القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى يشهد مناقشة البحث الرئيسى لهيئة البحوث العسكرية    مدبولى يتفقد التشغيل التجريبى للمرحلة الأولى من الأتوبيس الترددى رئيس الوزراء: أحد أهم مشروعات النقل الجماعى صديقة البيئة    «مستثمري العاشر من رمضان» تستقبل وفدًا من دول غرب إفريقيا    الأونروا: الساعة تدق باتجاه المجاعة وشعب غزة يموت    مانشستر سيتي يخسر لقب كأس إنجلترا أمام كريستال بالاس    أقرأوا اللوائح جيدًا    مصرع 3 مسجلين فى تبادل إطلاق النار وضبط مخدرات وأسلحة ب 24 مليون جنيه    إعدام 30 ألف طن مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك خلال 3 أشهر بالدقهلية    لرد فضيلة المفتى.. تأجيل محاكمة حلاق تعدى على طفلة بالخانكة    دعاء فودة تكتب: عادل إمام.. الزعيم الذي عبر الأجيال    الجناح المصري يفوز بجائزة أفضل تصميم من مهرجان كان السينمائي | صور    جدل زواج عبد الحليم حافظ وسعاد حسني.. هل ينهي جواب الوداع الأزمة؟ | فيديو    لاصحاب الحيوانات الاليفة| طرق حماية كلبك من ضربة الشمس    بحضور وزير الشباب والرياضة.. مركز شباب الرملة يتوج ببطولة القليوبية    أشرف العشري: كلمة الرئيس السيسي بالقمة العربية جاءت شاملة وجامعة    موجة حارة تضرب البلاد.. درجات الحرارة تصل إلى ذروتها في بعض المناطق    انتشال جثمان شاب غرق أثناء استحمامه بترعة البحر الصغير في الدقهلية    إيفرتون يعلن رحيل أشلي يونج    الأنبا مكاريوس: نُحيي تاريخنا لإيقاظ الوعي.. والمنيا أغنى بقاع مصر حضاريًا    جدول مواعيد الصلوات الخمس في محافظات مصر غدًا الأحد 18 مايو 2025    المخرجة مي عودة: الوضع يزداد صعوبة أمام صناع السينما الفلسطينية    المدير الفني ل"القاهرة السينمائي" يناقش بناء الروابط بين مهرجانات الأفلام العربية في "كان 78"    فيلم فار ب 7 أرواح يفرض نفسه على دُور العرض المصرية (تفاصيل)    الزمالك يتوصل لاتفاق مع لاعب أنجيه الفرنسي    بمناسبة مرور 80 عامًا على تأسيسه.. «قسم جراحة المسالك البولية بقصر العيني» يعقد مؤتمره العلمي    تُربك صادرات الدواجن عالميًا.. أول تفشٍ لإنفلونزا الطيور يضرب مزرعة تجارية بالبرازيل    آخر تحديث للحصيلة.. إصابة 46 طالبة بإغماء في جامعة طنطا بسبب ارتفاع الحرارة -فيديو    المشروعات الصغيرة والمتوسطة ب"مستقبل وطن" تناقش خطة عمل الفترة المقبلة    اليوم وغدا.. قصور الثقافة تحتفي بسيد حجاب في مسقط رأسه بالدقهلية    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون محرم؟.. الأزهر للفتوى يجيب    فليك: نريد مواصلة عدم الهزائم في 2025.. وعانينا بدنيا بالموسم الحالي    "إلى من شكك في موقفنا".. عضو مجلس إدارة الزمالك يكشف تطورًا في أزمتهم مع الراحل بوبيندزا    كلية التجارة بجامعة القاهرة تعقد مؤتمرها الطلابي السنوي الثاني تحت شعار "كن مستعدا" لتمكين الطلاب    قرار عاجل من المحكمة في واقعة اتهام البلوجر روكي أحمد بنشر فيديوهات خادشة للحياء    هل يجوز توزيع العقيقة لحومًا بدلًا من إخراجها طعامًا؟.. أمين الفتوى يجيب    بالأسماء، ارتفاع