والكاتب بهاء طاهر الذى يشارك فى جمعية العمل الوطنى، لم نسمع عن مشاركة أى من الأدباء بشكل فعلى فى هذه الحالة، فهل يرجع هذا لعدم اقتناعهم بهذه الحركات السياسية، أم أنهم لا يعرفون طريق المشاركة، أم أن التاريخ السياسى للأحزاب والحركات الأهلية غير مشجع على المشاركة؟. أجرينا استطلاعا بين مجموعة من أبرز الكتّاب على الساحة الثقافية، لنعرف ما سر غيابهم عن هذا النشاط السياسى. بعضهم قال إن الأديب لا يجب عليه المشاركة فى السياسة ويكفيه دوره كأديب، والبعض الآخر لا يمانع على الإطلاق فى المشاركة ولكنه لا يعرف كيف يشارك بشكل حقيقى، وأحدهم يرى أن الأدباء تم تغييبهم بشكل متعمد. فى البداية فضل الكاتب د. علاء الأسوانى أحد أعضاء اللجنة التحضيرية للحركة «المصرية من أجل التغيير» عدم توجيه نقد لأى من الكتاب، ولكنه اقتنع بالحديث على سبيل التوضيح باعتبار أنه أبرز الكتاب المشاركين فيما يحدث. يرى الأسوانى أنه «إذا لم تكن مشاركا ومدافعا عن حقوق المصريين المحرومين من الحياة الآدمية، وإذا لم تكن على استعداد للدفاع عن مصالحهم العامة، فلا خير فيما تكتبه ولست بكاتب حقيقى»، لأن الكتابة فى تقدير الأسوانى هى إحدى وسائل الدفاع عن القيم الإنسانية فى الأساس، «ولا يمكن ككاتب أن أدافع فى المطلق وأتقاعس عن المشاركة فى محاولة إقامة الحرية والعدل فى بلادى» ويضيف: «أتمنى ممن يجادل فى هذه المسألة أن ينظر ليرى كيف يتصرف كبار الأدباء العالميين فى الدفاع عن حقوق الإنسان» واستدل بالأديب الكولومبى العالمى «جابرييل جارثيا ماركيز» قائلا «إن ما فعله هذا الرجل مثلا تجاه القضية الفلسطينية أكثر بكثير مما فعله العديد من الأدباء العرب، لأن مفهوم اتصال الخاص بالعام ودور الأديب فى العمل العام منتشر على مستوى العالم». ولكن أليس من المحتمل أن يكون هناك من يريد المشاركة ولكنه لا يجد الحافز الحقيقى؟. يجيب الأسوانى: «أهناك حافز أكثر مما نحن فيه؟. لقد وصلت مصر إلى الحضيض، وهناك أربعون مليون مصرى على الأقل يعيشون حياة غير آدمية، والبلد يورث وكأنه مزرعة من الدواجن من الأب إلى الابن، ماذا نريد أكثر من هذا لكى نتحرك»؟. سألنا الأسوانى عن احتمال شك المثقفين المصريين فى مدى فاعلية حركة الدكتور البرادعى، وربطها بالحركات الضعيفة أو التى بنيت على أسس خاطئة، مما قد يقلل من حماسهم تجاهها فقال «كنت مشاركا فى كل الحركات التى تتحدث عنها تقريبا، وكانت بالفعل لدينا هذه المشكلة باستثناء حركة كفاية، ولكن الأمر فى حالة الجمعية الوطنية من أجل التغيير مختلف، لأن الحركات السابقة كانت تشهد حماسا من الموجودين داخل غرف الاجتماعات، ولكننا نجد العكس فى حالة البرادعى، فالحماس والاحتشاد الذى يأتى من الشارع يتجاوز حماس واحتشاد النخبة. وفيما يخص ما نشرته بعض الصحف حول الخلاف الذى حدث بين الأسوانى وبين الدكتور حسن نافعة منسق الجمعية، شدد الأسوانى على التأكيد أن الأمر لم يتعد الخلاف العادى فى وجهات النظر، وهو المطلوب «لأننا لن نجتمع لنتفق فقط»، مضيفا أنه يعتز بصداقة نافعة ويكن له كل التقدير والاحترام. «أهلا وسهلا بالحركات السياسية، لكننى لن أنضم إليها أو أساند هذه أو تلك، فلا أجد ضرورة لهذا، لأننى كاتب وأعبر عن نفسى بطريقتي».. هكذا لخص الروائى الكبير خيرى شلبى رأيه فى هذه المسألة، حيث يرى أن الأديب لا يجب عليه الانضمام لأى أحزاب أو حركات سياسية، لأن عمله الوطنى فى الأساس هو الكتابة والوقوف مع المظلومين والمقهورين، والارتقاء بذائقة القارئ، وخلق مواطن صالح. فالكاتب الذى يعمل بالسياسة مباشرة من وجهة نظره يفقد