ضبط شخص يدعو لانتخاب مرشح بالمخالفة للقانون في نجع حمادي    ما بعد الذكاء الاصطناعى    قيادي ب"مصر المستقبل": احتجاز عناصر الإخوان بتركيا شهادة استحقاق للدبلوماسية المصرية    أمم أفريقيا 2025| انطلاق مباراة الجزائر وبوركينا فاسو في المجموعة الخامسة    ضبط القائمين على إدارة مصحة غير مرخصة بالبدرشين    عزاء المخرج عمرو بيومي الثلاثاء المقبل    أحفاد الفراعنة فى الشرقية    مدبولي يؤكد استعداد مصر لاستضافة مقر الآلية الأفريقية للشراء المُوحد    محرز يقود هجوم الجزائر ضد بوركينا فاسو فى أمم أفريقيا 2025    إيمان عبد العزيز تنتهي من تسجيل أغنية "إبليس" وتستعد لتصويرها في تركيا    طارق إمام: الكتابة بالنسبة لي اكتشاف لا نهائي لأراض فنية مجهولة أو مهمشة    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    أمم أفريقيا 2025| التشكيل الرسمي لمنتخب بوركينا فاسو أمام الجزائر    جامعة بنها تراجع منظومة الجودة والسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة    «مراكز الموت» في المريوطية.. هروب جماعي يفضح مصحات الإدمان المشبوهة    سكرتير مساعد الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بمدينة دكرنس    الاحتلال الإسرائيلي يغلق بوابة "عطارة" وينصب حاجزا قرب قرية "النبي صالح"    ترامب يعلن توقف القتال الدائر بين تايلاند وكمبوديا مؤقتا: واشنطن أصبحت الأمم المتحدة الحقيقية    تراجع أسواق الخليج وسط تداولات محدودة في موسم العطلات    هذا هو سبب وفاة مطرب المهرجانات دق دق صاحب أغنية إخواتي    نائب محافظ الجيزة يتفقد عددا من المشروعات الخدمية بمركز منشأة القناطر    شوط سلبي أول بين غينيا الاستوائية والسودان في أمم أفريقيا 2025    نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طنطا العام في الغربية    أبرزها عدم إلقاء القمامة في الشوارع.. "الزراعة" تكشف تفاصيل الخطة الوطنية لمواجهة الكلاب الضالة    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    «اليوم السابع» نصيب الأسد.. تغطية خاصة لاحتفالية جوائز الصحافة المصرية 2025    ميلان يضرب بقوة ويكتسح فيرونا بثلاثية نظيفة في الكالتشيو    محافظ الجيزة يترأس اجتماع اللجنة العامة لحماية الطفولة ويؤكد دعم وحدات الحماية بالمحافظة    محافظ الجيزة يشارك في الاجتماع الشهري لمجلس جامعة القاهرة    إسكان الشيوخ توجه اتهامات للوزارة بشأن ملف التصالح في مخالفات البناء    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    أكرم القصاص للأحزاب الجديدة: البناء يبدأ من القاعدة ووسائل التواصل نافذة التغيير    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    انطلاق أعمال لجنة اختيار قيادات الإدارات التعليمية بالقليوبية    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    هجمات بطائرات مسيرة أوكرانية تجبر مطارين بموسكو على الإغلاق لساعات    الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية تحتفل بيوبيلها الفضي.. 25 عامًا من العطاء الثقافي وصون التراث    قيادات الأزهر يتفقدون انطلاق اختبارات المرحلة الثالثة والأخيرة للابتعاث العام 2026م    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    أحمد سامي: تعرضت لضغوطات كبيرة في الاتحاد بسبب الظروف الصعبة    وزير الخارجية: مصر لا يمكن أن تقبل باستمرار القتل والتدمير الممنهج لمقدرات الشعب السوداني    8 أبطال بجنوب سيناء يصعدون للمشاركة في تصفيات أولمبياد المحافظات الحدودية بالوادي الجديد    لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    انطلاق الانتخابات التشريعية في ميانمار    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    بعد قضاء مدة العقوبة.. إخلاء سبيل حمو بيكا من قسم شرطة قصر النيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود عوض.. الموت في منتصف الجملة الصحفية
