«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



''سطوح" وسط البلد.. حياة بين السماء والأرض
نشر في مصراوي يوم 09 - 12 - 2013


إشراق أحمد ودعاء الفولي ورنا الجميعي:
طوابق عمرها أكبر من عمر سكانها الحاليين؛ فسكانها الأصليين انغلقت أبواب شققهم على ما فيها من ذكريات وصور، إما لانقضاء أعمارهم أو تركها سواء لهجرة أو كرهًا، لتحويل معظم العمارات لشركات خاصة.
في الطابق الخامس بإحدى عمارات ''الشواربي''، التي تعد أقدم العمارات بوسط القاهرة، كانت تلك الأبواب لا يميزها عن بعضها سوى لافتة كُتب عليها اسم صاحبها؛ هدوء ساد الطوابق الخمس، لم يكسره سوى صدى صوت حركة أقدام وحديث ظهر من ''وراء النوافذ المفتوحة المطلة على ''المنور'' لسكان العمارة المقابلة؛ نافذتان كبيرتان تتواجدان بكل طابق، هي ما تمكن من رؤية الجيران لبعضهم البعض سواء في المصعد أو عند دخول شققهم.
لم تكن النهاية مع الأبواب المغلقة والشقق التي أشار المصعد إلى أن الطابق الخامس هو الأخير لها، بل لحظة سير طفل أسمر اللون على ممر حديدي ظهر بالجهة المقابلة لنافذة العمارة الخارجية، كانت بداية المعرفة بسكان الطابق السادس الذي لا يشير المصعد أو السلم لوجوده.
''محمد، وإبراهيم'' بعد أن انضم الأخير إليه؛ أشارا مبتسمين للعودة إلى بهو العمارة والصعود من السلم؛ الصغار الذي ينتمي الأول منهم للصف الأول الابتدائي بينما الثاني لازال في ''الحضانة''، اعتادا على رحلة الوصول لمسكنهم عبر سلم أخفاه باب جانبي بمدخل العمارة؛ سلم حديدي ضيق يمتد في الجهة الخلفية للعمارة '' المنور'' حتى السطح.
رائحة القمامة مع الحذر من الدرجات السلمية غير المستوية أو المنكسرة هي رفيق رحلة الصعود إلى سكان الطابق السادس، ذلك السلم العابر على مطابخ سكان العمارة الأصليين هو المتعارف على إنشاءه قديمًا كمخرج للطوارئ أو ما أطلق عليه ''سلم الخدم''.
وبالوصول إلى الممر الحديدي انكشف سطح عمارة '' الشواربي'' على حجرات صغيرة ذات أبواب وبعض الجوانب الخشبية، ضمت سكان ذو ملامح سمراء بشوشة فمن أقصى الصعيد حيث الأقصر وأسوان وفدوا إلى وسط القاهرة للعمل، والمهنة '' حارس عقار''.
أغلب سكان الحجرات التي لا تتعدى مساحتها أمتار قليلة إما كان حارس لذلك العقار الذي امتلكته إحدى شركات التأمين فأصبحت تكلفه بتلك المهنة لكنهم انهوا معاشهم، أو توفوا ففضل الأهل المكوث بالحجرة مقابل مكافئة نهاية الخدمة والاكتفاء بالمعاش، وأخيرًا كان حراس لذلك العقار وانتقل إلى آخر لكن ظل محتفظًا بالحجرة.
عائلة ''رجاء''..17 سنة ''سطوح''
أمام صنبور مياه أُحيط بكتلة خرسانية وقفت ''شيماء'' تحمل شقيقتها الصغيرة ''نورا''، التي لم تتعلم الحديث بعد ''الحمد لله وحلوة''، هي كل ما تحمله شيماء ابنة السادسة عشر عن حياة السطح، بينما وجدت والدتها التي انشغلت بإعداد الغذاء أن غلاء الأسعار هم أكثر شيء يضيق صدرها منه ''الغلو هو المشكلة اللي بنعاني منها اللي جاي على قد اللي رايح''.
''أم شيماء'' لم يمر على تواجدها بالسطح سوى خمس سنوات خلاف شقيقتها ''رجاء''، التي تسكن بالحجرة المجاورة لها منذ 17 عامًا، ومع ذلك لم تتغير لكنها الأقصرية كما لم تتغير وتيرة الحمد السائدة لكلماتها ''الحمد لله على كل حال''.
