«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية مياه النيل.. بين التشدد الأفريقى واللامبالاة المصرية – فاروق جويده - الشروق
نشر في مصر الجديدة يوم 04 - 07 - 2010

تنتابنى حالة من الخوف الشديد فى الفترة الأخيرة بسبب قضية مياه النيل والصراع المعلن بين دول المنبع ودول المصب.. هناك مؤشرات كثيرة تحمل المزيد من المخاوف والمخاطر لأن دائرة الخلافات تتسع ودول المصب تندفع نحو مستقبل غامض مجهول لا يعرف أحد مداه..
إن التصريحات التى تحملها وسائل الإعلام فى هذه الدول خاصة إثيوبيا تعكس مواقف غريبة وجديدة تحمل الكثير من التساؤلات عن أسباب ذلك كله وهل هناك أياد خفية تحرك هذا الشعور الطاغى ضد مصر والسودان.. وما مبررات ذلك كله؟
إن هناك سجلات طويلة من العلاقات الطيبة التى امتدت سنوات طويلة بين دول حوض النيل سواء كانت دول المنبع أم دول المصب.. وهناك روابط وثيقة ربما كان النيل أقدمها وأقواها وأكثرها تأثيرا.. ولكن الغريب فى الأمر هذا التحول الخطير فى مسيرة هذه العلاقات والتى توشك أن تصل إلى طريق مسدود أمام اتفاقات واستقطابات ومحاولات فرض سياسة الأمر الواقع دون النظر إلى أى حقوق أو حقائق تاريخية.لقد شهدت الفترة الأخيرة عمليات تصعيد يبدو أنها مقصودة .. وبدأت الصحافة العالمية تناقش قضية مياه النيل على أنها واحدة من أكثر القضايا سخونة والتى تهدد الأمن والاستقرار فى أفريقيا.
فى دول المنبع عمليات تصعيد إعلامى وسياسى فلم يكتفِ المسئولون فى هذه الدول بالتصريحات الصحفية أو الأحاديث التليفزيونية التى تنتقد الموقف المصرى وتتهمه بالأنانية وسوء التقدير ولكن على المستوى السياسى والاقتصادى هناك إجراءات اتخذتها حكومات هذه الدول تؤكد أن سياسة الأمر الواقع هى الطريق الذى اختارته هذه الحكومات. على جانب آخر، فإن ردود الفعل على الجانب المصرى تتسم بالهدوء الشديد الذى يصل أحيانا إلى درجة اللامبالاة أمام ثقة زائدة فى أن الأمور ما زالت فى يد القرار المصرى رغم كل ما حدث.
إذا كانت دول المنبع تبنى مواقفها على أسس من الواقع لأن المياه تأتى من أراضيها ولأن الأمطار تسقط على جبالها فإن الموقف المصرى لا يقوم على أسس من الواقع أكثر من مجموعة اتفاقيات دولية قديمة يرى البعض أنها لن تغير كثيرا من الأمر الواقع الذى تسعى دول المنبع إلى فرضه على الجميع بما فى ذلك المجتمع الدولى.
إن دول المنبع تبنى معظم حساباتها على الأمر الواقع، بينما نبنى نحن حساباتنا على الأوراق والاتفاقيات واللوائح.. وفى تقديرى أن الموقف المصرى والسوادنى تنقصهما أشياء كثيرة وكان ينبغى أن يبدأ ذلك الآن.
لابد أن تشعر هذه الدول بخطورة ما تقوم به وأن الأمر يمثل تهديدا لا يمكن السكوت عليه لأن مياه النيل تحكمها اتفاقيات تاريخية ملزمة.. وإذا كان الواقع الجغرافى والمناخى يعطى هذه الدول أمرا واقعا ملزما فإن مجرى النهر الذى يعبر من آلاف السنين أرض السودان ومصر يمثل واقعا جغرافيا وتاريخيا ملزما لهذه الدول.
إذا كانت هذه الدول تمتلك الأرض التى تسقط عليها الأمطار فإن دول المصب تملك الأرض التى يجرى النيل فيها.. إن هذا يشبه القلب الذى يضخ الدماء فى الشرايين لكى يعيش الإنسان.. لا قيمة للقلب بدون الشرايين التى تنتشر فى الجسد كله.لابد أن تشعر هذه الدول بخطورة ما تفعل، ولا أدرى ما هى الوسائل التى يمكن أن تحمل هذه الرسائل لشعوب هذه المنطقة وحكامها والمسئولين فيها من أصحاب القرار.
