ذهب لزيارة عثمان صديقه بالبيت فأدهشه وجود سقّالات وأخشاب تسند السقف فى مدخل العمارة ووجد آثار الجبس والأسمنت تملأ المكان. اندهش لفكرة أن يكون البيت فى حالة تنكيس، نظرا لحداثة عمر البناية الذى لا يزيد على عشرين عاما. استقبله عثمان بالترحاب فسأله عما يحدث خارج الشقة. قال: أبدا، إنهم يسندون الأسقف بهذه العمدان الخشبية ريثما يقومون بإصلاح الدَرَج الذى تهدّم بسبب غمره بالمياه فى أثناء الغسيل اليومى الذى يقومون به. تساءل فى دهشة: هل يغسلون السلم كل يوم؟ أجاب عثمان: نعم، لأن صاحب العمارة الذى يشاركنا السكنى بها لديه وسواس قهرى يجعله يغسل يديه بالمطهرات كل خمس دقائق، وكذلك يغسل الفلوس الورقية والفضية قبل أن يضعها فى جيبه، وهو صاحب اختراع غسل السلم كل يوم، وها هى عمارته على وشك الانهيار، ولعله يظن أن السبب أنه أهمل فى غسلها! اقترح على صديقه أن يستغنوا عن السلم -ما داموا يعانون منه- ويقوموا بتركيب أسانسير فى العمارة يريح السكان ويحفظ السلم من البلى. تعجب عثمان من الاقتراح وقال: إن السلم لم يبل بسبب الصعود والهبوط وقسوة الاستخدام، وإنما بسبب المياه التى تغمره طول الوقت، ولن يمنع تركيب أسانسير مالك البيت من الاستمرار فى غسل السلم. قال الرجل: لكن ما رأيك فى فكرة تركيب مصعد بالعمارة، ألا تراها فكرة تستحق الدراسة؟ أجابه فى تردد: هى فكرة لم تخطر على بالى من قبل، خصوصا أننى أسكن فى أول بلكونة ولا حاجة بى لمصعد. لم ييأس الصديق واستمر: ربما لا تحتاج إليه أنت، لكن فكّر فى سكان الدور السادس وضع نفسك مكانهم. نظر عثمان إلى الرجل بشك وقال: معك حق هم يستحقون مصعد، ربنا يكون فى عونهم، لكن المشكلة أن أحدا من سكان الأدوار العليا لم يطرح فكرة تركيب مصعد من قبل. قال الرجل: ربما منعهم الحياء من طرح الفكرة، قم أنت بطرحها واعفهم من الحرج. تلفّت عثمان حوله فى ذهول وكأنما لا يدرى بماذا يرد على صديقه الذى يتفوه اليوم بكلام غريب ثم قال: أى حرج هذا الذى يمنع السكان من الحديث حول المصاعد، هل حديث الأسانسيرات أصبح يثير الحرج؟ ثم إن حوش العمارة ليس به مكان يسمح بتركيب مصعد، والطريق الصاعد لأعلى تعترضه شقق السكان، انس موضوع المصعد وحدثنى عن شىء آخر. قال الرجل: لم أكن أعلم أنك تغيرت إلى هذا الحد! أتتخلى عن جيرانك يا رجل لمجرد أنك تسكن فى الطابق الأول ولا تحتاج إلى الأسانسير؟ قال عثمان وهو لا يعرف هل يضحك أم يرسم الجدية: ما هذا التخريف يا رجل؟ أى جيران وأى أسانسير؟ إن هذه الفكرة هى فكرتك أنت وهى ليست مطروحة هنا بين السكان، وقد أخبرتك بعدم وجود مكان للمصعد. رد الرجل بحدة: وهنا بالضبط يأتى دورك كأحد قادة التنوير وطلائع الفكر الثورى، يمكنك أن تضرب بنفسك مثلا بين السكان يؤكد جدارتك بتبؤ منصب رئيس مجلس إدارة العمارة وذلك بأن تؤثر السكان على نفسك ولو أدى الأمر إلى نزع ملكية شقتك لغرض المنفعة العامة والقيام بتركيب أسانسير مكان صالة الشقة! هتف عثمان فى هلع: ماذا بك يا رجل، هل أنت طبيعى؟ لقد كنت أسايرك على أمل أن ينتهى الهذر وتدخل فى الجد، لكن يبدو أنك قد أصبت باختلال عقلى. قال الرجل: وهل من يفكر فى الناس يكون مختلا؟ صرخ عثمان: أى تفكير فى الناس يا ابن المجنونة؟ هل تريدنى أن أمنحهم صالة الشقة لعمل أسانسير لا يريدونه ولم يفكروا فيه؟ قال الرجل: من قال إنهم لا يريدونه، إنهم يحتاجون إليه بشدة، ولكنهم لم يطرحوا الأمر بسبب الحياء كما أسلفت. قال عثمان: هل موضوع الحرج هذا كان بسبب نزع ملكية شقتى وتخزين الأسانسير بالصالة؟. أجاب: نعم. قال عثمان: وماذا عن بقية الشقة؟ هل يمكن أن أنام فيها أنا وأولادى أم أهبها لهم بعد إحضار ترابيزة بلياردو وجهازى بلاى استيشن لمتعة السكان؟ قال الرجل: المشكلة أن الثورة التى غيرتنى ونزعت منّى الأنانية لم تفعل معك نفس الشىء. قال عثمان: فلتمنحهم شقتك أنت، إذن، يا فالح ليستفيدوا منها. قال الرجل: إنهم لا يسكنون معى، لكن يسكنون معك أنت ولو كانوا يحتاجون إلىّ لما ترددت فى عمل أى شىء من أجل جيرانى. قال عثمان: ثم من قال لك يا مخرف إننى أريد أن أكون رئيس مجلس إدارة العمارة، إن هذا المنصب يعنى أن أقوم بجمع فلوس الصيانة أول الشهر من سكان يماطلون فى الدفع ثم التعامل مع الحارس والزبال ودفع فواتير الماء والكهرباء، وكل هذه الأشياء التى تحتاج إلى شخص فاضى، وقد كنت أهرب دائما من هذا المنصب الذى يلف بالدور على السكان، كما أن مسؤول العمارة الحالى لم يحصل على ما تسميه منصبا من خلال التنازل عن شقته، وأخيرا ما معنى أن أفقد شقتى ثم أصبح مسؤولا عن عمارة لا أسكن بها؟ قال الرجل: إن نقاءك الثورى أصبح محل شك، وأنا حزين على صديقى الذى عاش عمره مناضلا ثم أصبح يتهرب الآن من استحقاقات المرحلة. قال: أنا لم أزعم أننى مناضل ولا أعرف شيئا عن استحقاقات المرحلة أيها المخرف. قال الرجل: ليس عندى وقت أضيعه معك بعد الآن، أنا خارج لألحق موعد اجتماع المجلس الاستشارجى. قال عثمان: هل أنت عضو بالمجلس الاستشارجى؟ إن هذا يفسر كل شىء، امض تصحبك السلامة يا بتاع الأسانسير يا وسخ!