7 أبناء أكبرهم تزوجت وانتقلت بعيدًا عن السطح بينما الأصغر ''محمد'' يلعب أمام الحجرات، يمنع والدته بين الحين والأخر إذا فكرت يومًا بالانتقال ''بيقولوا لي احنا اخدنا على هنا خلاص''، حسبما قالت ''رجاء'' رغم أنه لم يعي قبل 17 عامًا أيام ''الزمالك'' ؛ حيث كان الأب حارس لإحدى العقارات هناك أما السكن فكان تحت السلم ''في البدروم''، لهذا السبب لم يمكثوا كثيرًا ومع أول فرصة للانتقال كانت الوجهة ل''سطوح وسط البلد'' مع العمل بها.
البراح الذي عاشت فيه ''رجاء'' بالأقصر جعل سطح ''وسط البلد'' أفضل مكان يمكن أن تسكنه بالقاهرة بدلًا من ''البدروم تحت الناس'' خاصة مع مهنة زوجها ''هم البوابين كده يا فوق الناس يا تحت الناس يا يدفنوكي تحت أرض واصل يا يطلعوكي في السماء''، قالتها السيدة الأربعينية التي لا تنكر ضيقها من أعظم المشاكل المواجهة لهم ''السلم والسور''.
سور طول طفل صغير هو ما يحيط بسطح العمارة القديمة ذات الطابع الإيطالي والتي رحل أغلب سكانها مما دفع زوج رجاء بعد أن ''اتوحشها'' مع أول فرصة للانتقال مرة أخرى عاد إلى إحدى عمارات الزمالك دون أن تنتقل عائلته.
ورغم الأمتار الصغيرة ومشقة السلم، وخزانات مياة العمارة التي قد يسبب أي تسريب بها في حدوث ماس كهربائي واشتعال الأسقف الخشبية كما حدث ذات مرة فانقطعت الكهرباء لأيام حتى انجلت المشكلة، غير أن ''الاختصارة'' بلهجتها الأقصرية هي أكثر ما يحيد ''رجاء'' عن فكرة الانتقال والتي تعني ''تبقى قافلة بابك عليكي كل واحد في حالة وإن كلنا زي الأخوات بنسأل على بعض لكن لو في شقة والواحد مات محدش هيسأل عليه''.
وجود شقيقات ''رجاء'' الاثنين جانبها يزيد من صبرها، ففي الحجرة المجاورة استلقى '' نشأت'' ممددًا على سرير يتسع لفرد واحد في غرفة صغيرة، قام بعملية الغضروف، ومازال في فترة النقاهة، يعمل هو الآخ حارس عقار منذ 17 عامًا، أمطار الشتاء أكثر ما يؤرق حياة الرجل الأربعيني خاصة وأن اغلب أسطح الحجرات من الخشب.
''سعادة'' ..عجوز السطح المفرحة
برداء أهل النوبة التفحت بوشاحه المعروف المغطي للرأس والجسد، تتسارع أنفساها فقد قطعت لتوها رحلة صعود السلم الحديدي بعد أن انتهت من شراء احتياجاتها، تستقبلك بوجه لا تفارقه الضحكات حتى عند إخبارك وتأسفها إذا ما توقف حديثها لتذكر شيء ما، لما تعانيه من بدايات مرض ''الزهايمر''.
''اسمي سَعادة بلهجتنا لكن هنا يعرفوه سعاد''، تحدثت السيدة الستينية عن نطق اسمها الذي تفضله بلكنة الصعيد الأسمر عن أهل القاهرة، داخل حجرة لا تتعدى مساحتها عشرة خطوات تعيش ''سعادة''، منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا، عندما ارتحلت مع زوجها عن أسوان ليعمل حارس عقار بوسط القاهرة.
سقف خشبي هو ما تحتمي به ''سعادة'' ومسند فراش تركن له ظهرها بعد وفاة زوجها الذي كان يشاركها تلك الأمتار الصغيرة التي شاء القدر ألا تحتضن أبناء، فلم يعد لها سوى تلفاز يسلي أوقاتها، وإطار يحمل صور قديمة لعائلتها قرب الباب الخشبي الذي ينغلق عليها لتجلس على أريكة خشبية أيضًا ناظرة أغلب الوقت لتلك الصور فتشعر '' بحزن عليهم''.
ومع ذلك لا تجد ''سعادة'' غير ابتسامة عريضة سمحة تقدمها لزائريها النادرين، فرغم السنوات المارة على السيدة حرصت ألا تختلط بأحد إلا إذا همَّ أحدهم بذلك '' أنا مختصرة ، بقفل بابي ما ليش دعوة بحد'' قالتها بلهجة أهل أسوان.