نشر في مصراوي يوم 26 - 12 - 2016

لم يكن محمود عوض في أرذل العمر حين حاولوا إيقاف مداد إبداعه قسرا بالمنع من الكتابة، لم يكن قد أفرج إلا عن النذير من ذخيرة مواهبه، تمنوا قصف قلمه، جاهدوا لإجهاض مشروعه. أقصوا عوض عن محبوبته "أخبار اليوم" وهو ابن الخامسة والثلاثين، بعدما أثرى صفحاتها بالعديد من الخبطات ساهمت في تخطي توزيعها المليون نسخة، صال وجال؛ عايش أنتوني كوين أسبوعا في نيويورك فأخرج منه نوادر شكره عليها، فند مزاعم إسرائيل حتى سأل قادة الكيان الصهيوني جنود مصر الأسرى: هل يوزعون عليكم كتب محمود عوض من باب التوجيه المعنوي للقوات المصرية. صادق الزعماء والملوك، اقتحم خلوة أم كلثوم، جلس رفقة طه حسين وتوفيق الحكيم وأحمد حسن الباقوري، وكشف الوجه الحقيقي لعبد الوهاب. تقلد منصب نائب رئيس التحرير مع عيد ميلاده الثلاثين. قرروا ذبح المبدع على الملأ فواجههم في كبرياء، ظنوا أنهم يحطمونه فظفر هو بالنصر؛ حين سجل هدفا باسم المبدأ في مرمى من حسبوا أن المناصب ستمحي التاريخ.
هل كانت كامب ديفيد سببا؟
كان ذلك في عام 1977؛ "محمود عوض يُمنع من الكتابة" تلك هي النتيجة أما عن الأسباب فتعددت الروايات، على رأسها غضب السلطة جراء آرائه المناوئة لمفاوضات السلام مع إسرائيل. ولا تنتهي عند حدود الغيرة المهنية، كان عوض كاتبا متجولا يسافر لتغطية شئون الأمم المتحدة، ويكتب عن الأحوال العالمية وتفاصيل المصريين بالخارج ويُلاقي كبار المفكرين، فيما اتخذ موسى صبري الأمر فرصة بلعبة إدارية للتنكيل به؛ معتبرا أن فترة سفره "غياب" فمن رأيه أن "عوض مجرد محرر لا كاتب مقال ولا يحق له التغيب عن العمل كل تلك الفترة" حسبما يقول الصحفي خيري حسن نقلا عن محمود عوض.
قرر الكاتب الكبير ألا يترك الذئاب تلعب به، اتجه لساحات القضاء مطالبا بعودته للكتابة، وفي 29 ديسمبر 1982 صدر له حكم بالتعويض يقدر بنحو "32 ألف و420 جنيها"، ولم يُقبل استئناف مؤسسة الأخبار على الحكم، قبل أن تقرر محكمة النقض وقف تنفيذ حكم بالتعويض في الأول من مارس 1983، وبعد عام وخمسة أيام تلتها حكمت "النقض" بإلغاء التعويض ضد موسى صبري وأخبار اليوم.
لم ييأس الكاتب المفصول فتقدم بطلب تعويض 50 ألف جنيه لأن موسى صبري بوصفه رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم أوقع عليه جزاءً تأديبيًا مخالفا للقانون وحرمه من الكتابة، وحذف عمودا كان يكتبه أسبوعيا في صحيفة أخبار اليوم.
"عقدة محمود عوض" هو ما اعتبره الكاتب عبد الله السناوي سببا للاستبعاد، فعوض بدأ لامعا جدا، واكتشف مصطفى أمين وإحسان عبد القدوس أنه لديه قماشة من الإبداع. فهو الصحفي القوي والمؤرخ والكاتب صاحب وجهة النظر والباحث المميز فأعطوا له مساحة كبيرة في سن مبكرة "أظن ده صنع مجموعة من الصراعات، وتم تصفيتها منه بشكل لاحق.. كانوا عايزين يدوله درس إنهم هيقدروا في يوم يقهروه، هما بقوا أصحاب المناصب وهو لسه في محله".