إن الواضح أن هناك حملة طويلة لم نكن على علم بها سبقت قرارات ومواقف هذه الدول.. الحملة غيرت الكثير من مفاهيم الشعوب فى هذه المنطقة ومواقفها ومشاعرها تجاه مصر والسودان. إن الواضح أن شعوب دول المنبع قد غيرت أفكارها ومواقفها تجاه دول المصب.. هناك حالة من عدم التعاطف مع مصر والسودان وربما سبق ذلك حملة تمهيد واسعة سبقت قرارات الحكومات على المستوى الشعبى وقد ساعدت على ذلك عوامل كثيرة.
إن العلاقات بيننا وبين هذه الشعوب قد شهدت مراحل فتور طويلة تقطعت فيها جسور التواصل والمودة.. كانت هناك علاقات تاريخية على المستوى السياسى والاقتصادى والدينى والثقافى.لقد نسينا العلاقات القوية التى كانت تربط الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وإمبراطور الحبشة هيلاسلاسى وزياراته السنوية لمصر والحفاوة التى كان يلقاها على ضفاف النيل.
لقد نسينا العلاقات الدينية التاريخية بين الكنيسة القبطية فى إثيوبيا والكنيسة المصرية قبل انفصالهما.. لقد تراجعت هذه العلاقات فى كل صورها ابتداء بالزيارات الرسمية وتبادل الوفود وانتهاء بالمشاركة فى المناسبات الدينية المشتركة.
لقد نسينا دور الأزهر الشريف وبعثاته وقراء القرآن الكريم فيه وهم يطوفون هذه المناطق ويؤكدون العلاقات التاريخية القديمة.كانت مدينة البعوث الإسلامية تضم آلاف الطلاب الذين يدرسون فى جامعة الأزهر من شباب هذه الدول ويعودون كل عام إلى بلادهم يحملون أجمل الذكريات عن مصر هبة نيلهم الخالد.
لقد أغلقنا شركة النصر للتصدير والاستيراد والتى كانت تنتشر فى كل دول أفريقيا بما فيها دول المنبع وقد شهدت هذه الدول علاقات اقتصادية قوية مع مصر.. ولا أحد يعرف لماذا اختفى الوجود المصرى فى هذه الدول ومن هو العبقرى الذى أصدر قرارات تصفية هذه الشركة العملاقة فى كل دول أفريقيا.

لقد نسينا عشرات الوفود التى كانت تسافر إلى هذه الدول وتشارك فى المؤتمرات والمهرجانات واللقاءات فى كل جوانب الأنشطة السياسية والثقافية والاجتماعية.. لقد أغلقت مصر تماما بوابتها نحو أفريقيا لأسباب مجهولة وهى الآن تدفع ثمن ذلك كله فى هذه الأزمات المتلاحقة التى تطاردنا من كل جانب.
إن هناك أخطارا أخرى قادمة غير تلك الأخطاء التى ارتكبناها فى سنوات مضت.. إن ملف جنوب السودان من أكبر هذه المخاطر التى تهدد قضية مياه النيل سواء لمصر أو السودان.. إن جهابذة الأفكار المريضة فى مصر والسودان للأسف الشديد يرحبون باستقلال جنوب السودان وإعلانه دولة مستقلة وينسى هؤلاء أن تقسيم السودان سوف يضاعف من مخاطر قضية مياه النيل فى السنوات القادمة.. إن وجود دولة كاملة السيادة بين دول الشمال ودول الجنوب.. وهذه الدولة سوف تحكمها روابط عرقية ودينية وتاريخية بدول المنبع ستكون أكثر ولاء حرصا على انتمائها للجنوب لأن مصالحها الأقرب مع دول المنبع وليس دول المصب.
إن الأخطر من ذلك كله ما أشار إليه الزعيم السودانى السيد الصادق المهدى أخيرا فى ندوة أقامها فى الخرطوم حول قضية مياه النيل وأشار فيها إلى أن اتفاق توزيع الثروة فى السودان بين الشمال والجنوب لم يشمل مياه النيل.. وهذا يعنى أن قضية توزيع مياه النيل بين الشمال والجنوب ستبقى ملفا مفتوحا بين شمال السودان وجنوبه فى السنوات القادمة.. وسوف يكون من مصلحة الجنوب بعد استقلاله أن ينضم إلى دول المنبع فى قضية توزيع المياه؛ فهى الأقرب والأقدر على أن تمنحه ما يريد.
لقد ثار غبار كثيف فى الأيام الأخيرة بين القاهرة والخرطوم حول تصريحات أدلى بها وزير خارجية السودان الجديد حول غياب دور مصر فى قضايا السودان ولاشك أن تصريحات الوزير السودانى فيها الكثير من الحقيقة خاصة ما يتعلق بقضايا تقسيم السودان وهذا المستقبل الغامض الذى ينتظره فى ظل قيام دولة مستقلة فى الجنوب وأخرى فى دارفور..