حرصه على الأديب الذى بداخله، ويلوث براءته وطهارته، يقول إن «السياسة عمل مطاط، يستوعب كل الأساليب بما فيها المنكرة، والتى لا يرضاها الكاتب». هذا هو موقف الكاتب عامة من وجهة نظر خيرى شلبى، أم على مستواه الشخصى، فإنه غير مؤمن بهذه الحركات التى يراها «فوقية» ولا تغوص فى حقيقة مشاكل المصريين، ورغم عدم اقتناعه بها إلا أنه لا يعارض قيامها، وقيام أحزاب نابعة من القاع، ويناصرها عن بعد إذا استشعر أنها تسير فى خط سليم وتعمل من أجل الارتقاء بحال الوطن، وبعيدا عن الذين يبحثون عن مكاسب شخصية. وينصح صاحب «وكالة عطية» الحكومة بعدم التعامل مع الحركات السياسية بعنف، لأن هذا سوف يولد عنفا مقابلا، ولن يستطيع أحد إيقافها عن طريق العنف، لذا فيجب ترك أفرادها يعملون بحرية طالما ذلك فى إطار الشرعية القانونية. النقطة المهمة التى أشار إليها شلبى أن الشعب المصرى الآن فى طريق الوعى الكبير، وهذا هو ما يطمئنه إلى أنه «لا رجوع إلى الوراء بعد الآن». الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، أعرب عن سعادته البالغة بحركتى التغيير الأخيرتين، معتبرا إياهما من أهم ما حدث فى تاريخ مصر الحديث، وأنهما دلالة صحةٍ حقيقية فى المشهد السياسى والثقافى المصرى. ورحب أصلان بكلتا الجماعتين، مشيرا إلى ثقل الأسماء التى تضمها كل منهما، لكنه قال إن مثل هذه الجماعات قد تأخرت كثيرا، وأنه وأبناء جيله من المتهمين بمقاطعة الحياة السياسية، قد ابتعدوا عن المشهد السياسى بسبب الإنهاك، التكاسل ربما، لكن السبب الأهم كان غياب الجماعات السياسية ذات الطابع الجاد، وهو ما يتوسمه أصلان فى الجماعات الجديدة. وأعلن الرجل استعداده للمشاركة فى أى من حركات التغيير الحالية، سواء بشكل رسمى منظم أو غير ذلك، موضحا أنه يعتبر نفسه جزءا من هذا التيار الوطنى خصوصا الذى يضم البرادعى. وأشار الرجل إلى أن هذا الأخير لم يعد يمثل خطرا على النظام وحده، ولكن على المعارضة أيضا، لأن حالة الحراك التى أحدثها المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ ظهوره، قد أحرجت المعارضة، حيث جعلتها تدرك أنها على مدار كل هذه السنوات لم تقدم شيئا. وطالب أصلان المعارضة المصرية الرسمية بالتوقف عن المزايدة على بعضها أو على البرادعى، كما لفت إلى ثقل الأسماء المطروحة فى كلٍ من الجمعية الوطنية للتغيير، وجماعة العمل الوطنى، مما يغرى كل منهم بأن يتوسم فى نفسه الزعامة، مؤكدا على أن الظرف الحالى لا يتطلب سوى إنكار الذات، والالتفاف حول الأهداف التى لا خلاف عليها. الكاتب إبراهيم عبدالمجيد مقتنع تماما بالحركات السياسية القائمة حاليا، ومستشعر تأثيرها فى الشارع، يقول «يبدو أن هناك بداية جديدة قد تختلف عما قبلها، لأن الدكتور محمد البرادعى شخصية مهمة وبارزة على المستوى المحلى والدولى، ومهموم بتغيير الدستور، وهى النقطة التى أهتم بها بشكل شخصى، وأطالب بها طوال الوقت بمقالاتى فى الصحف المصرية». ولكنه قلق من تعدد هذه الحركات، ويرى أهمية أن تكون يدا واحدة، وإذا لم يحدث ذلك «سوف يستغل النظام الحاكم هذا التفرق وسوف تفاجأ باتفاقه مع جماعة الإخوان المسلمين مثلا وهو ما حدث من قبل». ولكن المشكلة التى يراها صاحب «عتبات البهجة» هى أن الكتاب فى مصر ومنذ سنوات كثيرة أصبحوا مغيبين بشكل كبير، وباتوا يشعرون بنوع من الاستغناء عنهم، حتى جيلى الستينيات والسبعينيات اللذين اهتما بالعمل السياسى أصبحا مفصولين عما يحدث، وبالنسبة للأجيال الجديدة فاهتمامهم واقع على الأدب فقط دون السياسية وهذا ليس عيبا، ولذلك يجب على قادة الحركات