موسى صبري ينتصر بالروتين
"العبرة في تحديد نوع العمل الصحفي هو العقد المبرم بين الشخص والمؤسسة الصحفية، فإذا كان العقد ينص على أن العمل هو "محرر"، فليس للصحفي أن يعتبر نفسه كاتب عمود لأن العقد لا ينص على ذلك، وبالتالي فليس له أن يتضرر من إلغاء عمود كان يحرره، وإنما عليه أن يقوم بأي عمل تحريري يُكلف به".. كانت تلك هي الكلمات التي ترافع بها المحامي فريد الديب ضد عوض، وخرج الكاتب الكبير من القضية خالي الوفاض بعد 11 عام بالتمام والكمال وتحديدا في الرابع من إبريل 1988.
"كان مدبوح" يوصّف بها طه عوض حال شقيقه الأكبر عقب إقرار الفصل، فيما كان عوض يحكي للصحفي خيري حسن الأيام الأولى بعد تنحيته بعبارات قاسية "حاسس إني لعيب قاعد في الاحتياطي.. مصر كلها بتتكلم عني وأنا الوحيد اللي بنام والهم معايا". في لحظة مراجعة يقول محمود عوض لأقرانه "هو أنا كنت قاسي مع موسى صبري.. زودتها يعني؟"، لا ينتظر الرد فيجيب هو "بصراحة أنا احترمت نفسي، واستمتعت بشوية كتب"، يقول الكاتب الصحفي نصر القفاص "لم يشعر يوما بروح المهزوم.. عاش بطلا".
محمود عوض.. غير قابل للتصنيف
"كل قبيلة حسبته على الأخرى" يوضح السناوي، مشيرا إلى أن عوض كان يحب مصطفى أمين على المستوى الشخصي والصحفي غير أنه لم يكن متبعا آرائه السياسية، فكان أبناء أخبار اليوم يحسبونه خارجا عن تقاليدهم، والرئاسة تراه ناصريا، والوفديون يضعونه في خانة اليسار "مكنش له تصنيف.. عنيد، صعب تطويعه. هو صحيح من الدقهلية لكن مخه صعيدي".
كان القائمون على مؤسسة أخبار اليوم يتعاملون مع أمر عوض بطريقة "التهميش"، يحرمونه من العلاج على نفقة المؤسسة، وتكتب صفحتها الأولى عقب رفض طلب التعويض عنوانا "المحكمة تبرئ موسى صبري من دعوة أحد الصحفيين بالتعويض"، وقتها انتقدت مجلة روزاليوسف الإشارة لعوض كمحرر صغير ونشرت افتتاحية دفاعا عن الكاتب الكبير جاء فيها "القضية بين زميل له اسمه. الأستاذ محمود عوض وبين إحدى المؤسسات".
لم يفكر عوض في استدرار العطف "كان شديد الكبرياء والاعتزاز بالنفس.. ورفض لعب دور الضحية. كان بيقول أنا من اخترت وأنا الذي قررت، وده كان بيستفز الأخرين لمزيد من التنكيل" يقول السناوي، موضحا أن عوض كان يتمتع بإنصاف كبير في الحكم على الآخرين "رغم كل اللي حصل لما تيجي سيرة موسى صبري يقول إنه كاتب كبير وله مقامه".
الحياة اللندنية بعد المنع
رائحة أوراق الصحف كانت كالأكسجين الذي يستنشقه عوض، يرى أن احتجابه عن القارئ هلاك، ومنعه تعسفيا موت، وبعد أزمة أخبار اليوم، لم يتوقف عندليب الصحافة عن الكلمة، يطّلع يوميا على مطبوعات صاحبة الجلالة "مفيش ورقة بتخرج من مطبعة في بر مصر إلا ولازم يقراها" تقولها تلميذته الصحفية وفاء حلمي، لا يكتفي بالداخل، تمكنه إنجليزيته المتقنة من متابعة الشأن الخارجي.
يقول نصر القفاص، صديقه الذي تتلمذ على يده، إنه مطلع على كل تطورات الصناعة. يُحلل ما جرى في سوق الصحافة من كساد "الصحف قبل التسعينات كانت بتنافس نفسها، دلوقتي في سباق مع التليفزيون، والناس عايزة اللي يقولها أيه اللي حصل ومجاش على الشاشة". يلتقط موضوعا جيدا فيتصل بمن يعرفهم ليصل للصحفي الذي نال الإعجاب، يتواصل معه، يمدحه، يناقشه في كيفية الوصول للمصدر، ويوضح الصحفي خيري حسن إنه يستقصى وراء المعلومات، لا يترك لأذنه الحكم.
