وجه الآسى عندي في القرار بقانون لتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة الذي صدر الأسبوع الماضي، أن مُصدر هذا القانون قاضٍ جليل بصفة رئيس جمهورية مؤقت، وقرأ بالتأكيد الدستور المصري المُعدَّل الذي أقر أن التقاضي حق مصون ومكفول للكافة، وأن الدولة تلتزم بتقريب جهات التقاضي، وأنه يُحظر ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وأنه لا يُحاكَم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي. ويعلم بالطبع أن لأي قانون جديد ضرورات ودوافع مختلفة، أهمها الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى عنصر الملائمة. أما ما يتعلق بتوقيت صدور القانون فحدِّث ولا حرج، إذ يُشتبه في سرعة الإصدار قبل أسابيع من إعلان رئيس الجمهورية الجديد، ودون حوار مجتمعي! وبفرض أن مجلس النوات المنتخب في الربع الأخير من العام الجاري سوف يُبطل القانون حال العرض عليه، فلن يُبطل العقود الإدارية التي أُبرمت خلال هذه الشهور في ظل هذا القانون العبقري! وقد نُفاجأ حينها بعقود مُعينة تم تمريرها بسرعة! وبسرعة غريبة قام أعضاء الجاليري الملكي للدعم القانوني للأنظمة الحاكمة ومراكز صنع الفتاوى التشريعية والمتطوعون الجاهزون، بإضافة تبريرات جديدة على تبريرات فقهاء النظام لصدور القرار بقانون تنظيم الطعون على العقود الحكومية! وانتشروا في وسائل الإعلام وفق حملة منظمة بدقة لتحسين صورة القانون في عين الرأي العام. في أن القانون يضمن حقوق المتعاقدين خاصة إذا كانت مع الدولة التى يجب أن تحترم تعاقداتها، وكلام كبير من عينة أن القانون سيُحدث مزايا عديدة وسيغير وجه الاقتصاد في مصر لأن الدولة ستضمن تعاقداتها، سيحقق الاستقرار فى السوق الاقتصادى وسيطمئن المستثمرين ويخلق حيوية تجذب المستثمرين، وأن القانون يضمن حق التقاضي ويمنع ويحول دون الاستخدام السيئ ويقضي على الشوهات الإعلامية والتهويل وقضايا الابتزاز وبراثن النصابين الذين استغلوا ثغرات القانون ورفعوا قضايا ضد تعاقدات للدولة لتحكم لهم محكمة أول درجة ويستخدموا الحكم للابتزاز والنصب وفرض أتاوات، بل وأكد البعض إلى أنه آن الأوان إلى كشف النصابين الذين ارتدوا ثياب الوطنية الطاهرة وإعادة الاستقرار إلى حياتنا الاقتصادية والصناعية والتجارية. وما زاد دهشتي القول بأن القانون لم يتناس حق أصحاب الحقوق الشخصية والعينية والمُضارين بشكل مباشر في الأموال موضوع العقد، وسمح لهم باللجوء للقضاء ضد العقود المبرمة متى أثبتوا حقوقهم في الأموال موضوع العقود! وهو قول حق يُراد به أيضاً عدم تمكين الغير من الطعن على هذه العقود متى تراءى لهم الفساد! وكأن مشرع أراد أن يُبسط ولايته على القضاء الذي هو من واجباته أن ينظر في صفة الطاعن أولاً قبل البت في موضوع الطعن، وبالتالي فإن انعدمت في نظره صفة الطاعن حَكَم بعدم قبول الطعن، وبالتالي يُعيدنا إلى السؤال الواجب عن قلق السلطة التنفيذية مُصدرة القانون من أحكام المحاكم التي كشفت في السنوات الأخيرة عن وقائع فساد في بعض العقود الإدارية. وألمح بين سطور هذا القانون افتراض جدلي بوجود فساد في بعض عقود الدولة أرادت السلطة التنفيذية التشريعية تحصينها، لكن غيري لمح فساداً في إصدار القانون نفسه، نتيجة ما صدر منذ فترة من تصريح عن أحد المسئولين في دولة خليجية بأن السبب في إحجام استثمارات دولته في مصر أن المحاكم تُبطل أحياناً بعد العقود الإدارية! وكأن يا سادة استقرار عقد إداري ما أهم لدى السيد رئيس الجمهوية ومستشاريه وحكومته من اكتشاف فساد كلي أو جزئي فيه عن طريق المحكمة نتيجة طعن أمامها من غير أطرافه!