سقف مبني يحميها من مطر الشتاء وموجات البرد القارسة هو كل ما تتمناه ''سعادة'' إذا لم تتحقق بعد كل تلك السنوات أمنية سكن إحدى الشقق للتخفيف من عبء صعود السلم.
''رياض''.. طفل السطح و''الطيارة الورق''
على بقايا فراش وُضع خارج الحجرة اتكأ ''رياض'' على مسنده هائمًا رغم صغر عمره الذي لا يعلمه، مرتديًا قميص وبنطال في انتظار والدته التي لم تعد بعد من عملها.

أحلامه يشكلها فوق أرض السطح بينما تتساقط أسانه تستبدل بعدها البعض '' نفسي أطلع ظابط'' هكذا تشكلت إحدى أحلامه أثناء عودته من المدرسة ورؤيته لمدرعات الجيش أمام مبنى دار القضاء العالي '' بعد ما شوفت الدبابة لما تيجي المظاهرات بيقفلوا الطريق ومابتخليش حد يعدي''.

ملامحه السمراء الباسمة بترحاب وأريحية في الحديث لمن لا يعرفه لم تزد من كلماته القليلة الخجولة عن حياته على السطح ''بحب السطح عشان بلعب مع القطط''، قالها ''رياض''، مشيرًا إلى إحدى القطط العابرة التي لا يمنع حبه لها أن يكون تبولها أسوأ ما يضيق له صدره فوق السطح خلاف السلم الحديدي الذي لا مفر منه يوميًا بالصعود والنزول، فأصاب وجهه عبوس سرعان ما انجلي وعادت له ابتسامته مع تذكر الطائرات الورقية التي يطلقها من أعلى السطح.
''رمضان'' خال الصبي الصغير ذي الست سنوات كما أكد لا يضيره من الحياة فوق سطح وسط البلد سوى السلم والقمامة وزاد على تلك المشاكل البائعين المتجولين المفترشين للطريق.
''عم صابر''.. عامل نظافة السطوح
ظهر مُنحني، يدان تمسك ب''جوال'' كبير يمتد بطول الظهر، وجه صبوح، كلمات طيبة رغم ''الشقا''؛ فالجهد الذي يبذله ''صابر'' لم يؤثر على روحه، كذلك الحياة لم تأخذ شيئًا من قناعته بالحال مهما بلغ ضيقه.
25 عامًا لم يبرح ''صابر'' مهنته كعامل نظافة بعمارة الشواربي، يحمل شواله ثلاث مرات أسبوعيًا، يمر على الشقق جميعها من مستخدمي المصعد الكهربائي ''الاسانسير'' ليحصل على رزقه، إلى صعود سطح العمارة، الذي يحتاج الوصول إليه كثير من الجهد؛ الثمانية طوابق ليست المشكلة الوحيدة، فهناك السلك الحديدي القديم الذي تتحرك جوانبه وهو الطريق الوحيد للسطح.
انتقل ''صابر'' من موطن ولادته ''الوادي الجديد'' لبولاق الدكرور بالقاهرة، ليصبح قريبًا من محل عمله، ورغم عمره الذي قارب على السابعة والخمسين، إلا أن ''صابر'' لم يفكر بالعمل بأي مهنة أخرى، فذلك على حد قوله ''أكل عيشي.. اسيبه ليه''.
الأربع عمارات التي سميت بعمارات ''الشواربي'' تم توزيع الاهتمام بنظافتها على أربع أشخاص منهم ''صابر''، ورغم أنه يعمل بشكل حر، لا يتبع أي مؤسسة حكومية أو خاصة، إلا أن السكان عرفوه، ولكن الحال ''زمان'' كان أفضل في كل شيء من وجهة نظره.
الأموال التي يتقاضاها ''صابر'' مقابل خدماته ''ده رزق''، على حد قوله، ولا يحب التكلم عن قدرها، إلا بأن ثمن تحصيل القمامة من شقق العمارة مختلف عن ثمن قمامة السطح ف''صوابع الإيد مش زي بعضها''.
''لما بلاقي قلق مبنزلش''، قال ''صابر'' عن العمل في منطقة مليئة بالأحداث لحد كبير كوسط البلد، ''الستر'' و''الصحة''، هما ما يريده ''صابر''، لا سكنًا أفضل، أو أموال إضافية، فقط القدرة على العمل وعدم الاحتياج لأحد.
