من رحم قرية بسيطة في محافظة الشرقية، وتحديداً من مركز "أبو كبير"، انطلقت رحلة رجل لم تنسَ جذوره الترابية أبدًا، حتى وهو في أعلى المناصب الحكومية. رحل اليوم الثلاثاء الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية السابق، بعد مسيرة حافلة بالعطاء، تاركًا خلفه إرثًا من العمل الجاد وحبًا لبلدته الصغيرة التي كانت دائمًا جزءًا من قصته. لم يكن المصيلحي مجرد وزير، بل كان "ابن البلد" الذي ظل مرتبطًا بأرضه وأهله، يحمل ذكريات الطفولة في مكتب محاماة والده وحقول الأرز التي كان يشرف عليها بنفسه، حتى وهو في قمة هرم السلطة. من أبو كبير إلى مقعد الوزير ولد الدكتور علي المصيلحي في عام 1949 بمركز أبو كبير بمحافظة الشرقية، وتخرج فى الكلية الفنية العسكرية بامتياز في الهندسة الإلكترونية. لم يكتفِ المصيلحي بذلك، بل واصل مسيرته الأكاديمية والعملية ليحصل على الماجستير من جامعة باريس، ثم شغل مناصب قيادية في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والبريد المصري، حيث كان له دور كبير في تطوير هذه الهيئات. وصل المصيلحي إلى المناصب الوزارية، فتقلد منصب وزير التضامن الاجتماعي في عام 2005، خلال عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وظل في منصبه حتى 22 فبراير من العام 2011، ثم انتقل ليكون رئيسًا للجنة الاقتصادية بمجلس النواب، قبل أن يعود إلى الحكومة ليشغل منصب وزير التموين والتجارة الداخلية في فترة صعبة مليئة بالتحديات من 10 سبتمبر 2016 وحتى 3 يوليو 2024. شهدت هذه الفترة تطورًا ملحوظًا في عمل الوزارة، ونجح في مواجهة الأزمات الاقتصادية بفاعلية، ما أكسبه احترام وتقدير رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الذي نعاه بكلمات مؤثرة، مشيدًا بجهوده خلال جائحة كورونا. رغم كل المناصب التي شغلها، ظل المصيلحي وفيًا لجذوره، وقد تحدث في حوار تلفزيوني عن نشأته في أبو كبير، وعن علاقته بوالده المحامي ووالدته من فاقوس، وكشف كيف كان يدير أرض والده بعد وفاته، وكيف كان يحرص على زيارة البلدة أسبوعيًا لمتابعة العمال ومعاملتهم "بحق الله"، وهو ما يعكس ارتباطه الوثيق بأرضه وأهلها. وحتى بعد تركه منصبه في الحكومة عام 2024، لم ينسَ العودة إلى مسقط رأسه، حيث أجرى زيارة خاصة لأهالي أبو كبير، وهو ما كان يفعله بانتظام حتى أثناء عمله كوزير، وكانت هذه الزيارات دليلًا على أن الوزير السابق لم يكن مجرد مسؤول، بل كان "ابن البلد" الذي يجد راحته بين أهله وناسه. صراع مع المرض وفي مارس 2025، كشف المصيلحي عن إصابته بمرض السرطان بعد أشهر قليلة من خروجه من الوزارة، وروى كيف بدأ الصداع الحاد رحلة العلاج الكيميائي، وكيف تحسنت حالته بعد 6 جلسات. كان المصيلحي يشارك تجربته مع المرض بإيجابية، مؤكدًا أنه بدأ يستعيد عافيته، لكن رحلة العلاج لم تدم طويلًا، حيث وافته المنية اليوم بعد مسيرة من الجهد والعطاء. ونعى الدكتور مصطفى مدبولي والمهندس حازم الأشموني، محافظ الشرقية، الفقيد بكلمات تعبر عن التقدير لدوره الوطني وجهوده المخلصة، مؤكدين أنه ترك بصمة واضحة في كل منصب تولاه، وظل رمزًا للمسؤول الذي يخدم وطنه بكل تفانٍ.