عدد المصابات بإغماء وإجهاد حراري بتربية رياضية طنطا ل 46    قافلة بيطرية تجوب قرى شمال سيناء لحماية المواشي من الأمراض    وزارة الزراعة تعلن تمديد معرض زهور الربيع حتى نهاية مايو    "الزراعة" تطلق حملات بيطرية وقائية لدعم المربين وتعزيز منظومة الإنتاج الداجنى    وفاة ابن شقيقة الفنان عبد الوهاب خليل.. وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    قرار هام من التعليم ينهي الجدل حول «عهدة التابلت»    أكاديمية الشرطة تنظم ندوة حول الترابط الأسري وتأثيره علي الأمن المجتمعي (فيديو)    الأوقاف: الطبيب البيطري صاحب رسالة إنسانية.. ومن رحم الحيوان رحمه الرحمن    مستقبل وطن: القمة العربية ببغداد فرصة لتعزيز الجهود وتوحيد الصفوف    الصحف العالمية اليوم: تراجع ثقة المستهلك فى الاقتصاد رغم تعليق ترامب للرسوم الجمركية.. "رجل مسن ضعيف الذاكرة" ..تسجيل صوتي يظهر تراجع قدرات بايدن الذهنية .. بريطانيا تشكك فى اعتراف ماكرون بفلسطين فى يونيو    «فتراحموا».. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    محامى أسرة قتيل كرداسة يكشف تفاصيل الجريمة: يوسف فقد حياته دون ذنب    فتح ترحب ببيان دول أوروبية وتدعو لإلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل    وزير التعليم العالي: المترولوجيا أحد ركائز دعم قطاعي الصناعة والبحث العلمي لتحقيق التنمية المستدامة    باسل رحمي: جهاز تنمية المشروعات يحرص على إعداد جيل واعد من صغار رواد الأعمال و تشجيع المبتكرين منهم    تحرير 143 مخالفة للمحال غير الملتزمة بقرار مجلس الوزراء بالغلق    بدعوة رسمية.. باكستان تشارك في مراسم تنصيب البابا ليون الرابع عشر    غدًا.. غلق باب التظلمات بإعلان المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين 5"    أسعار ومواصفات شيفرولية أوبترا موديل 2026 في مصر    حكم من نسي قراءة الفاتحة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يوضح    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تدريبات جوية ويدعو لتكثيف الاستعداد للحرب    مسودة "إعلان بغداد" تشمل 8 بنود منها فلسطين والأمن العربي والمخدرات والمناخ    تشيلسي ينعش آماله الأوروبية بالفوز على يونايتد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أم كلثوم ل''عدوية''.. محمود عوض يكتب لمن يهواه القلب
نشر في مصراوي يوم 26 - 12 - 2016

أحب قلمه كثيرا، ودفع ثمن استقلالية خطاه. امتلك حس نقدي فريد. ما أن دلف أرض الصحافة الفنية، حتى أثبت للجميع أنه مُتفرد. كوّن صداقات عديدة بالوسط، غير أنه لم يستغل قربه من الفنانين لتحقيق نجاحات مهنية، فاستمر أسلوب كتابة محمود عوض كما هو؛ لاذع، فَذّ، مُمتع وصادق.
لم يهب عظماء عصره؛ تحدث عن كوكب الشرق كما لم يفعل أحد، عاملها بنديّة أحيانا، فصار مقربا منها في وقت لم تُصادق فيه سوى رؤساء تحرير الصحف. انتقد محمد عبد الوهاب في كتاب خطّه عنه، فيما رفض كتابة مذكرات فريد الأطرش. آمن بأجيال شابة لم ينتبه لها غيره، فكان دخول "عدوية" الإذاعة للمرة الأولى على يديه.