السياسية أن يتواصلوا معهم. بما أنك تستشعر مصداقية فى حركة الجمعية الوطنية من أجل التغيير لماذا لم تبادر بالتعاون معها؟. يجيب عبدالمجيد: «بالعكس.. فإلى جانب مناصرتى لنفس الأفكار عن طريق الكتابة فى الصحف، انضممت للمجموعة التى تناصر البرادعى وجمعيته على موقع الفيس بوك، وليس لدى مانع على الإطلاق أن أشارك فيما يحدث، لكننى لا أعرف كيف يتم هذا»، ويكمل: «وسائل الاتصال بى متاحة طوال الوقت ولو تمت دعوتى لاجتماعات أو نشاطات من أى نوع فلن أتأخر عن المشاركة». ويصر عبدالمجيد على ضرورة التعاون بين هذه الحركات فيما بينها وبين الأحزاب الرسمى، لأن بعض هذه الأحزاب حتى وإن تقاعست فى السنوات الأخيرة عن أداء دورها، فإنها بدأت فى القناعة بضرورة التحرك فى الاتجاه الصحيح. القاص والروائى سعيد الكفراوى اعتبر أن غياب المجتمع المدنى القائم على التعددية والأحزاب السياسية وسيادة القانون والجمعيات الحرة هى من أهم الأسباب وراء ابتعاد المثقفين عن المشاركة فى العمل السياسى، وقال إن «ظاهرة البرادعى» على حد تعبيره أفرزت 3 فئات من المثقفين الأولى تناصر البرادعى كنموذج للتغيير، والأخرى تقف مع السلطة حفاظا على مواقعهم وما حققوه من مكتسبات فى ظل نظام يوليو، والفئة الثالثة لم يتحدد موقفها بعد، وقال إنه إذا صح أن نطلق عليه تقوقعا من جانبهم عن المشاركة الفعالة فى العمل السياسى فإن مرجع ذلك هو أن السلطة استبدلت نفسها بكل المثقفين والشعب، وما وصفها بالديمقراطية المزيفة التى سطحت مواقف المثقفين، واستدعى الكفراوى فى هذا الصدد مواقف المثقفين النضالية خلال فترة الستينيات معتبرا أنها كانت أزهى عصور اشتباك المثقفين فى الحياة السياسية. أما الكاتبة د. سحر الموجى فقد انضمت بالفعل للجمعية الوطنية للتغيير «جبهة البرادعى»، وهى ليست الحركة الاحتجاجية الأولى التى تنضم إليها الموجى، فقد كانت إحدى الناشطات بحركة «أدباء وفنانون من أجل التغيير»، التى انبثقت عن حركة كفاية عام 2005، وضمت العديد من المثقفين والكتاب والموسيقيين ونجوم السينما وغيرهم. الفرق بين هذه الجماعة وجماعتى التغيير الأخيرتين، هو فى رأى سحر فئوية وخصوصية المطالب، لكنها كانت أيضا تجمعا جريئا تأسس أيام الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بعد إجراءات القمع، وحوادث التنكيل، والتحرش التى تعرض لها الناشطات والصحفيات المعارضات للنظام الحالى، وتم حصارها أمنيا وقمعها. فى هذا السياق، أكدت الكاتبة ازدهار حركات العمل السياسى فى الفترة الأخيرة، حتى لو جاءت النهايات أقل ثورة، مؤكدة على أن احتضار حركة ما ولتكن حركة كفاية، لا يجب أن يلهينا عن لمس أثارها، وأن الجماعات الجديدة هى امتداد الجماعات الأسبق. سحر أعربت عن تفاؤلها بجماعات العمل الوطنى الجديدة، رغم غموض النتائج حتى الآن، وقالت إنها تتبنى أهداف كلٍ من الجماعتين، لكنها تتمنى ألا يظل السجال مجرد ملاسنات مابين هذه الجماعات والنظام، وكذا جماعات المعارضة الرسمية أو الأحزاب، التى قالت إنها لا تثق فيها، مؤيدة بذلك رأى أصلان فى كون هذه الأخيرة قد فشلت على مدار 30 عاما فى تقديم أى جديد للحياة السياسية المصرية. وأضافت الموجى أنه لا يوجد ما يمنع الحركات الجديدة من النجاح، إذا ما قرر أعضاؤها التنازل عن مصالحهم الشخصية الصغيرة لصالح الأهداف الكبرى، وزادت أن اللحظة السياسية الحالية مختلفة، لكنها بعد غير واضحة المعالم، وأن ما يمنح الأمل هو ثقل واستقلال الأسماء المنحازة لقضية التغيير. «الكُتاب كسالى فعلا فى حركتهم»، هكذا تحدث الكاتب محمود الوردانى فى اعتراف