منذ المنع وحتى انفتحت له أول نافذة وهى جريدة الحياة اللندنية، ليكتب فيها من عام 1994، يطل بها على الشأن العربي والدولي، الأزمة الاقتصادية العربية، القضية الإيرانية، يحظى بصدى كبير لكلماته، فتُنشر في جرائد مصرية بالتزامن مع الحياة مثل العربي الناصري والمصري اليوم، يضع محاذير في التعامل مع قضايا داخلية على صفحات إصدار أجنبي "لا يريد أن يشعر بأنه يُشهِر بالداخل، بالإضافة أن يتوجه للقارئ العربي العام"، يردف الكاتب عبد الله السناوي.
ويؤكد السناوي أن عوض حُرم لفترات طويلة من الإطلالة على "شعبه" في الشأن المصري، بينما صار صحفيا بدرجة خبير في الشأن العربي الإسرائيلي "كان مشروعه في الحياة تفنيد مزاعم الصهاينة وإظهار وجههم الحقيقي". مضيفا بحسرة "نقدر نقول إن محمود عوض مات في منتصف الجملة الصحفية.. وأنه قد مرت من هنا موهبة صحفية كبيرة لم تحصل على حقها، ولم تأخد كامل فرصتها لتتجلى في أعمال أكثر مما أعطت. وفي مدرسة لم يتاح لها أعمق مما حدث".
مع موجة إصدار الصحف المستقلة في السنوات الأول لمطلع الألفية كان اسم محمود عوض يتصدر الساحة، صنعت سنوات الخبرة من "عوض" أستاذا يعود إليه كل صانع من أجل استشارة أو رئاسة تحرير وأحيانا ككاتب يُضفي ثقلا، يضع معايير الصحافة قبل راتبه، ينتصر لحق إدارة التحرير أمام رأس المال، كان يرى في الصحافة الخاصة المستقبل إذا لم تأكلها الرأسمالية، وإنها تتيح الإبداع الصحفي ولا تعتمد على "موظفين"، فيما تنهال عليه
عروض برئاسة تحرير صحف عربية.
رئيس تحرير الدستور: محمود عوض سابقا
داخل منزل محمود عوض بالجيزة كان عصام إسماعيل فهمي مالك جريدة الدستور يعرض على الكاتب الكبير رئاسة تحرير الإصدار الثاني للتجربة بعد عودتها في 2005، حسب الشهادة التي نقلها عوض للصحفية وفاء حلمي. ودار الحوار التالي: سأله فهمي: هتاخد كام، فلم يشغل عوض السؤال، فقال: قبل ما تسألني هاخد كام فيه شرطين أولا ما تقوليش أنا بنشر أيه وما بنشرش أيه ولا تدخل الجرنان أصلا إلا لما ندعوك، ولما نتقابل تقابلني برة الجرنان".
فيما كان هناك شرطا ثانيا أوقف المفاوضات وهو رواتب الشباب الذي أصر عوض أن تكون 5 آلاف جنيه لرئيس القسم، ولا يقل عن 2000 جنيه للمحررين. خرج فهمي على وعد بالتفكير في الأمر. بعد أيام أعلنت الصحف أن نقابة الصحفيين ستحتفل بعودة جريدة الدستور للصدور تحت رئاسة تحرير إبراهيم عيسى، في تلك الأثناء طلب عوض من وفاء حلمي أن تسأل عصام فهمي في الحفل عن السبب في عدم إتمام الاتفاق.
لم يُجب إسماعيل فهمي على الصحفية وفاء إلا بكلمات بسيطة "الاتفاق ما تمش وخلاص"، وبعد إلحاح في طلب الإجابة فرد مالك الدستور منفعلا "ده بيتشرط وعايز كل عيل ياخد ألفين جنيه، الفلوس دي أجيب بيها قرطة صحفيين".. اتصلت الصحفية بعوض لتخبره عن السبب خلف نقض الاتفاق، ففرح للغاية؛ فقبلها بأيام كتب أحد الصحفيين أن محمود عوض أصبح "دقة قديمة": "حس إنه اترفض عشان عنده مبدأ.. وإنه لسه اسمه علم في دنيا الصحافة" تتذكر وفاء.