سوف يتم تقسيم السودان بعد شهور قليلة مع مطلع العام القادم ولا شك أن هذا التقسيم سوف يحمل الكثير من المخاطر لملف مياه النيل.. فى مصر والسودان تيارات تخفف كثيرا من عبء هذا التقسيم بل وتبارك آثاره، رغم أنه يحمل دلالات كثيرة خطيرة، خاصة أنه يتم فى ظل تهديدات لمستقبل المياه فى مصر والسودان.. لقد بدأت كارثة ملف مياه النيل من جنوب السودان منذ أكثر من عشرين عاما حين اشتعلت الحرب الأهلية بين أبناء الشعب الواحد ولعبت أطراف دولية كثيرة أدوارا مشبوهة فى هذه المعارك وصلت بالسودان إلى ما نراه الآن من مشاكل وانقسامات ومستقبل يهدد وحدته.
لقد تأخرت مصر كثيرا فى مواقفها تجاه السودان وملف مياه النيل وعلاقاتها بدول المنبع.. لقد تأخرت ربع قرن من الزمان وربما أكثر.. واكتفينا بعلاقات دفعنا ثمنها ولم نجنِ منها شيئا غير المتاعب والأزمات.
مازلنا ننظر شمالا حيث تتزاحم الوفود كل يوم للسفر إلى دول أوروبا وتحولت أفريقيا فى نظر المسئولين وأصحاب القرار إلى عبء طويل ومحنة دائمة لكل من يسافر إليها.. كان السباق نحو الشمال هو شغلنا الشاغل ابتداء بالصفقات والمشتريات وانتهاء بعمولات شركات السيارات والبترول والخدمات.
لقد تجاهلنا دول أفريقيا سياسيا وثقافيا وحضاريا ولا نعرف الآن من أين نبدأ معها.. نحن أمام حكومات تقول إنها تدافع عن مصالح شعوبها.. وشعوب لا تعرف شيئا عنا خاصة أجيالها الجديدة التى لا تذكر من الماضى شيئا.. إنهم يقولون أنتم تبيعون البترول فلماذا لا نبيع المياه وهناك من يرغب فى شرائها منا.. إن إسرائيل تعرض دائما شراء المياه من إثيوبيا من خلال خطوط أنابيب عبر البحر الأحمر، كما أنها تعرض شراء المياه من تركيا عبر خطوط أنابيب فى البحر الأبيض المتوسط.. فإذا كانت الدول تشترى البترول والغاز وتنقله عبر خطوط الأنابيب فلماذا لا تبيع دول المنبع مياه الأمطار ولديها من يشترى الماء بأعلى الأسعار؟
إن القضية الآن تدخل مناطق كثيرة وتزداد الأزمة تعقيدا.. والمطلوب منا أن تكون مواقفنا أكثر تفهما وأكثر حسما.
نقطة البداية ألا نتعامل مع الأزمة بهذا التراخى وعدم اللامبالاة خاصة فى تصريحات المسئولين عندنا.. أحيانا أسمع واقرأ تصريحات للمسئولين فى الرى والخارجية واشعر أننا أمام أزمة عابرة وخصومة يمكن أن تنتهى فى لقاء عابر رغم أن الكارثة أكبر من ذلك بكثير..
ألا نتعامل مع القضية من خلال وسائل الإعلام سواء من جانب دول المنبع أو من جانبنا أن القضية تحتاج إلى حوار على أعلى مستويات القرار.. وقد اقترحت إنشاء مؤسسة جديدة تخضع لرئاسة الجمهورية إداريا حتى ولو كانت وزارة مستقلة لشئون أفريقيا وحوض النيل.
لابد من توسيع دائرة التواصل بين دول حوض النيل.. وهناك دول تربطنا بها علاقات خاصة وعميقة.. ولا مانع من دراسة ملف مياه النيل مع أطراف إقليمية مجاورة مثل إريتريا والصومال وجيبوتى لأن هذه أوراق لم تلعبها مصر بعد ويجب أن نضعها فى الاعتبار حتى وإن كانت ظروفها الداخلية تمنعها من القيام بدور ما فى الحاضر فإن أدوارها قادمة.. إن ملف مياه النيل طويل الأجل ويحتاج إلى نفس طويل ويجب أن تكون هناك أولوية خاصة لجنوب السودان سواء بقى موحدا أو دخل دائرة التقسيم وإن كان العقلاء فى البلدين مصر والسودان يتمنون لو بقى السودان دولة واحدة..