حينما طلب منه إحسان عبد القدوس الاشتغال بقسم الفن بجريدة الأخبار قابله "عوض" بالرفض "قاله فيه حاجات حصلت أدامي الفنانين عملوها وسمحوا إن أنا احضر فيها بدواعي إنسانية مش بداوعي الصحافة، فإذا أنا كتبت عنها يبقى خنت الأمانة دي".. يقول خيري حسن، الصحفي وصديق الكاتب الراحل لمصراوي. ربما ذلك ما جعل صداقة "عوض" تدوم طويلا مع الملحنين بليغ حمدي ومحمد الموجي. وفي المقابل كان الصحفي الراحل حاسما مع من لا يريد الكتابة عنهم، فيستكمل "حسن" قائلا إن فريد الأطرش عرض عليه شيك بمبلغ مالي مقابل كتاب عن حياته فلم يقبل: "محمود قال لفريد أنا مش حاسّك".
حينما ناكف "عوض" الست
لم تكن علاقة "عوض" بسيدة الغناء العربي شيء عابر، إذ قال بأحد الحوارات الصحفية إنه وافق على تكليف لإجراء حديث معها من باب التحدي، وعقب اتصاله بها وتأجيلها ميعاد الحوار تسع مرات، حادثها في المرة العاشرة ليقول "لو حضرتك مش موافقة على الحوار هبلغ أستاذ إحسان يعفيني من الصفحة"، فأخبرته أن يذهب لها في الحال.. وعقب كتابة الموضوع الذي كان باسم "ام كلثوم التي لا يعرفها أحد" طلبت من الصحفي -المبتدئ وقتها- تغيير عنوانه، فسألها "مين بيفهم في الغنا أكتر أنا ولا إنتي؟، قالتله أنا، فقالها وأنا بفهم في الكتابة أكتر".
لماذا يُجامل "عوض" أم كلثوم إذا كان باستطاعته أن يقول رأيه بصراحة؟. كان ذلك هو هدفه من كتاب "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" الذي سطره فيما بعد بناءً على رغبة سيدة الغناء العربي نفسها. فبينما يغزو سحرها العالم الخارجي، حاول أن يعزل نفسه عن حبه لصوتها، حلّق فوق مستوى الانبهار، انفصل قلمه عن يده التي كانت تصفق لها في الحفلات، لم يبدأ كتابه بمدح تطيش له العقول، بل اكتفى بقول "في الواقع إني أريد التنبيه لشيء.. أنا أعشق صوت أم كلثوم، ولكني لا أعبده.. أنا أنتمي لجيل جديد لا يعبد أحدا.. جيل يحب ويعشق، ولكنه لا يفعل ذلك إلا بعد أن يفهم ويناقش، جيل يرفض استثناء أحد من المناقشة والمراجعة".
لم ينتقد "عوض" كوكب الشرق بكتابه، لكن مبدأه كان "إذا كنت معجبا بأحد على حق، فيجب أن أعبر عن هذا الإعجاب وأنا واقف على قدمي"، لذا نادرا ما يُمرر الكاتب الراحل أي إجابة لها دون التعليق، فسألها خلال إحدى الجلسات "لماذا أصبحت فنانة؟"، لتقول إنها لم ولن تستطيع ولا تريد أن تكون أي شيء آخر، فباغتها قائلا إن ذلك غير متسق مع اهتمامها بمنزلها وزوجها فعملها إذا ليس كل حياتها، لكنها ردت بأن الأمرين لا يتعارضان سويا، خاصة أن زوجها يحترم ما تقوم به.
