جوار والدته عاد سريعا؛ً لكن الحال اختلف فلم يدخل من باب المنزل، بل هي من فزعت خارجه لتراه وتكون بجواره، قاطعةً الطريق لأول مرة من ''جهينة '' في سوهاج وحتى ''مستشفى البدرشين المركزي'' بعد أن جاءها خبر إصابته. ''حمودة'' - أحد الناجين من حادث قطار ''البدرشين'' - استلقى على سرير إحدى حجرات الطابق الثاني بمستشفى ''البدرشين ''، إلى جوار والدته، بدا عليه آثار الإعياء الجسدي والنفسي جَرّاء ما حدث، مما جعله متحفظاً للحديث في بادئ الأمر. ''حمودة'' أصغر أخواته مات عنه والده صغيراً، حاصل على ''دبلوم''، خرج من سوهاج للانضمام مع رفاقه إلى التجنيد، فبدأت الرحلة إلى أسيوط؛ حيث '' من الساعة 4 الصبح خدنا اليوم كله في العزل بأسيوط وبعدين طلعنا على المحطة على المغرب كده''، وشاء القدر أن يأتي مكان ''حمودة'' بالقطار في العربة الأخيرة '' كنت في آخر عربية.. آخر عربيتين اللي حصل فيهم الحادثة''. ''كنت فايق لكل حاجة''.. قالها ''حمودة'' متذكراً ما حدث '' هي مرة واحدة كده حصل هزة مسكت في الكرسي اللي قدام، وبعدين القطر اتقلب غمضت عيني فجأة لقيت نفسي بعيد عن القطر وزمايلي حواليا اللي متوفي واللي تعبان واللي مكسر، والناس هىي اللي شالتني''. ''حمودة'' كان يعلم جيداً وجهته، وكذلك مكان الحادث '' كنت رايح مركز تدريب كنا رايحين ''معسكر مبارك'' طريق مصر السويس الكيلو 24 وحصل النصيب، وصلنا لغاية الحوامدية هنا وحصل اللي حصل'' . لم يخل حديث الشاب العشريني من كلمات الحمد، فهي سبيله الوحيد لمواساته بعد معرفته بخبر وفاة ثلاثة من أصدقائه في الحادث '' معايا تلاتة من زمايلي متوفيين صُحابي عارفهمم معايا في البلد والدفعة وفي الدراسة وكل حاجة الحمد لله''، ولم يستطع أن يوقف ''حمودة'' ذلك الحزن الذي زاره بتذكره لأصدقائه إلا بتلك الكلمات ''مافيش داعي لذكر أسماءهم''. ''محصلش حاجة في المنيا، لو كان في حاجة حصلت كنت نزلت من القطر لو كان أي حد نبه كنت نزلت''.. قالها ''حمودة'' بنبرة انفعال مؤكداً مفاجأة الحدث، ورغبته في معرفة شيء عله كان يمنع ما حدث . وما زاد من ضيق ''حمودة '' بعد الحادث الذي أسفر عن إصابته بظهره إلى جانب كدمات بجسده '' المفروض كنت أعمل إشاعة امبارح بليل عملتها الصبح النهاردة، لحد الصبح محدش طل عليا، كل اللي يجي أنت تمام ويمشي لولا قولت لهم لازم أعمل إشاعة''. الذهاب للتجنيد بالنسبة ل''حمودة'' كغيره ممن يلتحقون به '' كنت هاعمل إيه يعني غير اللي الناس بتعمله؛ أهم زي ما بيخشوا زي ما بيطلعوا مافيش غير أن حد تحصله حادثة تحصله مصيبة مش أكتر من كدا''. وإن كان لا يعلم ''حمودة'' سبب الحادث لكنه على يقين أن الحق سيظهر '' المفروض يبقى في تحقيق، الله أعلم الحادثة دي سببها إيه هى قضاء وقدر ولا بفعل فاعل، لو قلت عايز أحاكم حد يبقى أنا بظلمه، إن شاء الله الحق هيظهر قريب''. ولا يجد ''حمودة'' في التعويضات التي ستخصص لضحايا حادثة القطار أهمية قائلاً بصوت يحمل الكثير من أعباء مشاهدات الحادث '' التعويضات هتعوض إيه عن اللي مات.. إيه لازمتها ولا ليها أي لازمة.. إديني مال الدنيا ولا ليه أي لازمة برضو''؛ فكل ما يريده ''حمودة'' هو '' مش عايز أي حاجة.. مش عايز غير أني أطلع من الجيش''.