''مديحة'' و''ياسر''.. الركن الأخضر بالسطح
في الجهة الجانبية لتصميم الواجهة المعروفة بها '' الشواربي'' ويطلق عليها سكان السطح '' البلكونة''، كانت حجرة أخرى انتشر حولها الكثير من اللون الأخضر الذي جعلها مميزة عن غيرها؛ فالسيدة ''مديحة'' قاطنة الحجرة تحب الزراعة وقررت أن تعوض عن تركها لقريتها بالأقصر وهي عروس بالزراعة حول حجرتها الصغيرة التي ضمت أبنائها الأثنين وزوجها الذي وافته المنية.
لم تختلط '' مديحة'' منذ 30 عامًا إلا بجيرانها على السطح أما سكان الشقق لم تر أي منهم إلا صدفة ولا تعبأ بذلك فهم '' الناس الهاي اللي فوق'' حسب تعبيرها.
جلست '' مديحة'' على أريكة خشبية أمام الحجرة أحيط بها الزرع الأخضر متحدثة عن العمارة التي كل ما تعرفه عنها إنها كانت ملك '' الشواربي باشا'' ثم انتقلت إلى الدولة بعد تأميمها لذلك '' الباشا مات غلب لما أخدوها منه''، وكذلك عن أمنيتها التي ترغب فيها من هذه الحياة وهي شقة ووظيفة حكومية ثابتة لابنها '' ياسر'' الذي استند إلى باب الحجرة مبتسمًا.
''ياسر'' ابن ال28 عامًا يعمل محاسبًا بإحدى المكاتب التجارية بمدينة العبور ورغم المسافة غير أن ذلك بالنسبة له أفضل من لا شيء '' هو حد لاقي شغل اليومين دول الحمد لله''.
''المشكلة الوحيدة اللي بنعاني منها مافيش اسانسير يوصل لغاية هنا لولا كده المكان ده بالنسبة لي جنة'' تحدث ''ياسر'' عن المشاكل التي يعاني سكان ذلك السطح والبالغ عدد 6 عائلات منها متشعبة الفرع '' اللي معاه أخوه أو أخته ومتجوز''، هذا إلى جانب الحمامات المشتركة البالغ عددها ثلاثة.
السطح في حياة '' ياسر'' بمثابة ساحة عرض للأحداث التي لا يشاهدها إلا مَن سكن سطح وسط البلد، متذكرًا اللحظات التي تنغلق فيها جميع الشوارع ويصبح السطح المنتشر عليه قوات الأمن لتأمين موكب رئيس الجمهورية وقتها '' محمد حسني مبارك'' المكان المتاح للمشاهدة، كما كان الوضع أيام '' محمد أنور السادات'' لكن تلك الفترة شهدتها والدته التي تحتفظ بصورة لها '' بحب السادات عشان كل الناس كانت لاقية تاكل وعايشة''.
سنوات لم يختفِ فيها الأمن الذي كان يشارك السكان مشاهدة الموكب '' كنا بتفرج مع رجال الأمن جنبا إلى جنب '' حسبما قال الشاب العشريني لكن اختلف طريقة العبور من تحت العمارة إلى طائرة هليكوبتر تحلق فوق الرؤوس، بينما الأن تقبع المدرعات أمام مبنى دار القضاء العالي والبائعين الجائلين في محيط الشوارع.
الأحداث منذ ثورة يناير شهد عليها '' ياسر'' من فوق سطح العمارة إما برؤى العين أو تسجيلها بالتصوير ''هو أنا كان ورايا حاجة غير التصوير''؛ شغف أصاب الشاب العشريني تجاه الأحداث تحول إلى فتور بعد عامين لتكرار المشاهد من اشتباك وملاحقات.
مشاهد أخرى كان لمعاناة السلم سبب رئيس في ضياعها على ''ياسر''، كذلك اليوم الذي تذكره مبتسمًا؛ حيث منعه السلم من رؤية تصوير أحد مشاهد فيلم ''مافيا'' الذي تم تصويره فوق السطح وكان يتطلب نزول وصعود السلم فما كان إلا أن قال'' على ايه ما كده كده هنشوفه في التليفزيون''.
التعايش مع البراح المفضل لهم هو أساس تعامل سكان سطح عمارة ''الشواربي'' مع كل ما يضيق صدرهم له، على حد تعبير، الشاب العشريني، فأصبحت لكل مشكلة حل حتى في الحالات الحرجة كمرض أحدهم ''لو حد تعب بنحاول نسنده وينزل ولو الحال صعب بنستأذن الشقة اللي تحتنا في الدور الأخير وننزل في الأسانسير''.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.