منه بعدم انخراط المثقفين كما ينبغى فى الحراك السياسى الدائر، ولفت إلى أن الدكتور علاء الأسوانى يمثل المثقفين المحترمين فى «الجمعية الوطنية للتغيير» التى تم تدشينها أخيرا، وفى الوقت نفسه اعتبر الوردانى أن النظام الذى يحكم منذ 30 عاما أخصى الحياة السياسية فى مصر وأفقد الكتاب استقلاليتهم وجعلهم أكثر ميلا للإحباط، على الرغم أن المثقفين المصريين كانوا دائما فى طليعة حركات الغضب، وعبر عن أمله فى أن يسارع المثقفون فى المشاركة والانضمام لهذا الجدل الدائر حول ترشيح البرادعى والتعديلات الدستورية، وقال إن شعوره العام بالبرادعى طيب، وأنه يرجو أن يقود البلاد فى اتجاه تغيير قوانين الدستور التى تعوق عملية الترشيح لرئاسة الجمهورية، وأضاف أن ترشحه فى ظل هذه القوانين، التى لا تسمح لأحد أن يحظى بهذا المنصب سوى بمباركة الحزب الحاكم ،سيكون بمثابة التمثيلية،وعبر عن أمله فى ألا يشارك البرادعى فى هذه التمثيلية بأى حال وأن يظل ينادى قبل ذلك بتعديل الدستور، واعتبر الوردانى أن الكثير من الحقوق المنتزعة لتفعيل الاحتجاج كان من جانب حركات قوامها الأول هم المثقفون وعلى رأسهم حركة «كفاية». الكاتب والروائى مكاوى سعيد اعتبر أن جزءا مهما من عزوف المثقفين عن المشاركة فى الكيانات الاحتجاجية الحالية هو إحباطهم من نشاطها وفاعليتها، ووصفها بأنها باتت حركات إعلان مواقف وبيانات وحسب، الأمر الذى جعلها تفقد جاذبيتها بالنسبة للمثقف للانضمام إليها، وقال إن المشروع الأدبى والإبداعى للكاتب أصبح هو الوثيقة الأهم فى الاحتجاج، وأضاف إنه متفائل ب«حالة البرادعى» القائمة الآن ولكنه فى انتظار إعلانه لمزيد من خططه من أجل التغيير الفعلى، وانتقد مكاوى فى الوقت نفسه تنظيم «الجمعية الوطنية للتغيير»،التى أطلقها البرادعى الشهر الماضى، لعدم اهتمامها بدعوة تكتل أكبر من المثقفين وعرض موقفها من التغيير والإصلاح أمامها، معتبرا أن هذه الدعوة كانت من الممكن أن تكسبها أرضية أوسع من جانب المثقفين. الفنان التشكيلى د. صلاح عنانى، رئيس مجلس إدارة أتيليه القاهرة، لم يبد تفاؤلا أو تشاؤما تجاه الجماعات السياسية الجديدة، لكنه شكك فى قدرة الجماعات النخبوية على إحداث أى تغيير، وقال عنانى الذى يبدو أنه بعيد عن مجمل هذه الإجراءات السياسية، إن التغيير لا بد أن يأتى من القاعدة، أى من خلال جماعة بشرية أو اجتماعية (طبقة أو فئة) من مصلحتها التغيير، وإلا فلن تستطيع فى رأيه أى قيادة باستثناء الأنبياء فى توجيه الناس نحو الجديد. عنانى الذى يعلن دائما معاناته من طريقة تعامل المصريين مع قضايا التغيير، خاصة بعد توليه إدارة أتيليه القاهرة، الذى عانى مؤخرا من أزمات كادت تطيح به، اعتبر أن «الرغبة فى التغيير» عنوان رائع، لكنه يحتاج لتنفيذه إلى ما وصفه بإرادة التغيير، والتى قال إنها تحتاج للارتكاز على قاعدة شعبية وليست نخبوية. وأشار الرجل إلى أن مصر فى طريقها بالفعل نحو التغيير لكنها تسير ببطء، مرجعا ذلك إلى ما سماه ببطء الشعب المصرى ذاته، وتعقد تركيبته الاجتماعية والنفسية. وتابع أن الشعب قد نضج الآن بالقدر الكافى لتمكينه من اتخاذ قرار التغيير وتنفيذه، وأن النظام يعرف ذلك، لذا يسمح بتجريب مجمل السيناريوهات أو البروفات الحالية التى من ضمنها حركات العمل السياسى. واستدرك قائلا: إن هذا الشعب رغم ذلك سريع القفز، ويمكن أن يصل خلال عشر سنوات فقط إلى نتائج غير مسبوقة، مستشهدا بما حدث من طفرة نهضوية خلال فترة حكم محمد على، رغم ما كانت تعانيه مصر من تخلف أثناء حكم المماليك، تراكم عليه مجىء الحملة الفرنسية وغيرها.