تصوير - محمود بكار: رفض الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، الدعوات إلى تكفير تنظيم داعش، وقال إن التكفير لن يفيد شيئا في المعركة ضد التنظيم الإرهابي لأن الجميع من مسلمين وغير مسلمين يعرفون أنه خارج عن الدين، محذرا من أن جر الحوار إلى هذه الخانة يشتت جهود المواجهة. وفي حوار مع "مصراوي"، ندد "علام" بالهجوم على الأزهر الشريف، ووصفه بأنه "طعن في تاريخ مؤسسة مصرية تاريخية عريقة تمثل الوسطية الدينية في الداخل والخارج"، مشيرًا إلى أن من يظنون أنهم سيصلون من وراء ذلك إلى شيء واهمون. كما شدد على أن مؤسسات الدولة الدينية وحدها المنوط بها تجديد الخطاب الديني، مطالبا الجميع بالتعاون معها بدلاً من إثارة اللغط. وأكد المفتي أن المسئولين الأوروبيين ينظرون إلى مصر باعتبارها طوق النجاة من مخاطر السقوط والانحدار إلى مستنقع الإرهاب البغيض، مشيرا إلى أنهم أخبروه بحاجتهم إلى سماع صوتها الديني... وإلى نص الحوار: - بداية.. كيف قرأتم دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني؟ الرئيس دعا إلى ثورة دينية تعمل على تجديد الخطاب الديني وتنقية التراث مما علق به مما لم يعد صالحًا لا للزمان ولا للمكان، وإن من أولى الأمور التي تدفع هذا التجديد خطوات إلى الأمام هو إعادة النظر في المساحة والمجال والأفق الذي يتوجه إليه الخطاب الديني المعاصر لأمة يربو عددها على خمسة مليارات نسمة. التجديد عملية فكرية صعبة وتناولها بسطحية لن يجدي - من المخول لهم القيام بهذه الثورة الدينية؟ توجد بعض الأدوار السلبية والأفكار الشاذة التي علقت بقضية التجديد والتي تتمثل في وجود أصوات تحمل أفكارا شاذة، ولذلك أوضح السيسي بما لا يدع مجالاً للشك أن مؤسسات الدولة الدينية هي وحدها المنوط بها تجديد الخطاب الديني، وعلى الجميع التعاون مع المؤسسات الدينية وأن يوجهوا الطاقات الكبيرة إلى تصحيح صورة الإسلام إعلاميًّا ودعويًّا بمختلف الألسنة واللغات، بدلاً من حالة الإثارة واللغط. وعليه لو تكاتفت كل هذه الجهود المبعثرة في شكل منضبط ومنظم لساهم ذلك بلا شك في تصحيح الصورة والمفاهيم المغلوطة والمشوهة، ومن ثم تخفيف ما لحق بالإسلام من عداء وتشويه يقوم به أعداؤنا في الداخل قبل الخارج. - وكيف ترى جهود الأزهر في تجديد الخطاب الديني؟ الأزهر الشريف بمؤسساته وتخصصاته يمارس عملية التجديد منذ أمد بعيد، سواء على مستوى التجديد في القضايا والأفكار، أو على مستوى التوصيل والإجراءات. والتجديد كشأن العمليات الفكرية الثقيلة يحتاج الى إتقان في تنفيذه واحتراف في إخراجه، وقد أصبحت المتغيرات العصرية كثيرة ومتجددة بل ومعقدة تعقيدًا بالغًا، وتناولها بسطحية لن يجدي وسيكون كتركها تماما بلا تناول، بل يكون ضرره أكثر من نفعه. وسيظل الإسراع بتطبيق القيم الأصيلة والأحكام الشرعية على الواقع المتجدد مهمة الأزهر والمؤسسة الدينية للتجديد المستمر حقا. ولقد كُتِبت دراسات واتخذِت إجراءات وخرجت فتاوى تجديدية وأنشأت مراكز بحثية، ونحن ننتظر المزيد والمزيد مع الاعتراف أن الوقت ليس دائما في صالحنا. - ما رأيكم في الحملة التي يتعرض لها الأزهر حاليا؟ الأزهر بمؤسساته ركن أساسي من هوية الدولة المصرية والهجوم عليه طعن في تاريخ مؤسسة مصرية تاريخية عريقة تمثل الوسطية الدينية في الداخل والخارج، والذين يطعنون في الأزهر ويظنون أنهم سيصلون من وراء ذلك إلى شيء قطعا واهمون، فالأزهر مهمته كبيرة والذي يستحقه هو التعاون وتكامل أدوار البناء. - أحداث التفجير والقتل والدهس التي ترتكب باسم الدين أثرت على الصورة الذهنية الغربية عن الإسلام.. كيف واجهتم ذلك؟ علينا أن نسأل أنفسنا في زحمة اللغط والجدال الذي يصل أحيانا إلى حد التطاحن الإسلامي الإسلامي: ماذا قدمنا لهذا الدين خارج أرضه؟ ما الذي صنعته وسائل إعلامنا لتوصيل صورة الإسلام الصحيح إلى الدول الغربية الأوربية وإلى الهند والصين والأمريكتين؟ المؤسسات الدينية وحدها المنوط بها بتجديد الخطاب الديني.. وعلى الجميع التعاون معها إذا كنا نعتقد أن رسالتنا هي رسالة رحمة للعالمين فهل عملنا على توصيلها صحيحة موثقة نقية غضة طرية لمن أراد على أقل تقدير أن يفهم صورة الإسلام فهمًا صحيحًا؟ - لماذا يرفض الأزهر تكفير تنظيم داعش؟ المهمة الأعظم، -الآن-، ليست الدخول في الحوارات الأيدلوجية...التكفير وترك التكفير، هذا لن يفيد، واجبنا جميعا هو التصدي والمواجهة على كل المستويات، وأظن أن جر الحوار إلى هذه الخانة تشتيت لجهود المواجهة. وهناك إجماع وطني وإنساني وديني –من كافة الأديان والمؤسسات علي أن داعش وأخواتها خارجة عن تعاليم الأديان، وعلى ضرورة التصدي والالتفاف حول الدولة بمؤسساتها المختلفة وفي مقدمتها القوات المسلحة للتصدي والمواجهة والحفاظ على الدولة المصرية العريقة وتجديد وجودها دون جذب القضية إلى أيدولوجيات خاصة، فمصر ستظل مقبرة للغزاة. - خلال زياراتكم الخارجية.. ما هي الظواهر السلبية التي رصدتموها بخصوص النظرة الغربية للإسلام؟ نعاني من حالة استعداء وتشويه غير عادية ضد الإسلام، تشنها وتمارسها كثير من وسائل الإعلام الغربية الموجهة وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011. وبغض النظر عن نوايا هذه الوسائل الإعلامية علينا أن نعترف أن كثيرًا من التنظيمات الإرهابية المجرمة التي تنسب نفسها زورًا وبهتانًا إلى الإسلام، قد مارست بحق هؤلاء أعمال إرهاب وقتل لا يرضى عنها الإسلام، ومهما تبرأنا من هؤلاء ومن أفكارهم ومهما استنكرنا أفعالهم فإننا نظل ملزمون أدبيًّا تجاه العالم أجمع بأن نصحح ما ألصقوه بالإسلام من كذب وأغاليط بحق موقف المسلم من غير المسلم. وهذا صعب من مهمتنا في تصحيح الصورة، إلا أنه زادنا إصرارًا على مواصلة الطريق لإزالة ما ألحقه هؤلاء المجرمون بالإسلام والمسلمين، ولكي نوضح للغرب الصورة الحقيقية، بجانب وجود إعلام وصوت بديل لإعلام التشويه. - ما الهدف من زيارتكم الأخيرة إلى بلجيكا؟ الزيارة كانت بناءً عن دعوة رسمية من ملك بلجيكا واستغرقت يومين، وهدفها يأتي ضمن مشروع عالمي أطلقته دار الإفتاء قبل عامين يهدف إلى تصحيح صورة الإسلام بالخارج عبر عدة وسائل أهمها إرسال قوافل من علماء دار الإفتاء المصرية للقيام بجولات خارجية تجوب الخمس قارات لنشر الفكر الصحيح، وتوضيح العديد من المفاهيم التي يستغلها المتطرفون وأعداء الإسلام في تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الخارج. وثمَّن ملك بلجيكا الدور الكبير الذي تلعبه مصر في حربها على الإرهاب، ودور دار الإفتاء المصرية في نشر الوعي الصحيح بالدين الإسلامي في الفترة الماضية، ودورها المؤثر والملموس في المجتمع المصري والعالم، فهم يرون أن العالم يخوض حربًا شرسة ضد الإرهاب من الناحية الفكرية والعسكرية، وأصبح متعطشًا إلى مصر صاحبة الخبرة في هذا الأمر، واستنادًا إلى ما حققته منفردة ودون دعم يُذكر في محاصرة تمدد الإرهاب فكريًّا وعسكريًّا والقضاء عليه، وحالتها تلك قد أدهشت العالم أجمع، وأصبحت مصر محط أنظار العالم وجميع مؤسساته تشيد بتجربتها وتستفيد من خبراتها وتحذو حذوها في محاربة العنف والإرهاب، العالم أجمع متعطش دينيًّا لمصر. نظرة الخارج للإسلام سيئة.. ومصر طوق نجاة للعالم من السقوط في منحدر الإرهاب - وما هي نتائج مشروع زيارات الإفتاء؟ المسئولون الأوربيون أكدوا أن مصر بفكرها الوسطي تمثل لهم طوق النجاة من مخاطر السقوط والانحدار إلى مستنقع الإرهاب البغيض، كما أبدوا رغبتهم في سماع صوت مصر الديني وأكدوا تعطشهم إلى دورها، وسط الضجيج الذي يملأ الدنيا صخبًا ولا يلبي الاحتياجات المتزايدة للمسلمين الأوربيين، ودعوا لبلورة صيغة تعايش حقيقية تخرجهم من نكد الانفصام بين القيم الأوربية وبين التمسك بالإسلام كدين لهم. كما أن المجتمع الغربي أدرك أيضًا حاجته للجوء لمصر باعتبارها القادرة على فك هذه الشفرة المستعصية، فمصر وحدها بما تملكه من أدوات معرفية وتاريخ وخبرة ودواء ناجع للمشكلات الدينية التي يمر بها العالم الآن، بجانب مشاركة الدار في نقل تجربتها إلى مقر الاتحاد الأوربي. - ما هي آليات التعاون بين دار الإفتاء والبرلمان الأوروبي؟ استراتيجية التعاون بين الدار والبرلمان الأوروبي بدأت 2015 باعتماد دار الإفتاء مرجعية في الفتوى، ووصلت إلى محطتها التالية في العام 2017 بالاتفاق على عقد مؤتمر دولي بمقر البرلمان ببروكسيل حول آليات مواجهة الفكر المتطرف، وهذه خطوة التواصل مع مؤسسات صنع القرار الدولية، -والتي منها الاتحاد الأوروبي-، هي إحدى آليات التواصل مع الآخر في العالم التي أدرجتها دار الإفتاء في استراتيجيتها في محاربة الأفكار المتطرفة وتصحيح صورة الإسلام في الخارج، بالإضافة إلى مواجهة الأباطيل والأكاذيب التي تروجها الجماعات المتطرفة عن الدولة المصرية بالخارج لتشويه صورتها أمام المجتمع الدولي. والتواصل بين دار الإفتاء والبرلمان الأوربي يمكن أن يحدث كثيرًا من النتائج والفوائد التي تساعد على إيجاد الحلول لتلك المشاكل التي تواجه مصر والعالم أجمع. والجهد الكبير الذي تقوم به الدار الآن تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء يسهم بشكل إيجابي واسع في محاصرة هذه الظاهرة الكئيبة، لأننا نعمل على إيجاد منظومة علمية وتأهيلية للقيادات المسلمة في العالم، يكون من شأنها تجديد منظومة الفتاوى التي يستعين بها المسلم على العيش في وطنه وزمانه، وتُرسِّخُ عنده قيمَ الوسطية والتعايش السلمي. زيارة بابا الفاتيكان تؤكد تضامن العالم مع مصر في الحرب ضد الإرهاب وأثنى "فان رومباي"، رئيس الاتحاد الأوروبي السابق، خلال لقائه معي على مجهودات مصر ودار الإفتاء في محاربة الفكر المتطرف، وما تقوم به من أجل تحقيق السلام العالمي، وأكد أنه يتابع عن كثب إصدارات الدار التي تصدرها بلغات مختلفة من أجل تفكيك الفكر المتطرف. - من وجهة نظرك، ما هي الرسائل التي حملتها زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان إلى مصر؟ هذه الزيارة مهمة ومثمرة على المستوى الداخلي، لأنها جاءت في توقيت مهم للغاية عقب أحداث إرهابية استهدفت المصريين، وحاولت ضرب نسيج الأمة ووحدة الصف المصري لتجسد تعاون وتضامن العالم أجمع مع مصر في حربها ضد الإرهاب، وتعكس مدى ثقته البابا فرانسيس الكبيرة في مصر قيادة وشعبًا، وقدرتها على مواجهة تيارات التطرف والإرهاب والقضاء عليها واستئصال جذورها، وتوجِّه رسالة سلام للعالم من أرض الكنانة. كما كانت الزيارة بمثابة رد قوي على محاولات الجماعات الإرهابية اليائسة لنشر الفتن، وأحدثت صدى إيجابيًّا للعالم أجمع بأن مصر بلد السلام والأمان، والقاسم المشترك بين زيارة بلجيكا وزيارة بابا الفاتيكان لمصر هو أنهما يشتركان في الغاية التي تتمثل في أن الأديان تبعث برسالة سلام للعالم، وأن رجال الدين الصحيح هم أحرص الناس على البحث عن السلام، وأن القوة الناعمة للمؤسسات الدينية المختلفة لا تقل في الأهمية عن القوى العسكرية، فهما جنديان في خندق واحد في ساحة المعركة يحاربان عدوًّا واحدًا وهو الإرهاب.