أُشيع أن محمود عوض كان الاسم المطروح بقوة كأول رئيس تحرير لجريدة المصري اليوم قبيل تأسيسها في 2004، فيما ينفي المهندس صلاح دياب -مالك الجريدة- الأمر لمصراوي، موضحا "كان يبقى شرف للمصري اليوم طبعا.. لكن الكاتب العبقري حاجة ورئاسة التحرير موضوع تاني خالص".
علاقة صداقة قوية جمعت دياب بعوض في سبعينيات القرن الماضي "فاكر بعد حظر التجوال في يناير 77 كان لينا قعداتنا"، ويصف دياب الكاتب الراحل بأنه ودود للغاية، مجامل لا يجرح أحدا "في الصحافة بقى محمود حد تاني خالص؛ كتاباته بتخلق صدام وطول الوقت يقول الحق ومالوش في المراوغة".
"اليوم السابع" اسم آخر كُتب الأستاذ عوض، فيما اتُخِذ عنوان لإحدى المواقع الإلكترونية –والصحيفة فيما بعد- كان الكاتب الكبير أشبه بمستشار للتجربة، حسب أكرم القصاص رئيس التحرير التنفيذي للجريدة.
أسبوعيا كان يذهب أحد مندوبي اليوم السابع لاستلام مقال الأستاذ "كان في احتفاء مادي ومعنوي كبير بوجوده.. وفضل يكتب لقبل الوفاة بأيام" يضيفها القصاص، مؤكدا أنه كانت تربطه علاقة ود بجميع العاملين بالمكان، مشيرا إلى أن القاعة الرئيسية للتحرير تحمل اسم الكاتب الراحل إلى الآن.
أكثر من عرض عربي لمحمود عوض برئاسة التحرير، قابلها جميعا بالرفض، على رأسها جريدة الأنباء الكويتية "مقبلش العرض وقال ما اسبش مصر أبدا" يقول الصحفي خيري حسن، موضحا أنه كان يرى أن الإغراء كبير للغاية لكن عوض كانت تحكمه قناعاته "كان معروض إنه يعيش في فيلا وعربية.. بس دي كانت أخر حاجة بيفكر فيها". فيما تشير وفاء حلمي إلى أن "كل دخله كان من كتابة المقالات، وبيع الكتب بس".
التليفزيون.. المنبر الجديد لعوض
"في السنوات الأخيرة لعوض بدا منفتحا أكثر على الإعلام" تقول الإعلامية منى الشاذلي لمصراوي، عن استضافة الكاتب الراحل في برنامجها العاشرة مساء، مشيرة إلى أن الحالة الإعلامية وقتئذ سمحت له بالظهور غير مرة.
ويشير السناوي إلى أنه مع مطلع عام 2005 بدأ يلمع في الكتابة عن الوضع الداخلي ضد "التوريث والتمديد والتطبيع"، فيما يضع أحكامه بإنصاف، يقول عوض في حوار له مع الإعلامي عمرو أديب "أحكم على جمال مبارك ودوره السياسي مما أراه وأفرق بين حقه كمواطن يشارك في الحياة السياسية وبين كونه ابن الرئيس.. أصدق جمال مبارك في الساعة الثامنة ولا أصدقه في الثامنة وخمس".
بين دنيا السياسة والصحافة والفن، ظل "عوض" متجولا بين ثلاثتهم، تترك فيه كل التجارب خبرتها، فيما لا يبخل بها على كل الأجيال الجديدة، يفتح لهم منزله، يقرأ جديدهم، يدفع بالثقة لكاتب جديد، لا يجلس على كرسي الأستاذ بل يداول سؤال من حوله عن رأيهم فيما يكتبه "اقرا المقال بس وقولي رأيك"، تقع على سمع كثير من تلاميذه، يفتح باب النصائح "أرجع للمصدر بعد الحوار، اقرأ كل حاجة، واهتم بشبكة علاقاتك إن كنت صحفيا خبريا، تأسس في اللغويات، غذِ منطقة إبداعك بالقراءة في الأدب".