مازال الصحفي واصفا أم كلثوم، متنقلا بأريحية بين منزلها وحالتها فيه، مبتعدا عن صورتها كقامة فنيّة، ناسجا صورة عن حياتها العادية عكس ما يفعل صحفيو زمنه؛ كيف كانت تستيقظ وتنام بميعاد، التمشية صباحا كل جمعة، الصلاة، مواعيد الطعام التي تتغير إذا كان لديها حفل، وكيف تتعامل مع المُعجبين حتى ولو بفظاظة، إذ روت له عن ذلك الذي جاءها عقب حفل يمتدح غناءها "وكانت تعلم أنها لم تُقدم أفضل ما لديها"، لتنهره بشدة، لأنها كانت تكره النفاق، لهذا أحبّت "عوض" وتحملت أسئلته اللاذعة.
- لماذا تُغنين؟
* إيه؟
- لماذا تُغنين؟
* لأنني أريد أن أكتشف في نفسي شيئا أريد التعبير عنه".
انتظر الصحفي للحظات ثم عاود السؤال "ألا يمكن أن يكون غناؤك من أجل المال أو الشهرة مثلا؟"، فجاء تفسير "الست" ببساطة أن ذلك ليس صحيحا، ففي وقت صُنع الكتاب -عام71- كانت في قمة مجدها، ولم تكن بحاجة لنقود أو شُهرة، وإنما لاقتناعها أن الإنسان مادام موجودا فينبغي أن يستمر بالعمل.
في كتابه عنها حافظ فارس الصحافة على التمرد، وثّق جزء من حياة سيدة الغناء العربي، تارّة بعين صحفي لا يتدخل، أخرى بعين "المناكف" لإخراج أقصى قدر من التفاصيل، أو بنظرة جمهور يُحب ويُقدر ويُحاسب إن لزم الأمر. لم يكن كتابه إلا انعكاس لشخصه الزاهد في تفصيلة تحمل "فرقعة" إعلامية أو صدى زائف. لذا لم يرغب في الكتابة عن الفنان عبد الحليم حافظ، فيما يرى الكاتب عبد الله السناوي إن عوض لم يكن يريد أن يصبح مؤرخا فنيا، خاصة أنه من نفس جيل حليم.
عُقدة عبد الحليم..
قبل أن يصيرا صديقين، أرسل عبد الحليم ل"عوض" عدة مرات مبديا رغبته في أن يراه "لكني كنت أرفض"؛ هكذا قال الصحفي لمجلة الإذاعة والتليفزيون عام 2006. لم يكن يتمنّع بغرض "التعفف" ولكن رفضا للرسول الذي يأتيه لأنه "كان إنسان لزج"، وظل "عوض" مُصرا على موقفه حتى صار المرسال الجديد صديقه بليغ حمدي وحُلت الأزمة.
في بداية السبعينيات وبينما عبد الحليم حافظ في أوج مجده، إذا به يطلب من "عوض" كتابة مسلسل إذاعي له، فأشاح عنه الصحفي مستهزئا، ما اضطر "حليم" إلى حبسه في شقته بالإسكندرية ووجه له رسالة: "لن تخرج من هنا إلا وفى يدك المسلسل"، وقتها قرر "عوض" الانتقام منه وكتب قصة بطولتها جماعية في وقت كان "حليم" النجم الأوحد في التمثيل والغناء، وفق رواية الإعلامي يسري فودة في مقاله "رجل مهم في زمن تافه"، وكان "أرجوك لا تفهمني بسرعة" المسلسل الأول والأخير للعندليب.
وفي عام 1979، نشرت مجلة روز اليوسف إنها بصدد التعاقد مع الكاتب الكبير محمود عوض على نشر عمله الأدبي "أرجوك لا تفهمني بسرعة"، لتكون متاحة في معرض الكتاب القادم حينها، وكانت 12 محطة إذاعية عربية قد اشترت المسلسل وكذلك كان يجرى التحضير لعمل فيلم سينمائي بالاسم نفسه.
ساعد "عوض" بحسب رواية شقيقه طه عوض المطرب المبتدئ وقتها "أحمد عدوية" ليغني بالإذاعة، إذ لمس فيه صوتا يليق بالشباب.
