قال المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إنه بدأ ضمن مراكز حقوقية أخرى في مجابهة طوفان من التشريعات المشوبة بشبهة عدم الدستورية والتي تهدر بوضوح سيادة القانون وحقوق المواطنين والدور السلطة القضائية، بداية بنجاح المركز في استصدار تصريح من المحكمة الإدارية بالطعن على دستورية القانون رقم 32 لسنة 2014، الذي صدر في 22 أبريل الماضي، بتوقيع رئيس المحكمة الدستورية، المستشار عدلي منصور، بصفته الرئيس المؤقت للجمهورية، أحد اسوأ القوانين الجديدة المهدرة للمال العام وحقوق الدولة، بحد قوله. وأضاف المركز، في بيانه اليوم الثلاثاء، أنه في أي حكم ديمقراطي، هناك رقابة سياسية وأخري إدارية وثالثة قضائية، مؤكدا أن نجاح أي حكم يكون بمدى فعاليتها جميعا، فالرقابة السياسية تكون بمجرد وجود الهيئات المنتخبة المنوطة بالقيام بهذا الدور، كما أن الرقابة الإدارية تقوم بها السلطة التنفيذية من ذات نفسها وطبقاً للقوانين والقرارات المنظمة لعملها إلا أن الرقابة القضائية لا تكون موجودة إلا بطريق واحد وهو كفالة حق التقاضي. وأوضح المركز أن الدساتير نصت علي كفالة هذا الحق وقربت جهات التقاضي ونظمت العمل في مرفق القضاء، فجاءت تلك القوانين لتغلق الطريق على تلك الرقابة بأن منعت من توافرت لهم الصفة والمصلحة من الطعن علي القرارات لنكون بصدد تشريع يحد من الدور الرقابي للقضاء عموما وقضاء مجلس الدولة خصوصا وما ينحدر بهذا التشريع إلى مرتبة العدم أوجه الفساد في القانون. وأشار إلى أن القانون الجديد جاء من مادتين: تفيد الأولى بعدم جواز الطعن علي تعاقدات الدولة إلا من طرفي التعاقد (أي الحكومة أو المستثمر فقط)، وتقضي الثانية بوقف كل الطعون المنظورة حاليا أمام محكمة القضاء الإداري، لافتا إلى أنه ترتب علي هذا القانون تحصين تعاقدات الدولة السابقة والإيذان بإبرام المزيد من التعاقدات التي تهدر أصول الدولة وثرواتها الطبيعية للمواطنين، أصحاب المصلحة الحقيقية والحق في الرقابة التي تحاول الحكومة اغتصابها من بين أيديهم ومن بين أيدي السلطة القضائية وخاصة القضاء الاداري، وذلك بعد العديد من الأحكام للمركز المصري وغيره التي ابطلت العديد من العقود الفاسدة وأعادت الكثير من الهيئات والشركات التي بيعت في ظروف أقل ما توصف به أنها مشبوهة. وأوضح بيان المركز أنه اشترط القانون صدور حكم نهائي في جرائم الأموال من أجل إعمال الدور الرقابي لمحكمة القضاء الاداري، كما أنه أهدر مبدأ تكافؤ الفرص بين المتقاضين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، فهو يفرق بين الطاعنين الذين صدرت لهم أحكام قضائية قديمة، وبين الطاعنين التي تتداول طعونهم الآن دون ذنب أو جريرة تبريرات الحكومة لا منطقية ولا مقبولة. و تابع ''لعل من أهم التبريرات التي لجأت اليها الحكومات المصرية المتعاقبة، وآخرهم حكومة محلب، من أجل اضفاء الشرعية على قوانين تمنع المواطن من الطعن على العقود التي تبرمها الدولة مع المستثمرين، هو حجة زيادة عدد القضايا المنظورة دوليا ضد مصر''، مؤكدا أنه بالرغم من أن مصر بالفعل تأتي ضمن أكثر أربعة دول تقاضي دوليا، إلا أن الحل بالتأكيد لا يكمن في غلق باب التقاضي المحلي ضد الفساد، ولكنه يكمن في اتفاقيات الاستثمار الثنائية التي وقعت عليها الحكومة التي تفتح الباب على مصراعيه أمام المستثمرين لمقاضاة مصر دوليا، متخطيين بذلك القضاء المصري، ومتجاهلين أحكامه. وأوضح أنه ومن المحزن، أن مصر بدلا من أن تراجع موقفها من تلك الاتفاقيات –كما تفعل العديد من الدول- تستمر في الدخول في المزيد