لأن تقسيم السودان يمكن أن يكون نقطة البداية لأزمات أكبر.لا بد أن تعيد مصر مواقعها القديمة فى دول حوض النيل.. إن ذلك لا يمكن أن يتحقق فى وقت قصير ولكن المهم أن نبدأ خاصة أن وقت الأزمة يمكن أن يطول لأن المياه لن تتوقف بين يوم وليلة.. إن نقص مياه النيل سوف يستغرق سنوات وفى هذا الوقت تستطيع مصر أن تغير حسابات كثيرة على المستوى السياسى والاقتصادى والجغرافى.
تستطيع مصر أن تغير الخريطة السياسية بما يضمن مصالحها وتعيد ترتيب الأولويات والأدوار والمصالح.. يجب أن تتجه عيون مصر جنوبا إلى السودان وجنوب السودان ودول حوض النيل.. يجب أن ندرك أن الاتجاه شمالا جعلنا نفرط فى أشياء كثيرة دفعنا ثمنا وسوف ندفع أثمانا أكثر فى المستقبل.
يجب أن تعود العلاقات الاقتصادية مع هذه الدول بحيث تصبح مصر عاملا مؤثرا فى حياة هذه الشعوب ومستقبلها بما يحقق مصالح الطرفين هناك صراعات اقتصادية عنيفة وحادة بين القوى الاقتصادية فى هذه المنطقة..
إن الصين تحاول أن تمد نفوذها وقد نجحت فى ذلك كثيرا أمام سلع رخيصة وعمالة مدربة وخبرات تبيعها بأرخص الأثمان.
إن الهند لديها مطامع كثيرة فى دول الخليج وشرق أفريقيا وهى قادرة على أن توجد بشريا واقتصاديا وسياسيا فى هذه الدول من خلال إمكانياتها وتقدمها العلمى.إن إسرائيل تسعى لتأكيد وجودها فى البحر الأحمر ولديها استعداد لأن تفعل أى شىء فى سبيل ذلك كما أن لها رصيدا ضخما من العلاقات مع دول شرق أفريقيا خاصة إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو.
تستطيع دول الخليج العربى أن تبنى جسورا قوية مع هذه الدول خاصة أن المسافات بين هذه الدول والساحل الأفريقى قصيرة جدا ولابد من التنسيق بين هذه الدول والدور المصرى السودانى بما يخدم مصالح جميع الأطراف.
هناك مشروعات كثيرة يمكن التعاون فيها وفى مقدمتها الزراعة والتكنولوجيا المتقدمة والتدريب والاتصالات والطرق والكهرباء والنقل ومشروعات الرى.. إن الوجود المصرى فى هذه الدول هو أفضل الوسائل لتغيير هذا المناخ الفاسد الذى أفسد العلاقات بين أبناء حوض النيل مصبا ومنبعا..
لقد ألقت دول المنبع بالقفاز فى وجه دول المصب واستطاعت فى أيام قليلة أن تضع العالم كله أمام حقائق جديدة وفى تقديرى أن الموقف كان يحتاج إلى ردود أفعال تتناسب مع خطورة ما حدث.. ليس معنى ذلك أن نعلن الحرب ونرسل القوات العسكرية لأن ذلك أمر غير وارد ولكن يجب أن نستخدم كل أساليب الضغط ولدينا أوراق كثيرة يمكن أن نستخدمها.. لدينا الأموال العربية التى يتم استثمارها فى المشروعات الزراعية.. ولدينا قناة السويس وهى ورقة قد يرى البعض استحالة دخولها فى هذه الحسابات أمام التزامات دولية تفرض المرور فيها.. ولكن حين يتعلق الأمر بالحياة أو الموت فلا مجال لحديث عن التزامات حتى لو كانت دولية.
لقد أطاحت دول المنبع بالكثير من الالتزامات.. إن دول هذه المنطقة جميعها لا يمكن لها الاستغناء عن قناة السويس بما فى ذلك دول كبرى مثل الصين والهند فما بالك بدول شرق أفريقيا..لا ينبغى أن نترك الزمن يسرقنا فى قضية مياه النيل حتى لا نجد أنفسنا أمام حسابات جديدة.. المهم فى ذلك كله أن نطمئن تماما إلى موقف السودان لكى يكون القرار واحدا.
إن التحرك السريع مطلوب الآن وليس غدا؛ لأن دول المنبع خاصة إثيوبيا التى تريد أن تفرض واقعا جديدا وعلاقات جديدة فى ظل حسابات تحقق مصالحها حتى ولو تعارضت هذه المصالح مع أمن واستقرار مصر والسودان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.