كان عبد الحليم ضمن الذين طلبوا من "عوض" كتابة مذكراتهم، لكنه رفض احتراما لمن يقرأون له. فوفق رواية هشام عيسى الطبيب الخاص ل "حليم" أن الأخير سأل الكاتب "هل ترى يا محمود أننى لا أستحق أن يكون كتابك الثالث عنى؟" فجاء رد عوض "ليه يا عبدالحليم انت تستحق أربعة كتب لا كتابا واحدا"، وعن تلك الواقعة يروي خيري حسن- أحد أصدقاء عوض- لمصراوي أن الكاتب الراحل برر عدم خوضه التجربة قائلا: "عبد الحليم عايش جوايا، فمش عارف اكتب عنه، لازم ابعد عنه عشان اقدر اكتب"، إلا أنه عكف بعد ذلك على كتابة "عبد الحليم الذي لا يعرفه أحد" وهو المشروع الذي لم يكتمل بوفاة الكاتب.
لكن معارضة "عوض" للعندليب، لم تمنعه من رد غيبته عقب وفاته، فتحدث لمجلة الإذاعة والتليفزيون مُكذبا رواية الإعلامي مُفيد فوزي عن زواج عبد الحليم وسعاد حسني، كما نفى في برنامج الطبعة الاولى في أغسطس 2007 أن يكون مصرع سعاد حسني بسبب مذكراتها لأنها لم تكتب مذكرات، ولا حتى كانت تهوى الكتابة.. تلك الصراحة المُطلقة كانت الطريق لثقة الموسيقار محمد عبد الوهاب بصحفي الأخبار النابه.
عبد الوهاب.. من ساحة المسرح للكواليس
مشدوه النظر إلى محمد عبد الوهاب، جلس "عوض". يراقب مكالمات تليفونية تأتي لمنزله بين الحين والأخر. صوته الرخيم بين الضحك والغضب. جلسته المميزة على مقعده الوثير. تتسارع الأفكار داخل عقل الكاتب؛ من أين يبدأ مع صاحب تاريخ طويل بالفن والغناء والطرب؟. تتبادر الأسئلة لذهنه "لماذا إذن لا نزيل الأصباغ على وجه عبد الوهاب؟، لماذا لا نؤجل الممثل.. ونبحث عن المخرج؟ لماذا لا نفرز الشائعات في فن عبد الوهاب؟ لماذا لا نترك المسرح وندخل وراء الكواليس؟"، فكانت تساؤلات الكاتب مقدمة كتابه "محمد عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد".
كعادته في كسر تابوهات السياسة والفن والأدب، جاءت حكايات "عوض" عن موسيقار الأجيال. لم يكن احتفائيًا، بقدر محاولته نقل طبيعة الشخصية، زيجاته الثلاث، علاقته بأمير الشعراء، فلسفة أغاني الحب وتطورها بتطور المجتمع "الحب في أغاني عبد الوهاب هو حاكم بأمره، وشايل جناحه على قانونه.. غذاء فيه القلوب تختار"، يتحدث عوض عن مستقبل الغناء في عصره "عبد الوهاب ليس ثائرا. إنه- بالكثير- متمرد. إنه يتقدم إلى الأمام خطوتين.. مرضيا في نفسه نزعة التجديد، ولكنه يتراجع إلى الوراء خطوة واحدة.. مرضيا فينا نزعة الطرب".
"لماذا لا ينجح المطربون الذين تتبناهم؟" هكذا تساءل "عوض" فيما هما بأحد اجتماعات العمل على الكتاب، قبل أن يرن الهاتف، وسط دهشة بدت على وجه "عبد الوهاب"، بعدها قام لطلب الغداء، ثم عاد وجلس ناظرا إلى ساعته، ليكرر الكاتب سؤاله، ويأتي رد المُلحن بعد لحظات "زي مين؟. أنا لم أتبن أحدا. وليس من مهمتي أن أتبنى أحدا. التبني معناه التفرغ لشخص واحد أو أكثر.. وهكذا تظل ترعاه"، قبل أن يغير الكاتب كلماته للتخفيف من حدة الموقف.