من تلك الاتفاقيات، وتتجه في الوقت ذاته لتعديل تشريعاتها المحلية للسماح بالتصالح مع الفساد والغاء أحكام القضاء المصري الذي كشف الفساد في العديد من عمليات الخصخصة وبيع الأراضي، وغلق باب التقاضي المحلي تماما، بذلك القانون، وهو ما يهدد بفساد أكثر وتصالح مع جرائم تهدد الاقتصاد المصري ومعيشة المصريين. أما مبرر أن القانون ضروري لإشاعة مناخ مطمئن للمستثمرين و اجتذاب للاستثمارات، وأن أحكام الطعن السابقة أضرت معنويا بهيئات الدولة ومناخ الاستثمار، قال المركز إن هذا المبرر لا يقوم على أي منطق مقبول، فالمتضرر الوحيد من الطعن على تعاقدات الدولة مع المستثمرين هو من تنطوي تعاقداته على مخالفة للقانون وإهدار للمال العام، أما خلو التعاقد من مثل هذه المخالفات فهو التحصين الوحيد الصحيح لها ضد قبول الطعن عليها وإبطالها، ولا يمكن قبول الحديث بأن إجراءات التقاضي في ذاتها تشكل إضرارا بالمستثمر ومصالحه، فلو صدر الحكم لصالح المستثمر مانعا بذلك أي خسائر مادية لاحقة به، فإن القبول أما بحجة الضرر المعنوي في هذا الإطار فإنها تهدر بصفة عامة حق مقاضاة جهات بعينها وتضعها في مرتبة فوق القانون، ومن الواضح أن منع الضرر المادي ونزيف أموال الدولة نتيجة عقود تخالف القانون بلا شك له الأولية القصوى على الضرر ''المعنوي''. وأضاف أن العرض السابق يدل على عدم دستورية القانون الجديد وآفاته، قائلا ''لا يمكننا النظر إليه إلا في سياق حزمة من التشريعات والإجراءات التي اتخذت على عجل خلال شهور قليلة من خلال حكومتين كلاهما مؤقت في فترة انتقالية يفترض أن الأولوية فيها تحقيق انتقال آمن للسلطة إلى رئيس وبرلمان منتخبين يتمتعان بشرعية حقيقية''. وأوضح أن العامل المشترك البارز لهذه التشريعات والإجراءات هو أنها تعكس انحيازا واضحا للسلطة الانتقالية المستندة لمصالح رجال الأعمال والمستثمرين ويضاف إليهم مسؤولو البيروقراطية المصرية التي شاع فيها الفساد ولا يزال، وفي المقابل تجتمع هذه التشريعات والإجراءات على إهدار مصالح الغالبية العظمى من الشعب ولا تتورع في سبيل ذلك عن إهدار الدستور والقانون والافتئات على صلاحيات واختصاصات السلطة القضائية، وهي بذلك لا تضر فقط بالاقتصاد المصري بإهدار أصول وموارد مملوكة للشعب وإنما توجه ضربة تلو الأخرى إلى الأساس القانوني للدولة المصرية، بحد بيان المركز. وأكد المركز ادانته لإصدار هذا القانون الذي وصفه المعيب، مطالبا رئيس الجمهورية بصفته قاض ورجل قانون وبموجب مسؤوليته التنفيذية حماية مصالح الشعب بتدارك الموقف الشاذ الذي يخلقه صدور هذا القانون وذلك بالمسارعة إلى وقف العمل به. وتوجه المركز المصري إلى رجال السلطة القضائية والمجلس الأعلى للقضاء بصفته الممثل الأول لهذه السلطة وكذا بصفة خاصة الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة، مطالبا إياهم باتخاذ موقف واضح من هذا القانون المعيب ينتصر للسلطة القضائية واستقلالها وحقها في القيام بدور الرقيب على أعمال وقرارات الحكومة كما يقرر الدستور. كما أكد المركز أن التجاهل الأعمى المستمر الذي تمارسه الحكومة الحالية لمصالح الغالبية العظمى من الشعب ويراكم المزيد من الأعباء على كاهلها بينما يدمر الموارد التي يفترض أن تصب في تحسين الخدمات العامة للتخفيف من هذه الأعباء، هو دليل على أن النظام الحاكم لا يزال مصرا على ألا يعي دروس الثورة المصرية بموجتيها وهو بذلك يجر البلاد إلى مزيد من الاضطراب وغياب الاستقرار ويجعل من هدف بناء دولة الديموقراطية والعدالة وسيادة القانون أبعد منالا من أي وقت سابق.