يوصي بضرورة اعتداد الصحفي بنفسه وبأهمية دوره، يقول لنصر القفاص "الجورنال اللي ميأثرش في الناس والقراء مالوش لازمة، والموضوع مش بس توزيع"، تعود إليه الصحفية وفاء حلمي بعد حوارها معه "إيه رأيك يا أستاذنا في العنوان ده؟"، ينفعل "ده شغلك انتي أنا مالي.. أوعي تسألي أي حد السؤال ده لو مين".
يقول الصحفي الشاب أحمد شلبي إنه كان متعاونا للغاية "لما تكلمه تحس إنه هو اللي تلميذ من كتر التواضع.. كان دايما يطلب من الشباب الصغيرين يسألوا عليه ع طول وكأنهم سنده"، يرى شلبي أن عوض كان صاحب تحليلات عميقة في شتى المجالات، ولم يكن يبخل على أحد بمعلومة، فيما لا تزال كلمات محمود عوض بخصوص الوضع السياسي في أخر سنوات مبارك عالقة بذهب الصحفي الشاب "كان بيقولي السياسة عاملة زي طبق الفاكهة لو ما تحركش كل شوية واتغير هتشوف وشه حلو بس هو معطوب من القاع.. وهو ده حال البلد دلوقتي".
العودة للحب الأول
بعد غياب ثمانِ وعشرين عاما عن محبوبته أخبار اليوم، كان الكاتب المخضرم على موعد مع عرض بالعودة للكتابة فيها مرة أخرى، بعد أن ذهب رئيس تحريرها آنذاك ممتاز القط في الأسبوع الأول بعد توليه المنصب -2005- إلى الكاتب الساخر أحمد رجب، لعرض فكرة عودة عوض مرة أخرى، رحب رجب وتحمس للغاية، كما يحكي ممتاز القط لمصراوي.
أربع مرات يزور القط عوض بمنزله وبفندق "الفورسيزون" من أجل التفاوض للعودة "قلت له أنت من أعلام أخبار اليوم، ونفسنا ترجع بيتك"، دقت الفرحة قلب عوض، ودبت فيه روح رئيس التحرير ليسأل القط "أنت جهزت كويس للجورنال؟ عندك خطة للتطوير؟ وريني البروفة الجديدة"، بحفاوة استقبل العرض بالعودة.
بدأ "القط" بوضع كل شروط الكاتب الكبير قيد التنفيذ؛ المكتب الذي يريده والمساحة التي يريدها وحتى الصفحة الأخيرة، وبراتب شهري يصل إلى 15 ألف جنيه، وقتها ذهب عوض بجولة كانت الأخيرة له في أخبار اليوم، سار بين نفس المكاتب، دب في قلبه الحنين، راودته فكرة أن يكتب سلسلة عنوانها "التاريخ يُعيد نفسه"، ناقش القط في مساحة الكتابة في مطبوعة قومية، أكد له رئيس التحرير -بحسب رواية القط لمصراوي- أن المقال لا يُقرأ إلا بعد النشر، يفكر عوض في العرض، إلا أن وعكتين صحيتين نتيجة مرض الربو منعتاه من حسم العودة وظل عوض بعيدا عن نافذته الأولى للأبد.
يوم ما أبطل اكتب.. هكون ميت أكيد
"متى يتوقف محمود عوض عن الكتابة؟" كان ذلك أخر سؤال وجه لعوض قبل رحيله بأيام خلال حوار أجراه الصحفي الشاب أحمد عطا الله لمجلة الإذاعة والتليفزيون، وقتها اعترض عوض بشدة وهو يقول ل"عطا الله": "بالذمة ده سؤال". قبل أن يأخذ أنفاسه المتلاحقة وهو يقول "تسمحلي أساعدك.. السؤال ممكن يبقى: متى يعود محمود عوض للقصة والرواية حبه الأصلي وتسمحلي تكون الإجابة "لما تبقى الحياة بمبي"، سكت عوض لحظات قبل أن يقول للصحفي الشاب بوجه ضاحك رغم آلام المرض "أما عن سؤالك المحذوف.. هبطل كتابة لما أموت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.