"عوض" إذ يتهم عبد الوهاب ب"البخل"
توطدت العلاقة بين "عوض" والمُلحن حتى وفاة "عبد الوهاب"، يرى الكاتب الصحفي عبد الله السناوي إن عوض رأى فيه "الأب الروحي" له، فيما يسرد "حسن- صديق عوض- موقفا شهد عليه؛ فحين طلبت إذاعة "صوت العرب" إجراء حوار مع "عبد الوهاب"، اشترط حضور الصحفي محمود عوض، وخلال الحوار شعر الأخير أن الأجواء رتيبة فحاول تلطيفها "قال لأستاذ عبد الوهاب هو فعلا حضرتك زي ما الناس بتقول بخيل وحريص على الفلوس لدرجة إنك مجبتش للمذيعين شاي أو قهوة؟"، وقتها انفجر الجمع بالضحك، وانقلب حال الحديث ليحقق الحوار نجاحا كبيرا.
يسرد الكاتب عبد الله السناوي أن الملحن الراحل وثق ب"عوض" لدرجة كبيرة، فبعدما شاهد مسرحية المتزوجون اتصل به مُبديا إعجابه الشديد بها "فعوض قاله يتصل بسمير غانم يهنيه لأنه أكيد هيفرح"، وبالفعل قام "عبد الوهاب" بتهنئة الممثل بنفسه.
صحفي لآخر لحظة..
لم يكن الفن اهتمام "عوض" الأول، لكنه صار نجما بالمجال على مدى أعوام طويلة، وكان لزاما أن تستهويه الشاشة الكبيرة، فترك بصمته ببرنامج نادي السينما، الذي تُقدمه الإعلامية درية شرف الدين، التي استضافته مرارا حتى أيقنت "إنه من القلائل اللي ينفع نُطلق عليهم لفظ صحفي" حسبما تروي لمصراوي.
ظل الكاتب الراحل بارعا في ربط أشياء بعيدة ببعضها البعض، لم يعتمد على ثقافته فقط ليظهر بحلقات البرنامج "كان بيذاكر كويس جدا وبيبقى شاف الفيلم قبل ما ييجي وبيتصل بيا نتناقش ونعدل وبنشوفه تاني مع الناس.. مكنش بيتعامل مع الأمر بشكل مُسطح خالص". ما جعل "شرف الدين" تلجأ له في الأفلام "الصعبة" وبعضها يكون متعلق بالسياسة تحديدا.
ونتيجة ذلك الاجتهاد هاتفه الموسيقار محمد عبد الوهاب، عقب إحدى الحلقات مُهنئا إياه على محتواها الثري، فما كان من عوض إلا أن سأل المُلحن أن يُبلغ تلك الشهادة لمخرج البرنامج أيضا "وبعد شهر عبد الوهاب قابل المخرج في مناسبة فعلا وشكره على البرنامج" حسبما يؤكد "السناوي" لمصراوي.
صداقة على هامش البرنامج جمعت بين مُقدمة "نادي السينما" والصحفي الراحل الذي ظهر معها للمرة الأخيرة قبل وفاته بأشهر. كانت "شرف الدين" تراه بشكل مُغاير ، ففيما يظنه البعض هجوميا لآرائه اللاذعة "كنت بشوف إنه شخص خجول وبيحاول يداري خجله"، غير أن ذلك الخجل لم يمنعه يوما من التعبير عمّا يعتقد أنه الحق، لذلك تعلم المُذيعة أنه لم يتأزم نفسيا من اعتمادها أو غيرها عليه في مجال السينما والفن رغم كتاباته السياسية المُبهرة "لأنه كان صحفي شامل وموسوعي ومثقف فالناس كانت بتثق في رأيه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.